الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي هذا إيماء إلى أن من يبادر إلى التوبة الصحيحة تقبل توبته بشروطها المقررة شرعا، بأن تكون عقب الذنب مباشرة، والعزم على اجتناب الذنب، وعدم العودة إليه مع الصدق والإخلاص لله في ذلك. أما مجرد الاستغفار باللسان دون شعور صادق من القلب بألم المعصية فلا يفيد.
وقد سمى الله سبحانه ترك طاعة الرسول ظلما للأنفس، أي إفسادا لها.
ثم أكد الله تعالى وجوب طاعة الرسول بقسم عظيم نفى فيه الإيمان عمن لم يقبل قبولا تاما مع الرضا القلبي حكم النبي صلى الله عليه وسلم.
فأقسم تعالى بربوبيته لرسوله بأن الذين رغبوا عن التحاكم إليك من المنافقين لا يؤمنون إيمانا حقا إلا بتوافر ثلاث صفات:
1 -
أن يحكّموا الرسول في قضايا المنازعات التي يختلفون فيها، فلا يؤمن أحد حتى يحكّم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا.
2 -
ألا يجدوا حرجا أي ضيقا وشكا فيما يحكم به: بأن تذعن نفوسهم لقضائه وحكمه، مع الرضا التام، والقبول المطلق، وعدم الامتعاض.
3 -
الانقياد التام والتسليم الكلي للحكم في الظاهر والباطن، من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة. ويدخل هذا في مرحلة التنفيذ، فقد يرى الشخص أن الحكم حق، لكنه يتهرب من تنفيذه.
ورد في الحديث الصحيح: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» .
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيتان على ما يأتي:
1 -
وجوب الطاعة التامة لأوامر الرسول ونواهيه وأقضيته وأحكامه.
2 -
الاستغفار من الذنب والتوبة الصادقة مع شرائطها طريق محو الذنوب وتكفير الخطايا.
3 -
استغفار الرسول لبعض المذنبين شفاعة مستجابة من الله تعالى.
4 -
الرضوخ التام لأقضية الرسول واعتقاد عدالتها وأحقيتها مع الانصياع للحكم القضائي في التنفيذ شرط جوهري لصحة إيمان المؤمنين. وأمارة ذلك:
تحكيمه في الخلافات، وعدم التبرم بحكمه، والانقياد التام لقضائه.
5 -
عصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن الخطأ في الأحكام القضائية كعصمته في تبليغ الوحي الإلهي، فهو لا يحكم إلا بالحق بحسب الظاهر له، لا بحسب الواقع، والله يتولى السرائر.
6 -
المراد بهذه الآية كما قال مجاهد وغيره: من تقدم ذكره في الآية السابقة ممن أراد التحاكم إلى الطاغوت، وفيهم نزلت. قال الطبري: قوله: {فَلا} ردّ على من تقدم ذكره، تقديره: فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، ثم استأنف القسم بقوله:{وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} .
وأما على رأي من قال: نزلت في الزبير مع الأنصاري في خصومة في سقي بستان، فلا يوصف الأنصاري بالوصف المقرر آنفا وهو: كل من اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم فهو كافر، لأن الأنصاري زلّ زلّة، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأقال عثرته، لعلمه بصحة يقينه، وأنها كانت فلتة، وليست لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكل من لم يرض بحكم الحاكم بعده، فهو عاص آثم
(1)
.
ويلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى للزبير بالحق؛ لأن الأعلى يسقي قبل الأسفل، ولكنه
قال له أولا: «اسق يا زبير» لقربه من الماء
«ثم أرسل الماء إلى
(1)
أحكام القرآن لابن العربي: 456/ 1