الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد وجهت انتقادات كثيرة إلى النظرية القائلة بأن السياسة هي صراع من أجل السلطة. فهي مثلا لا تشير إلى القدر المطلوب منها، أو الموضوع الذي يجري الصراع بشأنه، كما لا توضح الثمن الذي قد يكون المتصارعون على استعداد لدفعه أو القيم الأخرى التي قد يضحون بها في سبيل ذلك، بمعنى آخر: فإن الافتراض الذي يساق أحيانا بلا تفكير، مدعيا أن كل الأفراد على المسرح السياسي يسعون دائما، وبلا كلل من أجل زيادة سلطتهم بأي ثمن، هو افتراض خاطئ.
لهذا، فإن على هؤلاء الذين يتبنون مفهوم الصراع من أجل السلطة أن يضيفوا إلى حججهم ما يوضح مجال النشاط الذي يدور بخلدهم. فقد يكون المجال السياسة الداخلية للحكومة، أو السياسة الخارجية، أو العلاقات الدولية. وقد يكون أوسع من ذلك، فيضم كل أنواع الجماعات التي قد يحدث داخلها أو بينها ما يعتبر صراعا من أجل السلطة أو النفوذ أو السيطرة كما قد يحدث أحيانا من منافسة بين الشركات التجارية للتأثير في أذواق واختيارات المشترين، أو داخل النقابات المهنية للتأثير على أعضائها من أجل الفوز بعضوية مجالس إداراتها، أو في الصراع داخل النقابات العمالية أو المهنية، أو صراعها مع الهيئات التنفيذية والتشريعية1.
1 V. O. key، Jr.، Politics، Parties & Pressure Groups، fifth ed.، New York 1964 "first publ. 1942"، pp. 98 ff.
المبحث الرابع: التأثير والقيم
هناك تعريفات كثيرة متضاربة لمعنى التأثير. ومنعا للّبس نشير إلى تعريف مبسط يرى أن التأثير، أو النفوذ هو نوع من القوة قد تكون ظاهرة أو خفية، وتؤثر تأثيرا عميقا في ممارسة السلطة وفي مؤسساتها.
ولا يجب أن يتبادر إلى الذهن أنه لا بد من إصدار أوامر أو نواهٍ حتى نسلم بوجود تأثير أو نفوذ؛ إذ العكس هو الصحيح. فنادرا ما يتخذ التأثير ذلك الشكل
الفج، وإنما يجد تعبيرا عنه في محاولات الحث والإقناع، وأحيانا الغمز والتلميح بهدف التأثير على السامع أو القارئ بشكل غير مباشر. لهذا نلاحظ، أنه وإن كانت القوة تشكل النواة الصلبة للمواقف التي تتخذها السلطة، إلا أنها تحيط بها حالة كبيرة من التأثير1.
لزيادة الإيضاح، نتناول عددا آخر من التعريفات حتى يمكن الإحاطة بطبيعة الصعوبات التي تكتنف اختيار موضوعات الدراسة السياسية. من تلك التعريفات ذلك القول الشائع:"من يحصل على ماذا، متى وكيف؟ " الذي وضعه هارولد لا سويل كعنوان فرعي لكتابه المبكر في "السياسة" والذي عرف فيه الدراسة السياسية بأنها دراسة للنفوذ وللتأثير وذوي السطوة. وفي موقع آخر من الكتاب يصف التحليل السياسي بأنه بحث التغيرات التي تطرأ على شكل وتكوين نمط القيم التي يؤمن بها المجتمع2. أما أيستون، فقد عرف علم السياسة بأنه دراسة مدى تأثير استعمال وتوزيع السلطة على المكانة المرعية للقيم في المجتمع3.
وغير خافٍ أن نقطة الضعف الرئيسية في تلك التعريفات -كما يقول فان دايكه- هي غموضها وصعوبة تفسير المصطلحات الرئيسية الواردة بها، أو على أحسن الفروض فإنه يمكن تطبيقها في مجالات متعددة بحيث تتضاءل فائدتها كتعريفات سياسية. مثلا: ما هو التأثير؟ وكيف يمكن تعريف من له سطوة؟ وهل العنوان الفرعي المذكور أعلاه يعود بالضرورة إلى دراسة سياسية؟ وما المقصود بمجموعة المصطلحات التي تتحدث عن القيم ونمط القيم وشكل وتكوين ذلك النمط؟
1 G.J. Friedrich، Man and His Government، op. cit.، p. 163.
2 Harold D. Lass well، World Politics and Personal Insecurity، New York 1935، p. 3.
3 David Easton، The Political System، New York i953، p. 146.