الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عددا. والمسح عند الجمهور يبدأ بمقدم الرأس ثم يذهب بيديه إلى مؤخره، ثم يردهما إلى مقدمه.
والفرض الرابع-غسل الرجلين إلى الكعبين:
والكعبان: هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم من الجانبين، أي واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين. فالواجب غسل الرجلين بدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين، وعليه انعقد إجماع الأمة.
ثبت في الصحيحين من طريق مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رجلا قال لعبد الله بن زيد بن عاصم، وهو جد عمرو بن يحيى، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بوضوء، فأفرغ على يديه مرتين مرتين، ثم مضمض واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه».
وروي عن علي ومعاوية والمقداد بن معد يكرب في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.
وروى مسلم من حديث أبي هريرة: أنه توضأ فغسل وجهه، فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى، حتى أشرع في العضد، ثم غسل يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.
وروى مسلم عن أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا لم يغسل عقبه، فقال:«ويل للأعقاب من النار» .
وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: تخلّف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة فأدركنا، وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، قال: فنادى بأعلى صوته: «ويل للأعقاب من النار» مرتين أو ثلاثا.
وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وجرى العمل على التثليث.
هذا كله على قراءة النصب: {وَأَرْجُلَكُمْ} . وأما قراءة الجر:
{وَأَرْجُلَكُمْ} فمحمولة على الجوار، كما في قوله تعالى في سورة هود:{إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود 26/ 11] بجر ميم {أَلِيمٍ} لمجاورة {يَوْمٍ} المجرور إذ كان حقه أن يقال: «أليما» . وفائدة الجر للجوار هنا في قوله:
{وَأَرْجُلَكُمْ} : التنبيه على أنه ينبغي الاقتصاد في صب الماء على الأرجل، وخص الأرجل بذلك؛ لأنها مظنة الإسراف لما يعلق بها من الأدران.
ويجوز المسح على الخفين بدلا عن غسل الرجلين بعد لبسهما على طهارة بدءا من الحديث الطارئ، للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام، وقد ثبتت مشروعيته بالسنة المتواترة،
قال الحسن البصري: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين. وقال الحافظ ابن حجر: قد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وأقوى الأحاديث حجة فيه حديث جرير،
فقد روى أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي: أنه-أي جرير-بال ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: تفعل هكذا؟ قال: نعم، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه.
وأضاف الجمهور غير الحنفية لفرائض الوضوء فرض النية،
لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشيخين عن عمر: «إنما الأعمال بالنيات» . وأضاف الشافعية والحنابلة وجوب الترتيب؛ لأنه يبدأ بغسل الوجه عند القيام إلى الصلاة؛ لأنه مأمور به
بفاء التعقيب المقتضية للترتيب، ويرتب ما بعده بحسب الآية وإن كانت الواو لا تقتضي الترتيب
لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الدارقطني عن جابر: «ابدؤوا بما بدأ الله به» . وتوسط مسح الرأس بين غسل اليدين والرجلين يدل على الترتيب.
وأضاف المالكية والحنابلة وجوب الموالاة؛
لمواظبته صلى الله عليه وسلم على الولاء في أفعال الوضوء، فإنه لم يتوضأ إلا متواليا، وأمر تارك الموالاة بإعادة الوضوء.
وأوجب المالكية أيضا الدلك بباطن الكف، لا بظاهر اليد؛ لأن الغسل المأمور به في آية الوضوء {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} لا يتحقق معناه إلا بالدلك، فإن مجرد إصابة الماء للعضو لا يعتبر غسلا، إلا إذا صاحبه الإمرار بشيء آخر على الجسم، وهو معنى الدلك.
وأوجب الحنابلة المضمضة والاستنشاق؛
لما روى أبو داود وغيره: «إذا توضأت فمضمض»
وروى الترمذي من حديث سلمة بن قيس: «إذا توضأت فانتثر»
وروى الشيخان عن أبي هريرة: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء، ثم لينتثر» .
وأوجب الحنابلة كذلك التسمية في بدء الوضوء؛
لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» .
وللوضوء سنن كثيرة معروفة في كتب الحديث والفقه.
