المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هُمُ الْكافِرُونَ} به، وهو القصاص وغيره {الظّالِمُونَ} المبالغون في الظلم - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٦

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌الجهر بالسوء والعفو عنه وإبداء الخير وإخفاؤه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الكفر والإيمان وجزاء كلّ

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مواقف اليهود المتعنتة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة ظلم اليهود وأخذهم الرباوثواب المؤمنين منهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وحدة الوحي للرسل وحكمة إرسالهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (163):

- ‌نزول الآية (166):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ضلال الكافرين وجزاؤهم ودعوة الناس إلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المسيح عيسى ابن مريم في القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعوة الناس إلى الإيمان بالنور المبين (القرآن)

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ميراث الكلالة أو ميراث الإخوة والأخوات لأب وأم أو لأب

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المائدة

- ‌تسميتها:

- ‌تاريخ نزولها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه:

- ‌فضلها:

- ‌الوفاء بالعقود ومنع الاعتداء والتعاون على الخيروتعظيم شعائر الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول {لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ}:

- ‌نزول قوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ}:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المطعومات المحرمات وإكمال الدين والضرورة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول

- ‌التفسير والبيان:

- ‌1 - الميتة:

- ‌2 - الدم:

- ‌3 - لحم الخنزير:

- ‌4 - ما أهلّ به لغير الله:

- ‌5 - المنخنقة:

- ‌6 - الموقوذة:

- ‌7 - المتردية:

- ‌8 - النطيحة:

- ‌9 - ما أكل السبع:

- ‌10 - ما ذبح على النّصب:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المطعومات الحلال والزّواج بالكتابيّات

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌فرضية الوضوء والغسل من الجنابة والتيمم وذكر نعمة الله

- ‌الاعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الفرض الأول-غسل الوجه:

- ‌والفرض الثاني-غسل اليدين إلى المرفقين:

- ‌والفرض الثالث-المسح بالرأس:

- ‌والفرض الرابع-غسل الرجلين إلى الكعبين:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الشهادة بالقسط والحكم بالعدل ووعد المؤمنينووعيد الكافرين والتذكير بنعمة الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (8):

- ‌نزول الآية (11):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نقض اليهود والنصارى الميثاق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مقاصد القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الرد على معتقدات اليهود والنصارى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول

- ‌الآية (18):

- ‌سبب نزول الآية (19):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تذكير موسى قومه بنعمة اللهومطالبتهم بدخول الأرض المقدسة وموقفهم الرافض

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة قابيل وهابيل وأول جريمة قتل في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حد الحرابة أو حكم قطاع الطرق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التقوى والجهاد أساس الفلاح في الآخرةوالدنيا كلها لا تصلح فداء للكفار

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حد السرقة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مسارعة المنافقين واليهود إلى الكفروموقف اليهود من أحكام التوراة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ

- ‌نزول الآية (42):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التوراة هدى ونور وتشريع القصاص فيهاوإلزام النصارى بالحكم بها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم بشريعة القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موالاة اليهود والنصارى

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المرتدون ومعاداتهم المسلمين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌سبب نزول: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ}:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌النهي عن موالاة الكفار وأسبابه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول: نزول الآية (57):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من أقبح أقوال اليهود وإلقاء العداوة والبغضاء بينهموجزاء إيمان أهل الكتاب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أمر الرسول بتبليغ الوحي وعصمته من الناسودعوة أهل الكتاب للإيمان برسالته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (67):

- ‌نزول الآية (68):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تكذيب اليهود رسلهم وقتلهم إياهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تأليه المسيح عند المسيحيين مع أنه مجرد بشر رسول

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مناقشة النصارى في تأليه عيسى ومطالبة أهل الكتاب بعدمالغلو في الدين ولعنة بني إسرائيل لعدم النهي عن المنكر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: هُمُ الْكافِرُونَ} به، وهو القصاص وغيره {الظّالِمُونَ} المبالغون في الظلم

هُمُ الْكافِرُونَ} به، وهو القصاص وغيره {الظّالِمُونَ} المبالغون في الظلم والجور لمخالفة شرع الله {الْفاسِقُونَ} الخارجون من الإيمان وطاعة الله، المتجاوزون أحكام الدين.

{وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ} جعلنا عيسى يقفو أثرهم ويتبعهم، كما قال:{وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ} [البقرة 87/ 2].

