الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْعَارِيَّةِ إلَّا بِالتَّعَدِّي فَذَهَبَ حَمْدِيسٌ إلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إلَّا كَافٍ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ فِي الْحَيَوَانِ فَقَوْلُ الْغَيْرِ تَفْسِيرٌ وَذَكَرَ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ وَهُوَ رَأْيُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَكَانَ الْقَاضِي بِمِصْرَ يَوْمَئِذٍ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ انْتَهَى.
فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَى اسْتِبْدَادِهِ بِالْخُسْرِ هُنَا أَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ، وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّعَدِّي، أَوْ بِأَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ، أَوْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ، وَأَمَّا اسْتِبْدَادُهُ بِالرِّبْحِ هُنَا فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَانْظُرْ هَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُطَالِبُ شَرِيكَهُ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ كِرَائِهَا، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ فِي ذَلِكَ، فَتَأَمَّلْهُ.
[اسْتَعَارَ أَحَد الشَّرِيكَيْنِ مَا يَحْمِل عَلَيْهِ طَعَام فَحَمَلَ عَلَيْهِ شَرِيكه]
(فَرْعٌ) قَالَ فِيهَا: وَإِنْ اسْتَعَارَهَا أَحَدُهُمَا لِحَمْلِ طَعَامٍ مِنْ الشَّرِكَةِ فَحَمَلَهُ شَرِيكُهُ الْآخَرُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ أَمْرِ شَرِيكِهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ فَعَلَ بِهَا مَا اُسْتُعِيرَتْ لَهُ، وَشَرِيكُهُ كَوَكِيلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِتَعَدِّيهِ فِي الْوَدِيعَةِ)
ش: اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْعِلْمِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ عَلِمَ شَرِيكُهُ بِالْعَدَاءِ وَرَضِيَ بِالتِّجَارَةِ بِهَا بَيْنَهُمَا فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الرِّضَا أَخُصُّ مِنْ الْعِلْمِ، فَتَأَمَّلْهُ.
ص (وَكُلٌّ وَكِيلٌ)
ش: أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلٌ عَنْ الْآخَرِ فَلِذَلِكَ لَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا فِيمَا بَاعَهُ الْآخَرُ قَالَهُ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بِمَا قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ فَلَيْسَ لَهُ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَجِبُ لِكُلٍّ نِصْفُ ذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِمَا بِرُبْعِ دِينَارٍ فَتُغَلَّظُ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ نِصْفُ الْحَقِّ وَهُوَ كَفِيلٌ بِنِصْفِ الَّذِي عَلَى صَاحِبِهِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى مِنْ الذَّخِيرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسَيَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَشَفَعَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِيَتِيمٍ آخَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَهُ التَّبَرُّعُ وَالسَّلَفُ وَالْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ)
ش: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ
وَابْنِ غَازِيٍّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُمَا إذَا عَقَدَاهَا عَلَى شَرْطِ التَّفَاوُتِ تَفْسُدُ مَا نَصُّهُ وَلَوْ صَحَّ عَقْدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فِي الْمَالِ ثُمَّ تَطَوَّعَ الَّذِي لَهُ الْأَقَلُّ فَعَمِلَ فِي الْجَمِيعِ جَازَ، وَلَا أَجْرَ لَهُ انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: وَلَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا.
ص (وَلِمُقِيمِ بَيِّنَةٍ بِأَخْذِ مِائَةٍ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ إنْ شَهِدَ بِهَا عِنْدَ الْأَخْذِ، أَوْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ) ش يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ أَقَامَ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بَيِّنَةً بِأَنَّ صَاحِبَهُ أَخَذَ مِائَةً أَنَّ الْمِائَةَ بَاقِيَةٌ إنْ شَهِدَ
بِهَا عِنْدَ أَخْذِهِ لَهَا سَوَاءٌ طَالَتْ الْمُدَّةُ، أَوْ قَصُرَتْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا عِنْدَ الْأَخْذِ إنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَأَقَامَ صَاحِبُهُ بَيِّنَةً أَنَّ مِائَةَ دِينَارٍ مِنْ الشَّرِكَةِ كَانَتْ عِنْدَ الْمَيِّتِ فَلَمْ تُوجَدْ، وَلَا عَلِمَ مُسْقِطَهَا فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ قَرِيبًا مِنْ أَخْذِهَا فِيمَا يَظُنُّ أَنَّ مِثْلَهُ لَمْ يُشَغِّلْهَا فِي تِجَارَةٍ فَهِيَ فِي حِصَّتِهِ وَمَا تَطَاوَلَ وَقْتُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ أَرَأَيْت لَوْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ: إنَّهُ قَبَضَهَا مُنْذُ سَنَةٍ وَهُمَا يَتَّجِرَانِ أَيَلْزَمُهُ أَيْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ نَحْوَ هَذَا، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمَوَّازِ قَيَّدَهُ بِمَا نَصَّهُ مُحَمَّدٌ إنْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَخْذِ الْمِائَةِ شَاهِدَيْنِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ رَدَّهَا، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ وَأَمَّا إقْرَارُهُ بِغَيْرِ تَعَمُّدِ إشْهَادٍ، وَلَا كِتَابٍ فَكَمَا قَالَ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ: وَتَقْيِيدُ مُحَمَّدٍ اُنْظُرْ قَوْلَهُ، وَلَا كِتَابٍ ظَاهِرُهُ إنْ كَانَ بِكِتَابٍ لَمْ يَبْنِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا فَقَدْ وَثَّقَ أَخْذَهَا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى الْبَرَاءَةِ انْتَهَى.
، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ: وَتَقْيِيدُ مُحَمَّدٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ وَأَمَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَخْذِ الْمِائَةِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِإِشْهَادٍ أَنَّهُ رَدَّهَا طَالَ ذَلِكَ، أَوْ قَصُرَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ مُحَمَّدٍ بِقَوْلِهِ أَشْهَدَ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ قُصِدَ بِهَا التَّوَثُّقُ كَمَا قَالُوا فِي الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْمُودِعِ مَعَهَا الرَّدَّ هُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِشُهُودٍ يُشْهِدُهُمْ عَلَى دَفْعِ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّوَثُّقَ بِشَهَادَتِهِمْ فَلَا وَلِأَنَّهُ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ إقْرَارُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ إشْهَادٍ فَكَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ انْتَهَى.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ أَشْهَدَ بِهَمْزَةٍ فِي أَوَّلِهِ عَلَى أَنَّهُ رُبَاعِيٌّ أَيْ أَشْهَدَ بِهَا قَاصِدًا لِلتَّوَثُّقِ كَمَسْأَلَةِ الْمُودِعِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ هُوَ الْإِشْهَادُ بِأَخْذِهَا بِقَصْدِ التَّوَثُّقِ، وَأَنَّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ الْإِشْهَادِ بِكِتَابٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَإِذَا حَصَلَ الْإِشْهَادُ الْمَقْصُودُ بِهِ التَّوَثُّقُ فَلَا يَسْقُطُ بِطُولِ الزَّمَانِ، وَلَوْ زَادَ عَلَى عِشْرِينَ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ إلَّا كَعَشْرٍ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ مَقْصُودٌ بِهِ التَّوَثُّقُ وَأَمَّا مَعَ الْإِشْهَادِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِدَفْعِهَا فَإِذَا مَاتَ الشَّرِيكُ وَلَمْ يُوصِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَشْهَدَ أَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ، أَوْ إشْهَادٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّوَثُّقَ فَيَكْفِي فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بِهَا مُضِيُّ سَنَةٍ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الشَّرِيكَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهَا بِخِلَافِ الْمُودِعِ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُفِيدُ حَيْثُ يَكُونُ الْمَالُ الَّذِي لِلشَّرِكَةِ تَحْتَ يَدِهِ، وَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّ الْبَعْضَ الَّذِي أَخَذَهُ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى ذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مِائَةٍ، أَوْ جَمِيعِ مَالِ الشَّرِكَةِ أَعْنِي إذَا أَشْهَدَ بِأَنَّهُ حَبَسَهُ تَحْتَ يَدِهِ فَإِنْ كَانَ الْإِشْهَادُ مَقْصُودًا مِنْهُ التَّوَثُّقُ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ إلَّا بِإِشْهَادٍ وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِنَفْسِهِ فَلِلْآخَرِ رَدُّهَا)
ش: ذَكَرَ رحمه الله لِشِرَاءِ الْجَارِيَةِ ثَلَاثَةَ، أَوْجُهٍ كَمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ لِلْوَطْءِ، أَوْ لِلْخِدْمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَلِلْآخَرِ رَدُّهَا يَعْنِي أَنَّ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهَا لِلشَّرِكَةِ وَلَهُ أَنْ يُمْضِيَهَا لَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَطَأْهَا الْمُشْتَرِي فَإِنْ وَطِئَهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ وَطِئَ أَمَةَ الشَّرِكَةِ وَسَيَأْتِي.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ: فَإِنْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا لِلشَّرِكَةِ فَفَعَلَ، ثُمَّ جَحَدَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ خَالِصًا مِنْ مَالِهِ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَمَرَهُ قَالَ: أَرَاهُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا أَمَرَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ جَحَدَهُ
دَلِيلٌ هُوَ كَالنَّصِّ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَقَالَ لَمْ أُرِدْ أَنْ أَشْتَرِيَ لَكَ شَيْئًا فَاشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ مَعَهُ شَرِيكًا شَاءَ، أَوْ أَبَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ: فَإِنْ قَالَ: إنِّي أَشْرَكْتُكَ فِيهِ فُلَانًا وَفُلَانًا عِنْدَ الِاشْتِرَاءِ، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ قَالَ: أَرَى ذَلِكَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا أَمَرَهُ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ أَشْرَكَ فِيهِ " فُلَانًا وَفُلَانًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَدْخُلُ فِيهِ اللَّذَانِ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَشْرَكَهُمَا بِذَلِكَ عَلَى اللَّذَيْنِ أَقَرَّ لَهُمَا إنْ كَانَ أَقَرَّ لَهُمَا بِالنِّصْفِ كَانَ لَهُمَا نِصْفُ مَا فِي يَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ فَلَهُمَا الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ، أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرُ فَعَلَى هَذَا يَحْسِبُ، وَلَا يُؤْخَذُ مَا فِي يَدَيْهِ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُمَا بِهَذَا الَّذِي فِي يَدَيْهِ، وَاَلَّذِي صَارَ لِصَاحِبِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ أَشْرَكَ فِيهِ فُلَانًا وَفُلَانًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَشْرَكَهُمَا فِي ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَا أَحَقَّ بِالنِّصْفِ وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُمَا إلَّا نِصْفُ النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَشْرَكَهُمَا فِي مَالِهِ، وَمَالِ غَيْرِهِ فَهُوَ يَقُولُ لَهُمَا إنِّي أَشْرَكْتُكُمَا فِي حَقِّي وَحَقِّ غَيْرِي فَلَيْسَ لَكُمَا إلَّا نِصْفُ مَا بِيَدِي وَالثَّانِي أَنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا جَمِيعًا النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ لَهُ اشْتَرَكْنَا فِي نِصْفِ ذَلِكَ وَلَك نِصْفُهُ وَأَسْلِمْهُ إلَيْنَا، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي مُخَرَّجٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَانُوتِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ انْتَهَى.
مُخْتَصَرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (إلَّا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ)
ش: هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ شَرِيكَهُ أَسْلَفَهُ نِصْفَ ثَمَنِهَا وَأَنَّ رِبْحَهَا لَهُ وَعَلَيْهِ نَقْصُهَا انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَقَوْلُهُ: يَشْتَرِيَهَا لِلْوَطْءِ فِيهِ إجْمَالٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لِلْوَطْءِ، أَوْ غَيْرِهِ وَهَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَهَا إنْ هَلَكَتْ فَلَهُ رِبْحُهَا وَعَلَيْهِ خَسَارَتُهَا، وَهَذَا قَدْ أَسْلَفَ شَرِيكَهُ نِصْفَ ثَمَنِهَا فَلَهُ النَّمَاءُ، وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ انْتَهَى.
وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَاهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لِيَطَأَهَا وَعَلَى أَنَّهَا لِلشَّرِكَةِ بِمَعْنَى أَنَّ الرِّبْحَ وَالْخَسَارَةَ عَلَى الْمَالِ فَنَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَالْمُحَلَّلَةِ فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا رُدَّتْ لِلشَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى وَطِئَهَا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَهَذَا الْوَجْهُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ اشْتَرَكَا فِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ، وَافْتَرَقَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَالثَّانِيَ اشْتَرَاهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: إنَّ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا لِوَطْءٍ، أَوْ بِإِذْنِهِ بِجَرِّ اللَّفْظَيْنِ بِالْبَاءِ وَعَطْفِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِأَوْ قَبْلَ قَوْلِهِ: إلَّا لِلْوَطْءِ أَتَمُّ فَائِدَةً حَسْبَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ النُّسْخَةَ تُفِيدُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ لَكِنْ فِي الْأَوَّلِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَفِي الثَّانِي بِإِذْنِهِ، وَيُفِيدُ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَطَأْ.
ص (وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً لِلشَّرِكَةِ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَحَمَلَتْ قُوِّمَتْ)
ش: هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ لِلشَّرِكَةِ ثُمَّ يَطَؤُهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يَطَأَهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَهَذِهِ مُحَلَّلَةٌ يَلْزَمُ الْوَاطِئَ قِيمَتُهَا حَمَلَتْ، أَوْ لَمْ تَحْمِلْ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ بِإِذْنِهِ، وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ قُوِّمَتْ سَوَاءٌ حَمَلَتْ، أَوْ لَمْ تَحْمِلْ وَمِثْلُهُ مَا إذَا اشْتَرَاهَا لِيَطَأَهَا عَلَى أَنَّ رِبْحَهَا وَخُسْرَهَا عَلَى الْمَالِ وَوَطِئَهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَالثَّانِي أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَتَحْمِلُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَحَمَلَتْ قُوِّمَتْ فَقَوْلُهُ وَحَمَلَتْ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ قَيْدٌ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي.
