الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخَرَ قِبَلَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ آخَرُ فَقَضَاهُ فَادَّعَى صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِحَقٍّ قَدِيمٍ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَوْ كَانَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَضَاءِ فَادَّعَى صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِحَقٍّ آخَرَ كَانَ لَهُ قِبَلَهُ، وَأَنْكَرَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِبَلَهُ سِوَى هَذَا الَّذِي قَدْ قَضَاهُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ قَدِيمَةٌ وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ فَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ وَلِسَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ ثَالِثٌ انْتَهَى.
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ أَوْ الطَّالِبِ، فَذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، وَالصُّلْحِ وَهُوَ بَيِّنٌ وَاتَّضَحَ بِهِ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ قَدِيمٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الطَّالِبِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي مَسْأَلَةِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِالْبَرَاءَةِ بَلْ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْبَرَاءَةِ سَقَطَ كُلُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِالْقَضَاءِ بِشَيْءٍ مَخْصُوصٍ، فَيَدَّعِي الطَّالِبُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقَّيْنِ وَأَنَّ الَّذِي ادَّعَاهُ، وَقَامَتْ لَهُ بِهِ الْبَيِّنَةُ غَيْرُ الَّذِي شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ بِقَضَائِهِ، وَيَدَّعِي الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ قَضَاهُمَا جَمِيعًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الطَّالِبِ يَحْلِفُ، وَيَأْخُذُ حَقَّهُ، وَهُوَ بَيِّنٌ أَيْضًا، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُشَارِ إلَيْهِ، وَهُوَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الشَّرِيكَيْنِ يَتَحَاسَبَانِ فَيَكْتُبُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ الْبَرَاءَةَ مِنْ آخِرِ حَقٍّ قِبَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ بِذِكْرِ حَقٍّ قِبَلَهُ لَمْ يَقَعْ فِي أَصْلِ الْبَرَاءَةِ اسْمُهُ فَادَّعَى صَاحِبُ الْبَرَاءَةِ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ هُوَ وَغَيْرُهُ قَالَ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ دَخَلَ فِي حِسَابِنَا، وَيَبْرَأُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ إذَا تَحَاسَبُوا دَخَلَ أَشْبَاهُ هَذَا بَيْنَهُمْ، فَلَوْ كَانَ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حَقٍّ فِيهِ شُهَدَاءُ أَخَذَ بِمَا فِيهِ لَمْ يَتَحَاسَبُوا لِيَبْرَأَ بَعْضُهُمْ مِنْ تَبَاعَةِ بَعْضٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيِّنٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَلَا اخْتِلَافَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْحَقِّ الَّذِي قَامَ بِهِ الطَّالِبُ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ، وَإِذَا كَانَ قَبْلَهَا.
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ إذَا كَانَتْ بِتَوَارِيخَ مُخْتَلِفَةٍ، فَالْبَرَاءَةُ مِنْ شَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِمَّا قَبْلَهُ، وَهَذَا مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ أَكْرَى دَارًا مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَاةً إنْ دَفَعَ كِرَاءً شَهْرًا وَسَنَةً بَرَاءَةً لِلدَّافِعِ مِمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، وَمِثْلُ مَا فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فِي الَّذِي يُبَارِئُ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى أَنْ تَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ الرَّضَاعِ، ثُمَّ تَطْلُبُهُ بِنَفَقَةِ الْحَمْلِ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهَا الرَّضَاعَ أَوْ يُعْطِيهَا هَذَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ إذَا قَامَ بِذِكْرِ حَقٍّ، فَزَعَمَ أَنَّهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ، وَزَعَمَ الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ، وَأَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا، وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مَضَى تَحْصِيلُهَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ انْتَهَى.
[تَنْبِيهٌ إنَّمَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الْيَمِينُ إذَا حَقَّقَ الطَّالِبُ الدَّعْوَى]
(تَنْبِيهٌ) : إنَّمَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الْيَمِينُ إذَا حَقَّقَ الطَّالِبُ الدَّعْوَى وَإِنَّهَا بَعْدَ الْبَرَاءَةِ وَلَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ كَانَتْ الْيَمِينُ يَمِينَ تُهْمَةٍ وَتَجْرِي عَلَى أَيْمَانِ التُّهَمِ قَالَ فِي الرَّسْمِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ أَيْضًا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَقَضَاهُ وَاكْتَتَبَ مِنْهُ بَرَاءَةً فِيهَا، وَهُوَ آخِرُ حَقٍّ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيَأْتِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حَقٍّ لَا يَعْلَمُ أَكَانَ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَالَ أَرَى بَرَاءَتَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ دَخَلَ هَذَا الذِّكْرُ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ، وَيَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الطَّالِبَ لَمَّا أَتَى بِذِكْرِ الْحَقِّ أُشْكِلَ أَكَانَ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا إمَّا لِكَوْنِهِمَا مُؤَرَّخَيْنِ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ عَارِيَّيْنِ مِنْ التَّارِيخِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَوَقَعَ قَوْلُهُ لَا يَعْلَمُ أَكَانَ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ مُعَرًّى مِنْ الضَّبْطِ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ الطَّالِبَ لَا يَعْلَمُ أَكَانَ ذِكْرُ الْحَقِّ الَّذِي قَامَ بِهِ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ فَإِيجَابُهُ الْيَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَقَدْ دَخَلَ هَذَا الذِّكْرُ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ دَعْوَى، فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْلُومِ فِي لُحُوقِ يَمِينِ التُّهْمَةِ وَصَرْفِهَا وَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ
الطَّالِبَ ادَّعَى أَنَّ ذِكْرَ حَقِّهِ الَّذِي قَامَ بِهِ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ، وَحَقَّقَ الدَّعْوَى بِذَلِكَ، وَلَمْ يَعْلَمْ صِحَّةَ قَوْلِهِ لِالْتِبَاسِ التَّوَارِيخِ فَلَا اخْتِلَافَ وَلَا إشْكَالَ فِي لُحُوقِ الْيَمِينِ وَلَا فِي وُجُوبِ صَرْفِهَا إلَّا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الطَّالِبِ أَوْ الْمَطْلُوبِ؟ انْتَهَى.
وَنَصُّ مَا لِسَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ قِيلَ لَهُ أَرَأَيْت إنْ أَتَى بِذِكْرِ حَقٍّ لَهُ عَلَى رَجُلٍ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ، فَأَتَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِبَرَاءَةِ أَلْفَيْ دِينَارٍ يَزْعُمُ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَ دَخَلَتْ فِي هَذِهِ الْمُحَاسَبَةِ وَالْقَضَاءِ قَالَ: يَحْلِفُ وَيَبْرَأُ قِيلَ لَهُ، فَإِنْ أَتَى بِبَرَاءَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ الذِّكْرِ الْحَقِّ أَوْ الذُّكُورَاتِ الْحَقِّ كَانَتْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَنْسُوبًا أَنَّهُ مِنْ الذُّكُورَاتِ الْحَقِّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ فَقَالَ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَاتُ مُتَفَرِّقَةً وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا إذَا انْفَرَدَتْ فِيهَا جَمِيعُ هَذِهِ الذُّكُورَاتِ الْحَقِّ أَوْ الذِّكْرِ الْحَقِّ فَإِنِّي لَا أَرَاهَا بَرَاءَةً مِمَّا ثَبَتَ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا جَمِيعُ هَذَا الْحَقِّ وَصَارَتْ بَقِيَّةُ الْبَرَاءَاتِ زِيَادَةً عَلَى مَا ثَبَتَ قَبْلَهُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْلِفَ وَيَبْرَأَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ تَفْرِقَةُ سَحْنُونٍ هَذِهِ ضَعِيفَةٌ لَا وَجْهَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يُقْضَى مُجْتَمِعًا وَمُتَفَرِّقًا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى أَنْ يَبْرَأَ بِالْبَرَاءَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا إذَا انْفَرَدَتْ كَفَافًا بِالذِّكْرِ الْحَقِّ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ إنْ كَانَ الْبَرَاءَةُ أَوْ الْبَرَاءَاتُ إذَا اجْتَمَعَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْحَقِّ لَمْ تَكُنْ بَرَاءَةً لَكَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ بِأَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْكَرَ الْمُخَالَطَةَ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُبَايِعْهُ سِوَى هَذِهِ الْمُبَايَعَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْحَقِّ وَادَّعَاهَا الطَّالِبُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الْبَرَاءَاتِ أَكْثَرُ مِنْ ذِكْرِ الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ لِلطَّالِبِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْمُخَالَطَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَحْلِفَ الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى ذِكْرِ الْحَقِّ وَتَكُونُ الْبَرَاءَةُ أَوْ الْبَرَاءَاتُ بَرَاءَةً لَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الْبَرَاءَاتِ زِيَادَةٌ عَلَى ذِكْرِ الْحَقِّ كَانَ فِي ذَلِكَ لِلطَّالِبِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْمُخَالَطَةِ، وَأَنَّهُ عَامَلَهُ غَيْرَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْلِفَ الطَّالِبُ أَنَّهُ قَدْ عَامَلَهُ فِيمَا سِوَى هَذَا الْحَقِّ، وَأَنَّ الْبَرَاءَةَ أَوْ الْبَرَاءَاتِ الَّتِي اسْتَظْهَرَ بِهَا الْمَطْلُوبَ إنَّمَا هِيَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَرَاءَةً لِلْمَطْلُوبِ مِنْ ذِكْرِ الْحَقِّ انْتَهَى.
وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَرَاءَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ وَأَنَّ هَذَا آخِرُ حَقٍّ لَهُ قِبَلَهُ فَإِنْ كَانَ فِيهَا ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ بِيَمِينٍ إنْ لَمْ يَعْلَمْ التَّارِيخَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَدُونَ يَمِينٍ إنْ كَانَ ذَكَرَ الْحَقَّ الَّذِي بِيَدِ الطَّالِبِ تَارِيخَهُ مُقَدَّمًا عَلَى تَارِيخِ الْبَرَاءَةِ الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ فِي رَسْمِ الْكِرَاءِ وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ: وَسَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ.
وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِي بِذِكْرِ حَقٍّ فِيهِ شُهُودٌ عَلَى رَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَيَأْتِي الْمَطْلُوبُ بِبَرَاءَةٍ دَفَعَهَا إلَيْهِ لَا يَدْرِي شُهُودَهَا أَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ الذِّكْرِ بِحَقٍّ أَوْ بَعْدَهُ لَيْسَ فِيهَا تَارِيخٌ قَالَ: يَحْلِفُ، وَيَبْرَأُ يَعْنِي صَاحِبَ الْبَرَاءَةِ قُلْت: يَعْنِي يَحْلِفُ أَنَّهُ قَضَاءٌ لِذَلِكَ الْحَقِّ، وَيَبْرَأُ وَقَالَهُ أَصْبَغُ، وَهَذَا هُوَ الْقَضَاءُ وَصَوَابُهُ، وَلَا يَجْعَلُ لَهُ مَالَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ لِلْحَقِّ تَارِيخٌ وَالْبَرَاءَةُ بَعْدَهُ بِمَالٍ دَفَعَهُ، وَادَّعَى صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّهُ غَيْرُهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ بَرِيءٌ، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَتَى بِذِكْرِ حَقٍّ عَلَى رَجُلٍ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ فَأَتَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِبَرَاءَتِهِ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ، فَزَعَمَ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَ دَخَلَتْ فِي هَذِهِ الْمُحَاسِبَةِ وَالْقَضَاءِ، وَأَتَى بِبَرَاءَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ إذَا اجْتَمَعَتْ اسْتَوَتْ مَعَ الذِّكْرِ الْحَقِّ أَوْ الذُّكُورَاتِ الْحَقِّ أَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مَنْسُوبٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الذُّكُورَاتِ الْحَقِّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ فِي الْأَكْثَرِ قَدْ دَخَلَ فِيهِ عِنْدَ الْحِسَابِ وَالْقَضَاءِ مَعَ غَيْرِهِ، فَرَأَى ذَلِكَ كُلَّهُ سَوَاءً وَأَنَّهُ لَهُ بَرَاءَةٌ، وَيَحْلِفُ فِي ذَلِكَ إنْ ادَّعَى الْآخَرُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَقَالَهُ لَفْظًا ثَابِتًا، وَيَتِمُّ لَهُ بَقِيَّةُ الذُّكُورَاتِ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَاتُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَهُوَ الَّذِي أَرَى وَأَسْتَحْسِنُ.
قَالَ أَصْبَغُ: رَدَدْتُهَا عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَصْبَغُ كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ
وَهُوَ كَالطَّلَاقِ وَلِلطَّلَاقِ تَفْسِيرٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مُسَاوَاتُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبَرَاءَةُ الْوَاحِدَةُ أَوْ الْبَرَاءَاتُ أَقَلَّ مِنْ ذِكْرِ الْحَقِّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ لِلْمَطْلُوبِ، هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْأَظْهَرِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَقَدْ قِيلَ إنَّهَا لَا تَكُونُ لَهُ بَرَاءَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ، فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهَا تَكُونُ لَهُ بَرَاءَةٌ انْتَهَى، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ، وَهُوَ كَالطَّلَاقِ إلَخْ وَنَقَلْت كَلَامَهُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فَرَاجِعْهُ وَاسْتِظْهَارُ ابْنِ رُشْدٍ هُنَا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ مِنْ اسْتِظْهَارِ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ، فَلَعَلَّهُ رَجَعَ إلَى اسْتِظْهَارِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ ذَلِكَ وَصَرَّحَ هُنَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْوَدِيعَةِ هُوَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ.
وَنَصُّهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ فَقِيلَ لَهُ كَانَتْ لِي عِنْدَ رَجُلٍ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا وَدِيعَةً فَكُنْتُ آخُذُ مِنْهُ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ حَتَّى بَقِيَتْ لِي عِنْدَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَسَأَلْتُهُ إيَّاهَا، فَقَالَ دَفَعْتُهَا فِي بَعْضِ حَاجَتِي، وَلَكِنْ اُكْتُبْهَا عَلَيَّ فَكَتَبْتُهَا عَلَيْهِ بِالشُّهُودِ وَالْبَيِّنَةِ مُؤَرَّخَةً فَغِبْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَتَقَاضَيْتُهُ إيَّاهَا، فَجَاءَ بِبَرَاءَةٍ مَكْتُوبٍ فِيهَا بَرَاءَةٌ لِفُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ مِنْ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ الْأَرْبَعَةُ مُؤَرَّخَةً وَلَا مَنْسُوبَةً مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَلَا مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالْعِشْرِينَ فَهُوَ يَقُولُ مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَأَقُولُ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي كَانَتْ لِي عَلَيْكَ قَبْلَ أَنْ أَكْتُبَ عَلَيْكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقَالَ أَيُقِرُّ لَك بِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَكَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ فَقَالَ: لَا فَأَطْرَقَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: إنْ أَقَمْت الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ كَانَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا حَلَفْت بِاَللَّهِ مَا هَذِهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، وَكَانَتْ لَكَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْبَيِّنَةَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إنَّ الْبَرَاءَةَ لَيْسَتْ مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، وَإِنَّهَا مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ، وَلَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِهِ بَيِّنَةٌ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ إنَّهَا مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ بِاتِّفَاقٍ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي بَعْدَ تَرْجَمَةِ الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ خَمْسِينَ دِينَارًا وَكَتَبَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ آخِرُ حَقٍّ لَهُ قِبَلَهُ، ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ، فَقَالَ هُوَ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ وَقَالَ الْآخَرُ: قَبْلَهَا فَكُلَّمَا أُشْكِلَ مِنْ هَذَا أَهُوَ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ أَمْ بَعْدَهَا، فَلَا يُقْضَى بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَ هَذَا ذِكْرَ حَقٍّ لَا تَارِيخَ فِيهِ، وَبِيَدِ الْآخَرِ بَرَاءَةٌ لَا تَارِيخَ فِيهَا فَالْبَرَاءَةُ أَحَقُّ، وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا تَارِيخٌ حُكِمَ بِاَلَّذِي فِيهِ التَّارِيخُ، وَبَطَلَ الْآخَرُ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَقُّ الَّذِي يَقُومُ بِهِ قَبْلَ تَارِيخِ الْبَرَاءَةِ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ بِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ نَسِيَهُ أَوْ غَلِطَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَادِرِ وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ مُقَنَّعِهِ كَلَامَ النَّوَادِرِ بِرُمَّتِهِ، وَقَبْلَهُ، وَرَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ الَّتِي بِيَدِهِ مَا صُورَتُهُ فِي هَذَا خِلَافٌ فِي لُحُوقِ الْيَمِينِ وَبِلُحُوقِهَا الْعَمَلُ.
اُنْظُرْ نَوَازِلَ ابْنِ الْحَاجِّ وَالْمُفِيدِ وَالْفَتْحُونِيَّة فَانْظُرْهُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ دَعْوَاهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَاتٍ فِي تَرْجَمَةِ مُبَارَأَةِ الْوَصِيِّ، فَهُوَ بَعِيدٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْحَقُّ الَّذِي يَقُومُ بِهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ بَعْدَ تَارِيخِ الْبَرَاءَةِ بَلْ أُشْكِلَ أَمْرُهُ أَكَانَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا إمَّا لِكَوْنِهِمَا مُؤَرَّخَيْنِ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ عَارِيَّيْنِ مِنْ التَّارِيخِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُؤَرَّخٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ مُؤَرَّخٍ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ الطَّالِبُ أَنَّهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ أَوْ يَقُولَ لَا عِلْمَ لِي فَإِنْ حَقَّقَ أَنَّهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِي رَسْمِ الْكِرَاءِ
وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْأَقْوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا وَالثَّالِثُ تَفْرِقَةُ سَحْنُونٍ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَطْلُوبُ بِبَرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ تَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ الْعَدَدِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ أَوْ يَأْتِيَ بِبَرَاءَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ إذَا جُمِعَتْ كَانَتْ مِثْلَ الْحَقِّ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَلَا يَبْرَأُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَهَذِهِ تَفْرِقَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا وَجْهَ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُحَقِّقْ الطَّالِبُ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي قَامَ بِهِ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ: لَا عِلْمَ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ.
، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ خِلَافًا كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا حَكَى الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَإِجْرَائِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ قَالَهُ فِي الرَّسْمِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) : عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَإِنْ بِصَكٍّ شَامِلٍ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ تَارِيخِ الْبَرَاءَةِ وَلِمَا جُهِلَ، وَأَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا جَهِلَ التَّارِيخَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ، وَفِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ تَارِيخِ الْبَرَاءَةِ.
