الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالرجل من أهل النار، فيقال له: يا ابن آدم، كيف وجدت مضجعك؟ فيقول: شر مضجع، فيقال: هل تفتدي بقراب الأرض ذهبا؟ قال: فيقول: نعم يا رب، فيقول الله تعالى: كذبت، قد سألتك أقل من ذلك، فلم تفعل، فيؤمر به إلى النار» .
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى أن الناس صنفان: صنف المؤمنين الطائعين، وهؤلاء هم المفلحون الناجون في الدنيا والآخرة، وصنف الكافرين الجاحدين ألوهية الله وربوبيته ووحدانيته، والمكذبين رسله، وهؤلاء هم الخاسرون في الحقيقة في الدنيا والآخرة، وإقامتهم دائمة في نار جهنم.
وهذا هو الفارق بين الإسلام وغيره من الأديان، فاليهود يعتمدون على أمنيات كاذبة ومزاعم باطلة أنهم أبناء الله وأحباؤه، وشعب الله المختار، والنصارى يعتقدون أن المسيح فداء لهم بنفسه من الخطيئة والمعصية. أما المسلمون فيعتمدون على أن أساس الفلاح والنجاة في الآخرة: هو تزكية النفس بالفضائل، والعمل الصالح.
والخلود ثابت للفريقين، فالمؤمنون مخلدون في الجنة، والكافرون مخلدون في النار. قال يزيد الفقير: قيل لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، إنكم يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تقولون: إن قوما يخرجون من النار، والله تعالى يقول:{وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها} فقال جابر: إنكم تجعلون العامّ خاصا، والخاص عامّا، إنما هذا في الكفار خاصة؛ فقرأت الآية كلها من أولها إلى آخرها، فإذا هي في الكفار خاصة
(1)
.
(1)
تفسير القرطبي: 159/ 6
قال الرازي عن آية: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} : هذه الآية آية شريفة مشتملة على أسرار روحانية، ونحن نشير هاهنا إلى واحد منها، وهو أن من يعبد الله تعالى فريقان: منهم من يعبد الله لا لغرض سوى الله، ومنهم من يعبده لغرض آخر.
والمقام الأول: هو المقام الشريف العالي، وإليه الإشارة بقوله:
{وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} أي في سبيل عبوديته وطريق الإخلاص في معرفته وخدمته.
والمقام الثاني: دون الأول، وإليه الإشارة بقوله:{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} والفلاح: اسم جامع للخلاص عن المكروه والفوز بالمحبوب
(1)
.
أما قوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} فقد استدل به بعض الناس على مشروعية الاستغاثة أو التوسل بالصالحين، وجعلهم وسيلة بين الله تعالى وبين العباد.
وتحقيق القول في التوسل ما يأتي معتمدا على تفسير الألوسي
(2)
:
أولا-التوسل بمعنى التقرب إلى الله بطاعته وفعل ما يرضيه، وهو المراد بالآية:{وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} : هو أساس الدين وفرض الإسلام.
وعلى هذا يحمل توسل أهل الصخرة الثلاثة، فإنهم توسلوا إلى الله عز وجل بصالح الأعمال، أي طلبوا الفرج بصلاح أعمالهم، ولا شك أن الأعمال الصالحة سبب لثواب الله تعالى لنا، ولم يتوسلوا بذوات الأشخاص.
ثانيا-التوسل بالمخلوق والاستغاثة به بمعنى طلب الدعاء منه، لا شك في
(1)
تفسير الرازي: 220/ 11، طبعة دار إحياء التراث العربي-بيروت.
(2)
تفسير الألوسي: 124/ 6 - 128
جوازه إن كان المطلوب منه حيا، فقد صح
أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه لما استأذنه في العمرة: «لا تنسانا يا أخي من دعائك» وأمره أيضا أن يطلب من أويس القرني رحمه الله أن يستغفر له، وأمر أمته صلى الله عليه وسلم بطلب الوسيلة له كما تقدم:«فمن سأل لي الوسيلة، حلت له الشفاعة» .
وثبت أن عمر رضي الله عنه قال في الاستسقاء: «اللهم إنا كنا إذا أجدبنا، توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا» أي بدعائه وشفاعته، لا بذاته وشخصه.
وأما إذا كان المطلوب منه الدعاء ميتا أو غائبا فغير جائز، قال الألوسي:
فلا يستريب عالم أنه غير جائز، وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من السلف، نعم السلام على أهل القبور مشروع ومخاطبتهم جائزة، فقد صح
أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله تعالى لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم» .
ولم يرد عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم-وهم أحرص الخلق على خير- أنه طلب من ميت شيئا.
ثالثا-القسم على الله تعالى بأحد من خلقه، مثل أن يقال: اللهم إني أقسم عليك، أو أسألك بفلان إلا ما قضيت لي حاجتي.
وقد أجاز العز بن عبد السلام ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سيد ولد آدم، ولم يجز أن يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء، والملائكة، والأولياء؛ لأنهم ليسوا في درجته، ودليله
ما رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح عن عثمان بن حنيف رضي الله تعالى عنه: أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله
تعالى أن يعافيني، فقال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال: فادعه، فأمره أن يتوضأ، فيحسن الوضوء، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه بنبيك صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا رسول الله، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه، لتقضى لي، اللهم فشفّعه فيّ» ونقل عن أحمد مثل ذلك.
والحق ألا دلالة في الحديث على التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وشخصه، وإنما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته.
ومنع أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى التوسل بالذات والقسم على الله تعالى بأحد من خلقه، وهو رأي ابن تيمية رحمه الله. والحديث المذكور على حذف مضاف أي بدعاء وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الدعاء وسيلة، وهو جائز، بل مندوب، والدليل على هذا التقدير
قوله في آخر الحديث: «اللهم فشفعه في» بل في أوله أيضا ما يدل على ذلك.
وليس في الأدعية المأثورة عن أهل البيت الطاهرين وغيرهم من الأئمة، ليس فيها التوسل بالذات المكرمة صلى الله عليه وسلم، ولو فرضنا وجود ما ظاهره ذلك فمؤول بتقدير مضاف، أو نحوه.
قال أبو يزيد البسطامي رحمه الله: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون.
وكره العلماء الدعاء بحق خلقك؛ لأنه لا حق للخلق على الخالق.
والخلاصة: إن الدعاء لله تعالى يكون مباشرة، وبلا واسطة؛ إذ لا يحتاج الله إلى الوسطاء بالنص القرآني القطعي الدلالة وهو قوله تعالى:
{وَقالَ رَبُّكُمُ: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر 60/ 40] وقوله: {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي، فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ} [البقرة 186/ 2]. وقوله تعالى: {إِيّاكَ نَعْبُدُ، وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة 5/ 1].