الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انْتَهَى وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ لِابْنِ الْهِنْدِيِّ فَقَطْ وَقَالَ قَبْلَهُ الْمُتَيْطِيُّ إنْ شَرِكَهُمْ الْوَصِيُّ مَعَ غَيْرِهِمْ فَفِي جَوَازِ مُقَاسَمَتِهِمْ لَهُ وَمَعَهُمْ الْأَجْنَبِيُّ مُرَاضَاةً قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْقِرَاضِ]
ص (بَابُ الْقِرَاضِ)
ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْقِرَاضُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَرْضِ، وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ لِيُجَازَى عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَلَمَّا كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مُتَّفِقَيْنِ جَمِيعًا يَقْصِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ لِيَنْفَعَهُ هُوَ اشْتَقَّ لَهُ مِنْ مَعْنَاهُ اسْمًا، وَهُوَ الْقِرَاضُ وَالْمُقَارَضَةُ؛ لِأَنَّهُ مُفَاعِلَةٌ مِنْ اثْنَيْنِ هَذَا اسْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَقُولُونَ قِرَاضًا أَلْبَتَّةَ، وَلَا عِنْدَهُمْ كِتَابُ الْقِرَاضِ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: مُضَارَبَةٌ وَكِتَابُ الْمُضَارَبَةِ، أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: 101] {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ مَالَهُ عَلَى الْخُرُوجِ بِهِ إلَى الشَّامِ وَغَيْرِهَا فَيَبْتَاعُ الْمَتَاعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَفِي قَوْلِ الصَّحَابَةِ لِعُمَرَ رضي الله عنه فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ: لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ فِي اللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ وَأَرْبَابُ الْبَيَانِ.
، وَإِذَا كَانَ يُحْتَجُّ فِي اللُّغَةِ بِقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَالنَّابِغَةِ فَالْحُجَّةُ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ أَقْوَى وَأَوْلَى اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَهُ اسْمَانِ: الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ أَمَّا لَفْظُ الْقِرَاضِ فَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: أَقْرَضْتُ الرَّجُلَ إذَا أَعْطَيْتَهُ لِيُعْطِيَكَ فَالْمُقَارِضُ يُعْطَى الرِّبْحَ كَمَا يُعْطَى الْمُقْتَرِضُ مِثْلَ الْمَأْخُوذِ، قَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مِنْ الْمُقَارَضَةِ، وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ، وَمِنْهُ: تَقَارَضَ الشَّاعِرَانِ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْإِنْشَادِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالرِّبْحِ، وَقِيلَ: مِنْ الْقَرْضِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّكَ قَطَعْتَ لَهُ مِنْ مَالِكَ قِطْعَةً، وَهُوَ قَطَعَ لَهُ مِمَّا تَحْتَ يَدِهِ أَوْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعَقْدِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ مِنْ بَابِ لَكَ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ الْحَاصِلِ بِسَعْيِهِ وَسُمِّيَ مُقَارِضًا مَعَ أَنَّ الْمُفَاعِلَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ إمَّا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَاوِي صَاحِبَهُ فِي الرِّبْحِ أَوْ يَقْطَعُ لَهُ مِمَّا تَحْتَ يَدِهِ أَوْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعَقْدِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلِّقِ عَنْ الْمُتَعَلَّقِ أَوْ هُوَ مِنْ الصِّيَغِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ نَحْوَ سَافَرَ، وَعَافَاهُ اللَّهُ، وَطَارَقْتُ النَّعْلَ إذَا جَعَلْتَهُ طَاقًا عَلَى طَاقٍ.
وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ: فَهُوَ إمَّا أَنَّ كِلَيْهِمَا يَضْرِبُ فِي الرِّبْحِ بِنَصِيبٍ وَإِمَّا مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ الَّذِي هُوَ السَّفَرُ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ: فَرْقٌ بَيْنَ ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ وَضَرَبَ الْأَرْضَ أَنَّ الْأَوَّلَ لِلتِّجَارَةِ، وَالثَّانِيَ لِلْحَجِّ وَالْغَزْوِ وَالْقُرُبَاتِ كَأَنَّهُ لِلتِّجَارَةِ مُنْغَمِسٌ فِي الْأَرْضِ وَمَتَاعِهَا، فَقِيلَ: ضَرَبَ فِيهَا، وَالْمُتَقَرِّبُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بَرِيءٌ مِنْ الدُّنْيَا فَلَمْ يُجْعَل فِيهَا وَسُمِّيَ مُفَاعَلَةً عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُقَارَضِ، وَالْمُقَارِضُ بِالْكَسْرِ رَبُّ الْمَالِ، وَبِالْفَتْحِ الْعَامِلُ، وَالْمُضَارِبُ بِالْكَسْرِ الْعَامِلُ عَكْسُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَضْرِبُ بِالْمَالِ، قَالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ اسْمٌ مِنْ الْمُضَارَبَةِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ اهـ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ تَوْكِيلٌ إلَخْ وَعَدَلَ عَنْ أَنْ تَكُونَ إجَارَةً كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِسَلَامَةِ مَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ بَعْضِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَوْرَدَ عَلَى حَدِّهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ وَغَيْرُ جَامِعٍ أَمَّا عَدَمُ مَنْعِهِ فَلِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَلَوْ قَالَ: أَجَّرْتُكَ عَلَى هَذَا التَّجْرِ فِي هَذَا الْمَالِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ صَدَقَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَيْسَ بِقِرَاضٍ، وَأَيْضًا فَلَوْ أَجَّرَهُ عَلَى التَّجْرِ إلَى أَجَلٍ أَوْ قَارَضَهُ بِعُرُوضٍ لَمْ يَكُنْ قِرَاضًا صَحِيحًا، وَأَمَّا عَدَمُ جَمْعِهِ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ الْقِرَاضُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِغَيْرِهِمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَأُجِيبَ عَنْ عَدَمِ مَنْعِهِ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِرَاضِ مَا ذَكَرَهُ، وَكَوْنُهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ شَرْطٌ فِي الصِّيغَةِ وَكَذَا كَوْنُهُ لَا يَكُونُ إلَى أَجَلٍ شَرْطٌ فِي الْعَمَلِ وَكَذَا كَوْنُهُ لَا يَكُونُ بِعَرْضٍ شَرْطٌ فِي الْمَالِ وَالشَّرْطُ
لَا يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ عَنْ عَدَمِ جَمْعِهِ بِأَنَّ الصُّورَةَ الْمُقْتَرَضَ بِهَا إنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ التَّبَرُّعَاتِ، وَإِطْلَاقُ الْقِرَاضِ عَلَيْهَا مَجَازٌ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْقِرَاضُ تَمْكِينُ مَالٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لَا بِلَفْظِ إجَارَةٍ فَيَدْخُلُ بَعْضُ الْفَاسِدِ كَالْقِرَاضِ بِالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَيَخْرُجُ عَنْهُ قَوْلُهَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا يَعْمَلُ بِهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ لَا بَأْسَ بِهِ عِيَاضٌ.
