المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌يد - أحكام الشريعة قابلة للقياس باعتبار العلل والمقاصد القريبة والعالية - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌القسم الأولفي إثبات مقاصد الشريعة واحتياج الفقيه إلى معرفتها، وطرق إثباتها ومراتبها

- ‌أ - إثبات أن للشريعة مقاصد من التشريع

- ‌ب - احتياج الفقيه إلى معرفة مقاصد الشريعة

- ‌ج - طرق إثبات المقاصد الشرعية

- ‌د - طريقة السلف في رجوعهم إلى مقاصد الشريعة وتمحيص ما يصلح لأن يكون مقصوداً لها

- ‌هـ - أدلة الشريعة اللفظية لا تستغني عن معرفة المقاصد الشرعية

- ‌و - انتصاب الشارع للتشريع

- ‌ز - مقاصد الشريعة مرتبتان: قطعية وظنية

- ‌ح - تعليل الأحكام الشرعية، وخُلو بعضها عن التعليل وهو المسمّى التعبّدي

- ‌القسم الثاني في مقاصد التشريع العامة

- ‌أ - مقاصد التشريع العامة

- ‌ب - الصفة الضابطة للمقاصد الشرعية

- ‌ج - ابتناء مقاصد الشريعة على وصف الشريعة الإسلامية الأعظم وهو الفطرة

- ‌د - السماحة أول أوصاف الشريعة وأكبر مقاصدها

- ‌هـ - المقصد العام من التشريع

- ‌و - بيان المصلحة والمفسدة

- ‌ز - طلب الشريعة للمصالح

- ‌ح - أنواع المصلحة المقصودة من التشريع

- ‌ط - عمومُ شريعة الإسلام

- ‌ي - المساواة

- ‌يا - ليست الشريعة بنكاية

- ‌يب - مقصد الشريعة من التشريع تغييرٌ وتقريرٌ

- ‌يج - نوط الأحكام الشرعية بمعانٍ وأوصاف لا بأسماء وأشكال

- ‌يد - أحكام الشريعة قابلة للقياس باعتبار العلل والمقاصد القريبة والعالية

- ‌يه - التحيّل على إظهار العمل في صورة مشروعة مع سلبه الحكمةَ المقصودة للشريعة

- ‌يو - سد الذرائع

- ‌يز - نوط التشريع بالضبط والتحديد

- ‌يح - نفوذ الشريعة

- ‌يط - الرخصة

- ‌يك - مراتب الوازع جبليةٌ ودينيةٌ وسلطانية

- ‌كا - مدى حريّة التصرّف عند الشريعة

- ‌كب - مقصد الشريعة تجنّبُها التفريع في وقت التشريع

- ‌كج - مقصد الشريعة من نظام الأمة أن تكون قوية، مرهوبة الجانب، مطمئنة البال

- ‌كد - واجب الاجتهاد

- ‌القسم الثالثفي مقاصد التشريع التي تختص بأنواع المعاملات بين الناس

- ‌أ - المعاملات في توجُّه الأحكام التشريعية إليها مرتبتان: مقاصد ووسائل

- ‌ب - المقاصد والوسائل

- ‌ج - مقصد الشريعة تعيين أنواع الحقوق لأنواع مستحقّيها

- ‌د - مقاصد أحكام العائلة

- ‌هـ - آصرة النكاح

- ‌و - آصرة النسب والقرابة

- ‌ز - آصرة الصهر

- ‌ح - طرق انحلال هذه الأواصر الثلاث

- ‌ط - مقاصد التصرفات المالية

- ‌ي - الملك والتكسب

- ‌يا - الصحة والفساد

- ‌يب - مقاصد الشريعة في المعاملات المنعقدة على عمل الأبدان

- ‌يج - مقاصد أحكام التبرعات

- ‌يد - مقاصد أحكام القضاء والشهادة

- ‌يه - المقصد من العقوبات

- ‌ثَبت جملَة من المراجع

الفصل: ‌يد - أحكام الشريعة قابلة للقياس باعتبار العلل والمقاصد القريبة والعالية

‌يد - أحكام الشريعة قابلة للقياس باعتبار العلل والمقاصد القريبة والعالية