‌سبب النزول:

نزلت آية: {إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ} في اليهود الذين بدلوا حكم التوراة في الرجم، فجعلوا مكانه كما تقدم الجلد والتسخيم.

روى مسلم عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا ويهودية، ثم قال:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ} {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ} {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} قال: نزلت كلها في الكفار

(1)

.

‌المناسبة:

بعد أن ندد تعالى باليهود الذين أعرضوا عن حكم التوراة بالرجم، وطلبهم الحكم الأخف والأسهل من النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر ما تضمنته التوراة من هداية بني إسرائيل وبيان أحكام الدين. ففي هذه الآية نبّه الله اليهود الذين أنكروا ما تضمن كتابهم من رجم الزاني والقصاص من القاتل المعتدي، ووبخهم على مخالفة الأحبار المتقدمين والأنبياء المبعوثين إليهم.

‌التفسير والبيان:

إنا أنزلنا التوراة على موسى الكليم، مشتملة على الهدى: بيان الأحكام والتكاليف، والنور: أصول الاعتقاد من توحيد الله وأمور النبوة والآخرة،

(1)

أسباب النزول للنيسابوري: ص 112

ص: 204

أنزلناها شرعا وقانونا يحكم بها النبيون الذين أسلموا وجوههم لله مخلصين له الدين، الذين بعثهم الله بعد موسى في بني إسرائيل حتى عيسى عليهم السلام.

قال ابن الأنباري: الذين أسلموا: صفة للنبيين على معنى المدح، لا على معنى الصفة التي تميز الموصوف عن غيره؛ لأنه لا يحتمل أن يكون {النَّبِيُّونَ} غير مسلمين. وهذا رد على اليهود والنصارى وتقرير أن الأنبياء ما كانوا موصوفين باليهودية ولا بالنصرانية كما زعموا، بل كانوا مسلمين لله منقادين لأحكامه.

للذين هادوا: أي يحكم النبيون بالتوراة لأجل اليهود وفيما بينهم، فهي شريعة خاصة بهم لا عامة، وكان داود وسليمان وعيسى يحكمون بها.

ويحكم بها الربانيون والأحبار وهم الصالحون من ولد هارون، والمقصود بالأولين: العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس وتدبير أمورهم ومصالحهم، والأحبار: هم العلماء المتقون الصالحون

(1)

، يحكمون بالتوراة في الأزمنة التي لم يكن فيها أنبياء، أو مع وجودهم بإذنهم، بسبب ما استحفظوا من كتاب الله، أي بسبب ما استودعوا من علمه، وقد أخذ الله العهد على العلماء حفظ كتابه من جهتين: أن يحفظوه في صدورهم ويدرسوه بألسنتهم، وألا يضيعوا أحكامه ولا يهملوا شرائعه.

قال الطبري: والربانيون: جمع ربّاني وهم العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس وتدبير أمورهم والقيام بمصالحهم. والأحبار: هم العلماء جمع حبر: وهو العالم المحكم للشيء

(2)

.

{وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ} أي وكان العلماء الصالحون على كتاب الله شهودا

(1)

أطلق لقب الربّاني على علي رضي الله عنه، لقوله: أنا رباني هذه الأمة، وأطلق لقب: حبر الأمة على ابن عباس.

(2)

تفسير الطبري: 161/ 6

ص: 205

ورقباء يحمونه من التغيير والتحريف، وشاهدون أنه الحق من ربهم، مثل عبد الله بن سلام الذي شهد بحكم الرجم في التوراة، وكتمان صفة النبي صلى الله عليه وسلم والبشارة به.

ثم خاطب الله رؤساء اليهود المعاصرين لزمن الوحي القرآني الذين كتموا وبدلوا، بعد أن أقام عليهم شهودا من أنفسهم فقال:{فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ} أي وإذا الحال كما ذكر، فلا تخافوا الناس أيها الأحبار المعاصرون، فتكتموا الحق، من صفة النبي والبشارة به، طمعا في نفع دنيوي عاجل، وخافوا الله فلا تحرفوا كتابي، خوفا من الناس والرؤساء، فتسقطوا عنهم الحدود الواجبة عليهم. ولما كان الخوف أشد تأثيرا من الطمع قدم الله ذكره فقال:

{فَلا تَخْشَوُا النّاسَ} .

