الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ أَبِي سَلَمَةَ: وَكَذَلِكَ الشَّاةُ تَخْتَلِطُ بِغَنَمٍ فَتُبْهَمُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَالثَّانِيَةُ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً مِنْ أَلْغَازِ ابْنِ فَرْحُونٍ فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا يَجُوزُ خَلْطُهَا بِهِ]
(فَرْعٌ) : إذَا خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا يَجُوزُ خَلْطُهَا بِهِ وَقُلْنَا يَضْمَنُ، فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا تَلِفَتْ بَلْ يَضْمَنُهَا بِمُجَرَّدِ الْخَلْطِ يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَنَصُّهُ وَإِذَا كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَتَانِ قَمْحٌ وَشَعِيرٌ، فَخَلَطَهُمَا ضَمِنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِثْلَ مَا خَلَطَ لَهُ انْتَهَى.
ص (وَبِانْتِفَاعِهِ بِهَا)
ش: اُنْظُرْ إذَا انْتَفَعَ بِهَا، وَرَدَّهَا سَالِمَةً هَلْ يَلْزَمُهُ كِرَاءُ مِثْلِهَا أَمْ لَا؟ وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْغَصْبِ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْكِرَاءَ فَرَاجِعْهُ.
ص (وَحَرُمَ سَلَفُ مُقَوَّمٍ وَمُعْدَمٍ وَكُرِهَ النَّقْدُ وَالْمِثْلِيُّ)
ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ وَكَالْمُقَوَّمِ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ إذَا كَانَ يَكْثُرُ اخْتِلَافُهُ، وَلَا يَتَحَصَّلُ أَمْثَالُهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَأَرَى أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمُودِعِ فَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُودَعِ أَوْ مَعَهُ كَرْمُ طَبْعٍ جَازَ، وَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ مِنْهُ الْكَرَاهِيَةُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُجِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ الدَّفْعِ أَوْ قَالَ لَا حَرَجَ عَلَيْكَ إنْ تَسَلَّفْتَهَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ كُرِهَ ذَلِكَ انْتَهَى
[فَرْعٌ وَإِنْ بَاعَ الْوَدِيعَةَ وَهِيَ عَرَضٌ]
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَإِنْ بَاعَ الْوَدِيعَةَ وَهِيَ عَرَضٌ فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ التَّعَدِّي قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمِثْلِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ: وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ طَعَامًا أَوْ سِلْعَةً فَرَبُّ الْوَدِيعَةِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَغْرَمَهُ مِثْلَ طَعَامِهِ وَقِيمَةَ سِلْعَتِهِ إنْ فَاتَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَفُتْ أَخَذَهُ بِعَيْنِهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مَا أَخَذَ فِيهَا مِنْ ثَمَنٍ أَوْ جَارِيَةٍ أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (كَالتِّجَارَةِ وَالرِّبْحِ لَهُ)
ش: قَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ: أَيْ وَكَذَا تَحْرُمُ التِّجَارَةُ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا فَإِنْ تَجِرَ فَرَبِحَ كَانَ الرِّبْحُ لَهُ وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَحْوُهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا هُوَ الْكَرَاهَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ فِي الْكَبِيرِ وَيُوجَدُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْوَسَطِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ مَالًا فَتَجِرَ بِهِ فَالرِّبْحُ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ، وَيُكْرَهُ التِّجَارَةُ الْوَدِيعَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ يَتَّجِرُ بِمَالِ الْأَيْتَامِ إنَّ الرِّبْحَ لَهُ بِخِلَافِ الْمُبْضِعِ مَعَهُ وَالْمُقَارِضِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُبْضِعَ مَعَهُ وَالْمُقَارِضُ إنَّمَا دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِمَا عَلَى طَلَبِ الْفَضْلِ فِيهِ، فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَجْعَلَا ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمَا دُونَ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُودِعُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى طَلَبِ الْفَضْلِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حِفْظَهَا لَهُ، فَلَهُ أَصْلُ الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ صَحَّ مِنْ النُّكَتِ الشَّيْخُ وَالْوَصِيُّ أَيْضًا إنَّمَا عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِ الْيَتِيمِ انْتَهَى.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَبْضَعَ مَعَهُ بِبِضَاعَةٍ يَشْتَرِي بِهَا شَيْئًا، فَتَجِرَ فِيهَا، فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُبْضِعَ طَلَبَ الرِّبْحَ فَلَيْسَ لِلْمُبْضِعِ مَعَهُ قَطْعُهُ عَنْهُ وَنَقْلُهُ إلَى مِلْكِهِ فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ ضَمِنَ بِتَعَدِّيهِ وَالْمُودِعُ إنَّمَا قَصَدَ الْحِفْظَ فَقَطْ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ انْتَهَى. وَفِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ الْمُنْتَقَى مَا نَصُّهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْمُبْضِعَ مَعَهُ الْمَالُ يَبْتَاعُ بِهِ لِنَفْسِهِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا ابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ يُضَمِّنَهُ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ عَلَى النِّيَابَةِ عَنْهُ فِي عَرَضِهِ وَابْتِيَاعِ مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَكَانَ أَحَقَّ بِمَا ابْتَاعَهُ، وَهَذَا إذَا ظَفِرَ بِالْأَمْرِ قَبْلَ بَيْعِ مَا ابْتَاعَهُ فَإِنْ فَاتَ مَا ابْتَاعَهُ بِهِ، فَإِنَّ رِبْحَهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَخَسَارَتَهُ عَلَى الْمُبْضِعِ مَعَهُ انْتَهَى.
