المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ي - الملك والتكسب - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌القسم الأولفي إثبات مقاصد الشريعة واحتياج الفقيه إلى معرفتها، وطرق إثباتها ومراتبها

- ‌أ - إثبات أن للشريعة مقاصد من التشريع

- ‌ب - احتياج الفقيه إلى معرفة مقاصد الشريعة

- ‌ج - طرق إثبات المقاصد الشرعية

- ‌د - طريقة السلف في رجوعهم إلى مقاصد الشريعة وتمحيص ما يصلح لأن يكون مقصوداً لها

- ‌هـ - أدلة الشريعة اللفظية لا تستغني عن معرفة المقاصد الشرعية

- ‌و - انتصاب الشارع للتشريع

- ‌ز - مقاصد الشريعة مرتبتان: قطعية وظنية

- ‌ح - تعليل الأحكام الشرعية، وخُلو بعضها عن التعليل وهو المسمّى التعبّدي

- ‌القسم الثاني في مقاصد التشريع العامة

- ‌أ - مقاصد التشريع العامة

- ‌ب - الصفة الضابطة للمقاصد الشرعية

- ‌ج - ابتناء مقاصد الشريعة على وصف الشريعة الإسلامية الأعظم وهو الفطرة

- ‌د - السماحة أول أوصاف الشريعة وأكبر مقاصدها

- ‌هـ - المقصد العام من التشريع

- ‌و - بيان المصلحة والمفسدة

- ‌ز - طلب الشريعة للمصالح

- ‌ح - أنواع المصلحة المقصودة من التشريع

- ‌ط - عمومُ شريعة الإسلام

- ‌ي - المساواة

- ‌يا - ليست الشريعة بنكاية

- ‌يب - مقصد الشريعة من التشريع تغييرٌ وتقريرٌ

- ‌يج - نوط الأحكام الشرعية بمعانٍ وأوصاف لا بأسماء وأشكال

- ‌يد - أحكام الشريعة قابلة للقياس باعتبار العلل والمقاصد القريبة والعالية

- ‌يه - التحيّل على إظهار العمل في صورة مشروعة مع سلبه الحكمةَ المقصودة للشريعة

- ‌يو - سد الذرائع

- ‌يز - نوط التشريع بالضبط والتحديد

- ‌يح - نفوذ الشريعة

- ‌يط - الرخصة

- ‌يك - مراتب الوازع جبليةٌ ودينيةٌ وسلطانية

- ‌كا - مدى حريّة التصرّف عند الشريعة

- ‌كب - مقصد الشريعة تجنّبُها التفريع في وقت التشريع

- ‌كج - مقصد الشريعة من نظام الأمة أن تكون قوية، مرهوبة الجانب، مطمئنة البال

- ‌كد - واجب الاجتهاد

- ‌القسم الثالثفي مقاصد التشريع التي تختص بأنواع المعاملات بين الناس

- ‌أ - المعاملات في توجُّه الأحكام التشريعية إليها مرتبتان: مقاصد ووسائل

- ‌ب - المقاصد والوسائل

- ‌ج - مقصد الشريعة تعيين أنواع الحقوق لأنواع مستحقّيها

- ‌د - مقاصد أحكام العائلة

- ‌هـ - آصرة النكاح

- ‌و - آصرة النسب والقرابة

- ‌ز - آصرة الصهر

- ‌ح - طرق انحلال هذه الأواصر الثلاث

- ‌ط - مقاصد التصرفات المالية

- ‌ي - الملك والتكسب

- ‌يا - الصحة والفساد

- ‌يب - مقاصد الشريعة في المعاملات المنعقدة على عمل الأبدان

- ‌يج - مقاصد أحكام التبرعات

- ‌يد - مقاصد أحكام القضاء والشهادة

- ‌يه - المقصد من العقوبات

- ‌ثَبت جملَة من المراجع

الفصل: ‌ي - الملك والتكسب

‌ي - الملك والتكسب

لإثراء الأمة وأفرادها طريقان أحدهما التملّك، والثاني التكسّب. وقد مضت الإشارةُ إليهما إجمالاً في مبحث مقصد تعيين الحقوق لأصحابها (1).

فالتملّك هو أصل الإثراء البشري. وهو اقتناء الأشياء التي يستحصل منها ما تسدّ به الحاجة بغلاته أو بأعواضه أي أثمانه.

والأصل الأصيل في التملك الاختصاص. فقد كان من أصول الحضارة البشرية أن يدأب المرء إلى تحصيل ما يحتاج إليه لتقويم أَوْدِ حياته وسلامته. فهو يصيد لطعامه، ويجتني الثمر لفاكهته، ويحطب للوقود، ويبني البيت أو الخُصَّ للتوقي من الحرِّ والقر، ويتوخّى منازله بجوار المياه خشية العطش، ويرتبط الفرس ويعد السلاح للدفاع، ويقتني نفائس الحلي والثياب للتزين. وهو يتجشّم في السعي لنوالِ ذلك عرَقَ القِربة أو وحشةَ الغُربة. وهو يعمد إلى السَّبق إلى الأشياء المباحة للناس كالحشيش وورق الشجر والتقاط النبق ليأخذ منها حاجته قبل أن يستنفدها الناس، ويحول مجرى الماء إلى أرضه قبل أن يحوله آخر، يتحمل لذلك كله ما يبلغ به الجهد والتعب وإعمال الرأي.

(1) انظر: 409 وما بعدها.

ص: 466

وكل ذلك التدبير يبعثه على التكثير من ادخار ما قد يتطلبه، والاحتفاظ بما يفصّل عن حاجته، ادخاراً لشدائد الأزمان أو تباعد المكان. ويزيده حرصاً على هذا الادخار شعوره بإمكان الفقدان لعجز أو عدم. ولذلك قال الأعشى:

"كجابية الشيخ العراقي تفهق"(1) *

وهو قد سمّى ذلك التحصيل والادخار ملكاً، ورأى أن سعيَه يخوّلُه حقَّ الاختصاص بما جمعه. فإذا امتدت إليه أيدي الطامعين في ابتزازه رأى عملَهم ظلماً وحمي غضبه وقام إلى مدافعتهم.