(تَنْبِيهٌ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْدَمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَحَمَلَتْ الْأَمَةُ لَمْ تُبَعْ وَأُتْبِعَ بِالْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَحْمِلْ فَتُبَاعُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْقِيمَةِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْأَمَةِ الْمُحَلَّلَةِ، وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ الشَّرِيكَ مُخَيَّرٌ فَإِنْ شَاءَ تَمَسَّكَ بِنَصِيبِهِ وَأَتْبَعَهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ حَمَلَتْ وَيُبَاعُ ذَلِكَ النِّصْفُ عَلَى
الْوَاطِئِ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا فَيَأْخُذُهُ الشَّرِيكُ إنْ كَانَ كَفَافًا بِمَا لَزِمَ مِنْ نِصْفِ نَصِيبِ الْوَاطِئِ، وَتَبِعَهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ دَيْنًا، وَإِنْ نَقَصَتْ مَا بِيعَتْ بِهِ عَنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ حَمَلَتْ أَتْبَعَهُ بِالنُّقْصَانِ مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْحُكْمِ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ وَلَدِهِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ.
ص (وَإِلَّا خُيِّرَ الْآخَرُ فِي إبْقَائِهَا وَتَقْوِيمِهَا)
ش: أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ، وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَهُوَ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَلَمْ تَحْمِلْ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ مِنْهَا أَنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَطَأْ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يُقَوِّمَهَا عَلَى الْوَاطِئِ، أَوْ يَتَمَاسَكَ بِحِصَّتِهِ مِنْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي كِتَابِ الْقَذْفِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ: هَذَا قَوْلٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى.
، وَقَالَ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ: وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُفَسَّرُ فِيهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّ سَيِّدَهَا بِالْخِيَارِ فِي التَّقْوِيمِ، وَالتَّمَاسُكِ، وَقَدْ جَاءَ لَفْظَانِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ ظَاهِرُهُمَا خِلَافُ هَذَا انْتَهَى.
وَصَدَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِهَذَا الْقَوْلِ فَعَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّ مُقْتَضَى الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا هُوَ التَّخْيِيرُ فِي إبْقَائِهَا عَلَى الشَّرِكَةِ، أَوْ إمْضَائِهَا بِالثَّمَنِ لَا بِالْقِيمَةِ وَكَأَنَّهُ رحمه الله اعْتَمَدَ مَا حَكَى فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَائِنَا أَنَّ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَاةَ لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ يَطَؤُهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِلتِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ وَطْءٍ، ثُمَّ يَطَأَهَا، وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِيَطَأَهَا وَعَلَى أَنَّ الرِّبْحَ وَالْخَسَارَةَ فِيهَا عَلَى الْمَالِ وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهَا الْخِلَافُ وَأَمَّا الْأُولَى فَيُخَيَّرُ شَرِيكُهُ بَيْنَ مُطَالَبَتِهِ بِالْقِيمَةِ، أَوْ تَرْكِهَا بَيْنَهُمَا إنْ لَمْ تَحْمِلْ انْتَهَى.
فَكَأَنَّهُ حَمَلَ مَا فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْقَذْفِ عَلَى الْأُولَى وَمَا فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الثَّانِيَةِ وَاَلَّذِي فِي التَّنْبِيهَاتِ وَالْبَيَانِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِيهِمَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِنَصِيبِهِ، أَوْ يُقَوِّمَهَا عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْهُ وَمَشَى رحمه الله فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ قَوْلِهِ فِي إبْقَائِهَا، وَتَقْوِيمِهَا بِصِيغَةِ التَّفْعِيلِ مِنْ الْقِيمَةِ، وَيَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَمُقَاوَمَتِهَا بِصِيغَةِ الْمُفَاعِلَةِ، وَيَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ بِتَكَلُّفٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُقَاوَاتُهَا، وَالْمُقَاوَاةُ الْمُزَايَدَةُ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ لِمَالِكٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِلشَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ وَطْءٍ ثُمَّ يَطَأَهَا، أَوْ يَشْتَرِيَهَا لِلْوَطْءِ، وَعَلَى أَنَّ الرِّبْحَ وَالْخَسَارَةَ لِلْمَالِ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا إذَا اشْتَرَى الْأَمَةَ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَوَطِئَهَا.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَيَانِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَإِذَا تَمَسَّكَ الشَّرِيكُ بِنَصِيبِهِ وَلَمْ يُقَوِّمْهَا عَلَى شَرِيكِهِ مُنِعَ الشَّرِيكُ مِنْ الْغَيْبَةِ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَعُودَ إلَى وَطْئِهَا وَيُعَاقَبَ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلِهِ إلَّا أَنَّ عُقُوبَتَهُ أَخَفُّ مِنْ عُقُوبَةِ الْعَالِمِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) هُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ: وَإِذَا وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَمَةً بَيْنَهُمَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يُحَدَّ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ انْتَهَى.
وَفِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ التَّوْضِيحِ: وَيُؤَدَّبُ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهَالَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ.
ص (وَإِنْ اشْتَرَطَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ فَعِنَانٌ)
ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ عِيَاضٌ عِنَانٌ ضَبَطْنَاهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَفِي بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ فَتْحُهَا وَلَمْ أَرَهُ انْتَهَى.
، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مِنْهُمْ مَنْ يَضْبُطُهَا بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يَضْبُطُهَا بِالْكَسْرِ انْتَهَى.
وَهِيَ جَائِزَةٌ وَيَلْزَمُ الشَّرْطُ قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَنَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَإِنْ شَرَطَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ لَزِمَ، وَتُسَمَّى شَرِكَةُ الْعِنَانِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ فِي حَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَمَعَ غَيْبَتِهِ، فَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ، وَمُوَافَقَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى نَفْيِ الِاسْتِبْدَادِ لَزِمَ الشَّرْطُ وَتُسَمَّى شَرِكَةُ عِنَانٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي تَسْمِيَتِهَا بِهَذَا الِاسْمِ حُصُولُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي نَوْعٍ مِنْ الْمَتَاجِرِ، أَوْ لَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ الشَّرِكَةُ فِي نَوْعٍ مَخْصُوصٍ سَوَاءٌ حَصَلَ ذَلِكَ الشَّرْطُ، أَوْ لَمْ يَحْصُلْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ الشَّرِكَةُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ يَعْنِي كَثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتُلِفَ فِي الِاشْتِقَاقِ مِمَّاذَا هُوَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا شَرِكَةُ عِنَانٍ فَلَا نَعْرِفُهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَلَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ يَعْرِفُهُ (قِيلَ) إنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ بِبَلَدِهِمْ (قُلْتُ:) وَقَدْ عَلَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحُكْمَ عَلَى شَرِكَةِ الْعِنَانِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْهَا اهـ.