قَالَ سَحْنُونٌ: هُوَ ضَامِنٌ كَالسَّلَفِ فَضْلٌ هَذَا إنْ لَمْ يُشْتَرَطَ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ إنْ قَالَ: خُذْهُ قِرَاضًا فَهُوَ ضَامِنٌ الْبَاجِيُّ يَجُوزُ شَرْطُ كُلِّ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَإِنْ أُرِيدَ إدْخَالُهُ عَلَى أَنَّهُ قِرَاضٌ قِيلَ: عَقْدٌ عَلَى التَّجْرِ بِمَالِ الْعِوَضِ لَيْسَ مِنْ غَيْرِ رِبْحِهِ انْتَهَى.
وَيَخْرُجُ مِنْ الْأَخِيرِ مَا إذَا شُرِطَ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحُكْمُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي جَوَازِهِ، وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ، وَمِنْ السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ شُيُوخِنَا: إنَّهُ سُنَّةٌ أَيْ أَبَاحَتْهُ السُّنَّةُ، وَالرُّخْصَةُ فِيهِ جَائِزَةٌ بِالسُّنَّةِ لَا بِمَعْنَى السُّنَّةِ الَّتِي يُحَضُّ عَلَى أَمْثَالِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا أَقُولُ هِيَ سُنَّةٌ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ عِيَاضٍ: هِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ وَكُلُّ سَلَفٍ مَضْمُونٌ انْتَهَى.
وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَالْقِرَاضُ مِمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأُقِرَّ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ إلَيْهِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَتَنْمِيَتِهَا بِالتِّجَارَةِ فِيهَا، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَاضْطُرَّ فِيهِ إلَى اسْتِنَابَةِ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَجِدُ مَنْ يَعْمَلُ لَهُ فِيهِ بِإِجَارَةٍ لِمَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ فِيهِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقِرَاضِ فَرُخِّصَ فِيهِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ وَاسْتُخْرِجَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْعِلَّةِ مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ عَلَى نَحْوِ مَا رُخِّصَ فِيهِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَبَيْعِ الْعَرِيَّةِ وَالشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَالتَّوْلِيَةِ فِيهِ انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ:) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: أَوَّلُ قِرَاضٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قِرَاضُ يَعْقُوبَ مَوْلَى الْحَرِقَةِ مَعَ عُثْمَانَ رضي الله عنه، وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه بَعَثَ مَنْ يُقِيمُ مِنْ السُّوقِ مَنْ لَيْسَ بِفَقِيهٍ فَأُقِيمَ يَعْقُوبُ فِيمَنْ أُقِيمَ فَجَاءَ إلَى عُثْمَانَ فَأَخْبَرَهُ فَأَعْطَاهُ مِزْوَدَتَيْنِ قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ، وَقَالَ: إنْ جَاءَكَ مَنْ يَعْرِضُ لَكَ فَقُلْ لَهُ: الْمَالُ لِعُثْمَانَ فَقَالَ ذَلِكَ فَلَمْ يَقُمْ فَجَاءَ بِمِزْوَدَيْنِ مِزْوَدِ رَأْسِ الْمَالِ وَمِزْوَدِ رِبْحٍ، وَيُقَالُ: إنَّ أَوَّلَ قِرَاضٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قِرَاضُ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهم خَرَجَا فِي جَيْشٍ إلَى الْعِرَاقِ فَلَمَّا قَفَلَا مَرَّا عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ فَرَحَّبَ بِهِمَا، وَسَهَّلَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْتُ، ثُمَّ قَالَ: بَلْ هَاهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسَلِّفُكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ، ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ لَكُمَا الرِّبْحُ فَقَالَا: وَدِدْنَا، فَفَعَلَ وَكَتَبَ إلَى عُمَرَ رضي الله عنه أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ، فَلَمَّا قَدِمَا بَاعَا فَرَبِحَا فَلَمَّا دَفَعَا ذَلِكَ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: أَكُلَّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفَكُمَا؟ قَالَا: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: ابْنَا عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَسْلَفَكُمَا أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ، فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا لَوْ هَلَكَ الْمَالُ أَوْ نَقَصَ لَضَمِنَّاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَدِّيَاهُ فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبِيدُ اللَّهِ نِصْفَ الرِّبْحِ انْتَهَى.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَيُقَالُ: إنَّ الرَّجُلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، ثُمَّ قَالَ سُؤَالٌ أَبُو مُوسَى حَاكِمٌ عَدْلٌ، وَقَدْ تَصَرَّفَ بِوَجْهِ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَصِيرُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ بَعْثِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ مُضَافًا إلَى الْحَرَامِ مَنْ يَنْبَغِي إكْرَامُهُ فَهُوَ تَصَرُّفٌ جَامِعٌ لِلْمَصَالِحِ فَيَتَعَيَّنُ تَنْفِيذُهُ وَعَدَمُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ جَوَابُهُ أَنَّ عَدَمَ التَّعَرُّضِ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ النُّظَرَاءِ مِنْ الْأُمَرَاءِ أَمَّا الْخَلِيفَةُ فَلَهُ
النَّظَرُ فِي أَمْرِ نُوَّابِهِ، وَإِنْ كَانَ سَدَادًا أَوْ نَقُولُ: كَانَ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ تُهْمَةٌ تَتَعَلَّقُ بِعُمَرَ بِسَبَبِ أَنَّهُ إكْرَامٌ لِبَنِيهِ فَأَرَادَ إبْطَالَهَا وَالذَّبَّ عَنْ عِرْضِ الْإِمَامَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: قَدْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِوَجْهِ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَصِيرُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّفْعُ لِهَذَا الْقَصْدِ أَوْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَانَ هَذَا هُوَ السَّفَاتِجَ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْأَثَرِ مِنْ الْمُوَطَّإِ: لَمْ يُرِدْ رضي الله عنه إحْرَازَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَنْفَعَتَهُمَا بِالسَّلَفِ، وَمِنْ مُقْتَضَاهُ: ضَمَانُهُمَا الْمَالَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّلَفُ لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَةِ التَّسَلُّفِ، ثُمَّ قَالَ: وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسَلِّفُ صَاحِبَ الْمَالِ أَوْ غَيْرَهُ ضَمِنَ لَهُ النَّظَرَ عَلَيْهِ مِنْ إمَامٍ أَوْ قَاضٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ أَبٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسَلِّفَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لَيُحْرِزَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُتَسَلِّفِ، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَالْوَصِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَفِعْلُ أَبِي مُوسَى هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فَعَلَ هَذَا لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَجَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ فَوَّضَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ كَانَ بِيَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَسْلَفَهُ بِإِسْلَافِهِمَا إيَّاهُ فَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَفَاءٌ لَضَمِنَهُ أَبُو مُوسَى، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِأَبِي مُوسَى النَّظَرُ فِي الْمَالِ بِالتَّثْمِيرِ وَالْإِصْلَاحِ، وَإِذَا أَسْلَفَهُ كَانَ لِعُمَرَ الَّذِي هُوَ الْإِمَامُ تَعَقُّبُ فِعْلِهِ، فَتَعَقَّبَهُ وَرَدَّهُ إلَى الْقِرَاضِ انْتَهَى.