فلمّا أُشربت قلوبُ البشر حب العدل احترموا ممتلكاتِ الناس، وصادقوا على أحقية أصحابها بها، ورأى [كل أحد] لنفسه الحق في أن يتصرف فيما حصله تصرفاً مطلقاً لا يقبل فيه تدخلَ متدخَّل. وقد قصّ الله تعالى أن أهل مدين عجبوا من شعيب أن يضيّق عليهم بعض المعاملات، فشافهوه بالإنكار والتهكم به إذ {قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} (2).

واعتبر الإِسلامُ في أصل التملك معنى ما ذكرنا. ففي الحديث:

(1) * مصراع من بيت من قصيدته التي مدح بها المحلق وأوله:

نَفَى الذم عن رهط المحلق جفنة

ومحل الشاهد منه أنه اختار نسبة الجابية إلى الشيخ لأنه يحرص على ملء جابيته لحرصه، وخشية أن لا يجد الماء وقت طلبه. اهـ. تع ابن عاشور. [قال المبرد: وتأويله أن العراقي إذا تمكن من الماء ملأ جابيته، لأنه حضري، فلا يعرف مواقع الماء ولا محالّه. الكامل: 1/ 24].

(2)

هود: 87.

ص: 467

"من أحيا أرضاً ميتة فهي له. وليس لعرق ظالم حق"(1).

ثم اعتبر تفرع أحوال التملك عن هذا الاختصاص ومراعاة جهود المرء في تملّكه فكانت أسباب التملك في الشرع هي:

- الاختصاص بشيء لا حقَّ لأحد فيه كإحياء الموات.

- والعمل في الشيء مع مالكه كالمغارسة.

- والتبادل بالعوض كالبيع، والانتقال من المالك إلى غيره كالتبرعات والميراث.

فالمِلك تمكّنُ الإنسان شرعاً من الانتفاع بعين أو منفعة من تعويض ذلك أو من الانتفاع به وإسقاطه للغير، فخرج التصرف بوجه العصمة (2) *.

وأصل الشريعة في تصرف الناس في أموالهم ومملوكاتهم هو إطلاق التصرف لهم للأحرار الرشداء منهم، فلا ينتقض ذلك الأصل إلا إذا كان المالك غيرَ متأهَّل لذلك التصرف. وقصورُ التصرف يكون لصِبًى أو سفه أي: اختلال العقل في التصرف المالي، أو إفلاس مدين، أو عدم حرية أو حجر في جميع المال أو بعضه. فهذا في التبرّع مما زاد على الثلث من مريض مرضاً مخوفاً، ومن تصرّف معلّق مما بعد الموت وهو الوصية وما يؤول إليها من تبرع، وتبرع ذات الزوج بما زاد على ثلث مالها.

(1) تقدم تخريجه: 91/ 1.

(2)

* مأخوذ من كلام ابن الشاط في تعليقه على فروق القرافي مع إصلاح آخره. انظر الفرق المائة والثمانين. اهـ. تع ابن عاشور: [3/ 208 - 217].

وعبارة ابن الشاط هي كالتالي: الصحيح في الملك أنه تمكن الإنسان بنفسه أو بنيابة من الانتفاع بالعين أو المنفعة، ومن أخذ العوض عن العين أو المنفعة. إدرار الشروق على أنواء الفروق: 3/ 209.

ص: 468

وأما التكسب فهو معالجة إيجاد ما يسد الحاجة إما بعمل البدن أو بالمراضاة مع الغير.

وأصول التكسُّب ثلاثة: الأرض، والعمل، ورأس المال.

وللأرض المكانة الأولى في هذه الأصول الثلاثة. وإذا أطلقنا الأرض هنا فمرادنا ما يصل إليه عمل الإنسان في الكرة الأرضية بما فيها من بحار وأودية ومعادن ومنابع مياه وغيرها، إلَّا أن الحظ الأوفر من ذلك والأسبق هو للأرض بمعنى سطحها الترابي، فإنه منبت الشجر والحب والمرعى ومنبع المياه. قال الله تعالى:{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} (1). وقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} (2). وقال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (3). وقال: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} (4).

والأرض تتفاوت بالخصب، وأثراها أخصبُها، ولذلك كانت الرمال أقل ثروة من غيرها.

وأما العمل فهو وسيلة استخراج معظم منافع الأرض، وهو أيضاً طريقٌ لإيجاد الثروة بمثل الإيجار والاتجار، وقوامه سلامة العقل وصحة الجسم. فسلامة العقل: التمكن من تدبير طرق الإثراء، والصحة لتنفيذ التدبير، مثل استعمال الآلات واستخدام الحيوان.

(1) النازعات: 31.

(2)

الملك: 15.

(3)

البقرة: 29.

(4)

عبس: 24 - 32.

ص: 469

ومنه الغرس والزرع والسفر لجلب الأقوات والسلع. وقد امتنّ الله تعالى به فقال: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (1). وقال: {يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (2).

وقد يكون العمل صادراً من جامع المال لتحصيل أصل ما يتموّله تملكاً كالاحتطاب وإحياء الموات. أو تكسباً مثل مبادلة مالِهِ بما هو أوفر. وقد يكون العمل من غير جامع المال، وهو العمل في مال غير العامل ليحصل العامل بعمله جزءاً من مال صاحب المال كالإجارة على عمل البدن.

وأما رأسُ المال فوسيلة لإدامة العمل للإثراء، وهو مال مدّخر لإنفاقه فيما يجلب أرباحاً. وإنما عدّ رأس المال من أصول الثروة لكثرة الاحتياج إليه. فإذا لم يكن موجوداً لا يأمن العاملُ أن يعجز عن عمله فينقطع تكسُّبُه. والأظهر أن تعد آلات العمل في رأس المال، مثل المحركات ومزجيات البخار وآلات الكهرباء وكذلك دواب الحرث والمكاراة.

إذا علمت هذا، فالمعاملات المالية بعضُها راجع إلى التملّك، كبيع ديار السكنى والأطعمة المأكولة، وبعضها راجع إلى التكسّب، كبيع أرض الحراثة وأشجار الزيتون. وكذلك عقودُ الشركات من قراض ومزارعة ومغارسة ومساقاة، وعقودُ الإجارات في الذوات والدواب والآلات والسفن والبواخر والأرتال.

