الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ قَبَضْته مُبْهَمًا فَقَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِي آخِرِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مُبْهَمٌ مَعَ يَمِينِهِ وَيُفْضِ عَلَى الْمَالَيْنِ أَوْ الْأَمْوَالِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِبْهَامِ فَيُفْضِ ذَلِكَ عَلَى الْمَالَيْنِ مِنْ بَابِ أَوْلَى اهـ. بِالْمَعْنَى (الثَّانِي) قَالَ فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ: وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ دَنَانِيرُ، أَوْ دَرَاهِمُ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ لَمْ يُعْرَفْ بِعَيْنِهِ عَلَى رَجُلٍ وَعَلَى ابْنِهِ فَدَفَعَ الْأَبُ مَا عَلَيْهِ إلَى ابْنِهِ لِيَدْفَعَهُ إلَى الْغَرِيمِ فَقَالَ لَهُ: هَذَا مَا لَكَ عَلَى أَبِي، ثُمَّ ادَّعَى الْغَرِيمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا قَبَضَهُ مِنْ الِابْنِ قَضَاءً عَنْهُ، وَأَنَّهُ مَا قَالَ الِابْنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَرِيمِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الِابْنُ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: هَذَا الْحَقُّ عَنْ أَبِي (قُلْت) : فَإِنْ أَتَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَمْرِ أَبِيهِ أَنَّهُ يَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُ؟ قَالَ: لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّفْعِ كَانَ عَلَى الْأَمْرِ بَيِّنَةٌ، أَوْ لَمْ تَكُنْ قَالَ عِيسَى: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي قُضِيَ شَيْءُ أَبِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّ الِابْنَ مُدَّعٍ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ قَضَاهُ الْحَقَّ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ، وَقَدْ حَكَمَتْ السُّنَّةُ أَنَّ «الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» اهـ.
[كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ عَشَرَةٌ وَلِرَجُلٍ آخَرَ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ وَوَكَّلَا مَنْ يَقْضِي مِنْهُ الْعِشْرِينَ فَاقْتَضَى عَشَرَةً]
(الثَّالِثُ) حَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعَارِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ فِيمَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ عَشَرَةٌ، وَلِرَجُلٍ آخَرَ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ وَوَكَّلَا مَنْ يَقْضِي مِنْهُ الْعِشْرِينَ فَاقْتَضَى عَشَرَةً، ثُمَّ فَلَّسَ، وَقَالَ الْوَكِيلُ: هِيَ لِفُلَانٍ، وَقَالَ الْغَرِيمُ: لِلْآخَرِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: قَبُولُ قَوْلِ الْوَكِيلِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَشَرَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْوَكِيلِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[بَابٌ لِلْغَرِيمِ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ]
ص (بَابٌ)(لِلْغَرِيمِ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ)
ش: هَذَا بَابُ التَّفْلِيسِ قَالَ: فِي الذَّخِيرَةِ: وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْفُلُوسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ النُّقُودِ كَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يُتْرَكْ لَهُ شَيْءٌ يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا التَّافِهُ مِنْ مَالِهِ اهـ. وَفِي أَبِي الْحَسَنِ قَالَ عِيَاضٌ: التَّفْلِيسُ: الْعَدَمُ وَأَصْلُهُ مِنْ الْفُلُوسِ أَيْ أَنَّهُ صَاحِبُ فُلُوسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَنْ عَدِمَ الْمَالَ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ أَفْلَسَ الرَّجُلُ بِفَتْحِ اللَّامِ فَهُوَ مُفْلِسٌ اهـ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ التَّفْلِيسُ: الْعَدَمُ وَالتَّفْلِيسُ خَلْعُ الرَّجُلِ مِنْ مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ وَالْمُفْلِسُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَلَسِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ اهـ.
(فَوَائِدُ الْأُولَى) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ} [البقرة: 282]، وَقَالَ:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ التَّدَايُنِ وَذَلِكَ إذَا تَدَايَنَ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا فَسَادٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّ ذِمَّتَهُ تَفِي بِمَا يُدَانُ، ثُمَّ قَالَ:«وَقَدْ اسْتَعَاذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الدَّيْنِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ» ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ وَآخِرَهُ حَرَبٌ وَحَرَبٌ: بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَرُوِيَ سُكُونِ الرَّاءِ أَيْ: نِزَاعٌ.
(الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم آثَارًا فِي التَّشْدِيدِ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآثَارُ إنَّمَا وَرَدَتْ فِيمَنْ تَدَايَنَ فِي سَرَفٍ، أَوْ فَسَادٍ غَيْرِ مُبَاحٍ، أَوْ فِيمَنْ تَدَايَنَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَفِي بِمَا تَدَايَنَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ قَصَدَ اسْتِهْلَاكَ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الدَّيْنِ قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ وَنُزُولِ آيَةِ الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ
(الثَّالِثَةُ) قَالَ فِيهَا أَيْضًا: فَكُلُّ مَنْ ادَّانَ فِي مُبَاحٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذِمَّتَهُ تَفِي بِمَا ادَّانَ فَغَلَبَهُ الدَّيْنُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَائِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ، أَوْ مِنْ الصَّدَقَاتِ مَحَلُّهَا إنْ رَأَى ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ إنْ جَعَلَ الزَّكَاةَ كُلَّهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ، وَقَدْ قِيلَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ دَيْنَ الْمَيِّتِ مِنْ الزَّكَاةِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنَّمَا يُؤَدِّي الْإِمَامُ دَيْنَ
مَنْ مَاتَ مِنْ الْفَيْءِ اهـ. وَقَوْلُهُ ادَّانَ يَعْنِي اسْتَدَانَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ الْأَبْقَعِ: «فَادَّانَ مُعْرِضًا» أَيْ اسْتَدَانَ مُعْرِضًا عَنْ الْوَفَاءِ اهـ.
(الرَّابِعَةُ) قَالَ: فِيهَا أَيْضًا وَاجِبٌ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَنْ يُوصِيَ بِأَدَائِهِ فَإِذَا فَعَلَ وَتَرَكَ وَفَاءً فَلَيْسَ بِمَحْبُوسٍ عَنْ الْجَنَّةِ لِدَيْنِهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَلَيْسَ بِمَحْبُوسٍ عَنْ الْجَنَّةِ وَعَلَى الْإِمَامِ وَفَاؤُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ الْمَسْئُولُ عَنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَائِهِ فِي حَيَاتِهِ وَأَوْصَى بِهِ اهـ.، وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّابِعَ عَشَرَ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: فَالدَّيْنُ الَّذِي يُحْبَسُ بِهِ صَاحِبُهُ عَنْ الْجَنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ الَّذِي تَرَكَ وَفَاءً، وَلَمْ يُوصِ بِهِ، أَوْ قَدَرَ عَلَى الْأَدَاءِ فَلَمْ يُوفِ أَوْ أَدَانَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ، أَوْ فِي سَرَفٍ وَمَاتَ، وَلَمْ يُوصِ بِهِ، وَأَمَّا مَنْ ادَّانَ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ لِفَاقَتِهِ وَعُسْرِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَحْبِسُهُ بِهِ عَنْ الْجَنَّةِ؛ لِأَنَّ فَرْضًا عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ دَيْنَهُ مِنْ جُمْلَةِ الصَّدَقَاتِ، أَوْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، أَوْ مِنْ الْفَيْءِ الرَّاجِعِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ صُنُوفِ الْفَيْءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَنَقَلَ الْأَبِيُّ عَنْ عِيَاضٍ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ» أَيْ فَعَلَيَّ قَضَاءُ دَيْنِهِ، وَإِلَيَّ كَفَالَةُ عِيَالِهِ وَهَذَا مِمَّا يَلْزَمُ الْأَئِمَّةَ فِي مَالِ اللَّهِ، فَيُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَأَهْلِ الْحَاجَةِ، وَيَقْضِي دُيُونَهُمْ ذَكَرَهُ فِي أَحَادِيثِ الْجُمُعَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْحَبْسِ عَنْ الْجَنَّةِ فِي الدَّيْنِ مَنْسُوخَةٌ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى السُّلْطَانِ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَحَ الْفُتُوحَاتُ اهـ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْخَصَائِصِ كَلَامُ ابْنِ بَطَّالٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسَةُ) قَالَ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ: وَقَدْ كَانَ الْحُكْمُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بَيْعُ الْمِدْيَانِ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، وَذَكَرَ قَصَصًا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ رَسُولِهِ بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] . وَقَوْلُهُ لِلْغَرِيمِ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَيْ غَارِمٌ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَدِينِ وَعَلَى رَبِّ الدَّيْنِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا مُشْتَقٌّ مِنْ الْغُرْمِ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْغَرِيمُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُقَالُ: خُذْ مِنْ غَرِيمِ السُّوءِ مَا سَنَحَ بِالنُّونِ، وَقَدْ يَكُونُ الْغَرِيمُ أَيْضًا الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ قَالَ كَثِيرٌ:
قَضَى كُلُّ ذِي دَيْنٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ
…
وَعَزَّةُ مَمْطُولٌ مُعَنًّى غَرِيمُهَا
ص (مِنْ تَبَرُّعِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهٍ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ بِالْمَالِ وَمُرَادُهُ قَبْلَ
التَّفْلِيسِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ مُطْلَقًا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَفَلَسٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لِمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فِعْلُهَا وَعَدَمُ فِعْلِهَا فَمُرَادُهُ بِهَا قَبْلَ التَّفْلِيسِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَوْلُهُ: أَحَاطَ
الدَّيْنُ بِمَالِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحِطْ الدَّيْنُ بِمَالِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّبَرُّعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: أَحَاطَ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الدَّيْنَ أَحَاطَ بِمَالِهِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّبَرُّعِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي أَوَّلِ التَّفْلِيسِ ابْنُ هِشَامٍ: لَوْ وَهَبَ، أَوْ تَصَدَّقَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَدْرِي هَلْ يَفِي مَالُهُ بِهِمَا أَمْ لَا جَازَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ قَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الرَّضَاعِ فِيمَنْ دَفَعَ لِمُطَلَّقَتِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ فَلَّسَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَ يَوْمَ دَفْعِ النَّفَقَةِ قَائِمُ الْوَجْهِ لَمْ يَظْهَرْ فِي فِعْلِهِ سَرَفٌ وَلَا مُحَابَاةٌ، فَذَلِكَ جَائِزٌ ابْنُ رُشْدٍ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: قَائِمُ الْوَجْهِ: جَائِزُ الْأَمْرِ. أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ مَأْمُونًا عَلَيْهِ مَعَ كَثْرَةِ دُيُونِهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهَا مُغْتَرِقَةٌ لِجَمِيعِ مَالِهِ فَيَقُومُ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا: أَنَّ مَنْ وَهَبَ، أَوْ تَصَدَّقَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِقَوْمٍ إلَّا أَنَّهُ قَائِمُ الْوَجْهِ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَلَسُ، أَنَّ أَفْعَالَهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَحْصُرْ الشُّهُودُ قَدْرَ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ وَالدَّيْنِ وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي ابْنُ زَرْبٍ وَيَحْتَجُّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيَقُولُ: لَا يَخْلُو أَحَدٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَقَوْلُهُ صَحِيحٌ وَاسْتِدْلَالُهُ حَسَنٌ.
وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ يَغْتَرِقُ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ هِبَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَيُؤَدِّي مِنْهُ عَنْ عَقْلِ جُرْحِ خَطَإٍ، أَوْ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ جُرْحٍ فِيهِ قِصَاصٌ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
(قُلْت) وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ الدِّيَاتِ مَا نَصُّهُ: " إذَا كَانَ الرَّجُلُ قَائِمَ الْوَجْهِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ فَحَمَالَتُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ مَاضِيَةٌ كَإِنْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ دُيُونًا كَثِيرَةً بَقِيَ الْجَوَازُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ لَا وَفَاءَ لَهُ بِمَا فَعَلَ مِنْ الْمَعْرُوفِ ".
(قُلْت) وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ
أَوْ بَعْضِهِ فَيَتَحَمَّلُ حَمَالَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْدَمُ لَا يَسْعَهُ ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَحَمَالَتُهُ مُرُودَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْبَعْضُ الْبَاقِي عَنْ الدَّيْنِ لَا يَفِي بِمَا تَحَمَّلَ بِهِ وَلَوْ كَانَ يَفِي صَحَّتْ حَمَالَتُهُ.
(قُلْت) وَأَخَذُوا مِنْ هَذَا، وَمِنْ نَظَائِرِهِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ صَلَاةُ فَرْضٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ، وَأَنَّ أَصْحَابَ الْمُكُوسِ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ عِتْقٌ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا بِمُحَابَاةٍ، ثُمَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ قُبَالَةِ أَحْبَاسٍ فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَغَيْرُهُ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ بِالْمُحَابَاةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَالْمُبْتَاعُ أَوْلَى بِهَا وَيَحْلِفُ مَا كَانَ تَوْلِيجًا، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَالدَّيْنُ أَوْلَى وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ وَاقِدٍ: إنْ أَثْبَتَ صَاحِبُ الْحَبْسِ الْمُحَابَاةَ فِي الدَّارِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَالدَّيْنُ أَحَقُّ بِالزَّائِدِ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمِدْيَانِ لَا تَصِحُّ الْمَشَذَّالِيُّ اُنْظُرْ ابْنَ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْمِدْيَانِ فِي مَسْأَلَةِ رَجُلٍ لَزِمَتْهُ قُبَالَةُ أَحْبَاسٍ فَاعْتَقَلَتْ دَارِهِ اهـ.
