الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة الطالب والمطلوب:
واختلفوا أيضا في صلاة الطالب والمطلوب: فقال مالك وجماعة من أصحابه: هما سواء، كلّ واحد منهما يصلّي على دابته. وقال الأوزاعي والشافعي وفقهاء الحديث: لا يصلّي الطالب إلا بالأرض. وقال القرطبي: وهو الصحيح؛ لأن الطلب تطوّع، والصلاة المكتوبة فرضها أن تصلّى بالأرض حيثما أمكن ذلك، ولا يصلّيها راكب إلا خائف شديد خوفه، وليس كذلك الطالب.
العسكر إذا رأوا سوادا فظنوه عدوّا فصلّوا صلاة الخوف، ثم بان لهم أنه غير شيء: اختلفوا أيضا في ذلك:
قال بعض المالكية وأبو حنيفة: يعيدون الصلاة؛ لأنه تبيّن لهم الخطأ فعادوا إلى الصواب كحكم الحاكم. وقال بعض آخر من المالكية، وهو أظهر قولي الشافعي: لا إعادة عليهم؛ لأنهم عملوا على اجتهادهم، فجاز لهم، كما لو أخطئوا القبلة، وهذا أولى؛ لأنهم فعلوا ما أمروا به.
أخذ الحذر وحمل السلاح:
تأمر الآيتان: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} و {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} بالحذر وأخذ السلاح، لئلا ينال العدوّ أمله ويدرك فرصته.
والسلاح: ما يدفع به المرء عن نفسه في الحرب.
وهل حمل السلاح في الصلاة مندوب أو واجب؟ قال أبو حنيفة: لا يحملون الأسلحة؛ لأنه لو وجب عليهم حملها لبطلت الصلاة بتركها. وردّ عليه: بأنه لم يجب حملها لأجل الصلاة، وإنما وجب عليهم قوة لهم ونظرا لمصلحتهم.
وقال ابن عبد البرّ: أكثر أهل العلم يستحبّون للمصلّي أخذ سلاحه إذا صلّى
في الخوف، ويحملون قوله:{وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} على النّدب؛ لأنه شيء لولا الخوف لم يجب أخذه، فكان الأمر به ندبا.
وقال ابن العربي المالكي والشافعي والظاهرية: أخذ السلاح في صلاة الخوف واجب؛ لأمر الله به، إلا لمن كان به أذى من مطر، فإن كان ذلك جاز له وضع سلاحه. وعلى كلّ حال: إن لم يجب فيستحب للاحتياط، كما قال القرطبي.
هذا.. وقوله تعالى: {فَإِذا سَجَدُوا} أي إذا سجدوا ركعة القضاء، وهم الطائفة المصلّية فلينصرفوا، دلّ على أنّ السجود قد يعبر به عن جميع الصلاة، مثل
قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسجد سجدتين»
(1)
أي فليصلّ ركعتين.
وقوله تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} بيّن وجه الحكمة في الأمر بأخذ السلاح. وذكر الحذر في الطائفة الثانية دون الأولى؛ لأنها أولى بأخذ الحذر؛ لأن العدوّ لا يؤخّر قصده عن هذا الوقت؛ لأنه آخر الصلاة؛ وأيضا يقول العدوّ: قد أثقلهم السلاح وكلّوا.
وفي هذه الآية دليل على تعاطي الأسباب، واتّخاذ وسائل النجاة وما يوصل إلى السلامة.
ثم أمر الله تعالى بشيئين: ذكر الله، وأداء الصلاة في أوقات معلومة.
أما ذكر الله تعالى فأبان سبحانه أنه متى فرغتم أيها المؤمنون من صلاة الخوف، فاذكروا الله في مختلف أحوالكم، حال القيام وحال القعود، وحال الاضطجاع على الجنوب، وذكره تعالى يكون في أنفسكم بتذكر وعده بنصر من
(1)
الرواية المشهورة عند أحمد وأصحاب الكتب الستة (الجماعة) عن أبي قتادة: «إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة.
ينصرونه في الدّنيا ونيل الثواب في الآخرة، وبألسنتكم بالحمد والتكبير والتهليل والدّعاء بالنّصر، فالذكر يكون بالقلب واللسان، أما الذكر بالقلب: فهو التّفكر في عظمة الله وجلاله وقدرته وفيما في خلقه وصنعه من الدّلائل عليه وعلى حكمه وجميل صنعه. وأما الذكر باللسان فهو بالتعظيم والتّسبيح والتّقديس.
وهذا الذكر المأمور به في رأي الجمهور إنما هو إثر صلاة الخوف، والذكر يكون مع التعظيم والخشوع، والحكمة فيه ربط المؤمنين المجاهدين بالله تعالى في كل الأحوال حتى يعتمدوا في جهادهم على الله تعالى، ويكون طلب النصر والظفر منه، فإنه الذي بيده النصر، وهو القادر على كل شيء، كما قال تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال 45/ 8].
والذكر كما طلب الله تعالى يكون دائما وبكثرة؛ لأنه أداة الفلاح؛ إذ هو وسيلة الخشية، ومتى وجدت الخشية وجدت الطاعة واجتنبت المعصية، وذلك هو الفوز والسعادة. روى ابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى:{فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً} : أنه كان يقول: لم يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها جزاء، ثم عذرهم إن عنّ ما يمنعهم من أدائها من العذر، إلا الذكر، فإن الله لم يجعل له حدّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، فقال:
فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم بالليل والنهار، في البّر والبحر، والسفر والحضر، والغنى والفقر، والصّحة والسّر والعلانية، وعلى كلّ حال.
وأما فرضية الصلاة بنحو دائم: فإن الله تعالى أبان أنه إذا أقمتم، وهو مقابل لقوله:{وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} وزال عنكم الخوف الذي ترتب عليه قصر الصلاة وقصر صفتها وهيئتها، فأدّوا الصلاة على وجهها الأكمل تامّة الأركان والعدد والهيئة، إن الصلاة مفروضة عليكم في وقت معين، أي إنها مفروضة