الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجهاده يريد ثواب الدّنيا أي نعيمها بالمال والجاه ونحوهما، فعند الله ثواب الدّنيا والآخرة، كالمجاهد الذي يريد بجهاده الغنيمة، فما له يطلبها فقط وهي خسيسة، بل عليه أن يطلب خيري الدّنيا والآخرة، فيأخذ الغنيمة وينال الجنة إن جاهد لله خالصا، والمعنى: فعند الله ثواب الدّنيا والآخرة له إن أراده، فعليه أن يرجو ثوابهما معا. وفي هذا إيماء إلى أن الدين يهدي أهله لسعادتي الدّنيا والآخرة، وأن تلك الهداية من فضله تعالى ورحمته، ولو استقام المسلمون على أوامر ربّهم وهدي دستورهم لظلّوا سادة العالم.
وهي نظير قوله تعالى: {فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النّارِ. أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا} [البقرة 200/ 2 - 202]، وقال تعالى:{مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها، وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى 20/ 42]، وقال تعالى:{مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} -إلى قوله- {اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ} [الإسراء 18/ 17 - 21].
ثم ختم الله الآية بقوله: {وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً} أي كان الله وما يزال سميعا لأقوال عباده، بصيرا بكل قصد وعمل، فعليهم أن يراقبوه في الأقوال والأفعال.
فقه الحياة أو الأحكام:
المستفاد من هذه الآيات هو معرفة ثوابت الأخبار الدائمة في الوحي الإلهي منذ بدء الخليقة، وفي كل ملة ودين، ولكل العاملين والمجاهدين في سبيل الله، وهي ما يأتي:
1 -
لله ملك السموات والأرض ملكا وخلقا وتصرفا وسلطانا.
2 -
الأمر بالتقوى بامتثال الأوامر الإلهية واجتناب النواهي عام لجميع الأمم. قال بعض العارفين عن آية {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ.} .: هذه الآية هي رحى آي القرآن؛ لأن جميعه يدور عليها.
3 -
الله تعالى لا تضره معصية العباد وكفرهم، ولا تنفعه طاعتهم وإيمانهم.
ولقد كرر قوله: {وَلِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} في الآية (131) مرتين، ثم في الآية (132): إما تأكيدا، ليتنبه العباد وينظروا ما في ملكوته وملكه، وأنه غني عن العالمين، أو كرره لفوائد: فأخبر أولا أن الله تعالى يغني كلا من سعته (رزقه)؛ لأن له ما في السموات وما في الأرض، فلا تنفد خزائنه. ثم قال ثانيا: أوصيناكم وأهل الكتاب بالتقوى، وإن تكفروا فإنه غني عنكم؛ لأن له ما في السموات وما في الأرض. ثم أعلم ثالثا بحفظ خلقه وتدبيره إياهم بقوله:{وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً} لأن له ما في السموات وما في الأرض.
وقال: {ما فِي السَّماواتِ} ولم يقل: من في السموات؛ لأنه ذهب به مذهب الجنس، وفي السموات والأرض من يعقل ومن لا يعقل.
والخلاصة: كان التكرار لترسيخ الاعتقاد بأن كل شيء من سعة الله، وللإعلان عن غنى الله المطلق فلا يتضرر بكفر العباد، ولبيان قيام الله بحفظ خلقه وتدبيره إياهم.
4 -
لله المشيئة المطلقة والقدرة الكاملة في إذهاب المشركين والمنافقين وكل العصاة، والإتيان بآخرين هم أطوع لله من الموجودين. وفي الآية:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} تخويف وتنبيه لجميع من كانت له ولاية وإمارة ورياسة، فلا يعدل في رعيته، أو كان عالما فلا يعمل بعلمه، ولا ينصح الناس، من أن يذهبه ويأتي بغيره.
والقدرة صفة أزلية لله تعالى، لا تتناهى مقدوراته، كما لا تتناهى