الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرورية كخطوات لا بد من اتباعها في المنهج التجريبي لتكوين البرهان الاستقرائي، والتوصل إلى اكتشاف القوانين، وذلك عن طريق إثبات الروابط العلية بين الظواهر.
لكن منهج ميل نفسه لم يسلم هو الآخر من النقد الشديد، انطلاقا من أنه وإن كانت نصائح وإرشادات بيكون فضفاضة يأخذ بها الباحث، أو يعدل عنها وفقا للظروف والحاجات، فإن قواعد ميل متزمتة لا تسمح بالتحلل منها. ونكتفي هنا بتعداد تلك القواعد التي تعرف بمناهج ميل الخمسة وهي: منهج الاتفاق، منهج الافتراق، المنهج المزدوج للاتفاق والافتراق، منهج البواقي، منهج التغيرات المساوقة.
رينيه ديكارت:
تأثر منهج ديكارت تأثرا عميقا بدراساته الرياضية في صدر شبابه، وانعكس ذلك بصفة خاصة في كتابيه "القواعد لتوجيه العقل" وفيه شرح لمنهجه بالتفصيل، ثم "المقال عن المنهج" وهو تلخيص للكتاب الأول. والمنهج كما يراه هو "قواعد وثيقة سهلة تمنع مراعاتها الدقيقة من أن يؤخذ الباطل على أنه حق، ويبلغ بالنفس إلى المعرفة الصحيحة بكل الأشياء التي نستطيع إدراكها، دون أن نضيع في جهود غير نافعة".
أقام ديكارت منهجه على أساسين، هما:
الحدس والاستنباط العقلي، وهو يعني بالحدس انتقال الذهن انتقالا سريعا مباشرا من معلوم "يقيني" إلى مجهول. فهو نور فطري يمكن الإنسان من إدراك الأفكار البسيطة والحقائق الثابتة والروابط بين قضية وأخرى إدراكا مباشرا -بغير وسيط من عقل أو تجريب- وفي نفس الوقت وليس على التعاقب. أما الاستنباط العقلي فمرحلة تالية للحدس، وهو حركة ذهنية نستنتج بها شيئا مجهولا من شيء
معلوم، ويراد به البرهنة على قضية ما عن طريق مبادئ عامة تصدق عليها، وبه نستخلص من شيء نعرفه معرفة يقينية نتائج تلزم عنه1.
اتهم ديكارت منطق أرسطو بالتعقيد، ووضع بدلا منه قواعد سهلة يمكن تطبيقها في كل بحث نظري. وقد لخَّص القواعد المتعددة التي وضعها في أربع فقط، هي2:
1-
قاعدة اليقين: "لا أقبل شيئا قط على أنه حق، إلا إذا عرفت يقينا أنه كذلك". ويمكن تطبيق هذه القاعدة من وجهة نظره باجتناب التهور والتسرع في إصدار الحكم قبل النظر. واجتناب التهور هو الامتناع عن الحكم قبل أن يصل العقل إلى يقين كامل، بينما يعني التحذير من الحكم قبل النظر اجتناب الأخذ بأفكار خاطئة عن السلف. لقد كان الوضوح هو معيار الصواب والخطأ الذي أخذ به ديكارت، واعتبره وسيلة ناجعة لتخليص العقل من الأفكار الباطلة الموروثة، والتحرر من سلطان الكنيسة وتأثير الفلسفة المدرسية للعصر الوسيط.
2-
قاعدة التحليل: "نقسم المشكلة موضوع البحث ما أمكننا ذلك، أي: نقسمها إلى أجزاء بسيطة بقدر ما تدعو الحاجة إلى حلها على أحسن وجه". إن الهدف من ذلك هو رد المركب إلى البسيط، والمعقد إلى السهل حتى تتضح الفكرة، ويمكن تأمين العقل من الزلل. ويدرك العقل هذا البسيط بالحدس الذي يدرك الأفكار البسيطة والحقائق الثابتة. فهو إذًا يجعل العلم بالمعقولات سابقا على العلم بالمحسوسات؛ لأن الأفكار أوضح من الأشياء.
1 توفيق الطويل، أسس الفلسفة، مرجع سابق، ص147، 148.
2 المرجع السابق، ص148-150، نجيب بلدي، ديكارت، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، القاهرة 1959، ص65 وما بعدها، 175 وما بعدها.
3-
قاعدة التأليف والتركيب: "قيادة الأفكار بنظام، مبتدئين بأبسطها وأشملها معرفة، والتدرج إلى أكثرها تعقيدا". وتكمل هذه القاعدة ما ذكرناه في القاعدة السابقة.
4-
قاعدة الاستقراء التام: "القيام بإحصاءات كاملة، ومراجعات شاملة تجعلني على يقين من عدم إغفال شيء له صلة بالمشكَلة المعروضة". أي: إن ديكارت يلزم الباحث بالقيام بمراجعات فكرية متصلة لكل ما يرتبط بموضوع بحثه.