الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كج - مقصد الشريعة من نظام الأمة أن تكون قوية، مرهوبة الجانب، مطمئنة البال
لم يبق للشك مجال يخالج به نفسَ الناظر في أن أهم مقصد للشريعة من التشريع انتظامُ أمر الأمة، وجلبُ الصالح إليها، ودفعُ الضر والفساد عنها. وقد استشعر الفقهاء في الدين كلُّهم هذا المعنى في خصوص صلاح الأفراد. ولم يتطرّقوا إلى بيانه وإثباته في صلاح المجموع العام. ولكنهم لا ينكر أحد منهم أنه إذا كان صلاحُ حال الأفراد، وانتظامُ أمورهم مقصد الشريعة، فإن صلاح أحوال المجموع وانتظامُ أمر الجامعة أسمى وأعظم. وهل يُقصد إصلاحُ البعض إلَّا لأجل إصلاح الكل؟ بل وهل يتركَّب من الأجزاء الصالحة إلا مركَّب صالح؟! وهل ينبت الخطيَّ إلا وشيجُه (1)؟! وبذلك فلو فرض أن الصلاح الفردي قد يحصل منه عند إلاجتماع فساد، فإنّ ذلك الصلاح يذهب أدراجاً، ويكون كما لو هبت الرياح فأطفأت سراجاً.
وقد امتنّ الله على المسلمين وغيرهم من الأمم الصالحة بما
(1) تمام البيت:
وتُغْرَسُ، إلا في منابتها، النخلُ
هذا الشاهد نهاية قصيدة لزهير ذات واحد وأربعين بيتاً. قالها في مدح سنان بن أبي حارثة المري. وطالعها:
صحا القلب عن سلمى، وقد كان لا يسلو
…
وأقفر عن سلمى التَعانيقُ فالثَّقل
ديوان زهير: 51 - 55.
مكَّنَ لهم في الأرض وما أصلح من أحوالهم. فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (1)، وقال:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (2)، وقال:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (3)، وقال:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (4). فعلينا أن نتخيّل الأمة الإِسلامية في صورة الفرد الواحد من المسلمين فتعرِضُ أحوالها على الأحكام التشريعية كما تُعرَضّ أحوال الفرد. فهنالك يتّضح لنا سبيل واضحة من الإجراء التشريعي في أحوال الأمة.
وإن من أعظم ما لا ينبغي أن يُنسى عند النظر في الأحوال العامة الإِسلامية نحو التشريع هو باب الرخصة. فإن الفقهاء إنّما فرضوا الرخص ومثّلوها في خصوص أحوال الأفراد. ولم يعرجوا على أن مجموع الأمة قد تعتريه مشاق اجتماعية تجعله بحاجة إلى الرخصة كما قدمناه في فصل الرخصة (5).
وليس القول في سدّ الذرائع ورعي المصالح المرسلة بأقلّ أهمية من القول في الرخصة. وتعلّقُهما بمجموع الأمة من خواصهما بحيث لا يفرضان في أحوال الأفراد بخلاف الرخصة.
(1) النور: 55.
(2)
النحل: 97.
(3)
آل عمران: 103.
(4)
المنافقون: 8.
(5)
انظر أعلاه: 356.