الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة والإرث، فآتوهم الآن حظوظهم من الميراث وهو السدس. وقيل:
المراد بهم الأزواج. وعلى القول الأول يكون الحكم منسوخا بقوله تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ} [الأنفال 75/ 8]. {شَهِيداً} مطلعا.
سبب النزول:
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ} أخرج أبو داود في سننه عن داود بن الحصين قال: كنت أقرأ على أم سعد ابنة الربيع، وكانت مقيمة في حجر أبي بكر، فقرأت:«والذين عاقدت أيمانكم» فقالت: لا، ولكن {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ} وإنما نزلت في أبي بكر وابنه حين أبى الإسلام، فحلف أبو بكر ألا يورثه، فلما أسلم أمر أن يؤتيه نصيبه.
{وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ} : قال سعيد بن المسيب: نزلت هذه الآية:
{وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} في الذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم ويورّثونهم، فأنزل الله تعالى فيهم أن يجعل لهم نصيب في الوصية، ورد الله تعالى الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم والعصبة، ومنع تعالى أن يجعل للمدعين ميراث من ادعاهم وتبناهم، ولكن جعل لهم نصيبا في الوصية.
المناسبة:
هذه الآية متعلقة بالمال، الذي نهى الله فيما سبق عن أكله بالباطل، وعن التمني أو الحسد فيه، والآية السابقة قررت قاعدة عامة في حيازة الثروة وهي الكسب، وهذه الآية قررت نوعا آخر من الحيازة وهو الإرث.
التفسير والبيان:
ولكل من الرجال والنساء جعلنا موالي، أي ورثة أو عصبة يأخذون مما ترك الوالدان والأقربون من ميراثهم له.
والذين تحالفتم بالأيمان المؤكدة أنتم وهم قبل الإسلام بقول: «ترثني
وأرثك» فآتوهم نصيبهم من الميراث، كما وعدتموهم في الأيمان المغلظة، إن الله شاهد بينكم في تلك العهود والمعاقدات. وقد كان هذا في ابتداء الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك بآية:{وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ} .
وكان التوارث أيضا بعد الهجرة بسبب المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، يرث المهاجري الأنصاري، دون ذوي رحمه، للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، ثم نسخ ذلك بآية:{وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ} .
أي أن التوارث بالحلف والولاء، وبالمؤاخاة، أصبح منسوخا، واعلموا أن الله كان ولا يزال مطلعا على كل شيء تفعلونه، فيجازيكم عليه يوم القيامة، والله شهد معاقدتكم إياهم، وهو عز وجل يحب الوفاء.
آراء المفسرين في تأويل: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} :
اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية على أقوال أربعة هي ما يلي:
1 -
ولكل إنسان موروث جعلنا وارثا من المال الذي ترك. وبه تم الكلام. وأما قوله تعالى: {الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} فهو جواب عن سؤال مقدر، كأنه قيل: ومن الوارث؟ فقيل: الوالدان والأقربون.
2 -
ولكل إنسان وارث ممن تركهم الوالدان والأقربون جعلنا موروثين.
والجار والمجرور في قوله {مِمّا تَرَكَ} متعلق بمحذوف صفة للمضاف إليه، و {مِمّا} بمعنى «من» والكلام جملة واحدة.
3 -
ولكل قوم جعلناهم ورّاثا نصيب مما تركه والدوهم وأقربوهم. فيكون في الكلام مبتدأ محذوف. ويكون قوله: {مِمّا تَرَكَ} صفة للمبتدأ، وقوله:
{لِكُلٍّ} خبره، والكلام جملة واحدة.
4 -
ولكل مال من الأموال التي تركها الوالدان والأقربون، جعلنا ورّاثا يلونه ويحوزونه. وعليه يكون {لِكُلٍّ} متعلقا بجعلنا، ومما ترك: صفة المضاف إليه، والكلام جملة واحدة أيضا. وهذا هو المختار.
آراء المفسرين في تأويل: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ} :
الراجح أن هذه جملة مستقلة عن سابقتها وتأويلها على وجوه هي ما يلي:
1 -
المراد بالذين عقدت: «الحلفاء» وهم موالي الموالاة، وكان لهم نصيب من الميراث ثم نسخ. أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة قال: كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول: دمي دمك، وهدمي هدمك
(1)
، وثأري ثأرك، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف، ثم نسخ بقوله تعالى:{وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ} [الأنفال 75/ 8].
2 -
المراد بهم الأدعياء وهم الأبناء بالتبني، وكانوا يتوارثون بذلك السبب ثم نسخ بآية الأنفال.
3 -
المراد بهم إخوان المؤاخاة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين الرجلين من أصحابه، وتكون المؤاخاة سببا في التوارث، ثم نسخ ذلك بآية الأنفال.
4 -
المراد بهم-في رأي أبي مسلم الأصفهاني-الأزواج، والنكاح يسمى عقدا.
5 -
المراد بهم-في رأي الجبائي-الحلفاء، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ} معطوف على {الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} أي ولكل شيء مما ترك الوالدان
(1)
أي نحن شيء واحد في النصرة، تغضبون لنا ونغضب لكم.