الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَالَ بِيَدِ غَيْرِهِمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ شَيْئًا وَأَرَاهُ مِثْلَهُ انْتَهَى قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: لَوْ اقْتَسَمَاهَا لَمْ يَضْمَنَاهَا فِي ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْخُلْعِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَدَالَةِ مُخْتَصٌّ بِالْوَصِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ مَشْرُوعٌ عِنْدَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَلَا يُوصِي الْفَاجِرُ، وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: هُمَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ لَا يَكُونُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَلَا يُنْزَعُ مِنْهُمَا وَلَا يَقْتَسِمَانِ، وَيُجْعَلَانِ حَيْثُ يَثِقَانِ بِهِ وَأَيْدِيهمَا فِيهِ وَاحِدَةٌ انْتَهَى.
[بَابُ الْعَارِيَّةِ]
ص (بَابُ الْعَارِيَّةِ) ص (صَحَّ وَنُدِبَ إعَارَةُ مَالِكِ مَنْفَعَةٍ)
ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْجَوْهَرِيُّ الْعَارِيَّةُ بِالتَّشْدِيدِ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَالْعَارَةُ مِثْلُ الْعَارِيَّةِ يُقَالُ هُمْ يَتَعَوَّرُونَ لِلْعَوَارِيِّ بَيْنَهُمْ وَقِيلَ مُسْتَعَارٌ بِمَعْنَى مُتَعَاوِرٍ أَيْ مُتَدَاوَلٌ وَفِي بَعْضِ حَوَاشِي الصِّحَاحِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ الْعَارِ وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ، فَلَيْسَ هُوَ الْوَجْهَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ التَّعَاوُرِ الَّذِي هُوَ التَّدَاوُلُ، وَزْنُهَا فَعْلِيَّةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ عَرَاهُ يَعْرُوهُ إذَا قَصَدَهُ، وَيَكُونُ وَزْنُهَا فَاعُولَةً أَوْ فَعَلِيَّةٌ عَلَى الْقَلْبِ، وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ الْجَوْهَرِيِّ قَالَ: أُنْكِرُ عَلَيْهِ كَوْنَهَا مَنْسُوبَةً إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالُوا يَتَعَيَّرُونَ؛ لِأَنَّ الْعَارَ عَيْنُهُ يَاءٌ قُلْت فِي الْمُخَصَّصِ لِابْنِ سِيدَهْ مَا نَصُّهُ وَتَعَوَّرْنَا الْعَوَارِيَّ وَتَعَاوَرْنَا الشَّيْءَ تَدَاوَلْنَاهُ وَقِيلَ الْعَارِيَّةُ مِنْ الْيَاءِ؛ لِأَنَّهَا عَارٌ عَلَى صَاحِبِهَا وَقَدْ تَعَيَّرُوهَا بَيْنَهُمْ.
(قُلْت) وَهَذَا نَصٌّ بِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ يَرُدُّ إنْكَارَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَتَعَيَّرُونَ وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ وَالْعَارِيَّةُ الْمِنْحَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا مِنْ الْعَارِ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ غَرَّهُ قَوْلُهُمْ يَتَعَيَّرُونَ الْعَوَارِيَّ، وَلَيْسَ عَلَى وَضْعِهِ إنَّمَا هِيَ مُعَاقَبَةٌ مِنْ الْوَاوِ إلَى الْيَاءِ.
(قُلْت) : وَقَدْ يُرَدُّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُعَاقَبَةِ انْتَهَى. وَفِي رَدِّهِ عَلَى ابْنِ سِيدَهْ بِمِثْلِ هَذَا نَظَرٌ، فَتَأَمَّلْهُ وَفِي الْقَامُوسِ وَالْعَارِيَّةُ مُشَدَّدَةٌ وَقَدْ تُخَفَّفُ وَالْعَارِيَّةُ مَا تَدَاوَلُوهُ بَيْنَهُمْ وَالْجَمْعُ عَوَارِيُّ مُشَدَّدَةٌ وَمُخَفَّفَةٌ انْتَهَى قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ مَصْدَرًا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لَا بِعِوَضٍ فَتَدْخُلُ الْعُمْرَى وَالْإِخْدَامُ لَا الْحَبْسُ وَاسْمًا مَالٌ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ مُلِكَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَيُقَالُ طَرْدَاهُمَا بِإِرْثِ مِلْكِ مَنْفَعَةِ وَارِثِهَا مِمَّنْ حَصَلَا لَهُ بِعِوَضٍ لِحُصُولِهِمَا لِلْوَارِثِ بِغَيْرِ عِوَضٍ مِنْهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ عُمُومَ نَفْيِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يُخْرِجُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا بِعِوَضٍ لِمَالِكِ الْعَيْنِ مِنْ الْمَيِّتِ وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ تَمْلِيكُ مَنَافِعِ الْعَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ يُبْطِلُ طَرْدَهُ بِالْحَبْسِ وَعَكَسَهُ بِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهَا إلَّا مَصْدَرًا وَالْعُرْفُ إنَّمَا هُوَ اسْتِعْمَالُهَا اسْمًا، وَهِيَ الشَّيْءُ الْمُعَارُ، وَهِيَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا إحْسَانٌ وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَيَعْرِضُ وُجُوبُهَا نَعْنِي عَيْنَهَا لِمَنْ يَخْشَى بِعَدَمِهَا هَلَاكَهُ وَحُرْمَتُهَا كَكَوْنِهَا مُعِينَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ وَكَرَاهَتُهَا كَكَوْنِهَا مُعِينَةً عَلَى مَكْرُوهٍ وَتُبَاحُ لِغَنِيٍّ عَنْهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَرَاهَتِهَا فِي حَقِّهِ انْتَهَى وَنَقَلَ كَلَامَهُ ابْنِ نَاجِي.
