الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أطلق الإيمان وأراد المؤمن به مجازا وهو الشرائع والتكاليف، وقيل: المراد:
ومن يكفر بربّ الإيمان، فهو مجاز بالحذف. والمقصود من هذه الآية:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ..} . تعظيم شأن ما أحلّ الله وما حرّمه، والتّشديد على المخالف.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت آية {يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ} على ما يأتي:
1 -
إباحة الطيبات أي المطعومات التي تستطيبها الأنفس الكريمة دون الخبائث التي حرمتها الشريعة.
2 -
إباحة الصيد بالجوارح من سباع البهائم والطير، بشرط كونها معلّمة، وكون معلّمها مؤدّبا ماهرا، وكونه يعلمها مما علمه الله بأن ينشلى إذا أشلي (أغري)، ويجيب إذا دعي، وينزجر بعد ظفره بالصيد إذا زجر، وأن لا يأكل من صيده الذي صاده. فإن انخرم شرط من هذه الشروط وقع الخلاف.
3 -
حل ما جرحته الجوارح وقتلته، وأدركه الصائد ميتا، لإطلاق قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} أي حبس عليكم، ولم يأكل مما صاد، فإن أكل الكلب ونحوه لم يؤكل عند الجمهور ما بقي، لأنه أمسك على نفسه، ولم يمسك على صاحبه. ولم يشترطوا ذلك في الطيور، بل يؤكل ما أكلت منه. وأباح المالكية أكل ما بقي من الصيد وإن كان بضعة، وإن أكل الجارح منه، سواء كان كلبا أو فهدا أو طيرا.
فلو مات الصيد في أفواه الكلاب من غير بضع (جرح) لم يؤكل، لأنه مات خنقا، فأشبه أن يذبح بسكين كالّة، فيموت في الذبح قبل أن يفرى حلقه وجمهور العلماء على أن الجارح إذا شرب من دم الصيد أن الصيد يؤكل.
وكره الشعبي والثوري أكل ذلك الصيد.
فإن وجد الصائد مع كلبه كلبا آخر، فهو محمول على أنه غير مرسل من صائد
آخر، وأنه إنما انبعث في طلب الصيد بطبعه ونفسه، فلا يؤكل،
لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث عدي بن حاتم عند أحمد والشيخين: «وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل»
وفي رواية: «فإنما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره» . فإن اشترك صائدان بإرسال كلبين كان الصيد شركة بينهما.
وكذلك لا يؤكل ما رمي بسهم، فتردى من جبل أو غرق في ماء، أو غاب عن الصائد ثلاثة أيام، فمات وهو لا يراه،
لقوله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في الحديث المتفق عليه عند أحمد والشيخين: «وإن رميت بسهمك فاذكر اسم الله، فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري، الماء قتله أو سهمك»
وروى أبو داود في حديث أبي ثعلبة الخشني: «فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل» وزاد: «فكله بعد ثلاث ما لم ينتن» .
وأجاز مالك وأبو حنيفة والشافعي الصيد بكلاب اليهودي والنصراني إذا كان الصائد مسلما. وجمهور الأمة غير مالك على جواز صيد الصائد من أهل الكتاب.
4 -
جواز اتخاذ الكلاب واقتنائها للصيد بدليل قوله تعالى: {وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ} ، يؤيده
ما رواه مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية، نقص من أجره كل يوم قيراطان» .
5 -
ودلت الآية: {وَما عَلَّمْتُمْ.} . أيضا على أن العالم أفضل من الجاهل، لأن الكلب إذا علّم يكون له فضيلة على سائر الكلاب. ويزداد فضل العالم إذا عمل بما علم،
لقول علي رضي الله عنه «لكل شيء قيمة، وقيمة المرء ما يحسنه» .
6 -
وجوب تسمية الله عند الإرسال، لقوله تعالى:{وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ} وهو رأي الجمهور غير الشافعي، ويؤيده
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عدي المتقدم: «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل» . أما عند إدراكه حيا فتجب
التسمية عند ذكاته. وقال الشافعي: إنها مستحبة.
ويستفاد من آية {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ} ما يأتي:
1 -
إباحة طيبات الرزق: وهي ما تستطيبه الأنفس الكريمة.
2 -
إباحة الأكل من ذبائح أهل الكتاب (اليهود والنصارى). ولا خلاف بين العلماء أن ما لا يحتاج إلى ذكاة كالفاكهة والبرّ، يجوز أكله، إذ لا يضر فيه تملك أحد.
أما ما يحتاج إلى عمل أو صنع كخبز الدقيق وعصر الزيت ونحوه، والتذكية التي تحتاج إلى الدين والنية، فرخص الله تعالى فيه، تألفا لأهل الذمة، وترغيبا لهم في الإسلام، حتى وإن قال النصراني عند الذبح: باسم المسيح، واليهودي قال: باسم عزير، لأنهم يذبحون على الملّة.
والجمهور على أن الذكاة عاملة في حلّ الذبيحة، ماحل له منها وما حرم عليه، لأنه مذكّى. وقال جماعة من أهل العلم: إنما حلّ لنا من ذبيحتهم ما حلّ لهم، لأن ما لا يحلّ لهم لا تعمل فيه تذكيتهم، فلا تحل الشحوم المحضة من ذبائح أهل الكتاب. وقصرت لفظ الطعام على البعض، وحمله الجمهور على العموم في جميع ما يؤكل.
والعلماء مجمعون إلا من شذ منهم على أن ذبائح الكفار لا تؤكل ولا يتزوج منهم، لأنهم ليسوا أهل كتاب على المشهور عند العلماء.
ولا بأس بالأكل والشرب والطبخ في آنية الكفار كلهم، ما لم تكن ذهبا أو فضة أو جلد خنزير بعد أن تغسل وتغلى، لأنهم لا يتوقّون النجاسات ويأكلون الميتات، فإذا طبخوا في تلك القدور تنجّست، فتغسل.
جاء في صحيح مسلم من حديث أبي ثعلبة الخشني قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله،