المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

سائغي الاتباع، شرع في ذكر القرآن العظيم الذي أنزله على - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٦

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌الجهر بالسوء والعفو عنه وإبداء الخير وإخفاؤه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الكفر والإيمان وجزاء كلّ

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مواقف اليهود المتعنتة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة ظلم اليهود وأخذهم الرباوثواب المؤمنين منهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وحدة الوحي للرسل وحكمة إرسالهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (163):

- ‌نزول الآية (166):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ضلال الكافرين وجزاؤهم ودعوة الناس إلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المسيح عيسى ابن مريم في القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعوة الناس إلى الإيمان بالنور المبين (القرآن)

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ميراث الكلالة أو ميراث الإخوة والأخوات لأب وأم أو لأب

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المائدة

- ‌تسميتها:

- ‌تاريخ نزولها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه:

- ‌فضلها:

- ‌الوفاء بالعقود ومنع الاعتداء والتعاون على الخيروتعظيم شعائر الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول {لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ}:

- ‌نزول قوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ}:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المطعومات المحرمات وإكمال الدين والضرورة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول

- ‌التفسير والبيان:

- ‌1 - الميتة:

- ‌2 - الدم:

- ‌3 - لحم الخنزير:

- ‌4 - ما أهلّ به لغير الله:

- ‌5 - المنخنقة:

- ‌6 - الموقوذة:

- ‌7 - المتردية:

- ‌8 - النطيحة:

- ‌9 - ما أكل السبع:

- ‌10 - ما ذبح على النّصب:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المطعومات الحلال والزّواج بالكتابيّات

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌فرضية الوضوء والغسل من الجنابة والتيمم وذكر نعمة الله

- ‌الاعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الفرض الأول-غسل الوجه:

- ‌والفرض الثاني-غسل اليدين إلى المرفقين:

- ‌والفرض الثالث-المسح بالرأس:

- ‌والفرض الرابع-غسل الرجلين إلى الكعبين:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الشهادة بالقسط والحكم بالعدل ووعد المؤمنينووعيد الكافرين والتذكير بنعمة الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (8):

- ‌نزول الآية (11):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نقض اليهود والنصارى الميثاق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مقاصد القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الرد على معتقدات اليهود والنصارى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول

- ‌الآية (18):

- ‌سبب نزول الآية (19):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تذكير موسى قومه بنعمة اللهومطالبتهم بدخول الأرض المقدسة وموقفهم الرافض

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة قابيل وهابيل وأول جريمة قتل في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حد الحرابة أو حكم قطاع الطرق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التقوى والجهاد أساس الفلاح في الآخرةوالدنيا كلها لا تصلح فداء للكفار

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حد السرقة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مسارعة المنافقين واليهود إلى الكفروموقف اليهود من أحكام التوراة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ

- ‌نزول الآية (42):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التوراة هدى ونور وتشريع القصاص فيهاوإلزام النصارى بالحكم بها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم بشريعة القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موالاة اليهود والنصارى

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المرتدون ومعاداتهم المسلمين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌سبب نزول: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ}:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌النهي عن موالاة الكفار وأسبابه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول: نزول الآية (57):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من أقبح أقوال اليهود وإلقاء العداوة والبغضاء بينهموجزاء إيمان أهل الكتاب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أمر الرسول بتبليغ الوحي وعصمته من الناسودعوة أهل الكتاب للإيمان برسالته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (67):

- ‌نزول الآية (68):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تكذيب اليهود رسلهم وقتلهم إياهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تأليه المسيح عند المسيحيين مع أنه مجرد بشر رسول

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مناقشة النصارى في تأليه عيسى ومطالبة أهل الكتاب بعدمالغلو في الدين ولعنة بني إسرائيل لعدم النهي عن المنكر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: سائغي الاتباع، شرع في ذكر القرآن العظيم الذي أنزله على

سائغي الاتباع، شرع في ذكر القرآن العظيم الذي أنزله على عبده ورسوله الكريم، وأبان منزلته من الكتب المتقدمة قبله، وأن الحكمة اقتضت تعدد الشرائع والمناهج لهداية البشر بحسب الأحوال والأزمان.