(فَائِدَةٌ) : قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ مِنْ الْغُلُولِ مَنْعُ الْكُتُبِ عَنْ أَهْلِهَا وَكَذَا غَيْرُهَا انْتَهَى بِالْمَعْنَى.
ص (بِلَا حَجْرٍ)
ش: مُرَادُهُ هُنَا بِالْحَجْرِ أَعَمُّ مِنْ الْحَجْرِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِهِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا مَنَعَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ الْإِعَارَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِعَارَةُ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: الْعَارِيَّةُ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، وَتَصِحُّ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ
لِلْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ لَهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ مَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَمَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا لِمُدَّةٍ أَوْ اكْتَرَاهُ فَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ لِمِثْلِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ يُكْرِيه إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ.
ص (لَا مَالِكَ انْتِفَاعٍ)
ش: اُنْظُرْ مَا نَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَانْظُرْ كَلَامَ الْقَرَافِيِّ الْفَرْقِ الثَّلَاثِينَ وَآخِرِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ النَّوَادِرِ وَانْظُرْ اللَّخْمِيَّ فِي الْوَقْفِ.
ص (لِمَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ)
ش: اُنْظُرْ مَا يُسْتَعَارُ لِيُتَجَمَّلَ بِهِ فِي الْأَعْرَاسِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْمُتَشَبِّعِ بِمَا لَيْسَ لَهُ اُنْظُرْ الْأَبِيَّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي حَدِيثِ مَنْ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً وَانْظُرْ الْمَدْخَلَ
ص (وَضَمِنَ الْمَغِيبُ عَلَيْهِ)
ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانُ الْعَارِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّقَبَةِ يَوْمَ انْقِضَاءِ أَجَلِ الْعَارِيَّةِ عَلَى مَا يُنْقِصُهَا الِاسْتِعْمَالُ الْمَأْذُونُ فِيهِ بَعْدَ يَمِينِهِ لَقَدْ ضَاعَتْ ضَيَاعًا لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا انْتَهَى.
ص (لَا غَيْرُهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ
لَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي هَلَاكِهِ وَيَحْلِفُ مُتَّهَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ غَيْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا قُلْنَا لَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ فَيَضْمَنُ سَرْجَهَا وَلِجَامَهَا اللَّخْمِيُّ وَلَا يَضْمَنُ الْعَبْدَ وَلَا مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ حَائِزٌ لِمَا عَلَيْهِ انْتَهَى.
ص (إنْ شَهِدَ لَهُ أَنَّهُ مَعَهُ فِي اللِّقَاءِ)
ش: هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.
ص (أَوْ ضَرَبَ بِهِ ضَرَبَ مِثْلَهُ)
ش: هَذَا قَوْلٌ آخَرُ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ ضَرَبَ بِهِ فِي اللِّقَاءِ ضَرْبًا يَجُوزُ لَهُ قَالَ: وَهُوَ أَبْعَدُ الْأَقْوَالِ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اللَّخْمِيُّ: وَأَمَّا الرَّحَى تُسْتَعَارُ لِلطَّحْنِ عَلَيْهَا فَيَأْتِي بِهَا، وَقَدْ جُفِّفَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ.