وينتقض الوضوء بأسباب منها: خروج شيء من أحد السبيلين، والنوم على هيئة لا تتمكن مقعدته من الأرض، ولمس بشرة الرجل المرأة وبالعكس لدى الشافعية، وفي حال الشهوة فقط لدى المالكية والحنابلة، ولا ينقض التلامس عند الحنفية، ومسّ فرج الآدمي بباطن الكف في رأي الجمهور غير الحنفية؛
لحديث رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن): «من مس ذكره، فلا يصلي حتى يتوضأ» . أما الحنفية فاستدلوا
بحديث آخر رواه الخمسة أيضا والدارقطني
مرفوعا: «الرجل يمس ذكره، أعليه وضوء؟» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هو بضعة منك، أو مضغة منك» .
فرضية الغسل: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} : أي فاغسلوا بالماء أبدانكم جميعا؛ لأن الأمر بالتطهير لما لم يتعلق بعضو مخصوص، كان أمرا بتحصيل الطهارة في كل البدن. وإنما حملت الطهارة على التطهر بالماء؛ لأن الماء هو الأصل فيها، كما يدل قوله تعالى:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال 11/ 8].
والجنب: لفظ يستعمل للمفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث. والجنابة:
معنى شرعي يستلزم اجتناب الصلاة وقراءة القرآن ومس المصحف ودخول المسجد إلى أن يغتسل الجنب. وسبب الجنابة اثنان:
الأول-نزول المني:
لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: «إنما الماء من الماء» أي إنما يجب استعمال الماء للغسل من أجل الماء الحادث باحتلام أو جماع أي المني.
الثاني-التقاء الختانين:
لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن ماجه عن عائشة وابن عمرو: «إذا التقى الختانان وجب الغسل» .
ويجب الاغتسال أيضا بعد انقطاع دم الحيض والنفاس؛ لقوله تعالى في الحيض: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة 222/ 2] وللإجماع على أن النفاس كالحيض.
وحكمة الوضوء والغسل: النظافة وبعث النشاط ليقف العبد بين يدي ربه حاضر القلب صافي الروح، والغسل من الجنابة لإزالة ما يعتري الجسم من استرخاء وفتور.
وبعد أن بيّن الله تعالى وجوب استعمال الماء في الوضوء والغسل عند إرادة
الصلاة، والوضوء مرة أو أكثر في اليوم، والغسل مرة أو أكثر في الأسبوع، بيّن أن وجوب استعمال الماء مقيد بأمرين: الأول-وجود الماء، والثاني-القدرة على استعماله من غير ضرر. فإن كان مريد الصلاة مريضا أو مسافرا لم يجد الماء، فرخص الشرع له في التيمم من الحدث الأصغر والأكبر. وهذا ما أوضحته الآية:
{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ..} ..
أي إن كنتم مرضى بمرض يشق معه استعمال الماء أو يضر كالحمّى ونحوها، والمرض الجلدي كالجدريّ والجرب ونحوهما من القروح والجروح، أو كنتم في سفر طويل أو قصير، ولم تجدوا ماء، فتيمموا، والمراد بالسفر: السير خارج العمران، وهو غير سفر القصر. وعبر بالسفر عن عدم الماء؛ لأن السفر يغلب فيه عدم وجود الماء. وكذا إن أحدثتم الحدث الأصغر المعبر عنه بالمجيء إلى الغائط، والغائط في الأصل: المكان المنخفض من الأرض، وهو كناية عن قضاء الحاجة من بول وغائط. وكل ما يخرج من السبيلين ملحق بقضاء الحاجة. وأو هذه بمعنى الواو.
وكذلك إن حدثت ملامسة أي مباشرة مشتركة بين الرجال والنساء، وهذا هو الحدث الأكبر، أي الجماع، كما تأول الآية علي وابن عباس وغيرهما، وكانوا لا يوجبون الوضوء على من مسّ امرأة باليد.
وتأول عمر وابن مسعود الآية بالمس باليد، وكانا يوجبان الوضوء على من مس امرأة باليد، والراجح هو القول الأول.
والخلاصة: إذا كنتم على حال من الأحوال الأربعة المتقدمة (المرض والسفر والحدث الأصغر والأكبر) ولم تجدوا ماء، أي فقدتم الماء، أو كنتم محتاجين له، فاقصدوا (تيمموا) ترابا أو مكانا من وجه الأرض طاهرا لا نجاسة فيه، فاضربوا بأيديكم عليه وامسحوا وجوهكم وأيديكم، ومسح اليد يكون إلى المرفق في رأي
الحنفية والشافعية، كما في الوضوء، والتيمم بدل عن الوضوء، ولما
روى الدارقطني عن ابن عمر، وهو موقوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين» . ولا بد من استيعاب الوجه واليدين بالتيمم لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن التيمم يدل عن الوضوء، والاستيعاب في الأصل واجب، فيكون البدل كذلك، ما لم يقم دليل على خلافه.