(نُكْتَةٌ:) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى أَيْضًا: وَقَوْلُ عُمَرَ: أَكُلَّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ إلَخْ؟ تَعَقُّبٌ مِنْهُ لِفِعْلِ أَبِي مُوسَى، وَنَظَرٌ فِي تَصْحِيحِ أَفْعَالِهِ، وَتَبْيِينٌ لِمَوْضِعِ الْمَحْظُورِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّفْ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ الْجَيْشِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ لِابْنَيْهِ مَوْضِعَ الْمُحَابَاةِ لِمَوْضِعِهِمَا مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا مِمَّا كَانَ يَتَوَرَّعُ عَنْهُ أَنْ يُخَصَّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَيْهِ بِمَنْفَعَةٍ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لِمَكَانِهِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ نَقْضٌ مِنْهُ لِفِعْلِ أَبِي مُوسَى وَتَغْيِيرٌ لِسَلَفِهِ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ: وَإِنَّمَا كَرِهَ تَفْضِيلَ أَبِي مُوسَى لِوَلَدَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يُلْزِمُهُمَا، وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا: إنَّ أَبَا مُوسَى اسْتَسْلَفَ الْمَالَ وَأَسْلَفَهُمَا إيَّاهُ لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَتِهِمَا، وَإِنَّ الْمَالَ كَانَ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْوَدِيعَةِ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِ التَّثْمِيرِ وَالْإِصْلَاحِ فَإِنَّ لِعُمَرَ تَعَقُّبَهُ، وَالتَّكَلُّمَ فِيهِ، وَالنَّظَرَ فِي ذَلِكَ لَهُمَا وَلِلْمُسْلِمِينَ بِوَجْهِ الصَّوَابِ وَقَوْلُهُ: لِوَلَدَيْهِ بَعْدَ اجْتِمَاعِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ إعْرَاضٌ عَنْ حُجَّةِ عُبَيْدِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْمُبْضِعَ مَعَهُ يَضْمَنُ الْبِضَاعَةَ إذَا اشْتَرَى بِهَا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ دَخَلَهَا نَقْصٌ جَبَرَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ رِبْحَهَا لِرَبِّ الْمَالِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ سُؤَالٌ: كَيْفَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ قِرَاضًا بَعْدَمَا كَانَ قَرْضًا، وَإِلْزَامُ ذَلِكَ فِي الْقَرْضِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَأَكْلٌ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّ الرِّبْحَ مِلْكٌ لِلْمُقْتَرِضِ إجْمَاعًا فَأَخْذُهُ غَصْبٌ جَوَابُهُ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي سِرَاجِ الْمُلُوكِ جَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه انْتِفَاعَهُمْ بِجَاهِ الْعَمَلِ لِلْمُسْلِمِينَ لَهُ نِصْفُ الرِّبْحِ كَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَاعَدُوهُمَا فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مُسْتَنَدُهُ فِي تَشْطِيرِ عُمَّالِهِ فِي أَمْوَالِهِمْ فَهُوَ كَالْقِرَاضِ انْتَهَى.
وَإِيرَادُ السُّؤَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا تُؤُمِّلَ لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قُرِّرَ أَنَّ لِعُمَرَ رضي الله عنه نَقْضَ فِعْلِ أَبِي مُوسَى فَلَهُ أَخْذُ جَمِيعَ الرِّبْحِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قِرَاضًا، وَهُمَا إنَّمَا دَخَلَا عَلَى أَنَّهُ قَرْضٌ، وَغَايَةُ مَا هُنَاكَ أَنَّهُ كَانَ لِعُمَرَ رَدُّ فِعْلِ أَبِي مُوسَى وَإِمْضَاؤُهُ فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ أَوْ يُمْضِيَ الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا قَالَ الْبَاجِيُّ وَنَصُّهُ: وَالْقِرَاضُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الرَّجُلُ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ أَحَدُ نَوْعَيْ الشَّرِكَةِ يَكُونُ فِيهَا الْمَالُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَالْعَمَلُ مِنْ الثَّانِي، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الشَّرِكَةِ: أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَالْعَمَلِ انْتَهَى.
وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ
ص (مَضْرُوبٌ)
ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَضْرُوبَ يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ كَأَنَّ التَّعَامُلَ بِهِ أَوْ فِي التِّبْرِ كَمَا لَوْ فُرِضَ أَنَّ السِّكَّةَ الْمَضْرُوبَةَ لَا يُتَعَامَلُ بِهَا فِي بَلَدٍ أَصْلًا كَمَا فِي غَالِبِ بِلَادِ السُّودَانِ عَلَى مَا قِيلَ، وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ
بِهِ حِينَئِذٍ، وَلَعَلَّهُ فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِهِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ لَا فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَلَا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ جَائِزٌ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ غَيْرُ جَائِزٍ بِالْعُرُوضِ مَا كَانَتْ
وَاخْتَلَفُوا فِي الشُّرُوطِ الَّتِي بِهَا يَصِحُّ فَعِنْدَنَا أَنَّ شُرُوطَهُ عَشَرَةٌ: نَقْدُ رَأْسِ الْمَالِ لِلْعَامِلِ، وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَى الْعَامِلِ، وَكَوْنُهُ مِمَّا يَتَبَايَعُ بِهِ أَهْلُ بَلَدٍ مِنْ الْعَيْنِ مَسْكُوكًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَسْكُوكٍ، وَمَعْرِفَةُ الْجُزْءِ الَّذِي تَقَارَضَا عَلَيْهِ مِنْ رِبْحِهِ، وَكَوْنُهُ مُشَاعًا لَا مُقَدَّرًا بِعَدَدٍ، وَلَا تَقْدِيرٍ، وَأَنْ لَا يُخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ سَوَاءً إلَّا مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ الْعَامِلُ مِنْ نَفَقَةٍ وَمُؤْنَةٍ فِي السَّفَرِ، وَاخْتِصَاصُ الْعَامِلِ بِالْعَمَلِ، وَأَنْ لَا يُضَيَّقَ عَلَيْهِ بِتَحْجِيرٍ أَوْ بِتَخْصِيصٍ يَضُرُّ بِالْعَامِلِ وَأَنْ لَا يُضْرَبَ لَهُ أَجَلٌ انْتَهَى.
فَقَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ مِمَّا يَتَبَايَعُ بِهِ إلَخْ رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَقْدِيرٍ: ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ابْنَ شَاسٍ فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ مِثْلُ مَا قَارَضَ بِهِ فُلَانٌ انْتَهَى.
فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الشُّرُوطَ: فَإِذَا تَوَفَّرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ جَازَ الْقِرَاضُ، وَإِنْ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ فَسَدَ الْقِرَاضُ انْتَهَى.
ص (مُسَلَّمٌ)
ش: أَيْ لِلْعَامِلِ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا إذَا شَرَطَ بَقَاءَ يَدِهِ مَعَهُ أَوْ أَمِينًا عَلَيْهِ وَمِمَّا لَوْ قَارَضَهُ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَقَدْ زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِإِخْرَاجِ ذَلِكَ قَيْدًا آخَرَ، فَقَالَ: الْمَالُ شَرْطُهُ نَقْدٌ مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ مُسَلَّمٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ بِدَيْنٍ، وَلَوْ أَحْضَرَهُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: مُعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ فَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَقُولَ لِمَدِينِهِ: اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِكَ قِرَاضًا مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَوْ أَحْضَرَهُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ وَيُعِيدَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَهُ بِهِ لِيَزِيدَهُ فِيهِ اللَّخْمِيُّ وَلِأَنَّهُمَا قَدْ يُظْهِرَانِ الْقِرَاضَ وَيُبْطِنَانِ أَنْ يَأْتِيَهُ رِبْحٌ مِنْ دَيْنِهِ، فَيَكُونَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيِّ وَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْقَبْضِ إحْضَارُهُ مَعَ الْإِشْهَادِ انْتَهَى وَسَيَذْكُرُ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ.
ص (إنْ عُلِمَ قَدْرُهُمَا)
ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَسَيُصَرِّحُ الْمُؤَلَّفُ بِبَعْضِ مَفْهُومِهِ، وَمِنْهُ مَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرَطَ ابْنُ شَاسٍ كَوْنَ الْمَالِ مَعْلُومًا قَالَ: احْتِرَازًا مِنْ دَفْعِ صُرَّةٍ عَيْنًا قِرَاضًا؛ لِأَنَّ جَهْلَ الْمَالِ يُؤَدِّي إلَى جَهْلِ الرِّبْحِ وَاضِحٌ مِنْ مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ انْتَهَى. وَفِي الشَّامِلِ: وَلَا يَجُوزُ بِمَجْهُولِ وَزْنٍ انْتَهَى.
ص (وَلَوْ مَغْشُوشًا)
ش: أَشَارَ بِهَذَا لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيَجُوزُ بِالْمَغْشُوشِ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْأَصَحَّ يَجُوزُ بِهِ مُطْلَقًا وَمُقَابِلُهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَكَذَا فَهِمَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ، وَعَزَا مُقَابِلَ الْأَصَحِّ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَأَنَّ الْبَاجِيَّ قَيَّدَهُ بِبَلَدٍ لَا يَتَعَامَلُ بِالْمَغْشُوشِ مُطْلَقًا قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْمَغْشُوشُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الْغِشُّ النِّصْفَ فَأَقَلَّ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَمْ يَجُزْ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي بِأَنَّ هَذِهِ دَرَاهِمُ مَغْشُوشَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الْقِرَاضُ بِهَا أَصْلَ ذَلِكَ إذَا زَادَ الْغِشُّ عَلَى النِّصْفِ، وَاَلَّذِي عِنْدِي: أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ لَيْسَتْ بِالسِّكَّةِ الَّتِي يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهَا، فَإِذَا كَانَتْ سِكَّةَ التَّعَامُلِ فَإِنَّهُ يَجُوز الْقِرَاضُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ عَيْنًا، وَصَارَتْ أُصُولَ الْأَثْمَانِ، وَقِيَمَ الْمُتْلِفَاتِ، وَقَدْ جَوَّزَ أَصْحَابُنَا الْقِرَاضَ بِالْفُلُوسِ، فَكَيْفَ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ؟ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِأَعْيَانِهَا، وَلَوْ كَانَتْ عُرُوضًا لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِأَعْيَانِهَا، وَإِنْ اُعْتُرِضَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُقْطَعَ فَتَسْتَحِيلَ أَسْوَاقُهَا فَمِثْلُ ذَلِكَ يَعْتَرِضُ فِي الدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ إذَا قُطِعَ التَّعَامُلُ بِهَا انْتَهَى.
وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ عَرَفَةَ
غَيْرَهُ وَنَصُّهُ: وَمَنَعَهُ الْقَاضِي بِالْعَيْنِ مَغْشُوشَةً الْبَاجِيُّ إلَّا حَيْثُ يَتَعَامَلُ بِهَا لِتَقْوِيمِ الْمُتْلَفِ بِهَا كَالطَّيِّبَةِ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا وَمُقَابِلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَجُوزُ بِالْمَغْشُوشِ عَلَى الْأَصَحِّ فَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِإِطْلَاقٍ يُرَدُّ بِاتِّفَاقِ الْقَاضِي وَالْبَاجِيِّ عَلَى مَنْعِهِ حَيْثُ لَا يُتَعَامَلُ بِهِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: مُقَابِلُ لَعَلَّهُ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَقْلُ الْبَاجِيِّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَوَاهِرِ، وَلَا فِي الذَّخِيرَةِ غَيْرَ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْبَاجِيِّ فَتَأَمَّلْهُ.
وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ إثْرَ كَلَامِ الْبَاجِيِّ: وَالضَّابِطُ لِهَذَا الْحُكْمِ أَنَّ كُلَّ مَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ بِالِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رُدَّ بِالْأُجْرَةِ إلَيْهِ لَمْ يَتَمَيَّزْ الرِّبْحُ إذْ رُبَّمَا ارْتَفَعَتْ قِيمَتُهُ فَيَسْتَغْرِقُ رَأْسُ الْمَالِ جَمِيعَ الرِّبْحِ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ تَنْقُصُ قِيمَتُهُ فَيَصِيرُ بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ رِبْحًا انْتَهَى.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (مَا لَمْ يُقْبَضْ أَوْ يُحْضِرُهُ وَيَشْهَدُ) ش يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ لَا بِدَيْنٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَوْلِهِ: وَاسْتَمَرَّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا عَلَى الْعَامِلِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ، وَأَحْضَرَ الدَّيْنَ قَبْلَ التَّجْرِبَةِ، وَأَشْهَدَ عَلَى وَزْنِهِ وَزَالَ عَنْهُ ضَمَانُهُ وَقَبَضَهُ مِنْهُ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَالْخَسَارَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقْبَضْ نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ يَصِحُّ الْقِرَاضُ وَإِنْ أَعَادَهُ بِالْقُرْبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ وَأَبَا الْحَسَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ:) فَإِنْ عَمِلَ بِهِ قَبْلَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ الرِّبْحُ لِلْعَامِلِ وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَاخْتُلِفَ فِي التَّأْوِيلِ عَلَيْهِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَعَلَى قَوْلِهِ تَكُونُ الْخَسَارَةُ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ، وَقَالَ التُّونُسِيُّ: لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ ادَّعَى الْخُسْرَانَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ نَزَلَ مَضَى، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: يَسْتَمِرُّ دَيْنًا خِلَافًا لِأَشْهَبَ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَهُ لَا يَسْتَمِرُّ دَيْنًا بَلْ يَبْقَى قِرَاضًا، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ مَا اشْتَرَى وَبَاعَ فَلِرَبِّ الْمَالِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَحَكَى ابْنُ حَارِثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا، وَالْخَسَارَةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ عَلَى أَصْلِ الْقِرَاضِ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ أَشْهَبَ بِالْكَرَاهَةِ انْتَهَى.
ص (وَلَا بِرَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ) ش ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ أَنَّ حُكْمَ الْقِرَاضِ الْوَدِيعَةِ إذَا وَقَعَ قَبْلَ قَبْضِهَا حُكْمُ الْقِرَاضِ بِالدِّينِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ.