ص (وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ
وَلَهُ الْإِخْرَاجُ فِي كَبِنَاءٍ)
ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَوْلُهُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ هُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ صَوَّبَهُ، وَقَوْلُهُ وَلَهُ الْإِخْرَاجُ وِفَاقٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامُهُ مُتَنَاقِضٌ، وَقَدْ عَدَّهَا ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلَيْنِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ وَلَوْ قَالَ فَالْمُعْتَادُ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَفِيهَا لَهُ الْإِخْرَاجُ فِي كَبِنَاءٍ إلَخْ لَأَجَادَ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبِنَاءِ هُنَا مَشَى فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي مَسْأَلَةِ إعَارَةِ الْجِدَارِ، وَمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ الَّتِي حَصَّلَهَا ابْنُ زَرْقُونٍ عَلَى مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَخْذِهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَإِنَّهُ حَصَّلَهَا فِي رَسْمِ صَلَّى نَهَارًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْأَقْضِيَةِ فَرَاجِعْهُ.
وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ هُنَا: فَإِنْ قُلْت: قَوْلُهُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَازِمَةٌ إلَى انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ وَقَوْلُهُ، وَلَهُ الْإِخْرَاجُ يُنَافِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ فِي مِثْلِهَا عَبَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقِيلِ فَقَالَ: وَقِيلَ لِلْمُعَارِ الْإِخْرَاجُ، فَجَعَلَهُمَا قَوْلَيْنِ وَقَالَ الشَّارِحَانِ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُصَنِّفُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا (قُلْت) : هُوَ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِلْمُدَوِّنَةِ، وَيُبَيِّنُ لَك ذَلِكَ بِنَصِّهَا قَالَ: وَمَنْ أَذِنْت لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي أَرْضِكَ أَوْ يَغْرِسَ فَلَمَّا فَعَلَ أَرَدْت إخْرَاجَهُ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ مِمَّا يَرَى أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ أَنْ يُعِيرَ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَلَيْسَ لَكَ إخْرَاجُهُ إلَّا أَنْ تُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ جَعَلَهَا لَازِمَةً إلَى الْمُدَّةِ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ لِلْمُعِيرِ الْإِخْرَاجَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ، فَلَيْسَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ خِلَافٌ.
(فَإِنْ قُلْت) : فَابْنُ الْحَاجِبِ جَعَلَهُ خِلَافًا وَقَالَ الشَّارِحَانِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِمُطَرَّفٍ وَغَيْرِهِ (قُلْت) : هَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ، وَاتَّفَقَ مُطَرِّفٌ وَالْمُدَوَّنَةُ عَلَى أَنَّهَا لَازِمَةٌ وَلَكِنْ مُطَرِّفٌ يَقُولُ: لَيْسَ لَهُ الْإِخْرَاجُ، وَلَوْ أَعْطَى بِخِلَافِ الْمُدَوَّنَةِ فَكَانَا قَوْلَيْنِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمَا قَالَهُ رحمه الله لَيْسَ بِظَاهِرٍ، فَإِنَّهُ إنَّمَا فَرَّقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْنَ أَنْ يَطْلُبَهُ بِالْقُرْبِ بَعْدَ مَا يَرَى أَنَّهُ أَعَارَ إلَى مِثْلِهِ لِأَجْلِ أَنَّهُ وَرَّطَهُ حَتَّى بَنَى أَمَّا لَوْ لَمْ يَبْنِ أَوْ كَانَ الْمُسْتَعَارُ مِمَّا لَا يُبْنَى فِيهِ، وَلَا يُغْرَسُ كَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ لَأَخَذَهُ صَاحِبُهُ قَرُبَ الْأَمَدُ أَوْ بَعُدَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَقَالَ فِي بَابٍ بَعْدَ هَذَا قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ وَإِلَّا تَرَكْتُهُ إلَى مِثْلِ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّكَ أَعَرْتَهُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْأَمَدِ وَإِنْ أَرَدْت إخْرَاجَهُ بَعْدَ أَمَدٍ يُشْبِهُ أَنَّكَ أَعَرْتَهُ إلَى مِثْلِهِ فَلَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا، وَإِلَّا أَمَرْتَهُ بِقَلْعِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ إذَا قُلِعَ، وَلَا نَفْعَ فِيهِ مِنْ جَصٍّ وَنَحْوِهِ، فَلَا شَيْءَ لِلْبَانِي فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبْت لِعَارِيَّتِهِ أَجَلًا فَبَلَغَهُ، وَلَيْسَ لَكَ إخْرَاجُهُ هَهُنَا قَبْلَ الْأَجَلِ، وَإِنْ أَعْطَيْتَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ قَائِمًا، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَبْنِ، وَلَمْ يَغْرِسْ حَتَّى أَرَدْت إخْرَاجَهُ، فَلَيْسَ لَكَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَلَوْ لَمْ تَضْرِبْ أَجَلًا كَانَ ذَلِكَ لَكَ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ إنْ أَجَّلْت الْعَارِيَّةُ بِزَمَنٍ أَوْ انْقِضَاءِ عَمَلٍ لَزِمَتْ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تُؤَجَّلْ كَقَوْلِكَ أَعَرْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ الدَّارَ أَوْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ الثَّوْبَ فِي صِحَّةٍ رَدَّهَا، وَلَوْ بِقُرْبِ قَبْضِهَا وَلُزُومِ قَدْرِ مَا تُعَارُ لَهُ ثَالِثُهَا إنْ أَعَارَهُ لِيَسْكُنَ، وَيَبْنِيَ، فَالثَّانِي وَإِلَّا، فَالْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا مَعَ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِمَا وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (إلَّا أَنْ يَأْنَفَ مِثْلُهُ عَنْهُ)
ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْعُرْفُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الْعُرْفُ لَيْسَ هُوَ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَةُ الْمَالِكِ أَنْ يُكْرِيَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا النِّزَاعُ فِيهِ بَلْ مُرَادُهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شَرَفُهُ يَأْبَى الْكِرَاءَ مِنْ غَيْرِهِ وَيَأْنَفُ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ.