والمقصد الشرعي في الأموال كلها خمسة أمور: رواجها، ووضوحها، وحفظها، وثباتها، والعدل فيها.

(1) يونس: 22.

(2)

المزمل: 20.

ص: 470

فالرواج دوران المال بين أيدي أكثر من يمكن من الناس بوجه حق. وهو مقصد عظيم شرعي دل عليه الترغيب في المعاملة بالمال، ومشروعية التوثّق في انتقال الأموال من يد إلى أخرى. ففي الترغيب في المعاملة جاء قوله تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (1)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة"(2). وروي عن عبد الله بن عمر أنه قال: "ما موتٌ أحبّ إليّ بعد الشهادة في سبيل الله من أن أموت متجراً"(3)، لأن الله قرن بين التجارة والجهاد في قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ

(1) المزمل: 20.

(2)

ورد حديث أنس بتقديم "يغرس غرساً" على "يزرع زرعاً" إلا مرة واحدة. انظر: 41 كتاب الحرث والمزارعة، 1 باب فضل الزرع والغرس. خَ: 3/ 66؛ 78 كتاب الأدب، 27 باب رحمة الناس بالبهائم، آخر حديث الباب. خَ: 7/ 78؛ انظر 22 كتاب المساقاة، 2 باب فضل الغرس والزرع، ح 12؛ وأحاديث أخرى بمعنى حديث أنس، عن جابر 7، 9، وعن أم مبشر الأنصاري 8، وعن أم معبد 10. مَ: 2/ 1188 - 1189؛ انظر 13 كتاب الأحكام، 40 باب ما جاء في فضل الغرس، ح 1388. تَ: 3/ 666؛ انظر 18 كتاب البيوع، 67 باب في فضل الغرس، حديث أم مبشر 2613. دَي: 2/ 580؛ حَم: 3/ 147، 192، 229، 243؛ حديث أم مبشر: 6/ 420، ومن زيادات عبد الله من حديث أبي الدرداء: 6/ 444.

(3)

في هذا السياق أقوال كثيرة، رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم منها رواية إبراهيم بن علقمة، ومقالة ابن مسعود وطاوس؛ وورد قول ابن عمر هذا بلفظ آخر: ما خلق الله موتة أموتها بعد الموت في سبيل الله أحب إليّ من الموت بين شعبتي رحلي، أبتغي من فضل الله ضارباً في الأرض. القرطبي. التفسير: 19/ 55 - 56.

ص: 471

يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (1). وفي الموطأ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلْها الزكاة"(2) *. وقد دلت إشارة قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} (3) على أهمية إدارة التجارة في نظر الشريعة حتى رخصت في ترك الإشهاد المحثوث عليه حرصاً على نفي العوائق عنها. ومن الشواهد في ذلك أن العرب كانوا يحرّمون التجارة في الحج إذا دخل شهر ذي الحجة بأسواقهم مِجنَّة وذو المجاز وعكاظ. وكانوا يقولون لمن يتّجر في العشر من ذي الحجة: هؤلاء الداج وليس بالحاج (4). فأبطل الإِسلام ذلك بحكم قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (5) أي في أيام الحج.

(1) المزمل: 20.

(2)

* المعروف عند رجال السنّة أن هذا من كلام عمر. ومن النّاس من يروي في معناه حديثاً: "ابتغوا بأموال اليتامى لا تذهبها الزكاة"، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال:"ألا من ولِيَ يتيماً له مال فليتجر له فيه ولا يتركه فتأكله الزكاة". وكل ذلك بأسانيد ضعيفة. اهـ. تع ابن عاشور. [وقول عمر. انظر بلفظ: "اتجروا في" بدل "ابتغوا": 17 كتاب الزكاة، 6 باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم بها 12. طَ: 1/ 25].

(3)

البقرة: 282.

(4)

حرمة البيع والشراء أيام الحج عند العرب نطقت بها أشعارهم. قال النابغة:

قلت لها وهي تسعى تحت لبتها

لا تحطمنك إن البيع قد زَرِما

والبيت من قصيدته التي طالعها:

بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما

واحتلّت الشرع والأجزاع من إضَما

ابن عاشور. التحرير والتنوير: 2/ 1: 237 - 238؛ الديوان: 215.

(5)

البقرة: 198. قال ابن عمر وابن عباس ومجاهد وعطاء: إن الآية نزلت =

ص: 472

وفي التوثّق وردت أدلة كثيرة في مشروعية الإشهاد والحث عليه، منها قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} إلى قوله: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1). ومنها عمل النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في مقصد القضاء والشهادة (2).

ومحافظةً على مقصد الرواج شرعت عقود المعاملات لنقل الحقوق المالية بمعاوضة أو بتبرع. وهي من قسم الحاجي كما تقدم (3). وجعل لزومها حصول صيغ العقود وهي الأقوال الدالة على التراضي بين المتعاقدين. واشتُرطت فيها شروط لفائدة المتعاقدين كليهما. فإذا استوفت شروطَها فهي صحيحة، وبصحّة العقد ترتّب أثرُه. وكان الأصلُ فيها اللزومَ بحصول الصيغ.

وتسهيلاً للرواج شُرعت عقود مشتملة على شيء من الغرر، مثل المغارسة والسَّلَم والمزارعة والقراض، حتّى عدّها بعض علمائنا رخصاً، باعتبار أنها مستثناة من قاعدة الغرر، وإن لم يكن فيها تغيير حكم من صعوبة إلى سهولة لعذر. واعتبروا في إطلاق اسم الرخصة عليها أن تغييرَ الحكم أعمُّ من تغييره بعد ثبوته، أو تغيير ما لو ثبت لكان مخالفاً للحكم المشروع.

