الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكم ذلك للضرورة بشروط، لما فيه من أضرار: بتعريض الولد للرّق، ولأنهنّ ممتهنات مبتذلات، خرّاجات ولاّجات، وذلك ذلّ ومهانة يرثه الواد منهن، ولأن حقّ المولى في الإماء أقوى من حقّ الزّوجية، فله الحقّ باستخدامهنّ، والسفر بهنّ وبيعهنّ، وفي ذلك مشقّة عظيمة على الأزواج.
جاء في مسند الدّيلمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحرائر: صلاح البيت، والإماء:
هلاك البيت»، و
أخرج عبد الرزاق عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «إذا نكح العبد الحرّة فقد أعتق نصفه، وإذا نكح الأمة فقد أرقّ نصفه» .
{وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي والله واسع المغفرة كثيرها، فيغفر لمن لم يصبر عن نكاحهن، وفي ذلك تنفير عنه، ويغفر لمن صدرت منه هفوات كاحتقار الإماء المؤمنات، وهو واسع الرّحمة كثيرها؛ إذ رخّص في نكاح الإماء وأبان أحكام الشريعة.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآية إلى الأحكام التالية:
1 -
الترخيص بنكاح الإماء لمن لم يجد الطّول: وهو السّعة والغنى، والمراد هاهنا القدرة على المهر في قول أكثر أهل العلم، منهم مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: إنّ من عنده حرّة فلا يجوز له نكاح الأمة، وإن عدم السّعة وخاف العنت؛ لأنه طالب شهوة وعنده امرأة. وبه قال الطّبري واحتجّ له.
واختلف العلماء فيما يجوز للحرّ الذي لا يجد الطّول ويخشى العنت، من نكاح الإماء، فقال مالك وأبو حنيفة والزّهري: له أن يتزوّج أربعا، وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق: ليس له أن ينكح من الإماء إلا واحدة؛ لقوله تعالى: {ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} وهذا المعنى يزول بنكاح واحدة.
2 -
إيمان الأمة المتزوج بها: لقوله تعالى: {مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ} أي من مملوكاتكم المؤمنات. وفيه إشارة إلى خطاب المملوك بالفتى، والمملوكة بالفتاة،
وفي الحديث الصحيح: «لا يقولنّ أحدكم عبدي وأمتي، ولكن ليقل:
فتاي وفتاتي».
فلا يجوز التزوّج بالأمة الكتابية، وهو رأي الجمهور، وقال الحنفية: نكاح الأمة الكتابية جائز؛ لأن قوله: {الْمُؤْمِناتِ} على جهة الوصف الفاضل وليس بشرط ألا يجوز غيرها، مثل قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً} [النساء 3/ 4] فإن خاف ألا يعدل فتزوّج أكثر من واحدة جاز، ولكن الأفضل ألا يتزوّج؛ فكذلك هنا الأفضل ألا يتزوّج إلا مؤمنة، ولو تزوّج غير المؤمنة جاز، واحتجّوا بالقياس على الحرائر؛ لأنه لما لم يمنع قوله:
{الْمُؤْمِناتِ} في الحرائر في مطلع الآية من نكاح الكتابيات، فكذلك لا يمنع قوله:{الْمُؤْمِناتِ} في الإماء من نكاح الإماء الكتابيات.
3 -
سعة علم الله تعالى ورفع الحرج عن نكاح الإماء: دلّ قوله: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ} على أن الله عليم ببواطن الأمور، ولكم ظواهرها، وكلكم بنو آدم، وأكرمكم عند الله أتقاكم، فلا تستنكفوا من التزوّج بالإماء عند الضرورة، وإن كانت حديثة عهد بسباء، أو كانت خرساء وما أشبه ذلك، ففي اللفظ إيماء على أنه ربما كان إيمان أمة أفضل من إيمان بعض الحرائر.
ويؤكد ذلك قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} أي أنتم من جنس واحد وإنكم بنو آدم، أو أنتم مؤمنون. والمقصود بهذا الكلام توطئة نفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة وتعيّره وتسمّيه الهجين
(1)
، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها علموا أن ذلك التهجين لا معنى له.
(1)
الهجين: الذي أبوه عربي وأمه أمة غير محصنة. وقال المبرد: ولد العربي من غير العربية.
