الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{دَرَجاتٍ مِنْهُ} منازل بعضها فوق بعض من الكرامة للمجاهدين على القاعدين {غَفُوراً} لأوليائه {رَحِيماً} بأهل طاعته.
سبب النزول:
روى البخاري عن البراء قال: لما نزلت {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال النبي صلى الله عليه وسلم: ادع فلانا فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتف، فقال: اكتب «لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله» وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله: أنا ضرير فنزلت مكانها:
{لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ.} ..
وروى الترمذي نحوه من حديث ابن عباس وفيه: قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم: إنا أعميان. هذا بيان سبب إضافة {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} .
وقال السيوطي: قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ} نزل في جماعة أسلموا ولم يهاجروا، فقتلوا يوم بدر مع الكفار، وكان نزولها في غزوة بدر.
المناسبة:
هذه الآية تبين فضيلة الجهاد وتمييز المجاهدين عن القاعدين، بعد أن عاتب الله المؤمنين على ما صدر منهم من القتل الخطأ لمن نطق بالشهادة.
التفسير والبيان:
لا يتساوى القاعدون من المؤمنين عن الجهاد، كقعود جماعة عن بدر، والمجاهدون بأموالهم وأنفسهم التي يبذلونها في سبيل مرضاة الله بمنع عدوان الطغاة، وإقرار الحق والدفاع عنه، كجهاد الخارجين إلى بدر في مبدأ الإسلام بعد الهجرة.
لكن استثنى سبحانه وتعالى من التكليف بفريضة الجهاد أصحاب الأعذار
وهم أولو الضرر أي المرض ونحوه من العمى والعرج، فأصبح ذلك مخرجا لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد عن مساواتهم للمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فلا لوم ولا عتاب لهم لتوافر نياتهم الطيبة بالجهاد عند القدرة،
روى البخاري وأحمد وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عند دخوله المدينة بعد غزوة تبوك: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه، قالوا: يا رسول الله: وهم بالمدينة؟ قال: نعم وهم بالمدينة، حبسهم العذر» .
ثم أخبر الله تعالى عن فضيلة المجاهدين على غير أولي الضرر القاعدين عن الجهاد: وهي أن الله رفع المجاهدين درجة لا يعرف قدرها: في الدنيا بالظفر والنصر والسمعة الحسنة والغنيمة، وفي الآخرة بمنزلة عالية في الجنة، وأجر عظيم أو جزيل.
ووعد الله كلا ممن جاهد وقعد عن الجهاد لعذر أو عجز مع تمني الجهاد:
الحسنى وهي الجنة والجزاء الجزيل، لكمال إيمان الفريقين وإخلاص نيته وعمله.
قال ابن كثير: وفيه دلالة على أن الجهاد ليس بفرض عين، بل هو فرض كفاية
(1)
.
ثم أخبر سبحانه عما فضل به المجاهدين بإطلاق على القاعدين من غير أولي الضرر من الدرجات، وهو الأجر العظيم.
وذلك الأجر العظيم هو الدرجات العالية أي المنازل الرفيعة في غرف الجنان العاليات، التي يصعب في تقدير الناس في الدنيا حصرها وعدها، كما قال تعالى:
{اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ، وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء 21/ 17] والتفاضل في الدرجات مبني على مدى قوة الإيمان، وإيثار رضا
(1)
تفسير ابن كثير: 541/ 1