ص (وَلَا تِبْرٌ لَمْ يُتَعَامَلُ بِهِ بِبَلَدِهِ) ش أَمَّا إذَا كَانَ يُتَعَامَلُ بِهِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى جَوَازِ الْقِرَاضِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُتَعَامَلْ بِهِ فَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَنْعُ الْقِرَاضِ بِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَرْعٌ: فَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمَشْهُورِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَمْضِي بِالْعَمَلِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يُفْسَخُ عُمِلَ بِهِ أَمْ لَا لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ ابْنُ حَبِيبٍ، وَإِذَا عُمِلَ بِالنَّقَّارِ رُدَّ مِثْلُهَا عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ إنْ عُرِفَ وَزْنُهَا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَرَأْسُ الْمَالِ مَا بَاعَهُ بِهِ أَوْ مَا خَرَجَ فِي الضَّرْبِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: فَإِنْ نَزَلَ مَضَى بِالْعَمَلِ، وَقِيلَ: وَقَبْلَهُ: وَرَدُّ مِثْلِهِ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ إنْ عُرِفَ وَزْنُهُ وَإِلَّا فَمَا بِيعَ بِهِ أَوْ خَرَجَ فِي الضَّرْبِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: بِعْهَا وَاشْتَرِهَا فَلْيَرُدَّ ثَمَنَهَا أَوْ مَا صَرَفَهَا بِهِ، فَإِنْ شَرَطَ صَرْفَهَا أَوْ ضَرْبَهَا عَلَى الْعَامِلِ فَلَهُ أَجْرُهُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ وَقِرَاضُ مِثْلِهِ انْتَهَى.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ اشْتِرَاطِ رَبِّهَا صَرْفَهَا أَوْ بَيْعَهَا وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لِذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ مَآلَ أَمْرِهَا لِذَلِكَ أَنَّهُ مَعَ الِاشْتِرَاطِ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْقِرَاضُ بَعْدَ نَضُوضِ الْمَالِ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ جَعَلَهَا قِرَاضًا مِنْ يَوْمِ دُفِعَتْ أَشَارَ إلَى هَذَا الْفَرْقِ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ.
ص (كَفُلُوسٍ)
ش: يُرِيدُ، وَلَوْ كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا تَجُوزُ بِالْفُلُوسِ عَلَى الْأَصَحِّ وَثَالِثُهَا: إنْ كَثُرَتْ، وَرَابِعُهَا: الْكَرَاهَةُ، وَعَلَى الْمَنْعِ فَلَهُ أَجْرُهُ فِي بَيْعِهِ، وَقِرَاضُ مِثْلِهِ فِيمَا نَضَّ وَيُرَدُّ
فُلُوسًا انْتَهَى.
وَفِي هَذَا الْكَلَامِ سُقُوطٌ، وَصَوَابُهُ، وَقِيلَ: يَمْضِي وَيَرُدُّ فُلُوسًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْبَاجِيُّ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِرَاضُ بِالنَّقَّارِ أَخَفُّ وَالْفُلُوسُ كَالْعُرُوضِ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَيَكُونُ لَهُ فِي بَيْعِ الْفُلُوسِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَفِيمَا نَضَّ مِنْ ثَمَنِهَا قِرَاضُ مِثْلِهِ، وَقَالَ أَصْبَغُ هِيَ كَالنَّقَّارِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِثْلَهُ وَيَرُدُّ فُلُوسًا زَادَ غَيْرُهُ فِي قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَهَا، ثُمَّ يَعْمَلَ بِهَا، فَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا فَهِمَهُ الْبَاجِيُّ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَعَرَضٍ إنْ تَوَلَّى بَيْعَهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ الْقِرَاضِ عَرَضًا عَلَى أَنَّهُ رَأْسُ الْمَالِ وَيُرَدُّ مِثْلُهُ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَغْلُوَ غُلُوًّا يَسْتَغْرِقُ رَأْسَ الْمَالِ وَالرِّبْحَ فَيُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ عَمَلِ الْعَامِلِ وَيَرْخُصَ فَيَأْخُذُ الْعَامِلُ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا عَلَى أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ قِيمَتُهُ الْآنَ أَوْ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ وَكَأَنَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِلْغَرَرِ، وَلَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ، وَيَكُونَ ثَمَنُهُ رَأْسَ الْمَالِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُفْسَخُ ذَلِكَ، وَإِنْ بِيعَ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِالثَّمَنِ، وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ الْمَنْعَ بِمَا إذَا كَانَ فِي بَيْعِهِ كُلْفَةٌ وَلِذَلِكَ أُجْرَةٌ لَهَا خَطْبٌ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ لَا خَطْبَ لَهَا أَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ قِرَاضًا، أَوْ يَقُولُ كَلِّفْ مَنْ يَبِيعُ وَيَأْتِيكَ بِالثَّمَنِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ الْمُصَنِّفُ لِتَقْيِيدِ اللَّخْمِيِّ وَجَعَلَهُ خِلَافًا، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَوْ قَالَ: آخُذُ هَذَا الْعَرَضَ وَأَمْضِي بِهِ إلَى الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ وَأَدْفَعُهُ إلَى فُلَانٍ يَبِيعُهُ وَيَقْبِضُ ثَمَنَهُ فَخُذْهُ مِنْهُ وَاعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا يَدْخُلُهُ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ الْعُرُوض، وَلَا يَتَوَلَّى الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ، وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْمَازِرِيِّ: بِلَا خِلَافٍ فَقَالَ: إنْ تَوَلَّى بَيْعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (أَوْ أُجِّلَ أَوْ ضُمِنَ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا لَمْ يُشْتَرَطْ زِيَادَةٌ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ فَفِيهِ إنْ نَزَلَ قِرَاضُ مِثْلِهِ كَالْقِرَاضِ عَلَى ضَمَانٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ فِيهِ يُرَدُّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَفِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ حَاشِيَةِ الْمَشَذَّالِيِّ الْمُتَيْطِيُّ: لَوْ تَطَوَّعَ الْعَامِلُ بِضَمَانِ الْمَالِ فَفِي صِحَّةِ الْقِرَاضِ خِلَافٌ بَيْن الشُّيُوخِ فَذَهَبَ ابْنِ عَتَّابٍ إلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَحَكَى إجَازَتَهُ عَنْ شَيْخِهِ مُطَرِّفٍ ابْنُ بَشِيرٍ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: لَا يَجُوزُ وَمَال إلَيْهِ ابْنُ سَهْلٍ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ
مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ اُنْظُرْ الْوَصَايَا مِنْ ابْنِ سَهْلٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمَشَذَّالِيِّ.
ص (أَوْ مَا يَقِلُّ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَى غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ، فَقَدْ تَعَدَّى، فَإِنْ رَبِحَ فَلَهُ فِيمَا رَبِحَ قِرَاضُ مِثْلِهِ وَإِنْ خَسِرَ ضَمِنَ، وَلَا أَجْرَ لَهُ فِي الْوَضِيعَةِ، وَلَا أُعْطِيهِ - إنْ رَبِحَ - إجَارَتَهُ؛ إذْ لَعَلَّهَا تَغْتَرِقُ الرِّبْحَ وَتَزِيدُ فَيَصِلُ بِتَعَدِّيهِ إلَى مَا يُرِيدُ انْتَهَى.