فَفِي لُحُوقِ الْيَمِينِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَادِرِ وَابْنِ رُشْدٍ وَمَا رَأَيْتُهُ عَلَى هَامِشِ النُّسْخَةِ الَّتِي مِنْ كِتَابِ ابْنِ بَطَّالٍ (الثَّانِي) : ذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ رحمه الله اسْتِظْهَارَ ابْنِ رُشْدٍ لِقَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ فَقَطْ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَشْهِيرَهُ لِلْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ وَاسْتِظْهَارَهُ إيَّاهُ مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِمَا، فَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ، وَكَأَنَّ ابْنُ غَازِيٍّ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْكَلَامِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الِاسْتِلْحَاقُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ ادِّعَاءُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَبٌ لِغَيْرِهِ فَيَخْرُجُ قَوْلُهُ هَذَا أَبِي، وَهَذَا أَبُو فُلَانٍ انْتَهَى. .
ص (فَصْلٌ إنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ مَجْهُولَ النَّسَبِ)
ش: أَتَى بِأَدَاةِ الْحَصْرِ لِيُنَبِّهَ أَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَبِ فَقَطْ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْجَدَّ يَسْتَلْحِقُ، وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِمَا سَيَأْتِي، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ قُلْت فَإِنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدَ وَلَدٍ فَقَالَ: هَذَا ابْنُ ابْنِي وَابْنُهُ مَيِّتٌ هَلْ يُلْحَقُ بِهِ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ كَمَا يُلْحَقُ بِهِ ابْنُهُ لِصُلْبِهِ قَالَ لَا؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ وَالْعَصْبَةِ وَلَا وَلِيَّ لَا يَجُوزُ اسْتِلْحَاقُهُ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَهُ لَوْ كَانَ حَيًّا، فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ابْنُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْجَدِّ أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُلْحِقَ بِوَلَدِهِ وَلَدًا هُوَ لَهُ مُنْكِرٌ، وَقِيلَ إذَا اسْتَلْحَقَ الْجَدُّ وَلَدَ وَلَدِهِ لَحِقَ بِهِ حَكَاهُ التُّونُسِيُّ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إلَّا عَلَى مَا يَذْكُرُهُ فَإِنْ قَالَ: هَذَا ابْنُ وَلَدِي أَوْ وَلَدُ ابْنِي لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ قَالَ أَبُو هَذَا ابْنِي أَوْ وَالِدُ هَذَا ابْنِي صُدِّقَ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي إلْحَاقِ وَلَدٍ بِفِرَاشِهِ لَا فِي إلْحَاقِهِ بِفِرَاشِ غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ.
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَزَادَ بَعْدَهُ قُلْت قَالَ الْبَاجِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الْجَدِّ وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَبِ سَحْنُونٌ مَا عَلِمْت فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ أَشْهَبُ: يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ وَالْجَدُّ انْتَهَى. وَنَقَلَ كَلَامَ الْبَاجِيِّ كَالْمُنَكِّتِ بِهِ
عَلَى ابْنِ رُشْدٍ، وَخَرَجَ بِأَدَاةِ الْحَصْرِ اسْتِلْحَاقُ الْأُمِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَاسْتِلْحَاقُ الْأُمِّ لَغْوٌ وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ فِي رَجُلٍ لَهُ امْرَأَةٌ وَلَهُ وَلَدٌ فَتَزْعُمُ الْمَرْأَةُ أَنَّ الْغُلَامَ وَلَدُهَا مِنْ زَوْجٍ غَيْرِهِ، وَيَزْعُمُ الرَّجُلُ أَنَّ الْغُلَامَ وَلَدُهُ مِنْ امْرَأَةٍ غَيْرِهَا أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالزَّوْجِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ ابْنُ رُشْدٍ لَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ لَهَا اسْتِلْحَاقُ وَلَدِهَا بِخِلَافِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَنْتَسِبُ إلَى أَبِيهِ لَا إلَى أُمِّهِ وَلَوْلَا مَا أَحْكَمَ الشَّرْعُ لَكَانَ نِسْبَتُهُ إلَى أُمِّهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَخَصُّ بِهِ مِنْ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الْمَاءِ وَاخْتَصَّتْ بِالْحَمْلِ وَالْوَضْعِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي الْقَذْفِ مِنْهَا إنْ نَظَرَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَجُلٍ وَقَالَتْ: ابْنِي وَمِثْلُهُ يُولَدُ لَهَا، وَصَدَّقَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهَا إذْ لَيْسَ هُنَا أَبٌ يُلْحَقُ بِهِ وَفِي الْوَلَاءِ مِنْهَا إنْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ بِغُلَامٍ مَفْصُولٍ ادَّعَتْ أَنَّهُ وَلَدُهَا لَمْ يُلْحَقُ بِهَا فِي مِيرَاثٍ وَلَا يُحَدُّ مَنْ افْتَرَى عَلَيْهَا بِهِ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ مَجْهُولُ النَّسَبِ هُوَ أَيْضًا مِمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَصْرِ أَيْ إنَّمَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الْأَبِ وَلَدًا مَجْهُولَ النَّسَبِ أَمَّا مَنْ كَانَ نَسَبُهُ مَعْلُومًا، فَلَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ قَالَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ كَذِبُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ أَبٌ مَعْرُوفٌ أَوْ هُمْ مِنْ الْمَحْمُولِينَ مِنْ بَلَدٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهُ قَطُّ كَالزِّنْجِ وَالصَّقَالِبَةِ أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ أَنَّ أُمَّ هَذَا الصَّبِيِّ لَمْ تَزَلْ زَوْجَةً لِغَيْرِ هَذَا الْمُدَّعِي حَتَّى مَاتَتْ، فَإِنْ قَالُوا: لَمْ تَزَلْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ، فَلَا أَدْرِي مَا هَذَا، وَلَعَلَّهُ تَزَوَّجَهَا انْتَهَى. قَالَ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ: قَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِنَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ أُمَّ الصَّبِيِّ لَمْ تَزَلْ زَوْجَةً لِفُلَانٍ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى هَذَا الْمُدَّعِي، وَكَذَلِكَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا إذَا عُرِفَ لِلْوَلَدِ نَسَبٌ، وَادَّعَاهُ رَجُلٌ أَنَّهُ يُحَدُّ الْمُدَّعِي وَكَأَنَّهُ نَفَاهُ مِنْ نَسَبِهِ، وَفِي هَذَا عِنْدِي نَظَرٌ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ زَوْجَةً لِغَيْرِهِ وَيُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ نَفَاهُ مِنْ نَسَبِهِ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(تَنْبِيهٌ) : ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اسْتَلْحَقَ مَحْمُولًا مِنْ بَلْدَةٍ دَخَلَهَا لَحِقَ بِهِ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَمْرٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُعْتَبَرُ شَرْطًا فِي الِاسْتِلْحَاقِ أَمْ لَا، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ تَقَدُّمَ مِلْكِ أُمِّ هَذَا الْوَلَدِ أَوْ نِكَاحِهَا لِهَذَا الْمُقِرِّ قَالَ سَحْنُونٌ يُعْتَبَرُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ قَوْلٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِي هَذَا الْبَابِ الْإِمْكَانَ وَحْدَهُ مَا لَمْ يُقِرَّ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِ الْمُقِرِّ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ بَلَدٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهُ قَطُّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ دَخَلَهُ قَطُّ وَعَلَيْهَا اخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ فَعَلَى رِوَايَةِ الْبَرَاذِعِيِّ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الصِّدْقِ مَعَ الْإِشْكَالِ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ يُونُسَ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى غَيْرِ الصِّدْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قُلْت) : وَكَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ ذَلِكَ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ نَسَبٌ لَحِقَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ مَلَكَ أُمَّهُ بِشِرَاءٍ أَوْ نِكَاحٍ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَلْحَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ لَحِقَا بِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ كَذِبُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ إلَخْ مَا تَقَدَّمَ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ سَحْنُونًا يَشْتَرِطُ عِلْمَ تَقَدُّمِ النِّكَاحِ أَوْ التَّسَرِّي وَابْنَ الْقَاسِمِ لَا يَشْتَرِطُهُ أَمَّا لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ نِكَاحٌ، وَلَا تَسَرٍّ أَبَدًا لَمْ يُلْحَقْ بِهِ، وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْعَقْلُ؛ لِأَنَّ مَنْ عُلِمَ مِنْهُ عَدَمُهُمَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ الْوَلَدُ عَقْلًا لَكِنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ النِّكَاحِ وَالتَّسَرِّي عَسِيرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَمْ يَكُنْ رِقًّا لِمُكَذِّبِهِ أَوْ مَوْلَى لَكِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ)
ش: كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا وَهُوَ كَلَامٌ مُتَدَافِعٌ؛ لِأَنَّ
أَوَّلَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ شَرْطَ الِاسْتِلْحَاقِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَلْحَقُ رِقًّا لَمْ يَكْذِبْ الْمُسْتَلْحِقُ أَوْ مَوْلَى لَهُ، وَأَنَّهُ إنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِلْحَاقُ، وَقَوْلُهُ آخِرًا لَكِنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ مُنَاقِضٌ، فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ: وَمَنْ اسْتَلْحَقَ صَبِيًّا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَبَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهُ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا كَذَّبَهُ الْحَائِزُ لِرِقِّهِ وَوَلَائِهِ وَلَا يَرِثُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَثْبُتُ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ لِابْنِ يُونُسَ وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَدِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَلْحِقَ وَلَدًا وُلِدَ عِنْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ أَنْ بَاعَهَا بِمِثْلِ مَا تُلْحَقُ فِيهِ الْأَنْسَابُ، وَلَمْ يَطْلُبْهُ الْمُبْتَاعُ وَلَا زَوْجٌ وَلَا تَبَيَّنَ كَذِبُهُ.