ثم ذكر أمر الطمع والرغبة في النفع، فقال:{وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً} أي ولا تستبدلوا بآياتي وأحكامي منفعة عاجلة حقيرة تأخذونها من الناس من رشوة أو طمع في مال أو جاه أو رياسة كاذبة أو رضا الآخرين، فمتاع الدنيا قليل، والرشوة التي تأخذونها سحت حرام لا بقاء لها، فلا تضيعوا بها الدين والثواب الدائم، إذ كيف تأخذون القليل الزائل بالكثير الدائم؟! وكل من لم يحكم بغير ما أنزل الله، مثل جعل الجلد والتحميم بدلا من الرجم، وكتمان صفة النبي صلى الله عليه وسلم وتأويلها على غيره، وقضائهم في بعض القتلى بدية كاملة وفي بعضهم بنصف دية، وتركهم القصاص، فأولئك هم الكافرون الذين ستروا الحق، الظالمون الجائرون، الفاسقون الخارجون عن حدود الله، تلك أوصافهم، وصفهم بالعتو في كفرهم حين ظلموا آيات الله بالاستهانة، وتمردوا بأن حكموا بغيرها، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الكافرين والظالمين والفاسقين أهل الكتاب. فهذا وعيد شديد المقصود منه تهديد اليهود الذين

ص: 206

حرفوا التوراة في الزاني المحصن والاقتصاص من القاتل المعتدي، فأصبحوا كافرين غير مؤمنين لا بموسى والتوراة ولا بمحمد والقرآن.

أخرج ابن جرير الطبري عن أبي صالح قال: الثلاث الآيات التي في المائدة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ.} . إلخ ليس في أهل الإسلام منها شيء، هي في الكفار

(1)

. قال الرازي: وهذا ضعيف؛ لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ثم نقل عن عكرمة: قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ} إنما يتناول من أنكر بقلبه وجحد بلسانه، أما من عرف بقلبه كونه حكم الله وأقر بلسانه كونه حكم الله، إلا أنه أتى بما يضاده، فهو حاكم بما أنزل الله تعالى، ولكنه تارك له، فلا يلزم دخوله تحت هذه الآية. ثم قال الرازي: وهذا هو الجواب الصحيح، والله أعلم

(2)

.

والخلاصة: أن التكفير هو لمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله، وأنكر بالقلب حكم الله، وجحد باللسان، فهذا هو الكافر. أما من لم يحكم بما أنزل الله، وهو مخطئ ومذنب، فهو مقصر فاسق، مؤاخذ على رضاه الحكم بغير ما أنزل الله.

ولما جعل اليهود دية النضيري أكثر من دية القرظي، ومنعوا أن يقتل به أي يقتص منه، مخالفين حكم التوراة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألوه، نزلت هذه الآية لبيان تشريع القصاص:{وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها.} ..

أي فرضنا في التوراة التماثل والمساواة في القصاص، فتقتل النفس بالنفس، وتفقأ العين بالعين، ويجدع الأنف بالأنف، وتقطع الأذن بالأذن، ويقلع السن بالسن، ويجري القصاص في الجروح، أي يعتبر فيها المساواة بقدر الاستطاعة.

فالآية تدل على جريان القصاص في كل ما ذكر، وقد أخذ أبو حنيفة: أن

(1)

تفسير الطبري: 163/ 6

(2)

تفسير الرازي: 6/ 12

ص: 207

المسلم يقتل بالذمي. وقال الجمهور: لا يقتل المسلم بالذمي، لأن الآية شرع من قبلنا، وهو ليس شرعا لنا في رأي الشافعية،

ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو: «لا يقتل مسلم بكافر» . والمراد من قوله: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} استيفاء ما يماثل فعل الجاني منه، دون تعد عليه، فتؤخذ العين اليمنى باليمنى عند وجودها، ولا تؤخذ اليسرى باليمنى، وإن رضي المقتص منه. وذلك حال التعمد، أما في حال الخطأ ففي العين الواحدة نصف الدية، وفي العينين دية كاملة.

وإذا فقأ الأعور عين الصحيح، فعليه القصاص عند أبي حنيفة والشافعي؛ أخذا بعموم قوله تعالى:{وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} قال ابن العربي: والأخذ بعموم القرآن أولى، فإنه أسلم عند الله تعالى. وقال مالك: إن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية كاملة (دية عين الأعور) لأن الأدلة لما تعارضت خير المجني عليه.

وقال أحمد: لا قود عليه وعليه الدية كاملة؛ لأن في القصاص من الأعور أخذ جميع البصر ببعضه، وذلك ليس بمساواة.