ص (كَاشْتِرَاطِ يَدِهِ)
ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ.
(مَسْأَلَةٌ:) قَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ رَجُلًا سِلْعَةً سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْقِرَاضِ عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ الْمَالَ فَيُقِيمُ فِي
يَدَيْهِ أَيَّامًا، وَيَتَجَهَّزُ بِذَلِكَ يُرِيدُ سَفَرًا فَيَلْقَى صَاحِبَ الْمَالِ فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ أَخْرُجَ مَعَكَ فَأَخْرِجْ ذَهَبًا آخَرَ مِثْلَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ، وَنَشْتَرِكُ جَمِيعًا قَالَ مَالِكٌ: مَا أَرَى أَمْرًا بَيِّنًا وَمَا يَحْضُرُنِي فِيهِ مَكْرُوهٌ وَكَأَنَّهُ خَفَّفَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا إذَا صَحَّ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ، وَلَا رَأْيٍ، وَلَا عَادَةٍ قَالَ أَصْبَغُ: لَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ سَحْنُونٌ: هُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مُفَسِّرًا لِقَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ مَالِكًا إنَّمَا خَفَّفَ ذَلِكَ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْ التَّوَاطُؤِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَجَهَّزَ بِالْمَالِ إذْ لَوْ أَتَاهُ قَبْلَ أَنْ يَتَجَهَّزَ بِالْمَالِ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُ وَفَعَلَهُ مَعَهُ لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَدْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ مَعَهُ فِي مَالِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ نَصِيبًا مِنْ رِبْحِهِ.
وَكَرِهَهُ أَصْبَغُ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ تَوَاطَأَ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَجَهَّزَ بِالْمَالِ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ مَضَى، وَلَمْ يُفْسَخْ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ وَفُسِخَ عَلَى مَذْهَبِ أَصْبَغَ مَا لَمْ يَفُتْ بِالْعَمَلِ فَلَوْ فَاتَ مَضَى وَكَانَ الْعَامِلُ عَلَى شَرْطِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ سَحْنُونٍ الَّذِي قَالَ فِيهِ: إنَّهُ الرِّبَا بِعَيْنِهِ فَيُفْسَخُ مَتَى مَا عُثِرَ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَيَكُونُ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّهُ هُوَ الرِّبَا عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ فِي اللَّفْظِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ؛ إذْ لَيْسَ رِبًا بِعَيْنِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَذْهَبِهِ اسْتِئْجَارٌ لِلْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ مَعَهُ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِ الْمَالِ، وَذَلِكَ مَا لَا يَحِلُّ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْطِهِ أَجْرَهُ» وَلِقَوْلِهِ «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُؤَاجِرْهُ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ» وَلْيَقِهِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَالْإِجَارَةُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ لَا يَجُوزُ فِيهَا الْغَرَرُ وَالْجَهْلُ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ كَمَا لَا يَحِلُّ الرِّبَا قَالَ فِيهِ: إنَّهُ رِبًا انْتَهَى.
ص (أَوْ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ إنْ أَخْبَرَهُ بِقَرْضٍ)
ش: كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَبَعْدَ اشْتِرَائِهِ بِالْوَاوِ، وَهُوَ أَحْسَنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (أَوْ عَيَّنَ شَخْصًا أَوْ زَمَنًا أَوْ مَحِلًّا)
ش: يَعْنِي فَفِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُنْتَقَى، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: تَحْرِيرٌ عَجِيبٌ فِي أَنَّ
تَعْيِينَ الزَّمَانِ مِنْ قَبِيلِ مَا يَتَرَجَّحُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا أَنَّ الْقِرَاضَ إلَى أَجَلٍ مِنْ قَبِيلِ مَا يَتَرَجَّحُ فِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ، وَتَصَوُّرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا جَلِيٌّ انْتَهَى.
كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ تَعْيِينَ الزَّمَانِ هُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْغَلَ جَمِيعَ الْمُدَّةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مَالَ الْقِرَاضِ، وَيَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِيهِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ جَمِيعَ الزَّمَانِ، وَأَنَّ الْقِرَاضَ إلَى أَجَلٍ مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مَالَ الْقِرَاضِ إلَى شَهْرٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ فِي جَمِيعِ الزَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَرِضَاهُمَا بَعْدُ عَلَى ذَلِكَ)
ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِلْعَامِلِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ لِقَبْضِهِ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ لِرَبِّ الْمَالِ، فَقِيلَ: تَبْطُلُ لِعَدَمِ الْحَوْزِ، وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ قَوْلًا بِالصِّحَّةِ قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَمَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ إلَى النُّفُوذِ انْتَهَى.
مِنْ التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهٌ:) أَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُنَا التَّرَاضِيَ عَلَى جُزْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَقَالَ فِي بَابِ الْآجَالِ: وَإِنْ قَارَضْت رَجُلًا مَالًا أَوْ أَسْلَفْتُهُ إيَّاهُ فَلَا تَقْبَلْ مِنْهُ هَدِيَّةً قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْهَدِيَّةَ مُحَقَّقَةٌ، وَهَذِهِ مُتَوَهَّمَةٌ أَوْ أَنَّهُ فِي كِتَابِ الْآجَالِ لَمْ يَعْمَلْ وَهُنَا عَمِلَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى.
ص (وَهِيَ لِلْمُشْتَرِطِ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَ الرِّبْحِ مَثَلًا
لِأَجْنَبِيٍّ وَأَبَى مَنْ أَخَذَهُ فَإِنَّهُ لِمُشْتَرِطِهِ انْتَهَى.
ص (وَالثَّمَنُ عَيْنًا)
ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَيْنًا بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَالثَّمَنُ عَيْنٌ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ.