ص (وَجَازَ لِذِي طَيْرٍ وَذِي طَيْرَةٍ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْفِرَاخِ)
ش: قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَسُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشُّورَى عَنْ الرَّجُلِ يَجْعَلُ دِيكًا، وَيَجْعَلُ الْآخَرُ دَجَاجَةً، وَيَشْتَرِكَانِ فِي الْفَلَالِيسِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَاوَنَانِ عَلَى الْحَضَانَةِ قَالَ فَإِنْ جَعَلَ أَحَدُهُمَا حَمَامَةً أُنْثَى وَالْآخَرُ ذَكَرًا جَازَتْ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَعَاوَنَانِ عَلَى الْحَضَانَةِ انْتَهَى.
، وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي الشَّرِكَةِ.
ص (إنْ لَمْ يَقُلْ وَأَنَا أَبِيعُهَا لَك)
ش: فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَعُثِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ النَّقْدِ أُمِرَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْقُدَ حِصَّتَهُ وَيَتَوَلَّى بَيْعَهَا، وَإِنْ عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ النَّقْدِ أُمِرَ الْمَنْقُودُ عَنْهُ أَنْ يَدْفَعَ مَا نَقَدَهُ عَنْهُ مُعَجَّلًا، وَلَوْ شَرَطَ تَأْجِيلَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ حَظِّ الْمُسَلِّفِ إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِئْجَارًا صَحِيحًا فَإِنْ كَانَ قَدْ بَاعَ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ.
ص (وَإِنْ أَسْلَفَ غَيْرَ الْمُشْتَرِي جَازَ إلَّا لِكَبَصِيرَةِ الْمُشْتَرِي)
ش: أَيْ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ سَلَفًا بِمَنْفَعَةٍ قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْبَيَانِ: مَسْأَلَةٌ قَالَ سَحْنُونٌ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ دَعَا أَخًا لَهُ إلَى أَنْ يُسَلِّفَهُ ذَهَبًا وَيُخْرِجَ مِثْلَهَا وَيُشَارِكَهُ فِيهَا وَيَتَّجِرَانِ جَمِيعًا بِهَا فِي مَوْضِعِهِمَا، أَوْ يُسَافِرَانِ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ، وَالْمَعْرُوفِ مِنْهُ إلَى أَخِيهِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ إلَّا الرِّفْقَ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأَمَّا إنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي بَصَرٍ فِي الْبَيْعِ وَالِاشْتِرَاءِ، أَوْ إنْفَاذِهِ فِي التِّجَارَةِ وَلِعَمَلِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ: لَا خَيْرَ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَتَفْسِيرُهُ الْأَوَّلُ هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: إذَا كَانَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ، وَالْمَعْرُوفِ مِنْهُ إلَيْهِ، وَلَا حَاجَةَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الرِّفْقَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِارْتِفَاقِهِ بِمُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَانَ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً، وَقَدْ نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا، وَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا قَصَدَ بِهِ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا
الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ فَمَرَّةً رَأَى مَالِكٌ النِّيَّةَ فِي ذَلِكَ مُحْتَمَلَةً فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَصَدَّقَهُ فِيهَا وَمَرَّةً رَآهَا بَعِيدَةً، وَالْأَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ سُؤَالِهِ إيَّاهُ الشَّرِكَةَ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يُسَلِّفَهُ وَيُشَارِكَهُ لَوَجَبَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ نِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا يُؤْمَرُ بِهِ ابْتِدَاءً، وَيُنْهَى عَنْهُ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ بِسَلَفِهِ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ لِيَأْخُذَ سَلَفَهُ مُعَجَّلًا إنْ كَانَ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا، أَوْ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ عَرْضًا وَفَاتَ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ ابْتِدَاءً لَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ ابْتِدَاءً، وَيُنْهَى عَنْ الْفِعْلِ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَأْخُذُ سَلَفَهُ مُعَجَّلًا انْتَهَى.
فَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى فَاتَتْ الشَّرِكَةُ، وَعَمِلَا فَلِلْمُقْرِضِ رِبْحُ الْمِائَةِ الْقَرْضِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَرِضُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الِانْفِرَادَ فِي الْعَمَلِ فَلَهُ رِبْحُ الْمِائَةِ الْقَرْضِ، وَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ فِي مِائَةِ صَاحِبِهِ هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْهُ.
فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ إثْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي مَالٍ لَهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا مِائَةٌ، وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْمِائَةِ دَعَا صَاحِبَ الْخَمْسِينَ إلَى أَنْ يُسَلِّفَهُ نِصْفَ الْخَمْسِينَ الَّتِي يَفْضُلُهُ بِهَا حَتَّى يَسْتَوِيَا فِي الشَّرِكَةِ قَالَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ شَرْطِ الْمُشَارَكَةِ، وَلَا لِحَاجَةٍ مِنْ الْمُسَلِّفِ الَّذِي أَسْلَفَهُ فِي بَصَرٍ، وَلَا عَلَى شَيْءٍ إلَّا الرِّفْقَ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ لِي مِائَةُ دِينَارٍ فَأَنَا أُسْلِفُك مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَلَى أَنْ تُشَارِكَنِي بِأَنْ أُخْرِجُ أَنَا بِالْخَمْسَةِ وَالسَّبْعِينَ الْبَاقِيَةِ لِي وَتُخْرِجُ أَنْتَ مِثْلَهَا بِالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي أَسْلَفْتُك فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسَلِّفَ قَصَدَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ فَكَانَ ذَلِكَ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ الشَّرِكَةَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ هَذَا مِائَةً، وَهَذَا خَمْسِينَ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ لَمَا جَازَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ الَّتِي لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ أَنْ يَقُولَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، أَوْ بَعْدَهُ إذَا قَالَهُ عَلَى وَجْهِ غَيْرِ الشَّرْطِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ تَعَالَ أُسْلِفُكَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَتُضِيفُهَا إلَى الْخَمْسِينَ الَّتِي لَك فَأُخْرِجُ أَنَا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ مِثْلَهَا فَنَشْتَرِكُ فِيهَا، أَوْ يَقُولَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ الشَّرِكَةَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ هُوَ مِائَتَهُ، وَهَذَا خَمْسِينُهُ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ ابْتِدَاءً كَانَ الْأَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ فَصُدِّقَ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَاهُ حَسْبَمَا مَضَى فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَإِذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ إذْ قَدْ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِكُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ الشَّرِكَةَ، وَاشْتَرَيَا بِهَا عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ مَبْلَغُ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا لَكَانَ ذَلِكَ بَيْعًا جَائِزًا، أَوْ إنْ سَمَّيَاهُ سَلَفًا؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ سُدُسَ الْعُرُوضِ بِالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي سَمَّيَاهُ سَلَفًا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْ تُجَّارِهِ) ش يُرِيدُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ
فَقَطْ.
فَإِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ حَضَرَهُ دُخُولٌ مَعَهُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (قُلْتُ:) وَالْمُرَادُ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِتُجَّارِ تِلْكَ السِّلْعَةِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ مُشَارَكَتَهُ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُ قَالَ مَا نَصُّهُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ مُتَوَلِّي الشِّرَاءِ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ مِنْهُمْ أَحَدًا وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ زَادَ، فَإِذَا بَيَّنَ لَهُمْ هَكَذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ حَضَرَ دُخُولٌ مَعَهُ انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ.
ص (وَهَلْ وَفِي الزُّقَاقِ لَا كَبَيْتِهِ قَوْلَانِ)
ش: صَدَّرَ فِي الشَّامِلِ بِأَنَّهُمْ لَا يُشَارِكُونَهُ إذَا اشْتَرَى فِي الزُّقَاقِ وَعَطَفَ الْقَوْلَ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ بِقِيلِ.
ص (إنْ اتَّحَدَا، أَوْ تَلَازَمَا)
ش: يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالتَّلَازُمِ أَنْ يَكُونَ صَنْعَةُ أَحَدِهِمَا لَا تُنْفَقُ إلَّا بِنَفَاقِ الْأُخْرَى
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي النُّكَتِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا لَا تَجُوزُ شَرِكَةُ ذَوِي صَنْعَتَيْنِ مَتَى كَانَا يَعْمَلَانِ بِأَيْدِيهِمَا، فَأَمَّا إنْ كَانَا يَتَّجِرَانِ فِي صَنْعَتَيْنِ بِأَمْوَالِهِمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ رَأَيْت لِأَشْهَبَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُخْرِجَا مَالًا مُتَسَاوِيًا عَلَى أَنْ يَقْعُدَ هَذَا بَزَّازًا، وَهَذَا قَطَّانًا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَفِي جَوَازِ إخْرَاجِ كُلٍّ آلَةً وَاسْتِئْجَارِهِ مِنْ الْآخَرِ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مِلْكٍ، أَوْ كِرَاءٍ تَأْوِيلَانِ)
ش: ذَكَرَ رحمه الله مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى مِنْهُمَا هَلْ يَكْفِي فِي الشَّرِكَةِ أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ مِنْهُمَا آلَةً مُسَاوِيَةً لِآلَةِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَتُؤَوَّلُ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِ، أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْآلَةِ بِمِلْكٍ، أَوْ كِرَاءٍ، وَلَوْ بِأَنْ يَكْتَرِيَ مِنْ شَرِيكِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ صَرِيحُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الرَّحَى وَالْبَيْتِ، وَالدَّابَّةِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ وَقَعَ مَضَى، وَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ كَذِي رَحًى وَذِي بَيْتٍ وَذِي دَابَّةٍ وَعَلَى كِلَا التَّأْوِيلَيْنِ فَذَلِكَ لَا يُفْسِدُ الشَّرِكَةَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ الثَّانِيَةُ هَلْ يَكْفِي فِي الِاشْتِرَاكِ فِي الْآلَةِ أَنْ تَكُونَ لِأَحَدِهِمَا، وَيَسْتَأْجِرُ الْآخَرُ مِنْهُ نِصْفَهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: هُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ وَالْكِرَاءِ مِنْ غَيْرِهِمَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ (قُلْتُ:) كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَطَوُّعِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِكَثِيرِ الْآلَةِ وَفِي مَسْأَلَةِ صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَالرَّحَى صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ، وَسَيَأْتِيَانِ فَفِي تَسْوِيَةِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا فِيمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْآلَةِ الَّتِي لَهَا قِيمَةٌ وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْآلَةِ، أَوْ يَحْتَاجُ إلَى آلَةٍ لَا قَدْرَ لَهَا كَالْخِيَاطَةِ فَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ اُنْظُرْ التَّوْضِيحِ.
ص (وَصَائِدَيْنِ فِي الْبَازَيْنِ وَهَلْ، وَإِنْ افْتَرَقَا رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا)
ش: مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي شَرِكَةِ
الصَّائِدَيْنِ مِنْ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْبَازَيْنِ ثُمَّ هَلْ تَجُوزُ، وَإِنْ افْتَرَقَا، أَوْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ رُوِيَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ يَتَبَادَرُ هَذَا إلَى الْفَهْمِ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّنْبِيهَاتِ لَكِنْ إذَا تَأَمَّلْتَهُ وَجَدْتَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُدَوَّنَةِ رُوِيَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْبَازَيْنِ، وَأَنْ لَا يَفْتَرِقَا بَلْ يَكُونُ طَلَبُهُمَا وَاحِدًا، وَالثَّانِي أَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْبَازَيْنِ فَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ افْتَرَقَا، أَوْ يَجْتَمِعَا فِي الطَّلَبِ فَتَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِي رِقَابِ الْبَازَيْنِ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَصِيدَا بِبَازَيْهِمَا، أَوْ كَلْبَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَمْلِكَا رِقَابَهُمَا، أَوْ يَكُونَ الْبَازَانِ، أَوْ الْكَلْبَانِ طَلَبُهُمَا وَاحِدٌ لَا يَفْتَرِقَانِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: كَذَا فِي رِوَايَتِي عَنْ شُيُوخِي يَعْنِي بِأَوْ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَيَكُونُ الْبَازَانِ فَعَلَى هَذَا لَا يَفْتَرِقُ الصَّائِدَانِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِيهِمَا كَالصَّانِعَيْنِ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ، أَوْ فَاسْتَدَلَّ مِنْهُ الْأَشْيَاخُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ إذَا حَصَلَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَلْزَمْ اجْتِمَاعُهُمَا، وَجَازَ الِافْتِرَاقُ، وَيُسْتَدَلُّ مِنْهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ التَّسَاوِي فِي الْآلَةِ يَجُوزُ مَعَ الِاشْتِرَاكِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِيهَا انْتَهَى.
بِالْمَعْنَى، فَآخِرُ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ كَافٍ، فَتَأَمَّلْهُ وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ كَافٍ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ الْبُزَاةُ، أَوْ الْكِلَابُ مُشْتَرَكَةً جَازَ، وَإِنْ افْتَرَقَا فِي الِاصْطِيَادِ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا فِي الْبُزَاةِ وَالْكِلَابِ جَازَتْ الشَّرِكَةُ إذَا كَانَ الصَّيْدُ بِهِمَا مَعًا يَتَعَاوَنَانِ، وَلَا يَفْتَرِقَانِ فَيَكُونُ مَضْمُونُ الشَّرِكَةِ عَمَلًا بِعَمَلٍ، وَلَا يَجُوزُ إذَا افْتَرَقَا انْتَهَى.
فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَصَائِدَيْنِ وَهَلْ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْبَازَيْنِ: وَلَمْ يَفْتَرِقَا، أَوْ أَحَدُهُمَا كَافٍ رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا لَكَانَ مُوَفِّيًا بِالرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَى رِوَايَةِ أَوْ اخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَوْلًا كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ التُّونُسِيُّ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَازٍ وَلِلْآخَرِ كَلْبٌ وَكَانَا يَتَعَاوَنَانِ فِي الصَّيْدِ لَجَازَ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ، وَأَقْطَعَهُ الْإِمَامُ وَقُيِّدَ بِمَا لَمْ يَبْدُ)
ش: قَوْلُهُ بَقِيَّتُهُ أَيْ بَقِيَّةُ الْمَعْدِنِ، وَقَوْلُهُ: وَقُيِّدَ بِمَا لَمْ يَبْدُ أَيْ وَقُيِّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا فِيمَا لَمْ يَبْدُ مِنْ النَّيْلِ، وَأَمَّا مَا بَدَا فَلِوَرَثَتِهِ، وَالْمُقَيِّدُ بِذَلِكَ الْقَابِسِيُّ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ يُونُسَ: وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا بَعْدَ إدْرَاكِهِ النَّيْلَ لَمْ يُوَرَّثْ حَظُّهُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْطَعَهُ لِمَنْ رَأَى، وَيَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ انْتَهَى.
قَالَ فِي النُّكَتِ: ذَكَرَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ عَنْ الشَّيْخِ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَدْرَكَا نَيْلًا أَنَّهُمَا أَخْرَجَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ، فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ التَّمَادِي عَلَى الْعَمَلِ فِي الْمَعْدِنِ عَلَى سَبِيلِ الْمَعْدِنِ إلَّا بِقَطِيعَةٍ مِنْ الْإِمَامِ يَقْطَعُهُ لَهُمْ، أَوْ لِغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَا شَيْئًا انْتَهَى.
فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ يُرِيدُ بِهِ الْأَنْيَالَ الَّتِي لَمْ تَبْدُ وَأَمَّا النَّيْلُ الَّذِي بَدَا، أَوْ عَمِلَ فِيهِ وَقَارَبَ أَنْ يَبْدُوَ فَلِوَرَثَتِهِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَزِمَهُ مَا يَقْبَلُهُ صَاحِبُهُ وَضَمَانُهُ، وَإِنْ تَفَاصَلَا)
ش: يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ إذَا قَبِلَا شَيْئًا لِيَعْمَلَا فِيهِ لَزِمَ شَرِيكَهُ الْآخَرَ أَنْ يَعْمَلَهُ مَعَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْقِدَا مَعًا، وَيَلْزَمُ أَحَدَهُمَا الضَّمَانُ فِيمَا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ، وَلَوْ افْتَرَقَا كَمَا لَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا لِيَعْمَلَا فِيهِ فَتَلِفَ ثُمَّ تَفَرَّقَا فَجَاءَ صَاحِبُهُ يَطْلُبُ بِهِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا مَعًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا يَقْبَلُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلصَّنْعَةِ لَزِمَ الْآخَرَ عَمَلُهُ، وَضَمَانُهُ يُؤْخَذُ بِذَلِكَ، وَإِنْ افْتَرَقَا.
ص (وَأُلْغِيَ مَرَضٌ كَيَوْمَيْنِ وَغَيْبَتُهُمَا لَا إنْ كَثُرَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ إذَا مَرِضَ أَحَدُهُمَا يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ غَابَ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ وَعَمِلَ صَاحِبُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا وَيُلْغَى مَرَضُ الْيَوْمَيْنِ وَغَيْبَتُهُمَا، وَأَمَّا مَا كَثُرَ فَلَا يُلْغَى وَهُوَ يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا مَرِضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الصَّنْعَةِ، أَوْ غَابَ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ، فَعَمِلَ صَاحِبُهُ فَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَائِزٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إلَّا
مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ فَإِنَّ لِلْعَامِلِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ مَا عَمِلَ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ أَنَّ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمَا، أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَمَا عَمَل الْآخَرُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى.
فَاخْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ مُطَابِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَنْبِيهَاتٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْمُؤَلِّفَ قَالَ: كَيَوْمَيْنِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا قَارَبَ الْيَوْمَيْنِ لَهُ حُكْمُهُمَا، وَاقْتَصَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى ذِكْرِ الْيَوْمَيْنِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ وَكَأَنَّهُ أَحَالَ عَلَى الْعُرْفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مَا بَاعَهُ صَاحِبُهُ فِي غَيْبَةِ الْبَائِعِ أَنَّهُ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَأَنَّ الْقُرْبَ الْيَوْمَانِ، وَالثَّلَاثَةُ وَالْبُعْدَ الْعَشَرَةُ قَالَ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَسَائِطِ يُرَدُّ مَا قَارَبَ الْقُرْبَ إلَى الْقُرْبِ وَمَا قَارَبَ الْبُعْدَ إلَى الْبُعْدِ انْتَهَى.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مَا شَابَهُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ (الثَّانِي) الضَّمِيرُ فِي غَيْبَتِهِمَا رَاجِعٌ إلَى الْيَوْمَيْنِ وَتَحَيَّرَ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ فِي الْكَبِيرِ وَرَدَّهُ إلَى الشَّرِيكَيْنِ، وَتَكَلَّفَ لَهُ بِأَنَّ فِيهِ تَجَوُّزًا وَأَنَّ الْمُرَادَ غَيْبَةُ أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا قَالَ غَيْبَتُهُمَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْغَيْبَةَ لَوْ حَصَلَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ حَصَلَتْ مِنْ الْآخَرِ لَمْ تُغْتَفَرْ فَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ مَعَ غَيْبَتِهِمَا فَلَأَنْ يُغْتَفَرَ مَعَ غَيْبَةِ أَحَدِهِمَا مِنْ بَابِ، أَوْلَى وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) لَمْ يُفْهَمْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا إنْ كَثُرَ كَيْفَ يُعْمَلُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُلْغَى، وَاقْتَصَرَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوهِمُ أَنَّ الْعَامِلَ يَخْتَصُّ بِأُجْرَةِ ذَلِكَ قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: أَيْ فَإِنْ كَثُرَ اخْتَصَّ بِهِ الْعَامِلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا وَلِلْعَامِلِ عَلَى الْمَرِيضِ أَجْرُ عَمَلِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ وَإِذَا عَقَدَ الشَّرِيكَانِ الْإِجَارَةَ عَلَى عَمَلٍ ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا، أَوْ غَابَ، أَوْ مَاتَ كَانَ عَلَى الْآخَرِ أَنْ يُوفِيَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ عَلَى أَعْيَانِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ يَشْتَرِكَانِ، وَعَلَيْهِ يَدْخُلُ الَّذِي يَسْتَأْجِرُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مُتَفَاوِضَانِ فَلَزِمَ أَحَدَهُمَا مَا لَزِمَ الْآخَرَ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا مَرَضًا خَفِيفًا، أَوْ طَوِيلًا، أَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ، أَوْ بَعِيدٍ كَانَ عَلَى الصَّحِيحِ الْحَاضِرِ الْقِيَامُ بِجَمِيعِ الْعَمَلِ، وَكَذَلِكَ إذَا عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَى شَيْءٍ فِي أَوَّلِ الْمَرَضِ ثُمَّ بَرِئَ عَنْ قُرْبٍ، أَوْ بُعْدٍ، أَوْ فِي سَفَرِ أَحَدِهِمَا إلَى قُرْبٍ مِنْ الْمَكَانِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ، أَوْ بُعْدٍ إنْ بَعُدَ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنَّ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْحَاضِرِ الْقِيَامَ بِجَمِيعِ الْعَمَلِ هَذَا فِي حَقِّ الَّذِي لَهُ الْعَمَلُ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُسَمَّى الَّذِي عَقَدَا عَلَيْهِ هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَيَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي رُجُوعِ الَّذِي عَمِلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ الْخَفِيفُ، وَالسَّفَرُ الْقَرِيبُ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ الْعَفْوُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، وَلَوْلَا الْعَادَةُ لَرَجَعَ، فَإِنْ طَالَ الْمَرَضُ، أَوْ السَّفَرُ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِإِجَارَةِ الْمِثْلِ انْتَهَى.