= لأنّ العرب تحرجت لما جاء الإِسلام أن يحضروا أسواق الجاهليّة كعكاظ وذي المجاز ومجنّة، فأباح الله تعالى ذلك. أي لا درَك في أن تتجروا وتطلبوا الربح. وفي التعليق على هذا الكلام من المحققين لكتاب ابن عطية: اللهم. إلا إذا كانت التجارة هي القصد، فإن الفرض يسقط والثواب ينقص. ابن عطية. المحرر الوجيز: 2/ 172.

(1)

البقرة: 282.

(2)

انظر بعد: 515.

(3)

انظر أعلاه: 241.

ص: 473

ولأجل مقصد الرواج كان الأصل في العقود المالية اللزوم دون التخيير إلَّا بشرط. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (1) كما استدل لذلك القرافي في الفرق السادس والتسعين والمائة (2).

وأما العقود التي جعلها فقهاؤنا غير لازمة بمجرد العقد بل حتى يقع الشروع في العمل، وهي الجُعْل (3) والقِراض (4) باتفاق، والمغارسة والمزارعة على خلاف (5)، فإنما نُظر فيها إلى عذر العامل لأنه قد

(1) المائدة: 1.

(2)

ذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن الأصل في العقود اللزوم لذوي الحاجات من الأعواض. وقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أمر للوجوب المنافي للخيار. القرافي. الفرق 196 بين قاعدة خيار المجلس وقاعدة خيار الشرط، الفروق: 3/ 269 - 275.

(3)

قال ابن رشد الحفيد: ولا خلاف في مذهب مالك أن الجعل لا يستحق شيء منه إلا بتمام العمل وأنه ليس بعقد لازم. ابن رشد. البداية: 2/ 196. وقال: أجمع العلماء على أن اللزوم ليس من موجبات عقد القراض، وأن لكل واحد منهما فسخه ما لم يشرع العامل في القراض. ابن رشد. البداية: 2/ 200.

وفي المزارعة قالوا: لا تلزم إلا بالبذر ونحوه كوضع الزريعة على الأرض مما لا بذر لحبه. وهو المشهور وعليه عوّل خليل. قال: لكلٍّ فسخ المزارعة إن لم يبذر. مختصر خليل: 215. وقيل: تلزم بالعقد، وقيلَ: لا تلزم إلا بالشروع في العمل. الحطاب. مواهب الجليل: 5/ 377.

(4)

عند المالكية بلغة أهل الحجاز، ويسمّى مضاربة عند أهل العراق. وهو دفع مالك مالاً من نقد مضروب مسلم معلوم لمن يتّجر به بجزء معلوم من ربحه قلّ أو كثر بصيغة. الصاوي. الشرح الصغير للدردير: 3/ 681 - 682؛ نزيه حماد. معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء: 223.

(5)

المغارسة عقد على تعمير أرض بشجر بقدر معلوم كالإجارة والجعالة، أو =

ص: 474

يخِف إلى العقد لرغبة في العوض ثم يتبيّنُ له أنه لا يستطيع الوفاءَ بعمله. فمصلحةُ العقد بالأصالة في لزومه وتأخر اللزوم في هذه لمانع عارض، خلافاً لظاهر كلام القرافي في الفرق التاسع والمائتين (1).

ومن معاني الرواج المقصود انتقالُ المال بأيد عديدة في الأمة على وجه لا حرج فيه على مكتسِبِه. وذلك بالتجارة وبأعواض العَمَلة التي تدفع لهم من أموال أصحاب المال. فتيسير دوران المال على آحاد الأمة وإخراجه عن أن يكون قاراً في يد واحدة أو متنقلاً من واحد إلى واحد مقصدٌ شرعي، فُهمت الإشارةُ إليه من قوله تعالى في قسمة الفيء:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} (2). فالدُّولة - بضم الدال - تداول المال وتعاقبه، أي: كيلا يكون مال الفيء يتسلمه غني من غني كالابن البكر من أبيه مثلًا أو الصاحب من صاحبه.

والشريعة قد بلغت إلى مقصدها هذا بوجه لطيف. فراعت لمكتسِبِ المال حقَّ تمتعه به. فلم تصادره في ماله بوجه يحرجه لما

= بجزء من الأصل. وهي جائزة لازمة بالعقد على الراجح. التسولي. البهجة: 2/ 196.

والمزارعة هي الشركة في الحرث. قال خليل: لا تلزم إلا بالبذر ونحوه، كوضع الزريعة في الأرض. ولكلًّ فسخ المزارعة إن لم يبذر. وعلى هذا القول المعول. وقيل: تلزم بالعقد، وقيل: لا تلزم إلا بالشروع في العمل. الشيباني. التبيين: 4/ 56 - 57.

(1)

جعل القرافي العقود الخمسة: الجعالة والقراض والمغارسة والوكالة وتحكيم الحاكم جائزة غير لازمة بالعقد. فهي متساوية لديه. القرافي. الفروق، الفرق 209 بين قاعدة ما مصلحته من العقود في اللزوم، وبين قاعدة ما مصلحته في عدم اللزوم: 4/ 13.

(2)

الحشر: 7.

ص: 475

هو في جبلة النفوس من الشُحَّ بالمال، فجعلت لحالة المال حكمين أحدهما حكمه في مدة حياة صاحبه، والثاني حكمُه بعد موت صاحبه.

فأما في الأول فأباحت لمالك المال في مدة حياة تصرّفَه فيه واختصاصَه به حثاً للنّاس على السعي في الاكتساب لتوفير ثروة الأمة وإبعاد المُفشلات عنها، فلم تجعل عليه في مدة حياة مكتسِبِه إلَّا حق الله فيه وهو الزكاة على اختلاف أحوالها، وتخميس المغانم.

