الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحينئذ تتبدد تأويلات المنافقين، ويظهر كذبهم وافتراؤهم، لذا قال تعالى:{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا.} . أي يقول بعض المؤمنين لبعض أو لليهود تعجبا واستهجانا وشماتة: أهؤلاء الذين أقسموا بالله: إنهم معكم وإنهم مناصروكم على أعدائكم اليهود، ثم انكشفوا على حقيقتهم، وتبينت عداوتهم، كما قال تعالى:
{وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ: إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ، وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} [التوبة 56/ 9] أي أنهم جماعة خائفون يظهرون الإسلام تقيّة أو مناورة أو سياسة، لا حقيقة. وأردف المؤمنون القول: هؤلاء المنافقون بطلت أعمالهم التي يؤدونها نفاقا من صلاة وصيام وحج وجهاد، فخسروا بذلك الدنيا والأجر والثواب في الآخرة.
والمفسرون اختلفوا في سبب نزول هذه الآيات الكريمات، فذكر السدي:
أنها نزلت في رجلين قال أحدهما لصاحبه بعد وقعة أحد: أما أنا فإني ذاهب إلى ذلك اليهودي، فآوي إليه، وأتهود معه، لعله ينفعني إذا وقع أمر أو حدث حادث، وقال الآخر: أما أنا فإني ذاهب إلى فلان النصراني بالشام، فآوي إليه وأتنصر معه، فأنزل الله:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ} الآيات.
وقال عكرمة فيما رواه ابن جرير: نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة، فسألوه ماذا هو صانع بنا؟ فأشار بيده إلى حلقه، أي إنه الذبح. وقيل: نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول، كما قال ابن جرير، وكما ذكر في سبب النزول.
فقه الحياة أو الأحكام:
تدل الآيات على ما يأتي:
1 -
قطع الموالاة والمودة شرعا بين المؤمنين وبين الكافرين في أمور الدين
وقضاياه الكبرى الأساسية. ولا مانع من وجود علاقات لمصالح دنيوية تقتضيها الضرورة، بدليل ما قال الطبري في قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} : يعني ومن يتولّ اليهود والنصارى دون المؤمنين، فإنه منهم، فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه، فقد عادى ما خالفه وأسخطه، وصار حكمه حكمه
(1)
.
ودل قوله: {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} أن حكمه حكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد.
وهذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع الموالاة، وقد قال تعالى:{وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ} [هود 113/ 11] وقال تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران 28/ 3] وقال سبحانه:
{لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران 118/ 3].
وأعلن تعالى فصل الموالي للكفار عن جماعة المؤمنين، فقال:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} أي لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم، ووجبت له النار كما وجبت لهم؛ فصار منهم، أي من أصحابهم.
2 -
إن مخاوف المنافقين التي أدت بهم إلى موالاة الكفار تتبدد أمام تدبير الله وتأييده ونصره، وتدمير الأعداء، وإحباط مخططاتهم، وإذلالهم.
3 -
ظهور حقيقة المنافقين في مرأى المؤمنين، فيتعجبون من شأنهم، قائلين لبعضهم: أهؤلاء الذين ادعوا نصرتنا بالأيمان المغلظة؟ أو قائلين لليهود على
(1)
تفسير الطبري: 179/ 6