وَيَكُونُ رِبْحُ الْعَمَلِ بَيْنَهُمَا، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ وَقَبِلَهُ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، وَنَحْوُهُ لِلرَّجْرَاجِيِّ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا الْبَدَنِيَّةُ فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ يَسِيرًا مِمَّا الْغَالِبُ فِيهِ التَّسَامُحُ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، وَلَا شَيْءَ لِلْمُعَافَى عَلَى الْمَئُوفِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهَلْ يَكُونُ الْمُعَافَى مُتَطَوِّعًا أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَالثَّانِي لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا لَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، وَيُطَالِبُهُ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ انْتَهَى.
وَأَطْلَقَ الرِّبْحَ عَلَى الْأُجْرَةِ، وَيَعْنِي بِالْمَئُوفِ الْمَرِيضَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) اُنْظُرْ هَلْ يُلْغَى مِنْ الْكَثْرَةِ يَوْمَانِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُلْغَى مِنْهُ شَيْءٌ انْتَهَى.
(قُلْت:) وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا (الْخَامِسُ) عُلِمَ مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا، أَوْ مَاتَ، أَوْ غَابَ أَنَّ
الْمَوْتَ كَالْغَيْبَةِ وَالْمَرَضِ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ عَمِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ أُلْغِيَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَثُرَ لَمْ يُلْغَ كَمَا تَقَدَّمَ (السَّادِسُ) عُلِمَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا أَخَذَا الشَّيْءَ الَّذِي يَعْمَلَانِ فِيهِ فِي الصِّحَّةِ، أَوْ بَعْدَ مَرَضِ أَحَدِهِمَا، أَوْ سَفَرِهِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ شَرِيكَهُ عَمَلُهُ، وَضَمَانُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: هَذَا فِي شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ، وَأَمَّا فِي الشَّرِكَةِ بِالْمَالِ فَلِلَّذِي عَمِلَ نِصْفُ أُجْرَتِهِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَالْفَضْلُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ أَجْرُهُ انْتَهَى.
وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ قَبْلَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَإِذَا مَرِضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ مَالِيَّةً فَالرِّبْحُ بَيْنَ الْمُعَافَى وَالْمَئُوفِ، وَلَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ سَبَبُ الرِّبْحِ وَأَمَّا الْبَدَنِيَّةُ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّامِنُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَوْ عَقَدَ أَحَدُهُمَا إجَارَةً بَعْدَ طُولِ الْمَرَضِ، أَوْ بَعْدَ السَّفَرِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ حِينَئِذٍ قَدْ انْقَطَعَتْ، وَكَذَلِكَ ضَمَانُ مَا هَلَكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَنْقَطِعْ الشَّرِكَةُ كَانَتْ الْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ أَنْ انْقَطَعَتْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ انْتَهَى.
وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ صَدْرَ هَذَا الْكَلَامِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَأَقَرَّهُ (التَّاسِعُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قَبْلَ طُولِ الْغَيْبَةِ وَطُولِ الْمَرَضِ يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْهُمَا وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(الْعَاشِرُ) الْفَرْقُ بَيْنَ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ وَبَيْنَ الْأَجِيرَيْنِ إذَا اسْتَأْجَرَهُمَا أَحَدٌ عَلَى عَمَلٍ فَمَرِضَ أَحَدُهُمَا فَعَمِلَ الْآخَرُ جَمِيعَ الْعَمَلِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِلْمَرِيضِ نَصِيبُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَصَاحِبُهُ مُتَطَوِّعٌ، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إنَّ الشَّرِيكَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَمِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ ضَامِنٌ عَنْهُ مَا يَقْبَلَاهُ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ مِمَّا يُضْمَنُ فَلِهَذَا لَمْ يَصِرْ الصَّحِيحُ مُتَطَوِّعًا وَأَمَّا الْأَجِيرَانِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا ضَمِينًا، وَلَا حَمِيلًا فَلِهَذَا صَارَ الْحَافِرُ مُتَطَوِّعًا انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَجِيرَيْنِ لَا يَجْرِي عَلَى الْقَوْلِ بِالرُّجُوعِ بِالْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ بَلْ الْجَارِي عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَرِيضَ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ عَمَلُ ذَلِكَ بِأَجِيرِهِ، أَوْ بِنَفْسِهِ إذَا صَحَّ فَصَاحِبُهُ مُتَطَوِّعٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فَالْعَامِلُ لَهُ أَجْرُهُ، وَرَاجِعْ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَفَسَدَتْ بِاشْتِرَاطِهِ كَكَثِيرِ الْآلَةِ وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالصَّحِيحَةِ تَرَدُّدٌ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الشَّرِكَةَ تَفْسُدُ إذَا شُرِطَ فِيهَا أَنَّ مَرَضَ أَحَدِهِمَا الْكَثِيرَ وَغَيْبَتَهُ مُغْتَفِرَانِ لِلْغَرَرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ قَوْلِهِ السَّابِقِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ إنْ لَمْ يَعْقِدَا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ أَنَّ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمَا، أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَمَا عَمِلَ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ عَقَدَا عَلَى هَذَا لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ كَانَ مَا اجْتَمَعَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمَا وَمَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا لَهُ خَاصَّةً انْتَهَى.