والثاني حكمُه بعد موت مكتسبه. وفي هذه الحالة نفذت الشريعة مقصدَها من توزيع الثروة تنفيذاً لطيفاً، لأن مكتسب المال قد قضى منه رغبتَه في حياته، فصار تعلق نفسه مسألة بعد وفاته تعلقاً ضعيفاً إلا إذا كان على وجه الفضول. فعلمُ المكتسب باقتسام ماله بعد موته لا يثبّطه عن السعي والكد في تنميته مدة حياته، فشرع الإِسلام قسمة المال بعد وفاة مكتسبه. وقد كانوا في الجاهليّة يوصون بأموالهم لأحب الناس إليهم أو أشهرهم في قومهم تقرباً إليهم، وافتخاراً بهم، فأبطل الإِسلام ذلك. فأوجب الوصيَّة للأقارب بآية:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (1). ثم نسخ بشرع المواريث المبيَّن في القرآن والسنّة، ولم يُجعل لصاحب المال حقٌّ في صرفه بعد موته إلا في ثلث ماله أن يوصي به لغير وارث (2)، فتمّ مقصد التوزيع بحكمة، وهي جعل المال صائراً إلى قرابة صاحبه لأن ذلك مما لا تشمئز منه نفسه، ولأن فيه عوناً على حفظ المال في دائرة

(1) البقرة: 180.

(2)

تقدم: 136/ 3، 454/ 2.

ص: 476

القبيلة. وإنما تتكون الأمة من قبائلها، فيؤول ذلك إلى حفظه في دائرة جامعة الأمة.

ولم تحرِم الشريعة أولي الأرحام من حقًّ في المال. وقد كان أهل الجاهلية يحَرمون جانب المرأة من الميراث، فمن أين يجيء طمع أولي الأرحام! وقد سمَّى القرآنُ ذلك فريضة. وأكد المحافظة عليها بقوله في صدر آية المواريث:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} ، وقوله في خلالها:{آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} ، وقوله في آخرها:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} الآية (1).

ومن وسائل رواج الثروة القصدُ إلى استنفاد بعضها. وذلك بالنفقات الواجبة على الزوجات والقرابة. فلم يترك ذلك لإرادة القيّم على العائلة بل أوجب الشرع عليه الإنفاق بالوجه المعروف. وهو مما شمله قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (2)، وقوله:{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} (3)، وفي الآية الأخرى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (4).

ومن طرق الاستنفاد نفقات التحسين والترفه. وهي وسيلة عظيمة لانتفاع الطبقتين الوسطى والدنيا في الأمة من أموال الطبقة العليا. وهي أيضاً عون عظيم على ظهور مواهب أهل الصنائع

(1) النساء: 11 - 13.

(2)

البقرة: 3؛ الأنفال: 3؛ الحج: 35؛ القصص: 54؛ السجدة: 16؛ الشورى: 38.

(3)

الإسراء: 29.

(4)

الفرقان: 67.

ص: 477

والفنون في تقديم نتائج أذواقهم وأناملهم. هذه النفقاتُ هي المشار إليها بقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (1)، وقوله:{يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} (2). غير أن الشريعة لم تعمد إلى هذا النوع من الاستنفاد بالطلب الحثيث اكتفاء بما في النفوس من الباعث عليه كما قدمنا الإشارة إليه في أوليات هذا المبحث (3)، وتجنّباً من أن يصير التحريض عليه حملاً للأمة على السَّرفِ الذي يعرّض صاحبه لاختلال ثروتَه فيكون اختلالاً لجزء من نظام الثروة، وذلك قد يجرّ إلى اختلال الكل.

ومن وسائل رواج الثروة تسهيل المعاملات بقدر الإمكان، وترجيح جانب ما فيها من المصلحة على ما عسى أن يعترضَها من خفيف المفسدة. ولذلك لم يُشترط في التبايع حضورُ كلا العوضين، فاغتفر ما في ذلك من احتمال الإفلاس. وشُرعت المعاملات على العمل مثل المغارسة والمساقاة واغتفر ما في ذلك من الغرر. وشرعت البيوعات على الأوصاف كالبرنامج (4) واغتفر ما في ذلك من

(1) الأعراف: 32.

(2)

الأعراف: 31.

(3)

انظر أعلاه: 464.

(4)

البرنامج بفتح الباء والميم على الصحيح وبفتح الباء وكسر الميم. معرب برنامه بالفارسية. ابن عاشور. كشف المغطى: 280 - 281: الدفتر المكتوب فيه صفة ما في العدل من الثياب المبيعة. الدردير: 3/ 41. وعرّف أبو عمر بن عبد البر بيع البرنامج بقوله: هو من بيوع المرابحة. وهو بيع المشاع على الصفة، العشرة أحد عشرة ونحو ذلك. أجازه مالك وأكثر أهل المدينة لفعل الصحابة. وكرهه آخرون، لأن الصفة إنما تكون في المضمون وهو السلم. الزرقاني، شرح الموطأ: 3/ 320. انظر 31 =

ص: 478

الضرر، قصداً في جميع ذلك إلى تسهيل المبادلة لتيسير حاجات الأمة، وقد دلّ على ذلك قوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} (1).

وتختلف أنواع المتمولات في سهولة رواجها اختلافاً عظيماً. والأصلُ في سهولة الرواج يعتمد خفّةَ النقل، وقبولَ طول الادّخار، ووفرةَ الرغبات في التحصيل، وتيسرَ التجزئة إلى أجزاء قليلة. فالحبوب من القمح والشعير ونحوهما أيسر رواجاً من التمر والزبيب والتّين المجفّف، وأخف نقلاً، وأطول ادخاراً، وأكثر مرغوبية، وأيسر تجزئة. والفواكه دون ذلك في جميع هذه الصفات. والألبان واللحوم ضعيفة في جميعها. والسَمن والعسل مستويان في صفة الادّخار والنقل، ومختلفان في وفرة المرغوبية. والأنعام أقوى في وفرة المرغوبية وخفة النقل، وأعسر ادّخاراً وتجزئة. والرباع والعقار دون غيرها في معظم الصفات عدا صفة المرغوبية. فإن الناس في اقتنائها أرغب، وعدا صفة الادّخار لأن الخطر عنها أبعد.

وأهم ما اصطلح عليه البشر في نظام حضارتهم المالية وضع النقدين أعواضاً للتعامل. فقد كان التعامل الطبيعي في البشر يحصل بالتعاوض في الأعيان بحسب الاحتياج الباعث على الرغبة في صنف من أصناف الأشياء المنتفع بها. وكلّما قرب قوم من البداوة والبساطة قلّ التعامل بالنقدين بينهم. وهو المعنى الذي من أجله نرى الفقهاء يقسمون الناس إلى أهل ذهب وأهل فضة، وأهل أنعام، وكان من

= كتاب البيوع، 37 باب البيع على البرنامج، ح 78. طَ: 2/ 670. وتفصيل القول فيه في مختلف المذاهب في الاستذكار: 20/ 210 - 218.