ص
وَضَمِنَ إنْ خَالَفَ)
ش: اُنْظُرْ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْزِلَ وَادِيًا أَوْ لَا يَرْكَبَ بَحْرًا أَوْ لَا يَمْشِيَ بِلَيْلٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَسَلِمَ، ثُمَّ إنَّهُ اشْتَرَى وَخَسِرَ هَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا؟ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ نَهَيْتَهُ عَنْ الْخُرُوجِ بِالْمَالِ مِنْ مِصْرَ فَخَرَجَ بِهِ إلَى إفْرِيقِيَّةَ عَيْنًا قَبْلَ أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ، ثُمَّ تَجَرَ بِهِ بِمِصْرَ فَخَسِرَ أَوْ ضَاعَ مِنْهُ بِمِصْرَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ رَدَّهُ قَبْلَ أَنْ يُحَرِّكَهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لَيْسَ التَّحْرِيكُ بِشَرْطٍ فَمَتَى رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ حَرَّكَهُ الشَّيْخُ: وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الرَّدِّ وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا زَرَعَ أَوْ سَاقَى جَوْرًا وَظُلْمًا لَهُ أَيْ لِلْعَامِلِ يَعْنِي فِي الْآتِيَةِ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (كَأَنْ زَرَعَ أَوْ سَاقَى فِي مَوْضِعِ جَوْرٍ لَهُ) ش يَعْنِي أَنَّهُ إذَا زَرَعَ أَوْ سَاقَى بِمَوْضِعِ جَوْرٍ وَظُلْمٍ لَهُ أَيْ لِلْعَامِلِ يَعْنِي فِي مَوْضِعٍ يَرَى أَنَّهُ يُظْلَمُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لَهُ مِمَّا إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ فِيهِ ظُلْمٌ أَوْ جَوْرٌ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّهُ هُوَ لَا يُظْلَمُ لِوَجَاهَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِمَا قَالَهُ فِي تَوْضِيحِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ وَيُسَاقِيَ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ ظُلْمٍ فَيَضْمَنُ، ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِ الْمَوْضِعِ مَوْضِعَ ظُلْمٍ يَضْمَنُ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ خَاطَرَ بِهِ فِي مَوْضِعِ ظُلْمٍ أَوْ غَرَرٍ يَرَى أَنَّهُ خَطَرٌ فَهُوَ ضَامِنٌ فَزَادَ الْمُخَاطَرَةَ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ ظُلْمٍ، وَلَا يُعَدُّ الزَّارِعُ مُخَاطِرًا لِوَجَاهَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَكَأَنَّ ابْنَ غَازِيٍّ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ فَتَحَيَّرَ فِي مَعْنَاهُ فَانْظُرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِذَا ضَمَّنَّاهُ بِالتَّعَدِّي لِمُخَاطَرَتِهِ فِي مَوْضِعِ الظُّلْمِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْخَسَارَةُ مِنْ سَبَبِ الزَّرْعِ أَوْ مِنْ سَبَبِ الظُّلْمِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ لِلتَّعَدِّي فِي أَصْلِ فِعْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَالرِّبْحُ لَهُمَا كَكُلِّ آخِذِ مَالٍ لِلتَّنْمِيَةِ فَتَعَدَّى)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ إذَا تَعَدَّى فِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقُلْنَا: إنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ إنْ تَلِفَ أَوْ خَسِرَ
فَلَا يَخْتَصُّ بِالرِّبْحِ، وَيُقَالُ: كَمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْخَسَارَةَ فَلْيَسْتَبِدَّ بِالرِّبْحِ بَلْ الرِّبْحُ لَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ الِاسْتِبْدَادَ بِالرِّبْحِ فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ وَلِأَنَّا لَوْ قُلْنَا الرِّبْحُ لِلْعَامِلِ بِتَعَدِّيهِ لَكَانَ ذَلِكَ حَامِلًا لَهُ عَلَى التَّعَدِّي لِيَسْتَقِلَّ بِالرِّبْحِ وَلِهَذَا لَوْ قُلْنَا: إنَّ كُلَّ مَنْ أَخَذَ مَالًا لِيُنَمِّيَهُ فَيَتَعَدَّى فِيهِ كَالْوَكِيلِ وَالْمُبْضِعِ مَعَهُ فَالْغُرْمُ عَلَيْهِ وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَأَمَّا الْمُقَارَضُ فَالرِّبْحُ لَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِاطِّرَادِ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ كُلُّ تَعَدٍّ فِيهِ وَكُلُّ مَنْ أَخَذَ مَالًا عَلَى الْأَمَانَةِ وَتَعَدَّى فِيهِ فَالرِّبْحُ لَهُ فَقَطْ كَالْمُودَعِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْعَامِلَ يَجِبُ لَهُ الرِّبْحُ كُلُّهُ فِي مَسَائِلِ الضَّمَانِ بِسَبَبِ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ انْتِقَالَ مَالِ الْقِرَاضِ إلَى ذِمَّتِهِ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِلرِّبْحِ انْتَهَى.
ص (وَلَا أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ الثَّانِي يَشْغَلُهُ عَنْ الْأَوَّلِ)
ش:
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ: وَلِلْعَامِلِ أَنْ يَأْخُذَ مَالًا قِرَاضًا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ كَثِيرًا يَشْغَلُهُ الثَّانِي عَنْهُ فَلَا يَأْخُذُ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا، فَإِنْ أَخَذَهُمَا، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْعَمَلَ بِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَخْلِطَهُمَا، وَلَا يَضْمَنُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي انْتَهَى.
، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَشْغَلُهُ عَنْ الْأَوَّلِ وَأَخَذَهُ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي بَابِ الْقِرَاضِ: وَلِلْعَامِلِ أَنْ يَخْلِطَ الْقِرَاضَ بِمَالِهِ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّجْرِ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ فَعَلَ وَتَجِرَ فِي الثَّانِي، وَعَطَّلَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ سِوَى رَأْسِ الْمَالِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَكُونُ عَلَيْهِ قَدْرُ مَا حَرَمَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَكَذَلِكَ إذَا تَجَرَ فِي الْأَوَّلِ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالثَّانِي عَنْ بَيْعِ الْأَوَّلِ حَتَّى نَزَلَ سُوقَهُ فَيُخْتَلَفُ هَلْ يَضْمَنُ الْعَامِلُ مَا حَطَّ السُّوقُ؛ لِأَنَّهُ حَرَمَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ فَسَدَ لِأَجْلِ شُغْلِهِ عَنْهُ ضَمِنَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ قِرَاضًا بَعْدَ قِرَاضٍ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الثَّانِي إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّجْرِ فِيهِمَا، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى التَّجْرِ فِي أَحَدِهِمَا مُنِعَ مِنْ التَّجْرِ فِي الثَّانِي، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ مَا كَانَ فِي الْأَوَّلِ مِنْ ضَيْعَةٍ أَوْ نُزُولِ أَسْوَاقٍ أَوْ فَسَادٍ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا اشْتَغَلَ بِالْأَوَّلِ وَعَطَّلَ الثَّانِيَ ضَمِنَ قَدْرَ مَا حَرَمَهُ مِنْ رِبْحِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ ضَاعَ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي أَخْذِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّ فِي يَدَيْهِ قِرَاضًا لِغَيْرِهِ أَوْ أَعْلَمَهُ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْقِيَامِ بِالْمَالَيْنِ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَنَصُّهُ: اللَّخْمِيُّ لَهُ خَلْطُهُ بِمَالِهِ إنْ قَدَرَ عَلَى التَّجْرِ بِهِمَا، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّجْرِ بِالزَّائِدِ عَلَيْهِ مُنِعَ مِنْ خَلْطِهِ، فَإِنْ تَجَرَ فِي الثَّانِي وَعَطَّلَ الْأَوَّلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخِرِ يَغْرَمُ قَدْرَ مَا حَرَمَهُ مِنْ الرِّبْحِ إنْ تَجَرَ بِالْأَوَّلِ وَاشْتَغَلَ بِالثَّانِي عَنْ بَيْعِ الْأَوَّلِ حَتَّى نَزَلَ سُوقَهُ أَوْ فَسَدَ فَفِي ضَمَانِهِ نَقْصَهُ أَوْ كُلَّهُ - إنْ فَسَدَ - الْقَوْلَانِ، وَأَخْذُهُ قِرَاضًا بَعْدَ قِرَاضٍ جَائِزٌ إنْ قَدَرَ عَلَى التَّجْرِ بِهِمَا، وَإِلَّا مُنِعَ مِنْ التَّجْرِ بِالثَّانِي، فَإِنْ فَعَلَ فَفِي ضَمَانِهِ لِتَرْكِ الْأَوَّلِ وَنُزُولِ سُوقِهِ أَوْ فَسَادِهِ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِالْأَوَّلِ ضَمِنَ ذَلِكَ فِي الثَّانِي إنْ لَمْ يَعْلَمْ هَذَا الثَّانِي أَنَّ بِيَدِهِ قِرَاضًا لِغَيْرِهِ أَوْ أَعْلَمَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ عَجْزَهُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْمَالَيْنِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ تَعَدَّدَ فَالرِّبْحُ كَالْعَمَلِ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَارَضْت رَجُلَيْنِ عَلَى أَنَّ لَكَ نِصْفَ الرِّبْحِ، وَلِأَحَدِهِمَا الثُّلُثُ وَلِلْآخِرِ السُّدُسُ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ الْعَامِلَانِ عَلَى مِثْلِ هَذَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَأْخُذُ بَعْضَ رِبْحِ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ انْتَهَى.