ص (وَبَرِئَ إنْ رَدَّ غَيْرَ الْمُحَرَّمِ)
ش: هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِذَا تَسَلَّفَ مَالًا يَحْرُمُ تَسَلُّفُهُ، ثُمَّ رَدَّ مَكَانَهَا مِثْلَهَا، فَتَلِفَ الْمِثْلُ بَرِئَ عَلَى الْمَشْهُورِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا لَا يَحْرُمُ تَسَلُّفُهُ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمَكْرُوهُ، وَيَخْرُجَ مِنْهُ الْعَرَضُ، وَتَسَلُّفُ الْمُعْدَمِ لِلْعَيْنِ، وَفِي خُرُوجِ الْمُعْدَمِ
مِنْ ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا إنَّمَا يَكْرَهُ تَسَلُّفَهَا لِلْمُعْدَمِ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَرُدَّهَا أَوْ يَرُدَّهَا بِعُسْرٍ فَإِنْ رَدَّهَا، فَقَدْ انْتَفَتْ الْعِلَّةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا مُنِعَ مِنْ تَسَلُّفِهَا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ كَانَتْ أَيْ الْوَدِيعَةُ ثِيَابًا فَلَبِسَهَا حَتَّى بَلِيَتْ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا، ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ مَفْهُومُهُ لَوْ رَدَّ الْقِيمَةَ لَبَرِئَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ سَوَاءٌ أَوْقَفَ الْقِيمَةَ أَوْ الْمِثْلَ انْتَهَى، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَبْرَأُ، وَقِيلَ لَا يَبْرَأُ ثَالِثُهَا: يَبْرَأُ إنْ رَدَّهَا بِإِشْهَادٍ وَرَابِعُهَا: يَبْرَأُ إنْ كَانَتْ مَنْثُورَةً وَلَوْ كَانَتْ مَصْرُورَةً ضَمِنَهَا وَلَوْ رَدَّهَا.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ قَالَهُ أَشْهَبُ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى بَرَاءَتِهِ فِي تَصْدِيقِهِ فِي رَدِّهَا دُونَ يَمِينٍ أَوْ بِهَا ثَالِثُهَا: إنْ تَسَلَّفَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ صُدِّقَ دُونَ يَمِينٍ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ لِقَوْلِ الشَّيْخِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَمِينًا مَعَ قَوْلِ الْبَاجِيُّ ظَاهِرُهَا نَفْيُهَا وَالشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَنْثُورَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الثَّالِثَ اخْتِيَارًا لَهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ نَصَّ عَلَى إخْرَاجِ الْمُعْدَمِ مِنْ الْبَرَاءَةِ إذَا تَلِفَ النَّقْدُ وَالْمِثْلِيُّ، وَرَدَّهُ إلَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرُهُ.