(1)

البقرة: 282.

ص: 479

حقهم أن يزيدوا في التقسيم أهل الحبوب والثمار مثل الأوس والخزرج وثقيف. فإن هذا القسم قد كان كثيراً في بلاد العرب في الجاهليّة والإِسلام.

فالتعامل بالنقدين أيسر من التعامل بالأعيان من الأشياء من سائر الجهات، وبخاصة من جهة سهولة تجزئة القيمة، وسهولة التعاوض في الأمور الثقيلة في التسليم كالمقادير الكثيرة، وفي الأشياء التي يعسر فيها تعاوض الأعيان كالرباع والعقار؛ إلّا أن النقدين عند حالة الاضطرار، مثل حالة الحصار وحالة الجدب والمجاعة، لا تغني عن أصحابها شيئاً. فالنقدان عوضان صالحان بغالب أحوال البشر، وهي أحوال الأمن واليسر والخصب.

ومن أحسن ما ظهر فيه مزيّة التعامل بالنقدين أنه يمكن فيه تمييز البائع من المشتري. فباذل النقد مشتر وباذل العوض بائع، ولأن النقدين يُطلبان ولا يُعرضان بخلاف بقية المتمولات فإنها يلحقها العرض والطلب. ولا يلحق العرض بالنقدين إلَّا نادراً، كما يضع صاحب رأس المال مقداراً من ماله لمن يرغب المعاملة معه به مثل وضع رأس مال السَّلَم، ورأس مال القِراض، وترويج أوراق البنوك.

وقد كان كثير من التعامل في الإِسلام في عهد النبوّة حاصلاً بطريقة المعاوضة. فلذلك كثرت المنهيَّات من بيع الأشياء بأمثالها، لأن غالب تلك البيوع كان يتطرّقه الغرر والتغابن. ولعسر ضبط قيمة العوض، ولكثرة اختلاف صفات وأنواع الجنس الواحد من تلك الأعواض، مثل أنواع التمر والحنطة وصفاتها في الجودة والرداءة والجِدّة والقدم، وكان احتياج أحد المتعامليْن أو كليهما في المعاملة

ص: 480

الواحدة إلى تحمل الغرر باعثاً للمحتاج منهما على تحمّل الغرر لقضاء حاجته، وباعثاً للآخر على إلجاء المظنون به الاحتياج إلى تحمّل الغبن والغرر. فالغرر والغبن لا يكادان يفارقان معاوضات الأعيان. ولذلك اغتفر فيها ما لا بد منهما ولم يغتفر ما زاد على ذلك. ألا ترى إلى إباحة بيع الجزاف في الأشياء التي تكال وتوزن ولم يبح بيع النقدين جزافاً (1).

وقد جاء في حديث رافع بن خديج في النهي عن كراء الأرض أنه قال: كانت الأرض تكرى بالطعام ونحوه. وأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ. قال حنظلة بن قيس: فقلت لرافع: فكيف هي - أي الأرض - بالدينار والدرهم؟ فقال رافع: ليس بها بأس بالدينار والدرهم (2) *. قال البخاري في صحيحه عن الليث بن سعد: "إن الذي نُهي عنه من ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه، لما فيه من المخاطرة"(3).

وفي حديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم قالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله فسألناه عن الصّرف. فقال: "إن كان يداً بيد فلا بأس، وإن كان نَساء فلا يصلح"(4) *. يعني فلم يمنع فيه التفاضل كما

(1) انظر: 56/ 2.

(2)

* انظر كتاب [الحرث و] المزارعة من صحيح البخاري في باب بدون ترجمة. خَ: 3/ 68؛ وفي باب كراء الأرض بالذهب والفضة. خَ: 3/ 72 - 73. [وقد تقدم مثله من حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: 69/ 2، 3 وورد ذكره مفصلاً: 69/ 4]. اهـ. تع ابن عاشور.

(3)

تقدم تخرجه: 69/ 4.

(4)

* في صحيح البخاري في باب التجارة في البر وغيره من كتاب البيوع. اهـ. تع ابن عاشور.

ص: 481

منعه في بيع الطعام بمثله. وما أحسب ذلك إلَّا لانتفاء الغرر بإمكان ضبط الدنانير والدراهم.

وفي الموطأ عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر فجاءه بتمر جنيب (1) *. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكلُّ تمر خيبر هكذا؟ " قال: لا، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تفعل، بع الجَمع (2) * بالدراهمَ ثم ابتع بالدراهم جنيباً".

وقد ظهر من هذا كله أن من مقاصد الشريعة تكثيرَ التعامل بالنقدين ليحصل الرواجُ بهما. وفي سنن أبي داود (3) * عن عبد الله بن

= [البخاري: حديث سفيان عن عمرو، سمع أبا المنهال عبد الرحمن بن مطعم قال: "باع شريك لي دراهم في السوق نسيئة. فقلت: سبحان الله أيصلح هذا؟! فقال: سبحان الله، والله لقد بعتها في السوق فما عابه أحد. فسألت البراء بن عازب فقال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتبايع هذا البيع. فقال: ما كان يداً بيد فليس به بأس، وما كان نسيئة فلا يصلح". والقَ زيد بن أرقم فاسأله فإنه كان أعظمنا تجارة. فسألت زيد بن أرقم فقال مثله": 34 كتاب البيوع، 8 باب التجارة في البر خَ: 3/ 6].

(1)

* الجنيب: صنف من التمر نفيس. اهـ. تع ابن عاشور.

(2)

* الجمع: صنف من التمر رديء. اهـ. تع ابن عاشور.

[مجموع من أنواع مختلفة. انظر 34 كتاب البيوع، 89 باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه. خَ: 3/ 35؛ انظر 31 كتاب البيوع، 12 باب ما يكره من بيع التمر، ح 21. طَ: 2/ 623].