‌التفسير والبيان:

وأنزلنا إليك أيها النبي القرآن الكريم الذي أكملنا به الدين، مشتملا على الحق والصدق الذي لا ريب فيه أنه من عند الله:{لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت 42/ 41] مصدقا ومؤيدا للكتب المتقدمة كالتوراة والإنجيل، المتضمنة ذكره ومدحه وأنه سينزل من عند الله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأن تلك الكتب من عند الله، وأن موسى وعيسى رسولان من عند الله، لم يفتريا على الله كذبا، وإنما أنتم وآباؤكم حرفتم ونسيتم كثيرا مما أوتيتم.

والقرآن جاء أيضا مهيمنا، أي حاكما على ما قبله من الكتب، وشاهدا عليها بما نزل فيها، وشاهدا لها بالصحة والثبات في أصلها، ومبينا حقيقة أمرها، وما طرأ عليها من نسيان وتحريف وتبديل.

قال ابن عباس وابن جريج وآخرون: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} : القرآن أمين مؤتمن على ما تقدمه من الكتب، فيما إذا أخبرنا أهل الكتاب في كتابهم بأمر: إن كان في القرآن فصدقوا، وإلا فكذبوا

(1)

.

وإذا كان هذا شأن القرآن ومنزلته، فاحكم يا محمد وكذا كل حاكم، بين أهل الكتاب وبين الناس قاطبة، احكم بما أنزل الله إليك فيه من الأحكام، دون ما أنزله إليهم؛ إذ شريعتك ناسخة لشريعتهم.

احكم بما في هذا الكتاب العظيم وبما قرره لك من حكم من كان قبلك من

(1)

تفسير الطبري: 172/ 6

ص: 216

الأنبياء ولم ينسخ في شرعك، ولا تتبع أهواءهم أي آراءهم التي اصطلحوا عليها، وتركوا بسببها ما أنزل الله على رسله، ولا تنصرف ولا تمل ولا تعدل عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهواء هؤلاء الجهلة الأشقياء، وما أحدثوا من تحريف وتبديل لحكم الرجم والقصاص في القتلى والبشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وغيرها.

ثم استأنف الله تعالى الكلام، فقال:{لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً} أي لكل أمة من الأمم جعلنا شريعة أوجبنا عليهم إقامة أحكامها، ومنهاجا وطريقا واضحا فرضنا عليهم سلوكه، حسبما تقتضي أحوال المجتمعات وطبائع البشر واستعداداتهم وتطور الأزمان، وإن كانت تلك الشرائع متفقة في أصول الدين وهي توحيد الله وعبادته وحده، وفي أصول الأخلاق والفضائل.

قال الألوسي عن آية: {لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً} : استئناف جيء به لحمل أهل الكتاب من معاصريه صلى الله عليه وسلم على الانقياد لحكمه عليه الصلاة والسلام بما أنزل الله تعالى إليه من الحق، ببيان أنه هو الذي كلفوا العمل به دون غيره مما في كتابهم، وإنما الذي كلفوا العمل به: من مضى قبل النسخ. والخطاب-كما قال جماعة من المفسرين-للناس كافة، الموجودين والماضين بطريق التغليب.

فلكل أمة من الأمم الباقية والخالية وضعنا شرعة ومنهاجا خاصين بتلك الأمة، لا تكاد أمة تتخطى شرعتها؛ والأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى عليهما السلام، شرعتهم: ما في التوراة؛ والتي كانت من مبعث عيسى إلى مبعث أحمد عليهما السلام، شرعتهم: ما في الإنجيل؛ وجميع أمم أهل الأرض من مبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، شرعتهم الوحيدة المقبولة عند الله:

ما في القرآن، ليس إلا، فآمنوا به واعملوا بما فيه

(1)

؛ لأن محمدا خاتم النبيين، وهو رسول إلى الناس كافة، وشريعته أكمل الشرائع وأوفاها، وقرآنه هو الكتاب

(1)

تفسير الألوسي: 153/ 6

ص: 217

الوحيد الباقي للبشرية دون تغيير ولا تبديل، وثابت ثبوتا قطعيا يقينيا لا شك ولا ريب فيه. والشرعة أو الشريعة عرفا: هي الأحكام العملية التي تختلف باختلاف الرسل وينسخ اللاحق منها السابق. والدين: هو الأصول الثابتة التي لا تختلف باختلاف الأنبياء.