فَهَذَا يُلْحَقُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَلْحِقَ وَلَدًا لَمْ يُولَدْ عِنْدَهُ وَلَا عُلِمَ أَنَّهُ مَلَكَ أُمَّهُ بِشِرَاءٍ وَلَا نِكَاحٍ، فَهَذَا يُلْحَقُ بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ عِنْدَ سَحْنُونٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَلْحِقَ وَلَدًا وُلِدَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ بَعْدَهُ إنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهُ، فَهَذَا لَا يُلْحَقُ بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ: يُلْحَقُ بِهِ، وَيَكُونُ ابْنًا لَهُ وَمَوْلَى لِمَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ عَبْدًا لِمَنْ مَلَكَهُ انْتَهَى. وَالصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَكِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ لِيَكُونَ جَارِيًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ عَدَمُ اشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ وَأَنْ يُلْحَقَ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ مَعَ بَقَاءِ رِقِّهِ وَوَلَائِهِ لِحَائِزِهِمَا لِيَكُونَ جَارِيًا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْهُ بَلْ وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي أَوَّلِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ نَحْوُهُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ الصَّحِيحُ إذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا لِلْمُقِرِّ بِهِ الْمُسْتَلْحَقِ لَهُ وَعَبْدًا لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ وَقَالَ: إنَّهُ خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ كَلَامِهِ قَالَ عِيسَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي الْقَوْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يُسْلِمُونَ جَمَاعَةً وَيَسْتَلْحِقُونَ أَوْلَادًا مِنْ زِنَا قَالَ: إذَا كَانُوا أَحْرَارًا، وَلَمْ يَدْعُهُمْ أَحَدٌ لِفِرَاشِهِ، فَإِنَّهُمْ يُلْحَقُونَ بِهِ وَقَدْ نَاطَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَنْ وُلِدَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّنْ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ زَوْجُ الْحُرَّةِ أَوْ سَيِّدُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَإِذَا ادَّعَاهُ مَعَ سَيِّدِ الْأَمَةِ أَوْ زَوْجِ الْحُرَّةِ، فَهُوَ أَحَقُّ قُلْت وَالنَّصَارَى يُسْلِمُونَ فَيَدَّعُونَ أَوْلَادًا مِنْ زِنَا كَانُوا فِي نَصْرَانِيَّتِهِمْ قَالَ يُلْحَقُونَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ فِي دِينِهِمْ الزِّنَا وَغَيْرَهُ.
(قُلْت) فَإِنْ اسْتَلْحَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَلَدَ أَمَةٍ مُسْلِمٍ أَوْ نَصْرَانِيٍّ قَالَ إذَا أَلْحَقهُ بِهِ فَإِنْ عَتَقَ يَوْمًا مَا كَانَ وَلَدَهَا وَوَرِثَتْهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: إذَا كَانُوا أَحْرَارًا وَلَمْ يَدْعُهُمْ لِفِرَاشٍ، فَهُمْ وَلَدُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا عَبِيدًا لَا يُلْحَقُونَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْعُهُمْ أَحَدٌ لِفِرَاشٍ وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَلْحَقَهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ يَوْمًا مَا كَانَ وَلَدَهُ وَوَرِثَهُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الصَّحِيحُ إذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا لِلْمُقِرِّ بِهِ الْمُسْتَلْحَقُ لَهُ وَعَبْدًا لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ وَقَوْلُهُ إذَا أَلْحَقهُ بِهِ فَإِنْ أُعْتِقَ إلَخْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي اللَّفْظِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَحَقِيقَتُهُ إذَا أُلْحِقَ بِهِ وَيَكُونُ وَلَدَهُ فَإِنْ عَتَقَ يَوْمًا وَرِثَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى.
بِلَفْظِهِ وَفِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ فِي دِينِهِمْ الزِّنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِلُّونَ الزِّنَا لَا يُلْحَقُ بِهِمْ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَصَّهُ أَبُو عُمَرَ كَانَ عُمَرُ يُنِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فِرَاشٌ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُلْحَقُ وَلَدُ الزِّنَا بِمُدَّعِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَانَ هُنَاكَ فِرَاشٌ أَمْ لَا الْبَاجِيُّ كَانَ النِّكَاحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ: الِاسْتِبْضَاعُ وَهُوَ أَنْ يُعْجِبَ الرَّجُلَ نَجَابَةُ الرَّجُلِ وَسَلْبُهُ فَيَأْمُرُ مَنْ تَكُونُ لَهُ مِنْ أَمَةٍ أَوْ حُرَّةٍ أَنْ تُبِيحَ لَهُ نَفْسَهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ مِنْهُ رَجَعَ هُوَ إلَى وَطْئِهَا حِرْصًا عَلَى
نَجَابَةِ الْوَلَدِ وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ لَا زَوْجَ لَهَا، فَيَغْشَاهَا جَمَاعَةٌ، فَإِذَا حَمَلَتْ دَعَتْهُمْ وَقَالَتْ لِأَحَدِهِمْ هَذَا مِنْك فَيُلْحَقُ بِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ، وَالثَّالِثُ: الْبَغَايَا كُنَّ يَجْعَلْنَ الرَّايَاتِ عَلَى مَوَاضِعِهِنَّ فَيَغْشَاهَا مَنْ شَاءَ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلٌ قَالَتْ لِأَحَدِهِمْ هُوَ مِنْك فَيُلْحَقُ بِهِ، وَالرَّابِعُ: النِّكَاحُ الصَّحِيحُ أَبْطَلَ الْإِسْلَامُ الثَّلَاثَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَشْرَحْ الشَّارِحَانِ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ لَكِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَأَمَّا ابْنُ غَازِيٍّ فَقَالَ: ظَاهِرُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ رِقِّهِ أَوْ وَلَائِهِ لِحَائِزِهِمَا، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ هُنَا، وَإِنَّمَا نَسَبَهُ ابْنُ يُونُسَ لِأَشْهَبَ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: نَحْوَ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِيمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ، فَادَّعَى الْبَائِعُ بَعْدَ عِتْقِ الْمُبْتَاعِ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ قَالَ: هُنَاكَ أُلْحِقَتْ بِهِ نَسَبَ الْوَلَدِ، وَلَمْ أَزِلْ عَنْ الْمُبْتَاعِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ وَلَائِهِمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَمْلِكْ أُمَّهُ، فَلَيْسَ مَعَهُ قَرِينَةٌ تُصَدِّقُهُ بِخِلَافِ هَذِهِ.
وَفِي بَعْضِ نُسَخِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ، فَإِنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ وَهُوَ كَالْحَشْوِ اهـ.
ص (وَفِيهَا أَيْضًا يُصَدَّقُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ مُشْتَرِيهِ إنْ لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: بَعْدَ نَصِّهَا الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي بَابٍ آخَرَ أَرَأَيْت مَنْ بَاعَ صَبِيًّا وُلِدَ عِنْدَهُ، فَأَعْتَقَهُ الْمُبْتَاعُ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ الْبَائِعُ أَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ، وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ فِيهِ، وَالْعِتْقُ قَالَ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ سَحْنُونٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَعْدَلُ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْأَصْلِ انْتَهَى. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّهَا الْمُتَقَدِّمِ أَيْ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي قَوْلِهَا وَمَنْ اسْتَلْحَقَ صَبِيًّا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَبَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهُ إلَخْ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ اسْتَلْحَقَهُ بَائِعُهُ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ مُشْتَرِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي أَوَّلِ الْبَابِ إنْ كَذَّبَهُ مَنْ أَعْتَقَهُ لَمْ يُصَدَّقْ، وَقَالَ بَعْدَهُ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُ الْبَائِعِ قَبْلَ قَوْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِهِ، وَهُوَ أَشْهَبُ وَرَجَّحَهُ سَحْنُونٌ وَقَالَ هُوَ أَعْدَلُ قَوْلِهِ انْتَهَى. وَفَرَّقَ أَبُو الْحَسَن بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمْ يَمْلِكْ أُمَّهُ فَلَيْسَ مَعَهُ قَرِينَةٌ تُصَدِّقُهُ بِخِلَافِ هَذِهِ اهـ.
وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأُولَى لَمْ يَدْخُلْ الْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ، وَالثَّانِيَةُ كَانَ فِي مِلْكِهِ كَانَ أَبَيْنَ، فَإِنَّ جَمِيعَ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةَ الَّتِي قَالَ فِيهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ كَانَ الْعَبْدُ أَوْ أُمُّهُ فِي مِلْكِهِ، فَتَأَمَّلْهُ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ أَكْثَرِ مَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ بَاعَ صَبِيًّا وُلِدَ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يُولَدْ عِنْدَهُ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ لَحِقَ بِهِ وَرَدَّ الثَّمَنَ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ اهـ. فَظَاهِرُ هَذَا سَوَاءٌ مَلَكَ أُمَّهُ أَوْ لَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ أَوْ بَاعَ وَنَقَضَ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً، فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَلَمْ يَدَّعِهِ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ، فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَيَرُدُّ الْبَيْعَ، وَتَعُودُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ فِيهَا، وَإِنْ ادَّعَاهُ بَعْدَ عِتْقِ الْمُبْتَاعِ لِلْأُمِّ وَالْوَلَدِ أُلْحِقَتْ بِهِ نَسَبَ الْوَلَدِ، وَلَمْ أَزَلْ عَنْ الْمُبْتَاعِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ وَلَائِهِمَا، وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، وَلَوْ عَتَقَتْ الْأُمُّ خَاصَّةً لَمْ أَقْبَلْ قَوْلَهُ فِيهَا وَقَبِلْتُهُ فِي الْوَلَدِ، وَلَحِقَ بِهِ وَرَدَّ الثَّمَنَ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ ثَمَنُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ خَاصَّةً هُوَ الْمُعْتَقُ لَثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ وَأَلْحَقَتْ الْوَلَدَ بِمُسْتَلْحِقِهِ، وَأَخَذَ الْأُمَّ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ فِيهَا لِدَنَاءَتِهَا، وَرَدَّ الثَّمَنَ، وَإِنْ اُتُّهِمَ فِيهَا لَمْ تُرَدَّ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ إذَا بَاعَ الْأَمَةَ وَهِيَ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فِيمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ بَاعَهَا، فَوَلَدَتْ فَاسْتَلْحَقَهُ إلَخْ وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَعْتَقَ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ أَوْ لَمْ يَعْتِقْهُمَا أَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَلْحَقْنَا بِهِ نَسَبَ الْوَلَدِ، وَلَمْ أَزِلْ عَنْ الْبَائِعِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ وَلَائِهِمَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إنَّهُ يَنْقُضُ الْبَيْعَ وَالْعِتْقَ
فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا اسْتَلْحَقَ مَنْ هُوَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ وَلَائِهِ هَلْ يُصَدَّقُ، وَيُلْحَقُ بِهِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَصْدِيقِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى فِي مِلْكِ مَالِكِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْبَائِعَ لَهُ، فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَعْتِقْهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يُنْقَضُ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ أَوْ لَا؟
قَوْلَانِ، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِنَقْضِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَإِذَا اسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ الَّذِي بَاعَ أُمَّهُ، وَكَانَ وُلِدَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ، وَهُوَ حَيٌّ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيهِ، وَيُرَدُّ إلَيْهِ وَلَدٌ أَوْ أُمُّهُ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ أُعْتِقَ، وَيُنْقَضُ الْعِتْقُ، وَقِيلَ إنَّهُ لَا يُنْقَضُ اهـ.
وَلِابْنِ رُشْدٍ كَلَامٌ يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ اشْتَرَى مُسْتَلْحِقُهُ.
ص (وَوَرِثَهُ إنْ وَرِثَهُ ابْنٌ)
ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ فِي إرْثِهِ مِنْهُ، وَأَمَّا النَّسَبُ فَلَا حَقَّ بِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إنَّمَا يَرِثُهُ إذَا وَرِثَهُ ابْنٌ ذَكَرٌ وَأَنَّهُ إذَا وَرِثَهُ بِنْتٌ أَوْ غَيْرُهَا لَمْ يَرِثْهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي اللِّعَانِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَوَرِثَ الْمُسْتَلْحِقُ الْمَيِّتَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَقَلَّ الْمَالُ وَمَا قَالَهُ فِي اللِّعَانِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَبِي الْحَسَنِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ، وَنَصُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ نَفَى وَلَدًا بِلِعَانٍ، ثُمَّ ادَّعَاهُ بَعْدَ أَنْ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ مَالٍ، فَإِنْ كَانَ لِوَلَدِهِ وَلَدٌ ضُرِبَ الْحَدَّ وَلَحِقَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي مِيرَاثِهِ وَحُدَّ وَلَا يَرِثُهُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ يَسِيرًا قَالَ غَيْرُهُ: أَوْ يَكُونَ وَلَدُهُ عَبْدًا، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمِيرَاثِ، وَأَمَّا النَّسَبُ فَلَا حَقَّ؛ لِأَنَّ إلْحَاقَ النَّسَبِ يَنْفِي كُلَّ تُهْمَةِ الشَّيْخُ وَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَرِثَ وَلَكِنْ سَبَقَ النَّفْيُ إلَى هَذَا الْوَلَدِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ اللِّعَانِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ بِنْتًا وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الْوَلَدُ بِنْتًا لَمْ يَرِثْ مَعَهَا بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ لِصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ إنْ تَرَكَ بِنْتًا صَحَّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ قَدْرُ إرْثِهَا ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا فِيمَنْ لَاعَنَ، وَنَفَى الْوَلَدَ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ مَالٍ، وَوَلَدٍ فَأَقَرَّ الْمُلَاعِنُ بِهِ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَيُحَدُّ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا لَمْ يُلْحَقْ بِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمِيرَاثِ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِتُهْمَتِهِ فِي الْإِرْثِ، وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ نَسَبٌ يَلْحَقُ بِهِ وَرَوَى الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْمِيرَاثَ قَدْ تُرِكَ لِمَنْ تَرَكَ، وَلَا يَجِبُ لَهُ مِيرَاثٌ وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا وَذَكَرَ أَبُو إبْرَاهِيمَ عَنْ فَضْلٍ إنْ كَانَ الْمَالُ يَسِيرًا قُبِلَ قَوْلُهُ، ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَارِثٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ اسْتِلْحَاقِهِ إنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ مَاتَ مِثْلُهُ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْفَاسِيِّينَ: إنَّمَا يُتَّهَمُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فِي مِيرَاثِهِ فَقَطْ، وَأَمَّا نَسَبُهُ، فَثَابِتٌ بِاعْتِرَافِهِ انْتَهَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْهَا قَوْلُ سَحْنُونٍ فِي ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ يَهْلِكُ وَيَتْرُكُ ابْنَةً وَعَصَبَةً، ثُمَّ يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ ابْنَةَ الْمَيِّتِ قَالَ تُلْحَقُ ابْنَةُ الْمَيِّتِ بِجَدِّهَا وَيَرْجِعُ الْجَدُّ عَلَى الْعَصَبَةِ بِالنِّصْفِ الَّذِي أَخَذُوا مِنْ مِيرَاثِ وَلَدِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَهُ لِابْنَةِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَاعَنَ بِهِ اسْتِلْحَاقٌ مِنْهُ لِابْنَتِهِ، فَهِيَ تَلْحَقُ بِجَدِّهَا، وَهِيَ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ الْمُلَاعِنَ لَهُ أَنْ يَسْتَلْحِقَ وَلَدَهُ الَّذِي لَاعَنَ بِهِ بَعْدَ أَنْ مَاتَ، وَلَا يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَلْحَقَهُ لِيَرِثَهُ إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ، فَكَمَا لَا يُتَّهَمُ مَعَ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ يَرِثُ مَعَهُ السُّدُسَ، فَكَذَلِكَ لَا يُتَّهَمُ مَعَ الِابْنَةِ، وَإِنْ كَانَ يَرِثُ مَعَهَا النِّصْفَ إذْ قَدْ يَكُونُ مَالُ الَّذِي تَرَكَ الْوَلَدَ الذَّكَرَ كَثِيرًا، فَيَكُونُ السُّدُسُ عِنْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مَالِ الَّذِي تَرَكَ الِابْنَةَ انْتَهَى.
فَحَمَلَ ابْنُ رُشْدٍ لَفْظَ الْوَلَدِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الذَّكَرِ لَكِنَّهُ سَاوَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِابْنَةِ فِي الْحُكْمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ فِي
بَابِ اللِّعَانِ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا، وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ.
(فَرْعٌ) : وَلَوْ وَرِثَ الْمُسْتَلْحِقُ غَيْرَ الِابْنِ وَالِابْنَةِ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ أَنَّ اسْتِلْحَاقَهُ الْمَيِّتَ اسْتِلْحَاقٌ لِمَنْ تَرَكَ مِنْ الْأَوْلَادِ، وَذَلِكَ يَرْفَعُ التُّهْمَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا، وَأَقَامَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَتَّى جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً مَاتَ مِنْهَا، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ الْبَائِعُ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَيَرِثُ مِنْهُ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ، فَإِنْ كَانَ وَلَدُ الْمَيِّتِ حُرًّا وَرِثَ مَعَهُ الْأَبُ الْمُسْتَلْحِقُ حَظَّهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَرِثَ جَمِيعَ الدِّيَةِ قَالَ: لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَهُ لِوَلَدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ اسْتِلْحَاقٌ لِوَلَدِ وَلَدِهِ وَاسْتِلْحَاقُ النَّسَبِ يَرْفَعُ التُّهْمَةَ فِي الْمِيرَاثِ انْتَهَى. وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَائِدَتَانِ: الْأُولَى: مِنْهُمَا أَنَّ وُجُودَ وَلَدٍ لِلْمَيِّتِ كَافٍ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُوبًا مِنْ الْمِيرَاثِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اللِّعَانِ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَ إنَّمَا هُوَ فِي ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ سَحْنُونٍ مُوَافِقٌ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَرَجَعَ بِنَفَقَتِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ خِدْمَةٌ عَلَى الْأَرْجَحِ)
ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ، وَفِي رُجُوعِ مُبْتَاعِهِ بِنَفَقَتِهِ ثَالِثُهَا الْأَرْجَحُ إنْ كَانَتْ لَهُ خِدْمَةٌ لَمْ يَرْجِعْ، وَإِلَّا رَجَعَ انْتَهَى. وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ مَسْأَلَةٌ وَيُحْكَمُ عَلَى الْبَائِعِ بِنَفَقَتِهِ الَّتِي اعْتَرَفَ أَنَّهُ بَاعَهَا وَكِسْوَتِهَا إلَى حِينِ رَدِّهَا؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ: الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا الْمُشْتَرِي مُدَّةَ بَقَائِهَا عِنْدَهُ انْتَهَى.