ص (وَسَفَرَهُ إنْ حَلَّ بِغَيْبَتِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَدِينَ مِنْ السَّفَرِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ بِغَيْبَتِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَذَا الْكَلَامُ فِي الْمَدِينِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِ الدَّيْنِ أَحَاطَ بِمَالِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ رحمه الله (الثَّانِي) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي مَنْعِهِ مِنْ السَّفَرِ إذَا حَلَّ بِغَيْبَتِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِوَفَاءِ الْحَقِّ فَإِنْ وَكَّلَ فَلَا مَنْعَ هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ كَابْنِ شَاسٍ وَنَصُّهُ: " وَلَيْسَ لِمَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَلَا طَلَبُ كَفِيلٍ وَلَا الْإِشْهَادُ إلَّا أَنْ يَحِلَّ فِي غَيْبَتِهِ فَلْيُوَكِّلْ مَنْ يَقْبِضَهُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ " اهـ. وَكَذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ الْبَعِيدِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْوَكِيلُ فَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْأَلَةَ هُنَا بِعَدَمِ التَّوْكِيلِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا نَسَبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ أَضْرَبَ عَنْ نَقْلِ هَذَا الِاسْتِظْهَارِ فِي التَّوْضِيحِ اهـ. وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ كُلَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِهَذَا التَّقْيِيدِ.
(الثَّالِثُ) فَإِذَا وَكَّلَ فَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ؟ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَرَدَّدَ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ لَهُ عَزْلَهُ إلَى بَدَلٍ لَا مُطْلَقًا، وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا تَعَلَّقَ بِالْوَكَالَةِ حَقٌّ لِأَحَدِ الْغَرِيمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ الْعَزْلُ اهـ.
(الرَّابِعُ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ بِالْأَحْرَوِيَّةِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَدِينَ مِنْ السَّفَرِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا حَتَّى يَقْبِضَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ حَلَّ بِغَيْبَتِهِ إذَا كَانَ لَا يَحِلُّ بِغَيْبَتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَلَا تَحْلِيفُهُ وَنَصَّ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّهُ يُحَلِّفُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الْفِرَارَ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَنْوِي الرُّجُوعَ عِنْدَ الْأَجَلِ لِقَضَاءِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّمَا يَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ وَجَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا تَقْيِيدًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ. بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ: يُرِيدُ وَيَحْلِفُ نَقَلَهُ الْمَشَذَّالِيُّ عَنْهُ وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْمَذْهَبَ، وَنَصُّهُ:" وَلِذِي الدَّيْنِ مَنْعُ الْمِدْيَانِ مِنْ سَفَرٍ يَحِلُّ فِيهِ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُوَفِّيهِ. لَا إنْ كَانَ يَحِلُّ بَعْدَهُ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ فِرَارًا، وَأَنَّ نِيَّتَهُ الْعَوْدُ لِقَضَائِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ وَقِيلَ إنْ اُتُّهِمَ وَإِلَّا فَلَا " اهـ. وَكَذَلِكَ اللَّخْمِيُّ ذَكَرَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَنَصُّهُ فِي السَّلَمِ الثَّالِثِ " وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَأَرَادَ السَّفَرَ قَبْلَ حُلُولِهِ لَمْ يُمْنَعْ إذَا بَقِيَ مِنْ الْأَجَلِ قَدْرُ سَيْرِهِ وَرُجُوعِهِ وَكَانَ مِمَّا لَا يُخْشَى لَدَدُهُ وَمُقَامُهُ، وَإِنْ خَشِيَ ذَلِكَ مِنْهُ وَكَانَ مَعْرُوفًا بِاللَّدَدِ مُنِعَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِحَمِيلٍ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَوْ لَهُ عَقَارٌ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ حَمِيلًا بِالْقَضَاءِ، أَوْ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ وَيَكُونُ النِّدَاءُ قَبْلَ الْأَجَلِ بِمِقْدَارِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُكْمِلُ الْإِشْهَادَ عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ هَلْ