ص (كَدَعْوَاهُ رَدَّ مَا لَمْ يَضْمَنْ)
ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الرَّوَاحِلِ وَالدَّوَابِّ: الْأَشْيَاءُ الْمَقْبُوضَةُ مِنْ أَرْبَابِهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمِلْكِ إنْ قُبِضَتْ لِمَنْفَعَةِ الْقَابِضِ خَاصَّةً كَالْعَوَارِيِّ وَالرُّهُونِ، فَالْقَابِضُ ضَامِنٌ لِمَا يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى التَّلَفِ، وَمُصَدَّقٌ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ تَلِفَ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ، وَإِنْ قُبِضَتْ لِمَنْفَعَةِ أَرْبَابِهَا خَاصَّةً كَالْبَضَائِعِ وَالْوَدَائِعِ، فَالْقَابِضُ لَهَا مُصَدَّقٌ فِي دَعْوَى التَّلَفِ دُونَ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ، فَيَحْلِفُ عَيْنًا كَانَ، أَوْ عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا، وَإِنْ قُبِضَتْ لِمَنْفَعَتِهِمَا جَمِيعًا كَالْقِرَاضِ وَالشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُعْقِبُ مَنْفَعَةَ أَرْبَابِهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مِلْكٌ لِمَتَاعِهِ، وَلَوْ شَاءَ لَمْ يَدْفَعْهُ، وَمَا يُصَدَّقُ فِيهِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ وَالْقِرَاضِ وَالشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرُّهُون وَالْعَوَارِيّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ.
وَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَوَّلِ سَمَاعِهِ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُسْتَأْجَرِ فِي رَدِّ مَا اسْتَأْجَرَهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ فِي الْقِرَاضِ الْوَدِيعَةِ، وَمَا لَا يُصَدَّقُ فِيهِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَوَارِيّ وَالرُّهُونِ، فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ، وَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي آخِرِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي رَدِّ الرَّهْنِ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي رَدِّ الرَّهْنِ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ كَالْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ بَعِيدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ الَّذِي لَا يُغَابُ عَلَيْهِ يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي رَدِّهِ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ كَمَا يُصَدَّقُ فِي تَلَفِهِ كَالْوَدِيعَةِ انْتَهَى، وَقَالَ فِي آخِرِ رَسْمِ الرُّهُونِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ فِيهِ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الضَّيَاعِ فِيهِ مِنْ الْعَوَارِيّ وَالرُّهُونِ الَّتِي يُغَابُ عَلَيْهَا فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ فِيهِ سَوَاءٌ قَبَضَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَحْفَظُهُ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا مَا وَقَعَ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّهْنِ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الرَّهْنِ الَّذِي لَا يُغَابُ عَلَيْهِ انْتَهَى، وَعَلَى هَذَا، فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشْكَالٌ اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَالتَّوْضِيحَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِنْ ادَّعَى الرَّهْنَ قُبِلَ مُطْلَقًا.
(مَسْأَلَةٌ) : مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا شَيْئًا فَوَكَّلَ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ حَمَلَهُ عَلَيْهَا شَرِيكُهُ لَمْ يَضْمَنْ هُوَ، وَلَا شَرِيكُهُ بِخِلَافِ لَوْ تَعَدَّى أَجْنَبِيٌّ وَحَمَلَ