ص (وَلَمْ يُصَدَّقْ فِيهَا إنْ اُتُّهِمَ بِمَحَبَّةٍ أَوْ عَدَمِ ثَمَنٍ أَوْ وَجَاهَةٍ)
ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ هَذَا إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فِي الْجَارِيَةِ بِمَيْلٍ إلَيْهَا أَوْ زِيَادَةٍ فِي حَالِهَا أَوْ يَكُونَ مُغْرَمًا، فَتَمْضِيَ بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَيَرُدُّ الِابْنَ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْهُ وَيَتْبَعُ بِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ انْتَهَى فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ وَجَاهَةٍ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ بِقَوْلِهِ أَوْ زِيَادَةٍ فِي حَالِهَا، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْفُرَاتِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجَاهَةِ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ وَجِيهَةً أَيْ جَمِيلَةً حَسَنَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ اشْتَرَى مُسْتَلْحَقَهُ وَالْمِلْكُ لِغَيْرِهِ عَتَقَ)
ش: لَيْسَ فِي كَلَامِهِ رحمه الله مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ.
(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ حَيْثُ يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ، وَلَوْ عَلَى قَوْلٍ أَمَّا إذَا تَبَيَّنَ كَذِبُهُ فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَالَ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ فِي رَجُلٍ فَارِسِيٍّ لَهُ غُلَامٌ هِنْدِيٌّ قَالَ هُوَ ابْنِي هَلْ يَصِيرُ حُرًّا قَالَ مَالِكٌ: مَا ادَّعَى مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَعْتَقِدُ النَّاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِهِ وَلَا وَلَدِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ إذَا اسْتَلْحَقَ مَنْ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ، وَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا اسْتَلْحَقَ مَنْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَا يَدَّعِي مِنْ مِلْكِهِ لِأُمِّ الْمُسْتَلْحِقِ أَوْ تَزْوِيجَهُ إيَّاهَا فَإِنْ عَرَفَ مِلْكَهُ إنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ تَزْوِيجَهُ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَأَتَتْ لِمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، وَلَمْ يَحُزْهُ غَيْرُهُ بِنَسَبٍ لَحِقَ بِهِ بِاتِّفَاقٍ، فَوَجْهٌ يُلْحَقُ بِهِ بِاتِّفَاقٍ، وَوَجْهٌ لَا يُلْحَقُ بِهِ بِاتِّفَاقٍ، وَوَجْهٌ يَخْتَلِفُ فِي إلْحَاقِهِ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يُلْحَقْ بِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْتَلِفُ فِي إلْحَاقِهِ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَبْدًا لَهُ انْتَهَى.
ص (كَشَاهِدٍ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ)
ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ
عَبْدَهُ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ ابْتَاعَهُ مِنْهُ أَوْ شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فِي وَصِيَّةٍ، فَصَارَ الْعَبْدُ لَهُ فِي قِسْمِهِ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَى عَبْدًا أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ شَهِدَ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُ، وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ أَوْ قَالَ: كُنْتُ بِعْت عَبْدِي هَذَا مِنْ فُلَانٍ، فَأَعْتَقَهُ وَفُلَانٌ يَجْحَدُ ذَلِكَ، فَالْعَبْدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حُرٌّ بِالْقَضَاءِ وَوَلَاؤُهُ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ انْتَهَى.
ص (وَإِنْ اسْتَلْحَقَ غَيْرَ وَلَدٍ لَمْ يَرِثْهُ إنْ لَمْ يَكُ وَارِثٌ، وَإِلَّا فَخِلَافٌ)
ش: اعْلَمْ أَنَّ النُّسَخَ اخْتَلَفَتْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ، فَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ يَكُنْ بِلَفْظِ
الْمُضَارِعِ وَإِسْقَاطِ لَمْ وَكَتَبَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا إنَّهَا كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ مُقَابَلَةٍ عَلَى خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ كَانَ وَارِثٌ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا مُوَافِقَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلنَّقْلِ، وَلِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ لَمْ يَكُ بِثُبُوتِ لَمْ وَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي عَكْسَ الْمُرَادِ وَالْمَعْنَى عَلَى النُّسْخَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ مَنْ اسْتَلْحَقَ غَيْرَ وَلَدٍ لَمْ يَرِثْ الْمُسْتَلْحَقُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ وَلَدٍ هَذَا الَّذِي اسْتَلْحَقَهُ إنْ كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ، فَخِلَافُ هَذَا الَّذِي فَرَضَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي صُورَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَكْسَ هَذَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّمَا هَذَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ ذَا مَالٍ وَمَسْأَلَةُ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِالْعَكْسِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ انْتَهَى، وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا أَخِي وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ اسْتَلْحَقَ غَيْرَ وَلَدٍ، وَلِهَذَا تَرَكُوا الْكَلَامَ عَلَيْهَا، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ (تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلُ) : ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَارِثٌ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ لَمْ يَرِثْهُ الْمُسْتَلْحَقُ، وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ الْمَعْرُوفُ غَيْرَ مُحِيطٍ بِإِرْثِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إقْرَارُ مَنْ يُعْرَفُ لَهُ وَارِثٌ مُحِيطٌ وَلَوْ بِوَلَاءٍ بِوَارِثٍ لَغْوٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مُحِيطٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يُحِطْ كَذِي بِنْتٍ فَقَطْ فَفِي إعْمَالِ إقْرَارِهِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِهِ مِنْ الِاسْتِلْحَاقِ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ قَوْلِهِ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا وَسَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ وَالْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَأَصْبَغَ وَأَوَّلُ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ وَثَانِيهمَا مَعَ أَشْهَبَ انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا قُوَّةُ الْقَوْلِ بِالْإِرْثِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَيْطِيُّ جَعَلَهُ شَاذًّا؛ لِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ إنَّمَا عَزَا مُقَابِلَهُ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ الثَّانِي: مَعَ أَشْهَبَ وَعَزَا الْقَوْلَ بِالْإِرْثِ لِلْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورِينَ قَبْلَهُ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْحَوفِيِّ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ وَقَالَ بِهِ الْعَمَلُ وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَهُوَ شَاذٌّ وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ فِي زَمَانِهِ قَائِلًا لَيْسَ ثَمَّ بَيْتُ مَالٍ انْتَهَى. وَنَصُّ الْمُتَيْطِيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ النَّسَبِ ذَا فَرْضٍ لَا يَسْتَوْعِبُ الْمَالَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ فَرْضَهُ وَمَا بَقِيَ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ رُدَّ عَلَى الْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ مَنْ يَذْهَبُ إلَى الرَّدِّ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إلَّا فِي قَوْلَةِ شَاذَّةٌ وَهِيَ إحْدَى قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا بَقِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إذَا كَانَ مِنْ الْعَصْبَةِ انْتَهَى.
(الثَّانِي) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ الْوَارِثِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ يَوْمُ مَوْتِ الْمُقِرِّ لَا يَوْمَ الْإِقْرَارِ قَالَهُ أَصْبَغُ فِي نَوَازِلِهِ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَهُ انْتَهَى وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَارِثُهُ وَلَهُ وَرَثَةٌ مَعْرُوفُونَ فَلَمْ يَمُتْ الْمُقِرُّ حَتَّى مَاتَ وَرَثَتُهُ الْمَعْرُوفُونَ الَّذِينَ كَانُوا يَدْفَعُونَ الْمُقِرّ لَهُ أَيُجْعَلُ الْمَالُ لِهَذَا الْمُقِرِّ لَهُ قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ يَدْفَعُهُ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ السَّاعَةَ، وَلَا وَارِثَ لَهُ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمِيرَاثَ لِلْمُقَرِّ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ دُونَ يَمِينٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ: قَدْ قِيلَ إنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُتَوَفَّى حَقٌّ وَيَقُومُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ وَذَكَرَ ابْنُ سَهْلٍ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يُفْتِي بِهِ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَحَصَلَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يَفْصِلُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُقِرُّ وَجْهَ اتِّصَالِهِ بِالْمُقَرِّ لَهُ فِي جَدٍّ مُعَيَّنٍ فَلَا يَمِينَ أَوْ لَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ فَيَجِبُ الْيَمِينُ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْحَوفِيِّ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْقَبُولِ، فَعَلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْيَمِينُ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِقْرَارِ وِفَاقًا لِابْنِ الْعَطَّارِ وَابْنِ مَالِكٍ وَخِلَافًا لِابْنِ عَتَّابٍ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَفْتَى فِيمَنْ أَقَرَّتْ بِابْنِ عَمِّ أَبِيهَا فِي عَقْدٍ، وَلَمْ يَرْفَعْ الْعَاقِدُ نَسَبَهَا لِجَدٍّ وَاحِدٍ بِيَمِينِ الْمُقَرِّ لَهُ.
