الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الماضي، فإن ذلك يستتبع ضرورة الاختيار بين عدة مداخل لدراسة ذلك الماضي. بمعنى أنه عند تقصّي الجذور التاريخية للموضوع، يستعان أحيانا بمعلومات اقتصادية أو فلسفية، وأحيانا أخرى يستعان بمعايير مغايرة في الاختبار. لهذا فإن المداخل التي سيأتي ذكرها يمكن تطبيقها في الدراسات التاريخية، وغيرها من الدراسات السياسية المعاصرة.
المبحث الثاني: المدخل الاقتصادي
أثارت العلاقات بين الاقتصاد والسياسة -ولا زالت تثير- الكثير من الجدل والخلاف حول بعض القضايا الأساسية في علم السياسة، وخاصة مدى وحدود التغيرات السياسية والقوى التي تؤثر في المؤسسات والقرارات، ومدى معقولية الاختيارات التي يستقر عليها الرأي.
من المعلوم أن المدارس المادية للفكر تتفق على أن العوامل الاقتصادية من موارد أساسية، وأساليب إنتاج وتوزيع تحدد شكل المؤسسات السياسية، والقوة النسبية للطبقات والفئات، والإطار الذي تتحرك داخله هيئات الدولة ومسئولوها.
أما مدارس الفكر غير المادية فترفض كثير منها تلك النظرة، وترى أن الشكل السياسي للدولة أو السلطة السياسية هي التي تحدد كيفية استعمال الموارد، والدور الذي يلعبه السوق في الاقتصاد القومي1.
1 J. Roland pennock، David G. Smith، Political Science، An lntroduction، New York، London 1964، pp. 88، 89.
يلاحظ رغم ذلك أن بعض المفكرين الليبراليين يسلمون جزئيا بأهمية المدخل الاقتصادي، ويستخدمونه في دراستهم الميدانية، معترفين بأنه يقدم تفسيرا أكمل للظواهر إذا قورن بأي مدخل آخر، كما أنه يحقق نتائج مشابهة لتلك التي تتوصل إليها طرق التحليل الأكثر طولا وتعقيدا. انظر كمثل على ذلك:
John R Nellis، A Theory of ldeology "The Tanzanian Example"، Nairobi، 1972، p. 14.
وحيث إننا لسنا بصدد المقارنة بين هذين الاتجاهين المتعارضين اللذين يختلفان حول أي القوتين الاقتصاد أم السياسة لها اليد الطولي والتأثير الفعال، فإن الحقيقة الهامة التي تجدر الإشارة إليها هي أنهما لم يختلفا حول العلاقة الوثيقة التي تربطهما ببعضهما البعض، وكذلك الاعتماد الكبير المتبادل بينهما.
إلا أن تطور المجتمعات والنظم الاقتصادية شاءت الليبرالية أو لم تشأ يتجه إلى حسم هذه القضية في صالح الاقتصاد وأسبقيته في مجال التأثير على السياستين المحلية والدولية. فقد تغيرت الظروف التي كانت سائدة في بداية النظام الرأسمالي، حيث المنافسة الحرة وعدم تدخل الحكومات في النشاط الاقتصادي إلى أوضاع أخرى تفاقمت فيها مشاكل المنافسة الاحتكارية ليس داخل كل بلد رأسمالي فحسب، وإنما بين الدول الرأسمالية الكبرى أيضا حتى انفجرت الأزمة الاقتصادية عام 1930 التي دفعت الحكومات إلى التدخل المباشر، واتخاذ إجراءات سياسية لمواجهة الموقف.
بلغت الأزمة الاقتصادية ذروتها مرة أخرى في بداية السبعينات من هذا القرن حيث اختلطت الظواهر الاقتصادية القديمة، وتشابكت لتعطي أبعادا أكثر تعقيدا للأزمة الاقتصادية المتمثلة فيما أطلق عليه ظاهرة التضخم الركودي، وما صحبها من ارتفاع معدلات البطالة وازدياد قبضة الاحتكارات الدولية وظهور المجموعات الاقتصادية العملاقة والشركات متعددة الجنسية بحيث لم يقتصر الأمر على الحاجة إلى قرارات سياسية على مستوى الحكومات فقط، وإنما استدعى أيضا تدخل هيئة الأمم المتحدة للحد من الآثار الضارة لتلك التطورات.
لهذا، فإننا نلاحظ -وخاصة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية- أن الحكومات -وخاصة في النظم الرأسمالية- يزداد تدخلها شيئا فشيئا في النشاط الاقتصادي المتعاظم مما استدعى وضع سياسات جديدة في مجال إنتاج وتوزيع السلع والخدمات وأسعار صرف العملات ونظم الاستيراد والتصدير.