الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن التأثير مثلا يمكن أن يمارسه المحامي على المتهم الذي يترافع عنه، والطبيب على المريض الذي يعالجه، والمعلن على المشتري المحتمل للسلعة، أي: إن المحامي والطبيب والتاجر المعلن يمكن افتراض أنهم من ذوي التأثير، بل والسطوة أحيانا. رغم ذلك، فإن الدراسة التي تبحث في النفوذ والسطوة من تلك الزاوية لا تكون بالضرورة دراسة سياسية.
بالمثل، فإن السؤال المركب:"من يحصل على ماذا، متى وكيف؟ " لن يساعد كثيرا على تعريف مجال السياسة، أو نوع الدراسات التي يجب القيام بها في هذا الحقل. بل أكثر من ذلك، يمكن القول: إن هذا السؤال قد يساعد بنفس القدر من الفعالية في توجيه دراسات تجري عن السرقة، أو الجنس.
إذا انتقلنا إلى اصطلاح القيم واجهنا نفس الصعوبة، بمعنى أنه لا يساعد كثيرا في دراسة ما هو سياسي. فالقيم التي عددها لا سويل في كتابه نجد بينها الحب والسعادة والمهارة والتنوير. وأية دراسة لشكل وتكوين نمط تلك القيم لن تكون بالضرورة دراسة سياسية. لهذا فإن شيئا محددا لا بد من إضافته للمصطلح الأساسي "القيم" حتى يمكن تعريف، ودراسة ما هو سياسي.
من هنا تمثل الإضافة التي وضعها أيستون تقدما نحو توجيه النظر ليس إلى كل القيم، وإنما إلى تلك القيم المرعية في مجتمع ما وليس لدى جماعة عابرة. معنى ذلك أن تلك القيم إذا لم تكن متأثرة بتوزيع واستعمال السلطة، فإن الدراسة لا يمكن اعتبارها سياسية. ورغم الفائدة التي قد يمكن الحصول عليها من ذلك البحث تظل بعض الشكوك معلقة حول حقيقة المقصود من مصطلحات مثل قيم ومرعية بحيث يصعب وضع تعريفات مرضية لها مما يرجح الأخذ إلى حد ما بالتعريف المبسط الوارد في بداية هذا البند.
المبحث الخامس: عملية صنع القرار
مدخل
…
المبحث الخامس: عملية صنع القرار
ينظر بعض علماء القانون والتاريخ الفرنسيين وكذلك بعض علماء الاجتماع الأمريكيين، ينظرون إلى علم السياسة نظرة متعالية على أساس أنه ذلك العلم الحديث الذي نشأ ليهتم "ببقية" residu الموضوعات التي
أهملتها العلوم الاجتماعية الأخرى؛ مما دعا البعض إلى تسميته Science residuelle. من تلك الموضوعات المتبقية التي أثرت في تحديد مجال نشاطه: عملية صنع القرار السياسي، الانتخابات، الأحزاب السياسية، الجماعات الضاغطة.
يعترض عالم الاجتماع السياسي موريس ديفرجيه على هذه النظرة، ويرى أنه وإن كان صحيحا أن العلوم الاجتماعية الأخرى أهملت تلك الموضوعات -والتي صارت فيما بعد مجال التخصص الدقيق لعلم السياسة- إلا أنه من غير المتصور قصر نطاق ذلك العلم الحديث على تلك الموضوعات "المتبقية" أو "الفضلات".
ينطلق ديفرجيه في نقده ليس بوازع من الذود عن الكرامة، وإنما بهدف دعم إمكانيات البحث العلمي. فلكي يتم تحليل السلطة السياسية أو الدولة بأسلوب علمي يجب في رأيه عدم الاقتصار على تناولها في بعض مظاهرها المنعزلة أو المتفرقة. بدلا من ذلك، يجب تحليلها في كافة صورها وبأسلوب مقارن. بمعنى أن المتخصص في علم السياسة يتحتم عليه دراسة الموضوعات "المتبقية" وكذلك تلك التي عالجتها العلوم الاجتماعية الأخرى؛ ذلك لأن هذه الأخيرة تشكل "موضوعا مشتركا" بالنسبة لكل من علم السياسة، والعلوم الاجتماعية1. فما هي حقيقة تلك الموضوعات "المتبقية" التي ثار بشأنها الجدل؟ سنشير فيما يلي إلى بعض منها.
تعتبر عملية صنع القرار من السمات البارزة للسياسة، رغم أنها كمدخل مميز للبحث لم تنل حتى وقت قريب ما نالته غيرها من الاهتمام كالمؤسسات
1 M. Duverger، methodes De La Science Politique op. cit.، pp. 23، 24، cf. pp. 25 pp. 25، 26.
انظر كذلك الأستاذ الدكتور عبد الرضا حسين الطعان، علم السياسة "المحاولات السلبية لتحديد موضوعه". بغداد 1970، ص124.