زَادَ الْقَرَافِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ لِلْغَرَرِ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ يُرِيدُ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ ثُمَّ قَالَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَا عَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الَّذِي لَوْ صَحَّ هَذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا وَيَكُونَ الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ، وَيُسْمَحُ فِي الشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ التَّفَاضُلِ الْيَسِيرِ، وَأَمَّا إذَا فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ لَمْ يُسْمَحْ بِذَلِكَ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَخَالَفَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْقَدْرُ لَهُ، وَهَذَا نَقْلٌ بِالْمَعْنَى الشَّيْخُ، وَالْخِلَافُ يُبْنَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى الْجُزْءِ مِنْ الْجُمْلَةِ هَلْ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ أَمْ لَا كَمَنْ يَسْجُدُ عَلَى أَنْفِهِ بَدَلًا مِنْ الْإِيمَاءِ انْتَهَى.
، وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ مِنْ الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فِي لَغْوِ الْيَوْمَيْنِ مِنْ
الْمُدَّةِ الْكَثِيرَةِ فِي الشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ وَعَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ يَنْبَغِي أَنْ يُلْغَى ذَلِكَ وَعَلَى مَا نَسَبَهُ أَبُو الْحَسَنِ لِلَّخْمِيِّ لَا يُلْغَى أَيْضًا وَلَيْسَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ صَرِيحًا فِي الْمُخَالَفَةِ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ، وَلِهَذَا قَالَ: - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -، وَهَذَا نَقْلٌ بِالْمَعْنَى وَجَعَلَ الشَّارِحَانِ هَذَا الْكَلَامَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالصَّحِيحَةِ تَرَدُّدٌ قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ ذَلِكَ يُلْغَى، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا زَادَ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا يُلْغَى، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ وَنَحْوُهُ فِي الصَّغِيرِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ شَرَطَ عَدَمَهُ فِي الْعَقْدِ، أَوْ كَثِيرَ آلَةٍ فَسَدَتْ، وَلَا يُلْغَى الْيَوْمَانِ فِيهَا عَلَى الْأَظْهَرِ انْتَهَى.
(قُلْت:) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ الْفَاسِدَةَ لَا يُسَامَحُ فِيهَا، وَإِنَّمَا يُسَامَحُ بِالْيَسِيرِ فِي الصَّحِيحَةِ، فَكَلَامُ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ: وَلَوْ اشْتَرَكَا عَلَى الْعَفْوِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ كَانَتْ شَرِكَةً فَاسِدَةً، وَلَوْ فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ لَكَانَ التَّرَاجُعُ بَيْنَهُمَا فِي قَرِيبِ ذَلِكَ وَبَعِيدِهِ انْتَهَى.
وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الْقَوْلِ بِلَغْوِ الْيَوْمَيْنِ فِي الْفَاسِدَةِ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ وَالرَّجْرَاجِيِّ وَالذَّخِيرَةِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالْقَصِيرَةِ تَرَدُّدٌ، وَيَكُونُ مُرَادُهُ وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ مِنْ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ كَمَا يُلْغَيَانِ فِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ وَهُوَ الَّذِي يَقُولُهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ، أَوْ لَا يُلْغَيَانِ وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ لِلَّخْمِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ كَكَثِيرِ الْآلَةِ فَيُشِيرُ بِهِ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ كَمَا تَفْسُدُ بِشَرْطِ إلْغَاءِ الْمُدَّةِ الْكَثِيرَةِ فَكَذَلِكَ تَفْسُدُ الشَّرِكَةُ إذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْآلَةَ الْكَثِيرَةَ مِنْ عِنْدِهِ يُرِيدُ: وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ يَسِيرِ الْآلَةِ فَإِنَّهُ إذَا تَفَضَّلَ بِهِ أَحَدُهُمَا لَا تَفْسُدُ الشَّرِكَةُ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ فَسَادِ الشَّرِكَةِ بِالْآلَةِ الْكَثِيرَةِ، وَلَوْ كَانَ بِلَا شَرْطٍ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ فَسَّرَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَقَيَّدَهُ الْبِسَاطِيُّ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ تَطَاوَلَ أَحَدُ الْقَصَّارِينَ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ تَافِهٍ مِنْ الْمَاعُونِ لَا قَدْرَ لَهُ فِي الْكِرَاءِ كَالْقَصْرِيَّةِ وَالْمِدَقَّةِ جَازَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ تَطَاوَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِأَدَاةٍ لَا يُلْغَى مِثْلُهَا لِكَثْرَتِهَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَشْتَرِكَا فِي مِلْكِهَا وَيَكْتَرِيَ مِنْ الْآخَرِ نِصْفَهُ انْتَهَى.
(قُلْت:) وَانْظُرْ إذَا تَطَوَّعَ بِهَا أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْقَصْرِيَّةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ هِيَ الصَّحْفَةُ الَّتِي يُغْسَلُ فِيهَا الثِّيَابُ وَالْمِدَقَّةُ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالدَّالِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَهِيَ الْإِرْزَبَّةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ الَّتِي يُكْمَدُ بِهَا الثِّيَابُ انْتَهَى. وَيُقَال فِيهَا مِرْزَبَةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالتَّخْفِيفِ وَتُشَدَّدُ مَعَ الْهَمْزَةِ وَالْأَدَاةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْآلَةُ قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَبِاشْتِرَاكِهِمَا بِالذِّمَمِ أَنْ يَشْتَرِيَا بِلَا مَالٍ وَهُوَ بَيْنَهُمَا)
ش: أَيْ وَفَسَدَتْ الشَّرِكَةُ بِسَبَبِ اشْتِرَاكِ الْمُتَشَارِكَيْنِ بِالذِّمَمِ، وَتُسَمَّى شَرِكَةَ الْوُجُوهِ ثُمَّ فَسَّرَهَا بِأَنْ يَشْتَرِيَا بِلَا مَالٍ يَعْنِي أَنْ يَدْخُلَا عَلَى أَنْ يَبِيعَا وَيَشْتَرِيَا عَلَى ذِمَّتِهِمَا فَمَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا كَانَ فِي ذِمَّتِهِمَا مَعًا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ اشْتِرَاكُهُمَا فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَأَمَّا الِاشْتِرَاكُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالْأَمْوَالِ وَعَلَى عَمَلِ الْأَبْدَانِ إذَا كَانَتْ صَنْعَةً وَاحِدَةً فَأَمَّا بِالذِّمَمِ بِغَيْرِ مَالٍ عَلَى أَنْ يَضْمَنَا مَا ابْتَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ كَانَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، أَوْ بَلَدَيْنِ يُجْهِزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ تَفَاوُضًا كَذَلِكَ فِي تِجَارَةِ الرَّقِيقِ، وَفِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ، أَوْ بَعْضِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَا بِمَالٍ قَلِيلٍ عَلَى أَنْ يَتَدَايَنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: تَحَمَّلْ عَنِّي بِنِصْفِ مَا اشْتَرَيْت عَلَى أَنْ أَتَحَمَّلَ عَنْك بِنِصْفِ مَا اشْتَرَيْت إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا فِي شِرَاءِ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ حَاضِرَةٍ، أَوْ غَائِبَةٍ فَيَبْتَاعَاهَا بِدَيْنٍ فَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ ضَمِنَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَذَلِكَ