الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روي أن كعب بن الأشرف وأصحابه ذهبوا إلى مكة، وحرضوا المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم لم يستجيبوا لدعوتهم، وخابت مساعيهم، ولم يتم لهم ما أرادوا.
فكان جزاؤهم تقبيح فعلهم وإنزال الغضب الإلهي عليهم وتخليدهم في العذاب، فقال تعالى:{لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ.} . أي بئس شيئا قدمته أنفسهم لآخرتهم من الأعمال التي استوجبت سخط الله عليهم، وإنزال العذاب الأليم بهم، والحكم عليهم بالخلود في نار جهنم.
مع أنهم لو آمنوا بالله حق الإيمان وبالرسول والقرآن، لما والوا الكافرين في السر والباطن، وعادوا المؤمنين بالله والنبي وما أنزل إليه، ولكن الكثيرون منهم فاسقون أي خارجون عن حظيرة الدين، وعن طاعة الله ورسوله، متمردون في النفاق، مخالفون لحكم الله بموالاة المؤمنين ومناصرتهم، أمام أعداء الأديان كلها، وذلك إما لتحريفهم دينهم أو لنفاقهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يلي:
إن عبادة غير الله تدل على خرق العقل، وسفاهة الرأي، وضعف التفكير، وطيش الإنسان؛ لأن المعبود هو الذي يرجى منه النفع، ويخاف من عذابه عند التقصير في حقه والمخالفة لأمره، وكل من عدا الله من الكواكب والملائكة والأوثان والأنداد والأنبياء وزعماء البشر والقادة المتفوقين المنتصرين في معركة حربية فاصلة، وإن تأمل الإنسان تحقيق النفع منهم، ودفع الضرر والشر بواسطتهم، فذلك نوع من الوهم والسخف، وانتكاس الفطرة الإنسانية، ومغالطة المعقول والتفكير السليم.
فهذا عيسى الذي ظهرت المعجزات على يديه بإذن الله، لا يستطيع تجاوز ما أجرى الله على يديه من خوارق العادات، ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، وإذا أقررتم أن عيسى كان جنينا في بطن أمه، وكان في حال من الأحوال لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم ولا يضر، فكيف اتخذتموه إلها؟ ومن كان يدبر الكون قبل ولادته، ومن الذي يدبره بعد وفاته؟ فالحق يا أهل الكتاب أن تلتزموا الاعتدال، ولا تتبعوا الأهواء والعصبيات والتقليد الأعمى الموروث، ولا تنخدعوا بآراء شيوخ الفتنة والضلال وأصحاب المصالح المادية.
وإن تقصير علماء بني إسرائيل في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أدى بهم إلى إنزال اللعنة الإلهية بهم في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، فهل هناك أشد عقابا من ذلك؟ وليحذر المسلمون من تقليد من استحق اللعنة والطرد من رحمة الله. قال ابن عطية: والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه، وأمن الضرر على نفسه وعلى المسلمين؛ فإن خاف فينكر بقلبه، ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه.
وقال العلماء: ليس من شرط الناهي أن يكون سليما عن معصية، بل ينهى العصاة بعضهم بعضا.
واقتضى قوله تعالى: {كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ} اشتراكهم في الفعل، وذمهم على ترك التناهي، ودلت الآية على النهي عن مجالسة المجرمين والأمر بتركهم وهجرانهم. وأكد ذلك بقوله تعالى في الإنكار على اليهود:{تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني المشركين الذين ليسوا على دينهم، فلبئس ما سولت لهم أنفسهم وزينت.
ودل قوله تعالى: {وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ} على أن من اتخذ كافرا وليا (ناصرا) فليس بمؤمن إذا اعتقد اعتقاده ورضي أفعاله.
انتهى الجزء السادس ولله الحمد