وفقد الماء المانع من التيمم يتصور في رأي المالكية: بعدم وجود الماء وجودا حكميا، بمعنى أن الشخص لا يتمكن شرعا من استعماله من غير ضرر. ويتصور في رأي الحنفية بعدم الوجود الحسي، بمعنى أنه لا يتمكن تمكنا حسيا من استعماله من غير ضرر.
وينبني على هذا الخلاف: أن من وجد الماء وهو في الصلاة يكملها ولا يقطعها عند المالكية؛ لأنه لا يتمكن شرعا من استعماله من غير إبطال الصلاة، وهو لا يجوز له إبطالها، وأما عند الحنفية فيبطل تيممه فتبطل الصلاة، ويجب استعمال الماء.
والمراد: لم تجدوا ماء كافيا للوضوء أو الغسل، فلو وجد الشخص ماء كافيا لبعض الوضوء أو الغسل، يتيمم عند الحنفية والمالكية، ولا يستعمل الماء في شيء من أعضائه، وعند الشافعية والحنابلة: يستعمل الماء في بعض الأعضاء، ثم يتيمم؛ لأنه لا يعد فاقدا للماء مع وجود هذا القدر.
والمراد بالصعيد: هو التراب، على القول الظاهر المختار.
واختلف الفقهاء في لزوم إيصال التراب إلى الوجه واليدين وعدمه، فقال الحنفية والمالكية: لا يلزم، وقال الشافعية: يلزم. وسبب الاختلاف الاشتراك في معنى الباء، فإنها ترد للتبعيض، وترد للابتداء وتمييز الجنس، فرجح الشافعية
حملها على التبعيض قياسا للتيمم على الوضوء، ويجب في الوضوء استعمال بعض الماء، فيجب استعمال بعض التراب في التيمم.
ورجح الحنفية والمالكية حملها على الابتداء وتمييز الجنس؛ لأن المتيمم ينفض يديه ليتناثر التراب، فيمسح وجهه ويديه من غير تلويث، ولما
ورد من أنه عليه الصلاة والسلام تيمم على حائط بضربتين: للوجه واليدين، والظاهر أنه لا يعلق على يديه شيء من التراب.
ثم ذكر تعالى حكمة مشروعية التيمم وهي التيسير على الناس ودفع الحرج عنهم، فأبان أنه تعالى ما يريد ليجعل عليكم فيما شرعه من أحكام الوضوء والغسل والتيمم في هذه الآية وغيرها حرجا أي أدنى ضيق وأقل مشقة؛ لأنه تعالى غني عنكم، رحيم بكم، فلا يشرع لكم إلا ما فيه الخير والنفع لكم، ولكن يريد ليطهركم من الدنس والرجس المادي بإزالة الأقذار، والرجس المعنوي بطرد الكسل والفتور الحاصل عقب الجنابة، وبعث النشاط، لتكون النفس صافية مرتاحة في مناجاة ربها، ويريد أيضا أن يتم نعمته عليكم بالجمع بين طهارة الأبدان وطهارة الأرواح، وتبيان طريق العبادة الأفضل، لتؤدوا الشكر الواجب عليكم، ولتداوموا شكر النعم التي أنعمها الله عليكم.
ثم ذكّر تعالى بالمناسبة بالنعم الكثيرة التي أنعم بها علينا، فاذكروا أيها المؤمنون نعمة الله بتوفيقكم للإسلام وتشريع هذا الدين العظيم، وإرساله إليكم هذا الرسول الكريم، وما أخذ عليكم من العهد والميثاق الذي عاهدكم به حين بايعتموه عند إسلامكم على السمع والطاعة في المنشط والمكره (المحبة والكره) والعسر واليسر، وعلى متابعته ومؤازرته، والقيام بدينه وإبلاغه عنه وقبوله منه، وتلك هي بيعة العقبة وبيعة الرضوان وغيرهما.
واذكروا أيضا ميثاقه الذي أخذه عليكم وأنتم في عالم الذر على الإيمان بالله