الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ} صيغة مبالغة أي قائمين بالعدل على أتم وجه {شُهَداءَ لِلّهِ} أي شاهدين بالحق لوجه الله وحده {وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ} ولو كانت الشهادة على أنفسكم، فاشهدوا بالحق عليها، بأن تقروا به ولا تكتموه {فَاللهُ أَوْلى بِهِما} منكم وأعلم بمصالحهما {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى} في شهادتكم بأن تحابوا الغني لرضاه، أو الفقير رحمة به. {أَنْ تَعْدِلُوا} أن لا تعدلوا أي تميلوا عن الحق {وَإِنْ تَلْوُوا} تحرفوا ألسنتكم بالشهادة. وفي قراءة بحذف الواو الأولى تخفيفا {أَوْ تُعْرِضُوا} عن أدائها أي لا تؤدوها {فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً} فيجازيكم به.
سبب النزول:
نزول الآية (135):
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ} :
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: لما نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه رجلان: غني وفقير، وكان صلى الله عليه وسلم مع الفقير، يرى أن الفقير لا يظلم الغني، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير.
المناسبة:
هذا أمر عام بالقسط بين الناس، جاء عقب الأمر بالقسط في اليتامى والنساء في آية الاستفتاء؛ لأن قوام المجتمع لا يكون إلا بالعدل، وحفظ النظام ودوام الملك لا يتم إلا به، فالعدل أساس الملك الدائم.
التفسير والبيان:
يأمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يقوموا بالعدل، فلا تأخذهم في الله لومة لائم، وأن يتعاونوا ويتعاضدوا فيه. يا أيها المؤمنون كونوا مبالغين بإقامة العدل، والعدل عام شامل الحكم بين الناس من الحكام، والعمل في أي مجال، وفي الأسرة، فيسوي الحاكم أو الوالي أو الموظف بين الناس في الأحكام والمجالس وقضاء
الحوائج، كما يسوي كل صاحب عمل بين عماله، وكما يسوي الرجل بين زوجاته وأولاده في المعاملة والهبة.
وكونوا شاهدين بالحق لله، بأن تتحروا الحق الذي يرضي الله، وتؤدوا الشهادة ابتغاء وجه الله، لتكون الشهادة صحيحة عادلة حقا من غير مراعاة أحد ولا محاباة.
اشهدوا بالحق المجرد ولو كانت الشهادة على أنفسكم، وعاد ضررها عليكم، بأن تقروا بالحق ولا تكتمونه، ومن أقر على نفسه بحق فقد شهد عليها؛ لأن الشهادة إظهار الحق.
واشهدوا بالحق أيضا ولو كانت الشهادة على الوالدين والأقارب وعاد ضررها عليهم؛ لأن بر الوالدين وصلة الأقارب لا تكون بالشهادة لغير الله، بل البر والصلة والطاعة في الحق والمعروف.
ولا تراعوا غنيا لغناه، أو ترحموا فقيرا لفقره، بل اتركوا الأمر لله، فالله يتولى أمرهما، وأولى بهما منكم، وأعلم بما فيه صلاحهما.
ولا تتبعوا الهوى لئلا تعدلوا عن الحق إلى الباطل، إذ في الهوى الزلل، أو فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم، بل الزموا العدل على أي حال، كما قال الله تعالى: «{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا، اِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى} [المائدة 8/ 5].
وإن تلووا ألسنتكم أي تحرفوا الشهادة وتغيروها، والليّ: هو التحريف وتعمد الكذب، قال تعالى:{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ} [آل عمران 78/ 3] أو تعرضوا عن أداء الشهادة، والإعراض: هو كتمان الشهادة وتركها، قال تعالى:{وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة 283/ 2]
وقال النبي
فيما رواه مسلم عن زيد بن خالد الجهني صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بخير الشهداء: هو الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها.
وإن تلووا أو تعرضوا فالله خبير بأعمالكم، وسيجازيكم بذلك. وعبر بالخبير ولم يعبر بالعليم؛ لأن الخبرة العلم بدقائق الأمور وخفاياها، والشهادة يكثر فيها الغش والاحتيال واللف والدوران. فليحذر المخالفون.
ثم أمر الله بالإيمان به وبرسوله وبالكتب التي أنزلها، فإن كان هذا خطابا للمؤمنين فمعناه اثبتوا على ذلك وداوموا واستمروا عليه، كما يقول المؤمن في كل صلاة:{اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة 6/ 1] أي بصرنا فيه وزدنا هدى وثبتنا عليه، وكما قال الله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} [الحديد 28/ 57]. وهذا رأي ابن كثير والقرطبي
(1)
. وقوله:
{وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ} يعني القرآن، {وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} وهذا جنس يشمل جميع الكتب المتقدمة.
وإن كان الخطاب لمؤمني أهل الكتاب فيراد به الأمر بالإيمان بالنبي محمد وبالقرآن، كالأنبياء السابقين والكتب المنزلة قبل القرآن. فقد روي أن هذا خطاب لمؤمني اليهود.
(2)
.
(1)
تفسير ابن كثير: 566/ 1، تفسير القرطبي: 415/ 5
(2)
الكشاف: 430/ 1، أسباب النزول للواحدي: ص 106