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ لَكَ ظَاهِرَهُ أَنَّ الشَّرْطَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلَيْنِ، وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ مِنْ الْعَامِلِ خَاصَّةً وَظَاهِرُ الْكِتَابِ: أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا سَوَاءٌ انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: زَادَ فِي الْأُمَّهَاتِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ هَذَا إذَا عَمِلَا عَلَى مَا يَجُوزُ فِي الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: عَمَلُهُمَا عَلَى قَدْرِ أَجْزَائِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ جَائِزٌ، وَنَحْوُهُ لِحَمْدِيسٍ وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَإِنْ عَمِلَا مَضَى، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ: الصَّوَابُ: جَوَازُهُ انْتَهَى.
وَبَعْضُ مَشَايِخِهِ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ ابْنُ رُشْدٍ كَذَا نَسَبَهُ فِي التَّوْضِيحِ لَهُ، وَهُوَ لَهُ فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ الْقِرَاضِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ، فَإِذَا فَاتَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ يُقَسَّمُ الرِّبْحُ عَلَى مَا سَمَّوْا وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْقَلِيلِ عَلَى صَاحِبِ الْكَثِيرِ بِفَضْلِ عَمَلِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ: بَلْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: بَلْ يُرَدَّانِ إلَى حُكْمِ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ التُّونُسِيُّ: يَكُونَانِ أَجِيرَيْنِ، وَقَالَ فَضْلٌ: لَهُمَا قِرَاضُ مِثْلَيْهِمَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَوْلُ التُّونُسِيِّ أَظْهَرُ عِنْدِي وَأَجْرَى عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ انْتَهَى.
وَهُوَ الْجَارِي عَلَى مَا قَدَّمَهُ الشَّيْخُ فِي قَوْلِهِ، وَفِيمَا فَسَدَ غَيْرُهُ أُجْرَةُ
مِثْلِهِ انْتَهَى.
ص (لِغَيْرِ أَهْلٍ)
ش: فَإِنْ سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لَهُ بِهَا أَهْلٌ إلَى بَلَدٍ لَهُ بِهَا أَهْلٌ أَيْضًا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي ذَهَابِهِ، وَلَا فِي رُجُوعِهِ، وَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ أَهْلُهُ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ لَهُ فِيهَا أَهْلٌ فَلَا نَفَقَةَ فِي ذَهَابِهِ، وَلَا فِي إقَامَتِهِ، وَلَهُ النَّفَقَةُ فِي رُجُوعِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
ص (لَا دَوَاءَ) ش قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ الْبَاجِيُّ
وَلَهُ أَنْ يَحْتَجِمَ وَيَحْلِقَ رَأْسَهُ وَيَفْصِدَ وَيَدْخُلَ الْحَمَّامَ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ انْتَهَى.
، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلِلْعَامِلِ نَفَقَتُهُ فِي السَّفَرِ، وَفِي إقَامَتِهِ بِغَيْرِ وَطَنِهِ بِالْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ هَكَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَرُكُوبِهِ وَمَسْكَنِهِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَحِجَامَتُهُ وَحَمَّامُهُ قَالُوا: وَلَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ انْتَهَى.
ص (وَلِكُلٍّ فَسْخُهُ قَبْلَ عَمَلِهِ)
ش: نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ رَدُّهُ وَالرُّجُوعُ، وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ إلَّا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ انْتَهَى.
ص (كَرَبِّهِ، وَإِنْ تَزَوَّدَ لِسَفَرٍ، وَلَمْ يَظْعَنْ)
ش: يَعْنِي: وَأَمَّا الْعَامِلُ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ الْفَسْخُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اللَّهُمَّ
إلَّا أَنْ يَدْفَعَ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْعَنْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا ظَعَنَ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ: أَنَا أُنْفِقُ عَلَيْكَ حَتَّى أَرُدّكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِرَبِّ الْمَالِ رَدُّ الْمَالِ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ الْعَامِلُ أَوْ يَظْعَنْ بِهِ لِسَفَرٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ظَعْنِهِ: ارْجِعْ، وَأَنَا أُنْفِقُ عَلَيْكَ انْتَهَى.
ص (وَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِي تَلَفِهِ وَخُسْرِهِ وَرَدِّهِ) ش: وَهَلْ يَحْلِفُ أَمَّا فِي دَعْوَى الرَّدِّ فَيَحْلِفُ اتِّفَاقًا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَمَّا فِي
التَّلَفِ فَأَجْرَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَيْمَانِ التُّهَمِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) حُكْمُ الْمُبْضَعِ مَعَهُ حُكْمُ الْمُقَارَضِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَارِيَّةِ (الثَّانِي:) قَوْلُهُمْ: إنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي رَدِّ الْمَالِ يَعْنِي إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي الْوَكَالَةِ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْعَارِيَّةِ، وَهَذَا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَهُ أَوْ رَدَّ بَعْضَهُ، وَكَانَ الْبَاقِي لَا يَفِي بِرَأْسِ الْمَال، وَإِنَّمَا يَفِي بِمَا رَدَّهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْبَاقِي يَفِي بِرَأْسِ الْمَالِ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ مَا دَامَ فِي الْبَاقِي رِبْحٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ: وَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ رَدَدْت إلَيْكَ رَأْسَ مَالِكَ، وَاَلَّذِي بِيَدِي رِبْحٌ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا صُدِّقَ رَبُّ الْمَالِ مَا دَامَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، وَعَلَى الْعَامِلِ الْبَيِّنَةُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَحُكِيَ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ إذَا قَالَ: مَا فِي يَدِي هَذَا رِبْحٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ حَقَّ رَبِّ الْمَالِ قَائِمٌ بِيَدِهِ بَعْدُ، وَأَمَّا إنْ قَالَ: رَدَدْت إلَيْكَ الْمَالَ وَحِصَّتُكَ مِنْ الرِّبْحِ، وَمَا فِي يَدِي حِصَّتِي مِنْ الرِّبْحِ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ إذَا كَانَ قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