الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: منهج التحليل
Analysis
نهدف فيما يلي إلى تبسيط معنى هذا الاصطلاح بقدر الإمكان، دون الدخول في التفصيلات والتطورات التاريخية التي طرأت عليه منذ أشار إليه أرسطو في دراسته للمنطق، ومرورا بإيمانويل كانت حتى هوسيرل.
التحليل بإيجاز هو عملية تعريف وتقييم للأجزاء التي يتكون منها الكل. وبمعنى آخر هو تعريف وتقييم للأجزاء المكونة للموضوع قيد البحث كوسيلة للحصول على معرفة غنية وجديدة. هذا مع ملاحظة أن التحليل يتخذ أشكالا ومستويات مختلفة تبعا لطبيعة ذلك الموضوع، وأن تعدد عمليات التحليل يعتبر شرطا لتوفير إدراك أعم وأشمل له.
إن تحليل الظاهرة المعقدة إلى عناصر بسيطة، أو تقسيم الشيء إلى مكوناته أو وحداته يمكن أن يعود بفوائد جمة، نذكر منها:
- كشف جوهر الظاهرة، أو هيكل الشيء.
- تحديد علاقة العناصر أو الأجزاء بعضها ببعض، وكيفية تآلفها فيما بينها داخل الإطار العام للكل.
- تحديد وظيفة كل منها وما يمثله من ثقل ومساهمة في الدور العام الذي يقوم به الكل، وبالتالي تمكين الباحث من التمييز بين ما هو أساسي أو غير أساسي من تلك العناصر أو الأجزاء.
- كشف المراحل المتعددة التي تمر بها الظاهرة في حركتها وتطورها، ومعرفة ما قد يكون هناك من اتجاهات متعارضة.
- تمكين الباحث من تصنيف الظواهر والأشياء بطرق كثيرة؛ لتخدم أغراضا متعددة1.
1 Dyke، pp. 179، 180; Frederick W. Frey، "CrossCultural Survey Research in Political Science"، in: Robert T. Holt And John E. Turner، eds.، The Methodology of Comparative Research، New York 1970، pp. 288، 289.
ياسين خليل، منطق المعرفة العلمية "تحليل منطقي للأفكار والقضايا والأنظمة من المعرفة التجريبية البرهانية، الجزء الأول من نظرية العلم"، بنغازي 1971. انظر الفصل الثالث عن التحليل والتركيب، وخاصة التجزئة أو القسمة إلى عمودية وأفقية، ص80 وما بعدها.
إلا أنه من الصعب ذكر كلمة التحليل دون ذكر كلمة التركيب Synthesis؛ وذلك للعلاقة الوثيقة التي تربطهما. فكما يعني التحليل عملية تفتيت الكل إلى أجزاء سواء كان تفتيتا واقعيا "كما يحدث في العلوم الطبيعية كالطبيعة والكيمياء"، أو تفتيتا ذهنيا "كما هو الحال في العلوم الاجتماعية"، فإن التركيب يعني إعادة تجميع وبناء الأجزاء لتكوين الكل.
ويلعب كل من التحليل والتركيب دورا هاما في عملية الإدراك، ويحدثان بشكل مستمر في كل مرحلة من مراحله، كما يرتبطان ارتباطا وثيقا بعمليات ذهنية أخرى كالتجريد والتعميم.
في حالة التحليل، نلاحظ أن الذهن ينتقل من المركب إلى البسيط، ومن الكل الذي قد يحدث صدفة إلى الواحد الذي لا يمكن تجنبه أو تجاهله، ومن تعدد الأشكال إلى التحدد والذاتية.
إن هدف التحليل -كما قلنا- هو إدراك الأجزاء أو العناصر كمكونات لكل مركب مع معرفة الضوابط التي تربط علاقاتها من جهة، والقوانين التي تحكم حركة وتطور الكل المركب من جهة أخرى.
أما التركيب فهو -كما أسلفنا- توحيد الأجزاء المبعثرة، أو العلاقات المفككة في كل واحد. إن التركيب في انتقاله من المتماثل والأساسي الواحد إلى المختلف والمتعدد إنما يربط الخاص بالعام، والوحدة بالتعدد في كل جديد حي. وبينما يرى الفكر الماركسي أن التركيب يكمل التحليل، ويرتبط به في وحدة لا تنفصم، فإن الفكر الليبرالي يفصل بينهما ويجعلهما متعارضين معتبرا أنهما مجرد
مناهج فكرية لا ترتبط بالعالم الحي، أو بتجربة الإنسان1.
على أنه من الأهمية بمكان إدراك الموقع الذي يحتله التحليل في السلسلة الطويلة من الخطوات التي يستلزمها المنهج العلمي، والتي سنشير إليها في نهاية عرضنا للمناهج. بعض المفكرين الأمريكيين كجون ديوي مثلا يرى أن البحث لا يبدأ بالحقائق أو وضع الفروض، وإنما بالاعتراف بوجود وضع شائك أو مشكلة تحتاج إلى حل.
بالمثل يرى نور ثروب أن التحليل -أي: تحليل المشكلة- هو الخطوة الهامة الثانية وليست الأولى، ثم تأتي بعدها مرحلة صياغة الفرض العلمي، بينما يضيف أرنولد بريشت أن الاعتراف بوضع ما على أنه شائك ثم الانهماك في تحليله هما خطوتان يجب أن تسبقهما فكرة ما يكونها الباحث، أو فرض تجريبي "فرض عمل" بأن الوضع القائم يخفي مشكلة هامة قد يكون تحليلها ذا علاقة بالمعرفة الإنسانية بشكل عام2.
لا يمنع هذا من الاعتراف بما لمنهج التحليل من العمومية والشمول بحيث يستخدم أحيانا في تسمية المناهج الأخرى، كالقول مثلا: التحليل الكمي، التحليل الكيفي، التحليل المقارن، بدلا من المنهج الكمي أو الكيفي أو المقارن.
1 V. Afanasyev، Marxist Philosophy، A Popular Outline Moscow، no date، p. 169; M. Rosenthal، P. Yudin، eds.، A Dictionary of Philosophy، op. cit.، 18، 19; Georgi. Plekhanov، Selected Philosophical Works، Vol. 1، Moscow 1974، pp.610، 730،731.
2 John Dewey، Logic، The Theory of Inquiry، New York 1938; F.S.C. Northrop.، The Logic of the Sciences and the Humanities، New York 1947، pp. 18، 28، cited by A. Brecht، Political Theory، op. cit.، p. 30،n.2.