4 -
نكاح الأمة والعبد بإذن السيد: دلّ قوله تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} على أن نكاح الأمة مقيّد بإذن أربابهنّ المالكين ورضاهم، وكذلك العبد لا ينكح إلا بإذن سيّده؛ لأن العبد مملوك لا أمر له، وبدنه كلّه مستغرق بخدمة سيّده. لكن نكاح العبد بغير إذن سيّده موقوف عند المالكية والحنفية، فإن أجازه سيّده جاز، وأما الأمة فيفسخ نكاحها ولم يجز بإجازة السيّد؛ لأن نقصان الأنوثة في الأمة يمنع من انعقاد النكاح أصلا.
وقال الشافعي والأوزاعي وداود الظاهري: يفسخ نكاح العبد بغير إذن سيّده؛ لأن العقد الفاسد لا تصح إجازته.
5 -
وجوب المهر: دلّ قوله تعالى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} على وجوب المهر في النكاح، وأنه للأمة، وهو مذهب مالك، لقوله تعالى:{بِالْمَعْرُوفِ} أي بالشرع والسّنّة، وهذا يقتضي أنهنّ أحقّ بمهورهنّ من السّادة. وقال الشافعي:
الصداق للسيّد؛ لأنه عوض فلا يكون للأمة؛ لأن الزواج إجازة المنفعة في الرقبة، وإنما ذكرت الأمة؛ لأن المهر وجب بسببها.
6 -
مقومات اختيار الأمة: {مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ} أي عفائف غير زوان أي معلنات بالزنى، {وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ} أصدقاء على الفاحشة.
وكانت العرب تعيب الإعلان بالزنى، ولا تعيب اتّخاذ الأخدان، ثم رفع الإسلام جميع ذلك، بقوله تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ} [الأنعام 151/ 6] كما قال ابن عباس وغيره.
7 -
حدّ الأمة الزّانية: تحدّ الأمة إذا زنت خمسين جلدة، وهي نصف عقوبة الحرّة الزّانية البكر، سواء أكانت متزوجة أم غير متزوّجة. أما حدّ المتزوّجة فلقوله تعالى:{فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ} [النساء 25/ 4] وإسلامها هو إحصانها في قول الجمهور، فلا تحدّ كافرة
إذا زنت، وهو قول الشافعي فيما ذكر ابن المنذر. وقال آخرون: إحصانها التزوّج بحرّ، فإذا زنت الأمة المسلمة التي لم تتزوّج فلا حدّ عليها، وهو رأي سعيد بن جبير والحسن البصري وقتادة. وقالت فرقة: إحصانها التزوّج، إلا أن الحدّ واجب على الأمة المسلمة غير المتزوّجة بالسّنّة؛
كما في صحيح البخاري ومسلم أنه قيل: يا رسول الله، الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ فأوجب عليها الحدّ، كما قال الزّهري. فالمتزوّجة محدودة بالقرآن، والمسلمة غير المتزوّجة محدودة بالحديث.
والسبب في الاكتفاء بجلد الأمة المتزوّجة (الثيّب): أنّ الرّجم الواجب على المحصنات (الحرائر) لا يتبعّض. والفائدة في نقصان حدهنّ أنهنّ أضعف من الحرائر.
وعقوبة العبد مثل عقوبة الأمة، إذ الذكورة والأنوثة لا تؤدي إلى التفرقة في أحكام الأرقاء. ففي الآية ذكر حدّ الإماء خاصة، ولم يذكر حدّ العبيد، ولكن حدّ العبيد والإماء سواء: خمسون جلدة في الزنى، وفي القذف. وفي شرب الخمر في رأي الجمهور غير الشافعية: أربعون. وعليه فإن الإماء يدخلن
في قوله عليه الصلاة والسلام: «من أعتق شركا له في عبد قوّم عليه نصيب شريكه»
(1)
وهذا هو القياس في معنى الأصل، أو قياس المساواة. ومنه قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ} [النور 4/ 24] يدخل فيه المحصنون قطعا.
هذا.. وأجمع العلماء على أن بيع الأمة الزّانية ليس بواجب لازم على سيّدها، وإن اختاروا له ذلك،
لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا زنت أمة أحدكم، فتبيّن زناها، فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبيّن زناها فليبعها ولو بحبل من شعر»
(2)
.
(1)
رواه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) والدارقطني عن ابن عمر.
(2)
رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.