ثم خاطب الله تعالى جميع الأمم، وأخبر عن قدرته الفائقة أنه لو شاء لجعل الناس كلهم على دين واحد وشريعة واحدة، لا ينسخ شيء منها، ولكنه تعالى شرع لكل رسول شريعة على حدة؛ إذ لا تصلح شريعة واحدة لكل الأزمان والشعوب، بسبب تفاوتهم في الرقي والنضج العقلي، فلما تقاربت البشرية شرع لها شريعة واحدة، وأن الهدف من تشريعه شرائع مختلفة: هو اختبار عباده فيما شرع لهم، لينظر الطائع فيثيبه، والعاصي بما فعله أو عزم عليه فيعاقبه.

ثم ندب الله تعالى الناس إلى المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها، فقال:

{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ} أي ابتدروها وتسابقوا نحو الطاعات، وتنافسوا في طاعة الله واتباع شرعه الذي جعله ناسخا لما قبله، وصدقوا تصديقا يقينيا بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله، وذلك كله لخيركم وصلاحكم، ولإحراز الفضل والرضا الإلهي، فإلى الله معادكم أيها الناس ومصيركم إليه يوم القيامة، فيخبركم بما اختلفتم فيه من الحق، فيجزي الصادقين بصدقهم، ويعذب الكافرين الجاحدين المكذبين بالحق، العادلين عنه إلى غيره بلا دليل ولا برهان.

ثم أكد الله تعالى ما تقدم من الأمر بالحكم بما أنزل الله، فقال:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ.} . أي ألزمناك الحكم بالمنزل عليك، ولا تتبع أهواء المعاندين، واحذر أعداءك اليهود أن يضلوك عن الحق، ويدلسوه عليك فيما يخبرونك من أمور، فلا تغتر بهم فإنهم كذبة كفرة خونة. ومعنى:{عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ} : عن كل ما أنزل الله إليك، والبعض يستعمل بمعنى الكل. وقال ابن

ص: 218

العربي: والصحيح أن {بَعْضِ} على حالها في هذه الآية، وأن المراد به الرجم.

فإن أعرضوا عما تحكم به بينهم من الحق وخالفوا شرع الله، فلا تبال بهم، واعلم أن ذلك كائن عن قدرة الله وحكمته فيهم أن يصرفهم عن الهدى، بسبب ما لهم من الذنوب السالفة التي اقتضت إضلالهم ونكالهم، ويريد الله أن يعذبهم في الدنيا قبل الآخرة ببعض ذنوبهم، وهو التولي والإعراض عن حكم الله وشرعه، وعما تحكم به، وقد تحقق ذلك العذاب بسبب غدر اليهود،

فأجلى النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير عن المدينة، وقتل بني قريظة.

أما بقية ذنوبهم الكثيرة فيعاقبون عليها بعذاب أليم في الدار الآخرة، وإن كثيرا من الناس لفاسقون، أي متمردون في الكفر، مخالفون للحق وحائدون عنه، وخارجون عن حدود الشرع والدين والعقل. وفي هذا مواساة وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم على عدم قبولهم الحق الذي جاء به.

ثم ندد الله تعالى باليهود الذين يريدون التمييز بين القتلى بحسب نوع القبيلة، ويريدون تحكيم أهواء الجاهلية، مع أنهم أهل كتاب، فوجه هذا الاستفهام الإنكاري لهم ولأمثالهم بقوله:{أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} أي أيتولون عن قبول حكمك بما أنزل الله، وهو الحق والعدل والصواب، تم يطلبون حكم الجاهلية القائم على الجور والظلم والهوى، فهذا توبيخ وتعجب من حالهم، وإنكار على كل من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير، إلى ما سواه من الآراء والأهواء، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات التي يضعونها بآرائهم المعوجة وأهوائهم الطائشة.

هذا الخطاب في الآية وهذا الاستفهام والتعجب والإنكار إنما هو موجه لقوم يوقنون بحقيقة الدين، ويذعنون لشرع الله، ويدركون أنه لا أعدل من الله ولا أحسن حكما منه.

ص: 219