(الرَّابِعُ) : إذَا بَيَّنَ الْمُقَرُّ لَهُ وَجْهَ نِسْبَةِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ هَذَا أَخِي شَقِيقِي أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ فَوَاضِحٌ وَإِنْ أَجْمَلَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَفِي ذَلِكَ اضْطِرَابٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ
إذَا قَالَ فُلَانٌ: وَارِثِي وَلَمْ يُفَسِّرْ حَتَّى مَاتَ إنَّ لَهُ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ إنْ كَانَ الْمُقِرُّ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَنْ يَرِثُهُ مِمَّنْ لَا يَرِثُهُ، وَأَمَّا الْجَاهِلُ الَّذِي لَا يَعْلَمُ مَنْ يَرِثُهُ مِمَّنْ لَا يَرِثُهُ فَقَوْلُهُ فُلَانٌ وَارَثَى حَتَّى يَقُولَ: ابْنُ عَمِّي أَوْ ابْنُ ابْنِ عَمِّي أَوْ مَوْلَايَ أَوْ أَعْتَقَنِي أَوْ أَعْتَقَ أَبِي أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقَنِي أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَكَذَا إنْ قَالَ: فُلَانٌ أَخِي قَاصِدًا لِلْإِشْهَادِ لَهُ بِالْمِيرَاثِ كَقَوْلِهِ أُشْهِدُكُمْ أَنَّ هَذَا يَرِثُنِي أَوْ يُقَالُ لَهُ هَلْ لَك وَارِثٌ فَقَالَ: نَعَمْ هَذَا أَخِي وَشِبْهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ هَذَا أَخِي أَوْ فُلَانٌ أَخِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يَرِثُ مِنْ مَالِهِ إلَّا السُّدُسَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَخًا لِأُمِّهِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ فُلَانٌ أَخِي أَوْ هَذَا أَخِي، وَإِنَّمَا سَمِعُوهُ يَقُولُ: يَا أَخِي يَا أَخِي لَمْ يَجِبْ لَهُ بِذَلِكَ مِيرَاثٌ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَقُولُ أَخِي أَخِي لِمَنْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إلَّا أَنْ تَطُولَ الْمُدَّةُ السِّنِينَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَدْعُو صَاحِبَهُ بِاسْمِ الْأُخُوَّةِ أَوْ الْعُمُومَةِ فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ انْتَهَى.
(الْخَامِسُ) : فَإِنْ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ، ثُمَّ مَاتَ الْمُقِرُّ وَقَامَ أَوْلَادُ الْمُقَرِّ لَهُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ لَمْ يَجِبْ لَهُمْ بِهِ مِيرَاثُ الْمُقِرِّ إذَا لَمْ يُقِرَّ إلَّا لِلْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا فِي حِينِ مَوْتِهِ فَوَلَدُهُ الْمَذْكُورُ بَنُو ابْنِ عَمِّهِ وَوَرِثَهُ الْمُحِيطُونَ بِمِيرَاثِهِ قَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَسْأَلَةَ فِي الِاسْتِلْحَاقِ عَنْ ابْنِ سَهْلٍ قَائِلًا أَفْتَى أَكْثَرُ أَهْلِ بَطْلَيُوسَ أَنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ الْمُقِرَّ وَإِنْ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ بَطْلَيُوسَ وَابْنِ مَالِكٍ وَابْنِ عَتَّابٍ أَفْتَوْا بِأَنَّهُ لَا يَرِثُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسُ) : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ: لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِوَارِثٍ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفُ النَّسَبِ أَوْ وَلَاءٌ إلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ الْإِقْرَارُ بِوَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ زَوْجَةٍ إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِوَلَدٍ، فَيُلْحَقُ بِهِ نَسَبُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَلَى اتِّفَاقٍ وَاخْتِلَافٍ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِوَلَدِ وَلَدٍ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ الْوَلَدُ، فَيَكُونُ هُوَ مُسْتَلْحِقَهُ أَوْ يَكُونُ قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ وَلَدُهُ، فَيَكُونُ إنَّمَا اسْتَلْحَقَ هُوَ الْوَلَدَ، وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ إذَا أَقَرَّ بِأَبٍ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ، وَيَرِثُهُ إلَّا إذَا أَقَرَّ بِهِ الْأَبُ، فَيَكُونُ الْأَبُ هُوَ الَّذِي اسْتَلْحَقَهُ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِجَدٍّ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْجَدُّ بِابْنِهِ، وَيُقِرُّ أَبُوهُ بِهِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ اسْتَلْحَقَ ابْنَهُ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِزَوْجَةٍ لَهَا وَلَدٌ أَقَرَّ بِهِ فَإِقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ يَرْفَعُ التُّهْمَةَ بِالزَّوْجَةِ، فَتَرِثُهُ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الزَّوْجِيَّةُ وَلَا عُرِفَتْ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. انْتَهَى.
وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ سَهْلٍ وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَمُخْتَصَرِ الْحَوفِيِّ لِابْنِ عَرَفَةَ.
(السَّابِعُ) : فَإِنْ أَقَرَّ هَذَا الْمَشْهُودُ لِآخَرَ أَنَّهُ وَارِثُهُ أَوْ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ الْأَوَّلِ بَطَلَ الْآخَرُ أَيْ الْإِقْرَارُ الثَّانِي قَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ (الثَّامِنُ) : إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ، وَدَفَعَ لِلْمُسْتَلْحِقِ عَلَى أَحَدِ الْمَشْهُورِينَ الْمِيرَاثَ، ثُمَّ جَاءَ شَخْصٌ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ الْمُسْتَلْحِقِ الْمَذْكُورِ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَإِنْ قَالَ لِأَوْلَادِ أَمَتِهِ أَحَدُهُمْ وَلَدِي عَتَقَ الْأَصْغَرُ وَثُلُثَا الْأَوْسَطِ وَثُلُثُ الْأَكْبَرِ)
ش: هَكَذَا قَالَ سَحْنُونٌ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَحَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا أَنَّ الْأَصْغَرَ حُرٌّ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الْأَوْسَطِ وَالْأَكْبَرِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ مَا فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ: هُوَ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ قَالَ:؛ لِأَنَّا لَا نُحِيطُ عِلْمًا أَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَالثَّانِي الْقُرْعَةُ وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ أَيْضًا لِلشَّكِّ، وَخَرَّجَهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَإِنْ أَقَرَّ مَيِّتٌ بِأَنَّ فُلَانَةَ إلَخْ وَاسْتَظْهَرَهُ (قُلْت) : وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ: وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِيهَا أَيْضًا، وَلَا مِيرَاثَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ حَظُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمِيرَاثِ بَيْنَهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ
يُعْتَقُونَ جَمِيعًا عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ قَدْ صَحَّ الْمِيرَاثُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا يَدْرِي مَنْ هُوَ مِنْهُمْ، فَإِنْ ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قُسِمَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ إنْ حَلَفُوا جَمِيعًا أَوْ نَكَلُوا، وَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ اخْتَصَّ بِهِ دُونَ النَّاكِلِ، وَإِنْ قَالُوا: لَا عِلْمَ عِنْدَنَا كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَنْ أَرَادَهُ الْمَيِّتُ مِنْهُمْ عَلَى الْخِلَافِ فِي لُحُوقِ يَمِينِ التُّهْمَةِ وَإِنْ عَتَقَ بَعْضُهُمْ يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِهِ كَانَ لَهُ حَظُّهُ مِنْ الْإِرْثِ، وَيُوقَفُ حَظُّ مَنْ لَمْ يُعْتَقْ، فَإِنْ عَتَقَ أَخَذَهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ رُدَّ إلَى الْوَرَثَةِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ افْتَرَقَتْ أُمَّهَاتُهُمْ فَوَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ)
ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْمِيرَاثِ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِذَا وَلَدَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ وَأَمَةُ آخَرَ)
ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَفَرَضَهَا كَمَا فَرَضَهَا الْمُصَنِّفُ فِي زَوْجَةِ رَجُلٍ وَأَمَةِ آخَرَ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَبِيًّا بِعَيْنِهِ غَيْرَ الَّذِي ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ، وَيُلْحِقُهُ بِنَفْسِهِ وَيَنْفِي الْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْوَاجِبُ أَنْ يَلْحَقَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ ادَّعَاهُ وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا وَلَدِي، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُدْعَى الْقَافَةُ وَلَوْ أَرَادَا فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَدًا يَكُونُ ابْنَهُ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَدَّعِي عِلْمَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ بَلْ تُدْعَى الْقَافَةُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَدَّعِيَا جَمِيعًا صَبِيًّا وَاحِدًا مِنْهُمَا يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا ابْنِي، وَيَتَنَازَعَانِ فِيهِ، وَيَنْفِيَانِ الْآخَرَ عَنْهُمَا قَالَ: وَالْوَاجِبُ فِي هَذَا عِنْدِي عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ تُدْعَى لَهُ الْقَافَةُ أَيْضًا إذْ لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَنْفِيَا الْآخَرَ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ ابْنُ أَحَدِهِمَا، وَاَلَّذِي ادَّعَيَاهُ جَمِيعًا لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ صَاحِبِهِ انْتَهَى.
وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْقَافَةَ لَا يُحْكَمُ بِهَا فِي أَوْلَادِ الْحَرَائِرِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ، وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ هُوَ قُوَّةُ الْفِرَاشِ فِي النِّكَاحِ، فَيُلْحَقُ الْوَلَدُ بِصَاحِبِ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِ الْفِرَاشَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لِصِحَّتِهِمَا جَمِيعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ: إذَا فُرِضَ عَدَمُ الْقَافَةِ، فَإِنَّهُ إذَا كَبِرَ الْوَلَدُ وَالَى أَيَّهُمَا شَاءَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أُشْكِلَ الْأَمْرُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَرِثَاهُ، وَإِنْ مَاتَا وَرِثَهُمَا مَعًا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ وَجَدَتْ مَعَ ابْنَتِهَا أُخْرَى لَا تُلْحَقُ بِهِ وَاحِدَةٌ)
ش: كَذَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى أَتَى بَعْدَهَا بِهَذِهِ، وَنَسَبَهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ لَكِنَّهُ زَادَ بَعْدَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: الْقَافَةُ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَأَنَّهُ أَتَى بِهَذَا الْفَرْعِ إثْرَ الْأَوَّلِ إشَارَةً إلَى التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى التَّخْرِيجِ يَعْنِي تَخْرِيجَ الْخِلَافِ مِنْ الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَى كَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ تَخْرِيجٌ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ
لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنَّمَا تَعْتَمِدُ الْقَافَةُ عَلَى أَبٍ لَمْ يُدْفَنْ)
ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي قَصْرِ الْقَافَةِ عَلَى الْوَلَدِ الْحَيِّ وَعُمُومِهَا فِيهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي قَصْرِهَا عَلَى الْوَلَدِ حَيًّا، وَعُمُومِهَا فِيهِ حَيًّا وَمَيِّتًا سَمَاعُ أَصْبَغَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ وَضَعَتْهُ تَمَامًا مَيِّتًا لَا قَافَةَ فِي الْأَمْوَاتِ، وَنَقَلَ الصَّقَلِّيُّ عَنْ سَحْنُونٍ إنْ مَاتَ بَعْدَ وَضْعِهِ حَيًّا دُعِيَ لَهُ الْقَافَةُ.
(قُلْت) وَيُحْتَمَلُ رَدُّهُمَا إلَى وِفَاقٍ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ فِيمَنْ وُلِدَ مَيِّتًا وَقَوْلُ سَحْنُونٍ: فِيمَنْ وُلِدَ حَيًّا، وَلَمْ أَقِفْ لِابْنِ رُشْدٍ عَلَى نَقْلِ خِلَافٍ فِيهَا انْتَهَى.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْقَائِفِ الْوَاحِدِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ.
ص (وَإِلَّا فَحِصَّةُ الْمُقِرِّ كَالْمَالِ)
ش: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُقِرُّ عَدْلًا، فَإِنَّمَا يَرِثُ هَذَا الْمُقِرُّ بِهِ مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ فَقَطْ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يَأْخُذُ مِنْهَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا سَيَقُولُهُ فِي بَابِ الْفَرَائِضِ حَيْثُ يَقُولُ: وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَقَطْ بِوَارِثٍ، فَلَهُ مَا نَقَصَهُ الْإِقْرَارُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْوَارِثَ إذَا أَقَرَّ بِوَارِثٍ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ إلَّا مَا زَادَ نَصِيبُهُ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى نَصِيبِهِ فِي الْإِقْرَارِ وَإِنْ نَقَصَ نَصِيبُ الْمُقِرِّ فِي الْإِنْكَارِ أَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى نَصِيبِهِ فِي الْإِقْرَارِ مِثْلَ أَنْ تُقِرَّ الزَّوْجَةُ بِأَخٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى، وَهَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ إقْرَارَ الْعَدْلِ بِالْوَارِثِ كَإِقْرَارِ غَيْرِ الْعَدْلِ لَا يَأْخُذُ الْمُقَرَّ بِهِ إلَّا مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ فَقَطْ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ رَشِيدًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ سَفِيهًا، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ حِصَّتِهِ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (كَالْمَالِ)
ش: تَشْبِيهٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ إنْ شَهِدَ عَدْلَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ بِمَالٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ ثَبَتَ، وَإِنْ شَهِدَ عَدْلٌ حَلَفَ مَعَهُ، وَثَبَتَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فَفِي صِحَّةِ الشَّاهِدِ قَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَصِيَّيْنِ أَوْ الْوَارِثَيْنِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ، وَإِنْ شَهِدَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ بِذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ حَلَفَ مَعَهُ إنْ كَانَ عَدْلًا، وَاسْتَحَقَّ حَقَّهُ فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَ مِنْ شَاهِدِهِ قَدْرَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ
الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ فِي حِصَّتِهِ بِشَيْءٍ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ الرُّشْدِ فِي الْعَدَالَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَأَنَّ شَهَادَةَ السَّفِيهِ لَا تَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فِي نَفْسِهِ، وَأَجَازَهَا مَالِكٌ وَفِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ قَبُولُ شَهَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا وَتَكَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هُنَا، وَفِي بَابِ الشَّرِكَةِ وَفِي الْمِدْيَانِ وَفِي الْوَصَايَا الْأُوَلِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
عَدْلٌ رَشِيدٌ: يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُؤْخَذُ بِشَهَادَتِهِ عَكْسُهُ سَفِيهٌ مَسْخُوطٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَفِيهٌ وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَسْخُوطٌ عَدْلٌ سَفِيهٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَهَلْ يُؤْخَذُ بِهِ قَوْلَانِ. رَشِيدٌ غَيْرُ عَدْلٍ: يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا انْتَهَى. كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ شَهَادَةَ السَّفِيهِ لَا تَجُوزُ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَخَذَ مِنْ شَاهِدِهِ قَدْرَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الدَّيْنِ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يَقُولُ يَأْخُذُ جَمِيعَ دَيْنِهِ مِنْ نَصِيبِ الْمُقِرِّ إذْ لَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ إنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا مَعَ الْوَرَثَةِ إذَا حَلَفَ وَإِنْ نَكَلَ كَانَ شَرِيكًا لِلْمُقِرِّ وَهَذَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْجُزْءِ وَأَمَّا بِالْعَدَدِ فَكَالدَّيْنِ انْتَهَى.
وَانْظُرْ كِتَابَ الْوَصَايَا مِنْ النَّوَادِرِ وَآخِرَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْهَا، فَإِنَّهُ عَقَدَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَابًا لِإِقْرَارِ الْوَارِثِ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَوْصَى بِكَذَا أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ.
ص (فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الْوَرَثَةُ فَهُنَّ أَحْرَارٌ) ش يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إقْرَارِ الْوَرَثَةِ إنْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَالَ: إحْدَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ ابْنَتِي، وَلَمْ يُسَمِّهَا فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا، ثُمَّ أَنْكَرَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ، فَلَا يَرِثُهُ وَوَقَفَ مَالِهِ)
ش: هَكَذَا قَالَ فِي رَسْمِ يُوصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَفِي قَوْلِهِ، وَوَقَفَ نَظَرٌ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مِيرَاثِهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لَهُمْ لَا حَقَّ لَهُ مَعَهُمْ فِيهِ؛ وَهُمْ لَا يُكَذِّبُونَهُ فَلَا مَعْنَى لِتَوْقِيفِهِ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقْبَلَ رُجُوعُهُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِرُجُوعِهِ إلَى اسْتِلْحَاقِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ثُبُوتُهُ عَلَى إنْكَارِهِ إلَى أَنْ مَاتَ (تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ الْمُسْتَلْحِقُ قَبْلَ الِابْنِ وَرِثَهُ الِابْنُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ، وَالِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي سَبَقَ، وَلَا يَسْقُطُ نَسَبُهُ بِإِنْكَارِهِ بَعْدَ اسْتِلْحَاقِهِ، ثُمَّ إنْ مَاتَ الِابْنُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرِثَهُ عَصَبَتُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ الْمُسْتَلْحِقِ لَهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ وَابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ وَنَصُّ ابْنِ بَطَّالٍ: وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَلْحِقُ الْأَبُ قَبْلَ الْمُسْتَلْحَقِ، وَوَرِثَهُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ وَالِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي سَبَقَ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ بَعْدَ الِاسْتِلْحَاقِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ الْمُسْتَلْحِقُ الْأَبُ لَوْ قَدَّمَ الْأَبَ، فَقَالَ الْأَبُ الْمُسْتَلْحِقُ لَكَانَ أَوْضَحَ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُقْنِعِ: وَإِنْ اسْتَلْحَقَ الرَّجُلُ رَجُلًا لَحِقَ بِهِ نَسَبًا أَوْلَادُ الْمُسْتَلْحِقِ، وَمَنْ نَفَى وَلَدَهُ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ انْتَهَى.
(فَائِدَتَانِ الْأُولَى) : يَجْتَمِعُ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَالْحُرِّ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ إحْدَاهَا: الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْأَمَةُ، فَتَلِدُ مِنْهُ، فَيُقِرُّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَنَّهُ غَصَبَهَا، فَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى قَطْعِ نَسَبِهِ وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ، الثَّانِيَةُ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَلَدَتْ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِحُرِّيَّةٍ، فَذَكَرَ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ حُرَّةً وَوَطِئَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَيُحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الثَّالِثَةُ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي إحْدَاهُمَا، فَأَقَرَّ أَنَّهُ اخْتَارَ وَاحِدَةً، ثُمَّ وَطِئَ الْأُخْرَى، فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الرَّابِعَةُ: مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً، وَوَطِئَهَا فَخَاصَمَهُ رَبُّهَا، فَقَالَ ادْفَعْ ثَمَنَ جَارِيَتِي الَّتِي بِعْت مِنْك، فَيَقُولُ الْوَاطِئُ إنَّمَا تَرَكْتهَا عِنْدِي أَمَانَةً وَدِيعَةً، فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الْخَامِسَةُ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ بِأُمِّ امْرَأَتِهِ عَالِمًا بِذَلِكَ، فَتَلِدُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ انْتَهَى مِنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ.