الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقودنا هذا إلى الاستنتاج بأن المناهج الكيفية تستخدم في معالجة معظم الموضوعات التي يتعرض لها علماء السياسة بالبحث. بينما يلجئون إلى المناهج الكمية في المسائل المتعلقة أساسا بالوحدات النمطية الكبيرة العدد كالناخبين.
من ناحية أخرى، يرجح الاعتماد على النتائج المتحصلة من استخدام المناهج الكمية وليس الكيفية، لكن يتحتم إدراك أن المنهج -أيا كان ومهما بلغت دقته- ليس عصا سحرية، وأن أفضل المناهج لن تعطي الثمار المرجوة ما لم يكن استعمالها معتمدا على باحث يعرف طريقه إلى هدفه المحدد، معتمدا على سعة أفقه وقدرته الإبداعية.
لهذا قد تساعد الأسئلة المطروحة أكثر من المناهج المستعملة على كشف مدى نفوذ وأصالة العلماء الباحثين، إذ إن مشكلة البحث العلمي ليست دراسة أية حقائق مهما كان مستواها أو تجميع معلومات عامة متفرقة، وإنما هي دراسة حقائق ومعلومات تخدم هدفا محددا طموحا وذا مغزى في نفس الوقت.
إذا توفرت تلك العوامل فقد يتوصل هؤلاء الأذكياء إلى استعمال، أو تطوير مناهج -ربما تكون كمية- بدت حتى ذلك الحين غير ضرورية، أو لا علاقة لها بالموضوع.
المبحث الثالث: المناهج الاستقرائية والاستنباطية
lnductive، Deductive Methods
الاستقراء نوع من التفكير وأسلوب للدراسة يتتبع الجزئيات للتوصل منها إلى حكم كلي. ويعود الاستقراء تاريخيا إلى بعض كتابات أرسطو وإن كان الاهتمام به قد زاد في القرنين السابع عشر والثامن عشر نتيجة للتطور الكبير في العلوم الطبيعية.
والاستقراء كمنهج للبحث يعني اتباع أسلوب تجريبي في دراسة الظواهر ننتقل فيه من الحقائق الفردية إلى الفروض العامة. أي: تقودنا الأولى وهي
الحقائق إلى الثانية، وهي الفروض أو تكوين المفاهيم1.
أما الاستنباط "أو الاستنتاج" فهو استخدام قوانين المنطق في إثبات، أو الاستدلال على نتيجة ما من فرض أو أكثر. هذه النتيجة عبارة عن سلسلة من الفروض كل منها إما مقدمة، أو فرض ينتقل مباشرة من فروض أسبق في تلك السلسلة. وتجب ملاحظة أنه في النتيجة التي أمكن الاستدلال عليها تختفي الحقائق في الفروض، مما يدعو إلى استنتاجها بالتحليل المنطقي.
هذا، وقد أدت الدراسات التي جرت في القرنين التاسع عشر والعشرين حول مشاكل المنطق الرياضي، إلى إكساب الأفكار الغامضة المرتبطة بالاستنباط مزيدا من الدقة، كما أظهرت أن المفهوم الشائع عن الاستنباط كانتقال من العام إلى الخاص هو مفهوم ناقص2.
وفي الواقع، كانت وجهة النظر القديمة -التي تعرضت لنقد شديد- ترى أن الاثنين متناقضان، وأنه في حالة الاستقراء ينتقل التفكير من الخاص إلى العام بينما في الاستنباط يحدث العكس. وتعتبر مثل هذه المناقشة سقيمة حيث إنه لا غنى عن الاثنين في البحث العلمي.
ولعل الأدق هو التمييز بينهما على أساس أن منهج الاستقراء يسعى إلى إثبات حقيقة ما عن طريق ملاحظة الواقع الحي، بينما ينصرف الاهتمام في منهج الاستنباط في المرتبة الأولى إلى المعاني المتضمنة في فروض معينة3.
1 J.M. Bocheski، The Methods of Contemporary Thought، New York and Fvanston 1968، pp. 107، 108.
لمزيد من التفاصيل حول الاستقراء وأنواعه انظر: ياسين خليل، منطق المعرفة العلمية، مرجع سابق، ص218 وما بعدها.
2 M. Roesnthal، P. Yudin، eds.، A Dictionary of Philosophy، op. cit.، pp. 214، 215،112 ; cf. A. Brecht، Political Theory، op. cit.، pp. 28، 56، 59، 516.
3 Dyke، p. 184; S. L. Wasby، Political Science "The Discipline and its Dimensions"، op. cit.، p. 2?.