وكذلك يقتص من الأنف والأذن والسن إذا كانت الجناية عمدا، كالقصاص من سائر الأعضاء. أما اللسان: فقال أكثر أهل العلم: فيه من الدية بقدر ما ذهب من كلامه من ثمانية وعشرين حرفا، وإن ذهب الكلام كله ففيه الدية.

ولسان الأخرس فيه حكومة عدل.

وأما الجروح فكل ما تمكن المساواة فيه من الأطراف كالقدمين واليدين، ومن الجراحات المضبوطة كالموضحة مثلا: وهي التي توضح العظم أي تكشفه، فإن لم يمكن القصاص كرض في لحم أو كسر في عظم كعظم الصدر ففيه حكومة عدل أي تعويض يقدره القاضي. بمعرفة الخبراء.

ص: 208

هذا كله في حال التعدي والعمد، أما في حال الخطأ فتجب الدية أو بعضها أو التعويض المقدر قضاء.

ثم أشار الله تعالى إلى العامل الإنساني وهو العفو والصفح والتسامح، فقال:

{فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ} أي تصدق بحقه في القصاص وعفا عن الجاني، فالتصدق كفارة له، يكفر الله بها ذنوبه ويعفو عنه:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى} [البقرة 237/ 2]. و

روى الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تصدق بشيء من جسده أعطي بقدر ما تصدق» وهو حديث حسن.

ومن أعرض عما أنزل الله من القصاص القائم على العدل والمساواة بين الأشخاص، فهو من الظالمين الجائرين الذين يظلمون أنفسهم وغيرهم، ويتعدون حدود الله، ويضعون الشيء في غير موضعه.

وهنا تساؤل: أي فائدة في ذكر الظلم بعد الكفر، والكفر أعظم من الظلم، والظلم أخف منه؟ والجواب: أن الكفر تقصير في حق الخالق سبحانه، والظلم تقصير في حق النفس

(1)

.

ثم بين تعالى أن التوراة شريعة أنبياء بني إسرائيل، فقال: وأتبعنا على آثار أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم، فهو آخر نبي لليهود، مصدقا للتوراة التي تقدمته قولا وعملا أي مقرا بأنه كتاب من عند الله وأنه كان حقا واجب العمل به، يعمل بها فيما لم يغاير الإنجيل، قال عيسى عليه السلام:«ما جئت لأنقض الناموس (شريعة التوراة) ولكن لأكمل أو لأتمم» أي لأزيد عليها بعض الأحكام والمواعظ.

(1)

تفسير الرازي: 8/ 12

ص: 209

لذا قال تعالى آمرا النصارى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ} [المائدة 47/ 5] وقال هنا: {وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ} أي وأعطيناه الإنجيل فيه الهداية للأحكام العملية والضياء لأصول العقيدة، كالتوحيد ونبذ الشرك والوثنية، والإنجيل كالقرآن مصدق للتوراة، والله جعل الإنجيل هاديا وواعظا المتقين، لأنهم الذين ينتفعون به.

ويلاحظ أن تكرار جملة {وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ} لمعنيين مختلفين، الأول: أن المسيح يصدق التوراة، والثاني: أن الإنجيل يصدق التوراة.

وأما تكرار كلمة {هُدىً} فالمراد بها أولا: بيان الأحكام والشرائع والتكاليف، والنور: بيان التوحيد والنبوة والمعاد، وأما المقصود بها ثانيا: فهو أن الإنجيل يدل دلالة ظاهرة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو سبب لاهتداء الناس إلى رسالة الإسلام؛ لاشتماله على البشارة بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأخير «البارقليط» الأعظم.

وأما كون الإنجيل مختصا بعظة المتقين فلاشتماله على النصائح والمواعظ والزواجر البليغة المتأكدة، وإنما خصها بالمتقين؛ لأنهم هم الذين ينتفعون بها، كما في قوله تعالى عن القرآن {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}

(1)

[2 لبقرة 2/ 2].

وبعد بيان خصائص الإنجيل أمر تعالى بالعمل به فقال: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ} أي وقلنا: ليعمل النصارى بالأحكام التي أنزلها الله فيه، كما قال تعالى في أهل التوراة:{وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها} . والمقصود من الأمر بالحكم بما في الإنجيل بعد نزول القرآن: هو زجرهم عن تحريف ما في الإنجيل وتغييره، مثلما فعل اليهود بإخفاء أحكام التوراة.

(1)

المرجع السابق: 9/ 12

ص: 210