لا أحسب لمن يتطرّقه شك في قبول الأحكام للقياس حساباً من سعة النظر في الشريعة، ولا أعدّه إلَّا عاكفاً على تلقي الجزئيات المأثورة دون شعور بجهات الاتحاد بين متماثلها في الأحكام، ولا أحسبه إلَّا متحيّراً عند تطلب أحكام لصور وأعمال غير ثابتة في الآثار أحكامٌ لها، وأنه لا يلبث إلَّا أن يجد نفسه مضطراً للقياس، وإذا افتقد نفسه وجد نفسه قد قاس. فإن استقراء الشريعة في تصرّفاتها قد أكسب فقهاء الأمة يقيناً بأنها ما سوّت في جنس حكم من الأحكام جزئيات متكاثرة إلا ولتلك الجزئيات اشتراك في وصف يتعيّن عندهم أن يكون هو موجب إعطائها حكماً متماثلاً. ومن ثمّ استقام لهم من عهد الصحابة إلى هلم جرًا أن يقيسوا بعض الأشياء على بعض، فينوطوا بالمقيسة نفس الأحكام الثابتة بالشرع للمقيس عليها في الأوصاف التي أنبئوا أنها سبب نوط الحكم، وأنها مقصود الشارع من أحكامه. فإن كانت تلك الأوصاف فرعيَّة قريبة سميناها عللاً مثل الإسكار، وإن كانت كليات سميناها مقاصد قريبة مثل حفظ العقل، وإن كانت كليات عالية سميناها مقاصد عالية، وهي نوعان مصلحة ومفسدة. وقد تقدّم ذلك كله.

وإنما هرع الفقهاء في التشريع والتفريع إلى القياس على النظائر

ص: 313

والجزئيات، ولم يعمدوا إلى الفحص عن المعاني الكليات القريبة، ولا إلى الفحص عن إثبات وجود الكليين العاليين وهما المصلحة والمفسدة، لأنهم رأوا دلالة النظير على نظيره أقربَ إرشاداً إلى المعنى الذي صرّح الشارع باعتباره في نظيره، أو أومأ إلى اعتباره فيه، أو أوصل الظنُ بأن الشارع ما راعى في حكم النظير إلا ذلك المعنى. فإن دلالة النظير على المعنى المرعي للشارع حين حكم له بحكم مَّا دلالة مضبوطة ظاهرة مصحوبة بمثالها. فقد قال بعض أساطين علمائنا (1) *:"ولاستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خفيات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق"(2). فتكفي الفقيه مؤونة الانتشار في البحث عن المعنى من أجناسه العالية. ثم بما فيها من التمثيل والضبط تنتقل بالمجتهد إلى المعنى الذي اشتمل عليه النظير غير المعروف حكمُه، فَيُلْحقُه في الحكم بحُكم كلياته القريبة، ثم بحكم كلياته العالية، إذ لا يعسر عليه ذلك الانتقالُ حينئذ فتتجلى له المراتب الثلاث انجلاء بيِّنًا.

ولم يزل من طرق الاستدلال لدى ذوي العقول من الحكماء والرياضيين الوصول إلى الأشياء الدقيقة السامية بواسطة الأشياء الواضحة القريبة. فكذلك نعدّ الفقهاء في عدادهم إذ هي طريقة مثلى لجميع أهل المدارك العالية.

(1) * هو العلامة الزمخشري في تفسيره المعروف بالكشاف عند قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ} البقرة: 26. اهـ. تع ابن عاشور.

(2)

ينظر المؤلف إلى قول الزمخشري في تفسيره: ضرب المثل أن التمثيل يصار إليه لما فيه من كشف المعنى ورفع الحجاب عن الغرض المطلوب وإدناء المتوهم من المشاهد

الزمخشري. الكشاف: (1) 1/ 54 = (2) 1/ 263.