(3)

* صفحة 98 جزء 1. اهـ. تع ابن عاشور.

[انظر 40 كتاب الوكالة، 3 باب الوكالة في الصّرْف والميزان خَ: 3/ 61؛ انظر 22 كتاب المساقاة، 18 باب بيع الطعام مثلاً بمثل، ح 95. مَ: 2/ 1215؛ انظر 44 كتاب البيوع، 41 باب بيع التمر بالتمر متفاضلاً، =

ص: 482

مسعود: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكسر سكة المسلمين إلّا من بأس".

وما أحسب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استعمال الرجال الذهب والفضة إلا لحكمة تعطيل رواج النقدين بكثرة الاقتناء المفضي إلى قلّتهما.

وفي مشروعية التوثّق جاء قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (1)، وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (2)، وقوله:{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} (3).

وأما وضوح الأموال فذلك إبعادُها عن الضرر والتعرض للخصومات بقدر الإمكان. ولذلك شرع الإشهاد والرهن في التداين.

وأما حفظُ الأموال فأصله قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (4). وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم

= ح 4550. نَ: 7/ 271؛ انظر حديث عبد الله المزني: 17 كتاب البيوع والإجارات، 48 باب في كسر الدراهم، ح 3449. دَ: 3/ 730؛ انظر 12 كتاب التجارات، 52 باب النهي عن كسر الدراهم والدنانير، ح 2263. جَه: 2/ 761؛ حَم: 3/ 419].

(1)

البقرة: 282.

(2)

البقرة: 282.

(3)

البقرة: 283.

(4)

النساء: 29.

ص: 483

هذا" (1)، وقوله: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس" (2). وقوله: "من قتل دون ماله فهو شهيد" (3). وهو تنويه بشأن حفظ المال وحافظه، وعظم إثم المعتدي عليه. وإذا كان ذلك حكم حفظ مال الأفراد فحفظُ مال الأمة أجلُّ وأعظم.

إذن فحقَّ على ولاة أمور الأمة ومتصرفي مصالحها العامة النظر في حفظ الأموال العامّة سواء تبادلُها مع الأمم الأخرى، وبقاؤها بيد الأمة الإِسلامية.

فمن الأول: سَنُّ أساليب تجارة الأمة مع الأمم الأخرى،

(1) تقدم تخريج هذا الحديث: 263/ 6.

(2)

جاء بلفظ: "ولا يحل مال المسلمين". انظر 55 كتاب الوصايا، 8 باب قوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} . خَ: 3/ 188؛ حَم: من حديث عم أبي حرة الرقاشي: أنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه: 5/ 72.

(3)

انظر 46 كتاب المظالم، 33 باب من قاتل دون ماله. خَ: 3/ 108؛ انظر 1 كتاب الإيمان، 62 باب من قتل دون ماله فهو شهيد، ح 226. مَ: 1/ 124 - 125؛ انظر 34 كتاب السنة، 32 باب في قتال اللصوص، ح 4772. دَ: 5/ 128؛ انظر 14 كتاب الديات، 22 باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، ح 1418 - 1421. تَ: 4/ 28؛ انظر 37 كتاب تحريم الدم، 22 باب من قتل دون ماله، ح 4081. نَ: 7/ 114؛ 23 باب من قاتل دون أهله، ح 4091. نَ: 7/ 116؛ 24 باب من قاتل دون دينه، ح 4092. نَ: 7/ 116؛ انظر 20 كتاب الحدود، 21 باب من قتل دون ماله فهو شهيد، ح 2580. جَه: 2/ 861؛ حَم: من حديث عبد الله بن عمرو: 1/ 187، 2/ 193، 221، ومن حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: 1/ 190، ومن حديث أبي هريرة: 2/ 324، ومن حديث عبد العزيز بن عمرو بن شعيب: 2/ 217.

ص: 484

ودخول السلع وأموال الفريقين إلى بلاد أخرى، كما في أحكام التجارة إلى أرض الحرب، وأحكام ما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين على ما يدخلونه من السلع إلى بلاد الإِسلام وأحكام الجزية والخراج.

ومن الثاني: نظام الأسواق والاحتكار وضبط مصارف الزكاة والمغانم ونظام الأوقاف العامة.

وحقَّ على من وُلِيَ مال أحد أن يحفظه. وقد قال الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (1)، وقال:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا} (2).

وحقَّ على كل أحد احترامُ مال غيره. ولذلك تقرّر غرم المُتلَفات وجَعل سببها الإتلاف. ولم يلتفت فيها إلى نيّة الإتلاف لأن النيّة لا أثر لها في ذلك.

وأما إثبات الأموال فأردت به تقرّرها لأصحابها بوجه لا خطر فيه ولا منازعة. فمقصد الشريعة في ثبات التملك والاكتساب أمور:

الأول: أن يختص المالك الواحد أو المتعدد بما تملكه بوجه صحيح، بحيث لا يكون في اختصاصه به وأحقيته تردّد ولا خطر. ولذلك قال الله تعالى:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (3) فليس يدخل على أحد في ملكه منعُ اختصاصه إلَّا إذا كان لوجه مصلحة عامة. وقد

(1) النساء: 5.

(2)

النساء: 6.

(3)

البقرة: 282.

ص: 485

قال عمر: "والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً"(1).

وعلى هذا المقصد انبنت أحكامُ صِحة العقود وحملِها على الصحة، والوفاء بالشرط، وفسخ ما تطرقه الفساد منها لمنافاته لمقصد الشريعة، أو لمعارضة حقّ آخر اعتدي عليه. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن بيع التمر بالرطب:"أينقص الرطب إذا جفّ"؟ قال: نعم. قال: "فلا إذن"(2). فليس الاستفهام بقوله: "أينقص الرطب"، استفهاماً حقيقياً، ولكنه إيماء إلى علة الفساد. وقال في نهيه عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها:"أرأيت إن منع الله الثمرة فِيمَ يأخذ أحدكم مال أخيه؟! "(3).

والمقصدُ من الاكتساب مثل المقصد من التملك فيما ذكرنا. فبذلك كانت الأحكام مبنيّة على اللزوم في الالتزامات والشروط. وفي الحديث: "المسلمون على شروطهم إلَّا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرّمَ حلالاً"(4). وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (5). وفي حديث الترمذي عن العداء بن

(1) تقدم: 413/ 1، 415/ 3.

(2)

تقدم تخريجه: 56/ 1.

(3)

تقدم: 117/ 1، 2.

(4)

حديث عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده. انظر 13 كتاب الأحكام، 17 باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس، ح 1352. تَ: 3/ 634؛ الطرف الأول من الحديث انظر 37 كتاب الإجارة، 14 باب أجر السمسرة. خَ: 3/ 52؛ انظر حديث أبي هريرة: 18 كتاب الأقضية، 12 باب في الصلح، ح 3592. دَ: 4/ 19.

(5)

البقرة: 282.

ص: 486

خالد أنه اشترى من رسول الله صلى الله عليه وسلم عبداً أو أمة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له: "هذا ما اشترى العداء بن خالد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشترى منه عبداً أو أمة، بيع المسلم المسلم لا داء ولا خبثة ولا غائلة"(1).

الثاني: أن يكون صاحبُ المال حرَّ التصرف فيما تملّكه أو اكتسبه تصرفاً لا يضر بغيره ضراً معتبراً، ولا اعتداءَ فيه على الشريعة. ولذلك حجّر على السفيه التصرف في أمواله. ولم يجز للمالك أن يفتح في ملكه ما فيه ضرر بمالك آخر مجاور له. ومُنِعت المعاملة بالربا لما فيه من الأضرار العامّة والخاصة.

الثالث: أن لا يُنتزعَ منه بدون رضاه. وفي الحديث: "ليس لعِرقٍ ظالمٍ حقّ"(2). فإذا تعلق حقّ الغير بالمالك وامتنع من أدائه أُلزم بأدائه. ومن هنا جاء بيع الحاكم، والقضاء بالاستحقاق. ولرعي هذا المقصد كان المتصرف بشبهة في عقار فائزاً بغلاته التي استغلها إلى يوم الحكم عليه بتسليم العقار لمن ظهر أنه مستحقه.

وتقريراً لهذا المقصد قررت الشريعة التملّكَ الذي حصل في زمان الجاهليّة بأيدي من صار إليهم في تلك المدّة، ومن انتقل إليهم منها. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما دار أو أرض قُسمت في

(1) انظر 34 كتاب البيوع، 19 باب إذا بيّن البيّعان ولم يكتما ونصحا، اقتصر فيه على لفظ:"لا داء ولا خُبثة ولا غائلة". خَ: 3/ 10؛ 90 كتاب الحيل، 15 باب احتيال العامل ليهدى له. خَ: 8/ 66؛ انظر 12 كتاب البيوع، 8 باب ما جاء في كتابة الشروط، ح 1216. تَ: 3/ 520؛ انظر 12 كتاب التجارات، 47 باب شراء الرقيق، ح 2251. جَه: 2/ 756.

(2)

تقدم تخريجه: 91/ 1.

ص: 487

الجاهلية فهي على قسم الجاهليّة، وأيّما دار أو أرض أدركها الإِسلام فلم تقسم فهي على قسم الإِسلام" (1) *.

وأما العدل فيها فذلك بأن يكون حصولها بوجه غير ظالم. وذلك إما أن تحصل بعمل مُكتسبِها، وإما بعوض مع مالكها أو تبرع، وإما بإرث. ومن مراعاة العدل حفظ المصالح العامّة ودفع الأضرار. وذلك فيما يكون من الأموال تتعلق به حاجةُ طوائف من الأمة لإقامة حياتها، مثل الأموال التي هي غذاء وقوت، والأموال التي هي وسيلةُ دفاع العدو عن الأمة مثل اللامة والآطام بالمدينة في زمن النبوّة. فتلك الأموال وإن كانت خاصة بأصحابها إلا أن تصرّفهم فيها لا يكون مطلقَ الحرية كالتصرّف في غيرها.

وهذا وجه النهي عن أكل لحوم الحُمُر الأهلية في غزوة خيبر، بناءً على القول بأنه تحريم عارض لا ذاتي، وهو قول كثير من العلماء. قالوا: لأنها كانت حمولتَهم في تلك الغزوة (2). وفي صحيح البخاري من حديث ابن عمر أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان

(1) * رواه الموطأ عن ثور بن زيد [الديلي] بلاغاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: [36 كتاب الأقضية، 27 باب القضاء في قسم الأموال، ح 35. طَ: 2/ 746 - 747]. قال ابن عبد البر في التمهيد: وصله إبراهيم بن طهمان عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإبراهيم ثقة. ووصله محمَّد بن مسلم الطائفي عن ابن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس يرفعه. اهـ. تع ابن عاشور. وقد تقدّم: 304/ 1.

[انظر: ابن عبد البر: 2/ 48. وأخرجه أبو داود موصولاً: 13 كتاب الفرائض، 11 باب فيمن أسلم على ميراث، ح 2914. دَ: 3/ 330؛ 16 كتاب الرهون، 21 باب قسمة الماء، ح 2485. جَه: 2/ 831].

(2)

تقدم تخريجه: 108/ 1.

ص: 488

على عهد النبوّة، فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى ينقلوه حيث يباع الطعام (1). وكانوا يضربون على أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم. ولذلك كان من الحق إبطال الاحتكار في الطعام. وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب قال:"لا حُكرة في سوقنا، لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق من رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا. ولكن أيّما جالب جلب على عمود كبده في الشتاء والصيف فذلك ضيف عمر فليبع كيف شاء [الله] وليمُسك كيف شاء [الله] "(2).

(1) أخرجه البخاري، ولفظه: عن نافع عن عبد الله قال: "كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق، فيبيعونه في مكانهم، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه": 34 كتاب البيوع، 72 باب منتهى التلقي، ح 2. خَ: 3/ 28 - 29.

(2)

أخرجه مالك وآخره: فليبع كيف شاء الله وليمسك كيف شاء الله: 31 كتاب البيوع، 24 باب الحركة والتربص، ح 56. طَ: 2/ 651.

ص: 489