الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأن كل محاولة تهدف إلى الفصل التام بينهما تنتهي لا محالة إلى العجز عن فهم كليهما، ويضيف إلى ذلك بأن البحث الفلسفي بوجه عام نشأ على أثر الإيمان بالدين.
ويعلق الفيلسوف الفرنسي إميل برييه على ذلك في تقديمه لكتاب ماسون أورسيل فيقول: إن استبعاد تراث الشعوب الشرقية في المعرفة والفكر سيؤدي إلى عدم فهم الفلسفة، ويشبه هذا الوضع بمن يعجز عن تقييم نهاية لحن ما، بسبب فصله عن بدايته.
ويدلل برييه على رأيه بتفجر الروح الشرقية عند الفلاسفة السابقين على سقراط وعند أفلاطون نفسه، وكذلك الجذور السامية لأفكار المدرسة الرواقية، والجواليني الذي نمت فيه الأفلاطونية المحدثة وغزو المذهب المانوي الإيراني الأصل، ثم يستخلص من ذلك أنه سيكون من السذاجة الظن بأن كل هذا يرجع إلى التقدم المنطقي، والحتمي للعبقرية اليونانية1.
1 E. Brehier ct P. Masson-Oursel، Histoire De La Philo-sophie، op. cit.، pp. 1، 2، Vl.
المبحث الثاني: التعريف
لم يستعمل حكماء الشرق القديم لفظ فلسفة "فيليوسوفيا" وإنما ابتكره اليونان فيما بعد. وهذا الاصطلاح كما هو واضح مكون من كلمتين: فيليو أي: حب، وسوفيا بمعنى: الحكمة، أي: حب الحكمة1.
تباينت الآراء حول من استعمله. فذهب البعض إلى أن تلاميذ سقراط -وخاصة أفلاطون وأرسطو- كانوا أول من استخدم هذا اللفظ، إذ قارن أفلاطون بين الفيلسوف والسوفسطائي، يتلمس الأول المعرفة لذاتها وينشد العلم لغيرما غاية أو منفعة، بينما يتنقل السوفسطائي من مكان إلى مكان؛ ليعلم الشباب مقابل أجر
1 Dagobert D. Runes، ed.، Dictionary of Philosophy، 15 th revised ed.، Totowa، New J ersey 1965، p. 235.
يتقاضاه. اعتقد آخرون أن فيثاغورث "الذي توفي قبلهم عام 497 ق. م" هو أول من استخدم لفظ الفلسفة بمعنى البحث عن طبيعة الأشياء. ويميل الباحثون اليوم إلى اعتبار هيرودوت أول من استعمل الفعل يتفلسف بمعنى: طلب العلم، والتماس المعرفة دون غرض أو منفعة.
تطور معنى الفلسفة في الفكر الإغريقي بتتابع المدارس الفكرية، وتغير الظروف السياسية. فقد نظر طاليس والطبيعيون الأوائل إلى الفلسفة على أنها تفسير الوجود، والوقوف على طبيعته، ووضع منهج عقلي يقوم على التعليل المنطقي والبرهان العقلي. بهذا سموهم حكماء أي: باحثين عن طبائع الأشياء وحقائق الموجودات، وبذلك صار تعريف الفلسفة بأنها البحث في طبيعة الموجودات.
أما أرسطو فقد عرف الفلسفة بأنها البحث عن الوجود بما هو وجود بإطلاق أو هي البحث في طبائع الأشياء وحقائق الموجودات. وسماها الفلسفة الأولى تمييزا لها عن الفلسفة الثانية أي: العلم الطبيعي، وأطلق عليها كذلك الحكمة؛ لأنها تبحث في العلل الأولى إطلاقا، كما سماها بالعلم الإلهي؛ لأن أهم مباحثها هو الله "س" الموجود الأول، والعلة الأولى للوجود.
وقد أطلق أرسطو اصطلاح فلسفة على العلم بأعم معانيه. فالعلم النظري يبحث في الطبيعيات والرياضيات والإلهيات، والعملي يتناول الأخلاق والسياسة بعللها الأولى، أو علم الوجود بما هو كذلك، مجردا من كل تحديد أو تعيين.
كان العمل بالفلسفة آنئذ يعني بذل جهد عقلي للكشف عن حقيقة جديدة، أو نزوعا عقليا يدفع إليه الشعور بالجهل وتبعث عليه اللذة العقلية المجردة دون غاية عملية أو حاجة دينية، أي: إنها باختصار كانت تهدف إلى معرفة العلل البعيدة والمبادئ الأولى. وقد سمي هذا قديما بالعلم وظل ممتزجا بالفلسفة حتى مطلع العصر الحديث.
انتهى العصر الهيليني بموت أرسطو عام 322 قبل الميلاد، وبدأ العصر الهيلينستي الذي تميز بالتحول عن التفكير في الوجود إلى البحث في سلوك الإنسان والتطلع