الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء
…
فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.
وفي رواية: يرحمك الله يا عائشة، ما نزل بك أمر تكرهينه إلا وجعل الله فيه للمسلمين فرجا. قالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته
(1)
.
والظاهر أن صدر الآية نزل في حادثة الخمر، وعجزها في حادثة السفر، والجمهور على أنها نزلت في غزوة المريسيع.
المناسبة:
لما نهى الله سبحانه فيما مضى عن الشرك، ورغب في امتثال الأمر واجتناب النهي، نهى هنا عن الصلاة التي هي عبادة لله وحده لا شريك له في حال السكر وحال الجنابة، والخطاب موجه للمؤمنين قبل السكر ليجتنبوه، وذلك حتى يكون الإنسان في صلاته كامل القوى العقلية، وطاهرا من الأنجاس أو الأرجاس والأخباث المادية والمعنوية.
التفسير والبيان:
ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن فعل الصلاة في حال السكر الذي لا يدري معه المصلي ما يقول، وعن قربان مواضعها التي هي المساجد للجنب إلا أن يكون مجتازا المسجد من باب إلى باب من غير مكث. وقد كان هذا قبل تحريم الخمر.
وقد أثر النهي، وفهم الصحابة أن الممنوع هو قربان الصلاة في حال السكر، فكانوا يمتنعون من شرب المسكر إلى ما بعد صلاة العشاء، فإذا صلوا العشاء شربوا، فقال عمر رضي الله عنه: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا،
(1)
أسباب النزول للواحدي: ص 87 - 88
فنزلت آية المائدة: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ، فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة 90/ 5] فتركوا الشراب كله.
ومعنى الآية: يا أيها المؤمنون لا تصلّوا حال السكر حتى تعلموا ما تقولون في الصلاة. وقد كان هذا تمهيدا لتحريم السكر تحريما باتا، وكان نزول الآية في المرحلة الثالثة من مراحل التدرج في تشريع تحريم الخمر.
واتفق أكثر المفسرين على أن الصلاة باقية على معناها الحقيقي، والمعنى إذا أردتم الصلاة فلا تسكروا، ولا تصلوا وأنتم سكارى ولا وأنتم جنب إلا في حال كونكم مسافرين حتى تغتسلوا. ويكون ذكر هذا الحكم قبل قوله:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى} تشويقا إلى بيان الحكم عند فقد الماء. ويدل لهذا الرأي قوله تعالى:
{حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ} أي لا تقربوا نفس الصلاة؛ لأن فيها قراءة من آي القرآن ودعاء وأذكارا، وكلها تتطلب الوعي والإدراك واستكمال القوى العقلية.
وذهب الشافعي وابن عباس وابن مسعود والحسن البصري إلى أن الكلام على حذف مضاف وهو مجاز شائع، والمراد: لا تقربوا مواضع الصلاة وهي المساجد، بدليل تفسير {وَصَلَواتٌ} [الحج 40/ 22] بأنها كما قال ابن عباس كنائس اليهود، وإلا لم يصح الاستثناء في قوله:{إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} وحتى لا يكون هناك تكرار بين قوله: {إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} وقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ} فمن أجل ذلك حملنا لفظ الصلاة على المسجد.
وقد ترتب على هذا اختلافهم في حكم اجتياز الجنب المسجد، فعلى الرأي الثاني:
يجوز له العبور دون أن يمكث، ويحرم عليه دخول المسجد في غير حال العبور.
وعلى الرأي الأول: لا تدل الآية على حرمة دخول الجنب المسجد، وإنما يستدل عليها بمثل
ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: «وجهوا هذه البيوت عن
المسجد» ثم دخل ولم يصنع القوم شيئا، رجاء أن تنزل لهم رخصة، فخرج إليهم بعد، وقال:«وجهوا هذه البيوت، فإني لا أحل المسجد لجنب ولا حائض» ولم يستثن صلى الله عليه وسلم في آخر عمره إلا خوخة (كوّة أو باب صغير) أبي بكر رضي الله عنه.
ثم نهى الله تعالى فقال: {وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} أي ولا تقربوا الصلاة حال الجنابة إلا إذا كنتم عابري سبيل أي مجتازي الطريق.
{حَتَّى تَغْتَسِلُوا} أي لا تقربوا الصلاة جنبا إلى أن تغتسلوا، والغسل: أن يعم الماء جميع الجسد.
ثم ذكر الله تعالى في هذه الآية وآية المائدة: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة 6/ 5] أسبابا أربعة للتيمم وهي: المرض، والسفر، والحدث (المجيء إلى الغائط) وملامسة النساء. فإذا توافر أحد هذه الأسباب، فاقصدوا صعيدا طيبا أي وجها ظاهرا من الأرض، طاهرا غير نجس، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه إلى المرافق عند الجمهور، وإلى الرسغين عند مالك، ثم صلّوا.
هذه رخصة التيمم لأصحاب الأعذار، وسبب هذا الترخيص والتيسير هو أن الله عفوّ غفور، أي ذو عفو ومغفرة أي ستر للذنوب، أي لم يزل كائنا يقبل العفو وهو السهل، ويغفر الذنب أي يستر عقوبته فلا يعاقب.
ويلاحظ أن قيد عدم وجود الماء راجع إلى قوله: {أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} [النساء 43/ 4] فتكون الأعذار ثلاثة: السفر والمرض وفقد الماء في الحضر، أما الحدث فأمر مفروغ منه، إنما الكلام في الأعذار المبيحة للتيمم، ولا سبب في الحقيقة إلا فقد الماء، والسفر وحده عذر كاف في التيمم، وجد الماء أو لم يوجد.