الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد عليهما السلام، وهنا تذكر الآيات في ختام محاجتهم أن الوحي جنس واحد لا يختلف بين الرسل، فلو صدقوا الإيمان بموسى أو غيره، لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلم يفرقون بين نبي ونبي؟ فالكلام متصل بقوله:{يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ} فأعلم تعالى أن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كأمر من تقدمه من الأنبياء.
التفسير والبيان:
ذكر الله تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، كما أوحى إلى غيره من الأنبياء المتقدمين، فهو ليس بدعا من الرسل، ولو آمنوا بالرسل حقيقة لآمنوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فالوحي جنس واحد لم يتغير، وفي كتبهم البشارة به ووصفه.
والوحي: إعلام من الله نبيا أو رسولا كلاما أو معنى بطريقة تفيده العلم اليقيني القاطع بما أعلمه الله به. أو هو كما قال الشيخ محمد عبده في رسالة التوحيد: عرفان يجده الشخص من نفسه، مع اليقين بأنه من قبل الله بواسطة أو بغير واسطة.
ونموذج الوحي واحد: إلى نوح وبدأ به؛ لأنه أقدم الأنبياء وأول نبي شرعت على لسانه الشرائع، ثم إلى من بعده من النبيين: وهم إبراهيم أبو الأنبياء وخليل الله، وإسماعيل ابنه الأكبر وأبو العرب وجد المصطفى عليه الصلاة والسلام ومات بمكة، وإسحاق وهو ابن إبراهيم وأبو يعقوب المسمى إسرائيل، وإليه تنسب اليهود ومات بالشام، ثم لوط وإبراهيم عمه، ثم يعقوب، ثم الأسباط أولاد يعقوب العشرة، وحفيداه ابنا يوسف، فيصبح مجموعهم اثني عشر سبطا، والأسباط في بني إسرائيل من نسل إسحاق كالقبائل في ولد إسماعيل. ثم إلى موسى وهارون وأيوب وداود وسليمان بن داود ويونس، وقدم عيسى ابن مريم على هؤلاء؛ لأن اليهود طعنوا به، والواو لا تقتضي الترتيب، وخص هؤلاء الأنبياء بالذكر لشرفهم وكرامتهم على الله.
وآتى الله داود زبورا، والزبور: هو الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلام. وكان مائة وخمسين سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام، وإنما هي حكم ومواعظ. وكان داود عليه السلام حسن الصوت؛ فإذا أخذ في قراءة الزبور اجتمع إليه الإنس والجنّ والطير والوحش لحسن صوته، وكان متواضعا يأكل من عمل يده، وكان يصنع الدروع
(1)
.
وأرسلناك يا محمد كما أرسلنا رسلا غير هؤلاء، منهم من قصصنا عليك قبل تنزيل هذه السورة، ذكروا في السور المكية، كما قال تعالى في سورة الأنعام عن إبراهيم:{وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} .
ومجموع الأنبياء الذين نص القرآن على أسمائهم خمسة وعشرون، وهم: آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، وموسى، وهارون، ويونس، وداود، وسليمان، وإلياس، واليسع، وزكريا، ويحيى، وعيسى، وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين، وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم. وأجمع السور لقصص الأنبياء: هود والشعراء.
وهناك رسل آخرون لم نقصصهم عليك، لم يذكروا في القرآن؛ لأن أممهم مجهولة، وفي ذكر غيرهم فائدة أجدى، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ} [النحل 36/ 16] وقال تعالى أيضا:
{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ} [فاطر 24/ 35].
(1)
تفسير القرطبي: 17/ 6
والقصد من إيراد قصص الأنبياء العظة والتثبيت والذكرى كما قال تعالى:
{لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ، ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى.} .
[يوسف 111/ 12] وقال سبحانه أيضا: {وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ، وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود 120/ 11].
والمشهور في عدد الأنبياء والمرسلين
حديث أبي ذر الطويل، وذلك فيما رواه ابن مردويه رحمه الله في تفسيره، حيث قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال:«مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا» قلت: يا رسول الله، كم الرسل منهم؟ قال:«ثلثمائة وثلاثة عشر، جمّ غفير» قلت: يا رسول الله، من كان أولهم؟ قال:«آدم» قلت: يا رسول الله، نبي مرسل؟ قال: نعم خلقه الله بيده، ثم نفخ فيه من روحه، ثم سواه قبلا» ثم قال:«يا أبا ذر، أربعة سريانيون: آدم، وشيث، ونوح، وأخنوخ وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم، وأربعة من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر، وأول نبي من بني إسرائيل: موسى، وآخرهم عيسى، وأول النبيين: آدم وآخرهم نبيك» ورواه أيضا أبو حاتم بن حبان البستي في كتابه (الأنواع والتقاسيم) وقد وسمه بالصحة
(1)
.
ثم ذكر الله تعالى مزية لموسى عليه السلام وهي أنه كليم الله خصه الله بهذه المزية؛ لأن قومه هم المقصودون بالحديث: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً} أي تكليما صحيحا حقيقيا بلا واسطة، والتكليم للأنبياء يسمى وحيا، كما قال تعالى:
{وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى 51/ 42] والحكمة في الحجاب:
توجيه الاهتمام والانتباه إلى شيء واحد، والرسول الذي يوحي بإذن الله ما يشاء:
(1)
تفسير ابن كثير: 585/ 1 وما بعدها.
هو جبريل ملك الوحي، المعبر عنه بالروح الأمين. وليس لنا أن نبحث عن كيفية الحديث وهل كان مشافهة أو لا؟ فالله أعلم بذلك.
ثم ذكر تعالى الحكمة من إرسال الرسل وهي إقامة الحجة على الناس، وتبيان طريق الهداية الأسلم؛ إذ لو لم يرسلوا لاحتج البشر بجهلهم ما يجب عليهم من الإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالى:{وَلَوْ أَنّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا: رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً، فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى} [طه 134/ 20] وقال عز وجل: {وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء 15/ 17] فكان إرسال الرسل وإنزال الكتب لئلا يبقى لمعتذر عذر.
ومهمة الرسل: أنهم يبشرون من أطاع الله واتبع رضوانه بالخيرات، وينذرون من خالف أمره وكذب رسله بالعقاب والعذاب.
وكان الله عزيزا لا يغلبه أحد، حكيما في صنعه وجميع أفعاله، فلا يبقى لأحد اعتراض.
ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل، من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين» وفي لفظ آخر: «من أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه» .
ولما تضمنت الآية المتقدمة: {إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم، والرد على من أنكر ذلك من المشركين وأهل الكتاب، قال الله تعالى:{لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ} فهو استدراك لما علم من السياق من إنكار اليهود والمشركين وغيرهم نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم شهادتهم برسالته، ومضمونه أن الله يشهد لك بأنك رسوله الذي أنزل عليه الكتاب وهو القرآن العظيم، الذي {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