ص: 314

فإذا تقرّر عندك هذا علمتَ أن الأصل في الأحكام الشرعية كلها قبولُ القياس عليها، ما قامت منها معان ملحوظة للشارع. فيجب أن تكون أنواعُ الأحكام التي لا يجري في مثلها القياس قليلةً جداً. من أجل ذلك اختلف أئمة الفقه في جريان القياس في الحدود والكفارات والرُّخَص (1)، وفي الأسباب والشروط والموانع (2). ومن أجل ذلك اتفقوا على امتناع القياس في إثبات أصول العبادات (3).

وقد قاس أبو بكر وعمر رضي الله عنهما الجدة للأب على الجدة للأم في الميراث، فجعل أبو بكر السدس بينها وبين الجدة للأم.

ففي الموطأ: "جاءت الجدتان إلى أبي بكر. فأراد أن يجعل

(1) قال الشافعي: القياس يجري في الشرعيات حتى الحدود والكفارات لعموم الدلائل. ومنعه أبو حنيفة فيهما وفي الرخص والتقديرات لأنها لا يدرك المعنى فيها، ولأن التقديرات التي اشتملت عليها الحدود لا تعقل بالرأي. وأجيب بأنه يدرك في بعضها، وبأن عدم معقولية التقادير ابتداء مسلم ولا يضر. السبكي. جمع الجوامع. شرح البناني وتعليقات الشربيني: 2/ 214؛ الأُسنوي. نهاية السول بحاشية محمد بخيت المطيعي: 4/ 35 وما بعدها.

(2)

دليل القائلين بالمنع فيها أن القياس فيها يخرجها عن أن تكون كذلك، إذ يكون المعنى المشترك بينها وبين المقيس عليها هو السبب والشرط والمانع، لا خصوص المقيس عليه أو المقيس. وأجيب بأن القياس لا يخرجها عما ذكر، والمعنى المشترك فيه كما هو علة لها يكون علة لما ترتب عليها. السبكي. جمع الجوامع: 2/ 215 - 216.

(3)

نسب السبكي منع القياس في أصول العبادات إلى قوم. ودليلهم أن الدواعي تتوافر على نقل أصول العبادات وما يتعلق بها. والمراد من أصول العبادات أعظمها وأدخلها في التعبد كالصلاة بخلاف الكفارة. السبكي. جمع الجوامع: 2/ 216.

ص: 315

السدس للتي من قبل الأم، فقال له رجل من الأنصار: أما إنك تترك التي لو ماتت وهو حي كان إياها يرث، فجعل أبو بكر السدس بينهما" (1) اهـ. فهذا قياس بطريق إعمال دلالة الفحوى نبّهه إليه كلام الأنصاري، وجعله السدس بينهما تحقيقُ مناطٍ، كشأن كل ذوي فرض إذا تعدّدوا مع انعدام النص على توفير الفرض عند التعدد.

وفي الموطأ: "جاءت الجدة أم الأب إلى عمر تسأله ميراثها من ابن ابنها، فقال: ما لكِ في كتاب الله شيء، وما كان القضاء الذي قضي به إلَّا لغيرك - يعني ما قضى به أبو بكر باستناد إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة في حديث الموطأ - وما أنا بزائد في الفرائض شيئاً، ولكنه ذلك السدس فإن اجتمعتُما فهو بينكما وأيكما خَلَت به فهو لها"(2) اهـ. فقاس في الاشتراك في السدس، وأمسك عن القياس بزيادة الفرض بأن يجعله عند التعدد الثلث قياساً على الإخوة للأم.

(1) انظر 27 كتاب الفرائض، 8 باب ميراث الجدة، ح 5. طَ: 2/ 513 - 514.

(2)

انظر 27 كتاب الفرائض، 8 باب ميراث الجدة، ح 4. طَ: 2/ 513.

ص: 316