ص (إلَّا إنْ زَادَ قُفْلًا) ش قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاقْفِلْ وَاحِدًا فَقَفَلَ اثْنَيْنِ قَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْقَوْلُ بِنَفْيِ الضَّمَانِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْجَوَاهِرِ وَزَادَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِهِ إغْرَاءٌ لِلِصٍّ فَيَضْمَنُ، وَالْقَوْلُ بِالضَّمَانِ مَالَ إلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ، وَلَا أَعْلَمُهُ مَنْصُوصًا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَبِقُفْلٍ نَهَاهُ عَنْهُ وَاخْتِيرَ سُقُوطُهُ لَا إنْ لَمْ يَنْهَهُ أَوْ زَادَ قُفْلًا إلَّا فِي حَالِ إغْرَاءِ اللِّصِّ
ص (وَبِنِسْيَانِهَا فِي مَوْضِعِ إيدَاعِهَا إلَى قَوْلِهِ لَا إنْ نَسِيَهَا فِي كُمِّهِ فَوَقَعَتْ)
ش: هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَوْ نَسِيَهَا فِي مَوْضِعِ إيدَاعِهَا، فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَسِيَهَا فِي كُمِّهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقِيلَ سَوَاءٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُحْتَمَلُ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الْأُولَى مَنْصُوصًا نَعَمْ خَرَّجَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَخَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْ الْمُودِعِ مِائَةَ دِينَارٍ، فَيَدَّعِيهَا رَجُلَانِ، وَنَسِيَ أَيُّهُمَا أَوْدَعَهُ، وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ بِالْخِيَارِ مِنْ رَجُلَيْنِ، فَاخْتَلَطَا، وَلَمْ يَدْرِ لِمَنْ الْجَيِّدُ مِنْهُمَا، فَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ يَضْمَنُ لَهُمَا أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؟ اللَّخْمِيُّ وَالْعُذْرُ بِالنِّسْيَانِ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِالنِّسْيَانِ مُفْرِطًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ سَوَاءٌ أَيْ فِي الضَّمَانِ لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ بِالضَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ وَمُطَرَّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ الْمُتَقَدِّمَ، وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ مَا نَصُّهُ، وَلَوْ أَوْدَعَهُ بِالطَّرِيقِ فَمَضَى لِحَاجَةٍ قَبْلَ إحْرَازِهَا، فَضَاعَتْ ضَمِنَ وَلَوْ جَعَلَهَا فِي كُمِّهِ
مُلْقَاةً لَمْ يَكُنْ حَوْزًا انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمَّا نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَوْلُهُ فِي سُقُوطِهَا مِنْ كُمِّهِ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي الزَّاهِي وَبِهِ يُفَسَّرُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَوْ نَسِيَهَا فِي مَحَلِّ إيدَاعِهَا ضَمِنَ عَلَى الْمَنْصُوصِ، ثُمَّ قَالَ: لَا إنْ نَسِيَهَا فِي كُمِّهِ، فَسَقَطَتْ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: لَمَّا عَدَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تُوجِبُ الضَّمَانَ، السَّابِعُ: النِّسْيَانُ فَلَوْ نَسِيَهَا فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي أَخَذَهَا فِيهِ ضَمِنَ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَسِيَهَا، فَجَعَلَهَا فِي كُمِّهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهَا لَهُ، فَتَلِفَتْ، فَهُوَ ضَامِنٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا نَسِيَهَا فِي مَجْلِسِهِ، فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ قَالَ: وَهَذَا الْأَصْلُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ نِسْيَانَهُ جِنَايَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ اُنْظُرْ الْجَوَاهِرَ انْتَهَى كَلَامُهُ وَنَظَرْت الْجَوَاهِرَ فَلَمْ أَرَ فِيهَا شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَبِإِيدَاعِهَا وَإِنْ بِسَفَرٍ)
ش: يُرِيدُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهَا مَحْمَلًا مَعَهُ إلَّا أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَهَا أَنَّهُ لَا يَجِدُ لَهَا مَحْمَلًا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَجِدْ لَهَا مَحْمَلًا مَعَهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ وَفِيهِ مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَوْدَعَ مَعَهُ وَدِيعَةً لِبَلَدٍ، فَعَرَضَتْ لَهُ إقَامَةٌ فِي الطَّرِيقِ قَصِيرَةٌ كَالْأَيَّامِ أَوْ طَوِيلَةٌ كَالسَّنَةِ أَوْ مُتَوَسِّطَةٌ كَالشَّهْرَيْنِ، فَإِنْ بَعَثَهَا فِي الْقَصِيرَةِ ضَمِنَهَا وَإِنْ حَبَسَهَا فِي الطَّوِيلَةِ ضَمِنَهَا، وَهُوَ فِي الْمُتَوَسِّطَةِ مُخَيَّرٌ هَذَا الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَجَمَعَ فِيهِ بَيْنَ أَقْوَالِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ.
وَفِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ مَسْأَلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَعْنَى، فَرَاجِعْهَا وَانْظُرْ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ وَابْنَ يُونُسَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ قَالَ الرَّسُولُ لَمْ أَجِدْ الرَّجُلَ فَرَدَدْت إلَيْك الْمَالَ صُدِّقَ قَالَ هَذَا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إذَا لَمْ يَجِدْهُ إيدَاعُهَا اُنْظُرْ بَقِيَّةَ الْمَسْأَلَةِ وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ أَبْضَعَ مَعَهُ بِبِضَاعَةٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَهَا غَيْرَهُ، وَلَا أَنْ يَبْعَثَ بِهَا مَعَ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَحْدُثَ لَهُ إقَامَةٌ فِي بَلَدٍ، وَلَا يَجِدَ صَاحِبَهَا وَيَجِدَ مَنْ يَخْرُجُ إلَى حَيْثُ أَمَرَ صَاحِبُهَا فَلَهُ تَوْجِيهُهَا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ قَالَ الْآمِرُ: قَدْ أَمَرْتُكَ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ يَدِكَ، وَلَا تَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِكَ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ فَالْمَأْمُورُ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ وَقَالَ: قَالَ مُطَرِّفٌ فِيهِ: وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي أَنَّهُ أَمِينٌ، فَإِذَا هُوَ غَيْرُ أَمِينٍ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ انْتَهَى، وَنَصَّ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الرُّهُونِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْمَأْمُورَ مُصَدَّقٌ، فَلَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَالْقَوْلُ لَكَ إنْ ادَّعَى الْإِذْنَ أَوْ صِفَةً لَهُ، وَقَدْ نَصَّ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْوَدِيعَةِ.
وَنَقَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (لِغَيْرِ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ اُعْتِيدَتَا بِذَلِكَ)
ش: يَعْنِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَعَكْسُ الْمَسْأَلَةِ نَصَّ عَلَيْهِ
الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَنَصُّهُ قَوْلُهُ، فَدَفَعَهُ لِزَوْجَتِهِ اُنْظُرْ الْعَكْسَ قَالَ الْوَانُّوغِيُّ: قَالَ عِيَاضٌ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ يُفْتِي بِعَدَمِ ضَمَانِهَا إذَا ضَاعَتْ عِنْدَهُ كَمَا لَا يَضْمَنُ هُوَ مَا ضَاعَ عِنْدَهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ تَضْمَنُ هِيَ وَلَا يَضْمَنُ هُوَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَشَذَّالِيُّ مَا حَكَاهُ الْوَانُّوغِيُّ عَنْ عِيَاضٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَدَارِكِ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد الصَّوَّافُ مِنْ عُلَمَاءِ إفْرِيقِيَّةَ انْتَهَى، وَأَشَارَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ إلَى هَذَا (فَرْعٌ) : رَجُلٌ طَلَعَ إلَى سَقْفٍ، فَقَالَ لِصَاحِبِ الْحَانُوتِ: احْبِسْ لِي هَذَا الْفَرْوَ حَتَّى أَهْبِطَ، فَاحْتَاجَ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إلَى الْقِيَامِ، فَقَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ اُنْظُرْ الْحَانُوتَ وَالْفَرْوَ حَتَّى آتِيَ فَضَاعَ الْفَرْوُ فَأَجَابَ الْفَقِيهُ أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ أَحْمَدَ عَلَى صَاحِبِ الْحَانُوتِ الضَّمَانُ، وَهَذَا يَأْتِي عَلَى الْوَدِيعَةِ إذَا أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ أَنَّهُ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ إرَادَةِ سَفَرٍ قَالَهُ فِي مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ عَنْهَا.
(فَرْعٌ) : مِنْهَا رَجُلٌ حَمَلَ بِضَاعَةً لِرَجُلٍ، فَجَاءَ إلَى مَوْضِعِ خَوْفٍ فِي الطَّرِيقِ، فَحَبَسَهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ نَزَلَ يَبُولُ فَوَضَعَهَا فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ قَامَ وَنَسِيَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ فَرَجَعَ إلَى الْمَوْضِعِ، فَلَمْ يَجِدْهَا أَوْ لَا يَدْرِي أَيْنَ وَضَعَهَا فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: أَفْتَيْت أَنَا وَابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ ضَامِنٌ وَذَكَرَ لِي عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَبِإِنْزَائِهِ عَلَيْهَا)
ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَلَوْ خَتَنَ الْمُودَعُ عِلْجًا أَسْلَمَ عِنْدَهُ وَهُوَ يُطِيقُهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَعَدٍّ اتِّفَاقًا وَسَوَاءٌ قُلْنَا الْخِتَانُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ قَالَهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِي انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَبِمَوْتِهِ وَلَمْ يُوصِ بِهَا وَلَمْ تُوجَدْ إلَّا لِكَعَشْرٍ
سِنِينَ)
ش: هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْوَدِيعَةُ بِإِشْهَادٍ مَقْصُودٍ بِهِ التَّوَثُّقُ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ كَذَلِكَ، فَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ بِطُولِ الزَّمَانِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَاعْتَرَضَ عَلَى إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَعَلَى سُكُوتِ شَارِحِيهِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَأَخَذَهَا إنْ ثَبَتَ بِكِتَابَةٍ عَلَيْهَا أَنَّهَا لَهُ إنَّ ذَلِكَ خَطُّهُ أَوْ خَطُّ الْمَيِّتِ)
ش: فَاعِلُ ثَبَتَ هُوَ قَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ خَطُّهُ وَبِكِتَابَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَخْذِهَا وَلَوْ أَخَّرَهُ لَكَانَ أَبْيَنَ وَتَقْدِيرُهُ وَأَخَذَهَا بِكِتَابَةٍ عَلَيْهَا أَنَّهَا لَهُ إنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ خَطُّهُ أَوْ خَطُّ الْمَيِّتِ.
ص (وَبِدَفْعِهَا مُدَّعِيًا أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِهِ وَحَلَفْت وَإِلَّا حَلَفَ وَبَرِئَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْآمِرِ)
ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ
أَوْدَعْتَهُ وَدِيعَةً، فَادَّعَى أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ فَفَعَلَ وَأَنْكَرْت أَنْتَ أَنْ تَكُونَ أَمَرْتَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَكَ بَيِّنَةٌ أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَيَحْلِفُ رَبُّهَا فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُودِعُ وَبَرِئَ قَالَ أَشْهَبُ: سَوَاءٌ أَوْدَعْتَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ صَحَّ مِنْ عِيَاضٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ إنْ لَمْ يَشْهَدْ رَبُّهَا عَلَيْهَا بِهَا صَدَّقَ الرَّسُولُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَيَحْلِفُ وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ لِعَبْدِ الْمَلِكِ إنَّ الرَّسُولَ مُصَدَّقٌ بِكُلِّ حَالٍ كَانَ دَيْنًا أَوْ صِلَةً أَنْكَرَهُ الْقَابِضُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ اقْضِ عَنِّي فُلَانًا دَيْنَهُ عَلَيَّ فَيَضْمَنُ إنْ لَمْ يَشْهَدْ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) : فَلَوْ مَاتَ الْمُودِعُ وَادَّعَى الْمُودَعُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَيَحْلِفُ الْوَرَثَةُ عَلَى الْعِلْمِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ وَلَوْ دَفَعْت فِي الصِّحَّةِ مَالًا لِمَنْ يُفَرِّقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ مِتَّ أَنْتَ قَبْلَ إنْفَاذِهِ فَإِنْ أَشْهَدْت فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مَا فَاتَ وَمَا بَقِيَ، فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ فَالْبَاقِي لِوَرَثَتِك، وَلَوْ فَرَّقَ بَاقِيهِ بَعْدَ مَوْتِكَ ضَمِنَ الْبَقِيَّةَ لِوَارِثِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَرَثَةَ مُقِرُّونَ بِذَلِكَ، وَلَوْ نَازَعُوهُ لَضَمِنَ مَا فَرَّقَ، وَمَا بَقِيَ إنْ كَانَ لَمْ يَشْهَدْ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي عِلْمَهُ مِمَّنْ يَظُنُّ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَيْ نَازَعُوهُ أَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ بِأَمَارَةٍ أَوْ بِكِتَابَةٍ فَإِنْ فَعَلَ، وَجَاءَ الْمُودِعُ فَأَنْكَرَ حَلَفَ مَا أَمَرَهُ وَلَا كَتَبَ بِذَلِكَ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ وَضَمِنَهَا مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُودِعُ عَلَى الْقَابِضِ مِنْهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَصْدِيقُهُ فِيمَا أَتَى بِهِ وَلَا مَعْرِفَتُهُ بِصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ وَشَهَادَتُهُ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعٍ ثَانٍ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمُحَالُ عَلَيْهِمْ وَالْوَكِيلُ حُكْمُهُمْ كَذَلِكَ، وَلَا يُجْبَرُوا بِالدَّفْعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْمُرْسِلِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَنَصُّهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُودَعِ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَدِيعَةَ بِأَمَارَةِ الْمُودِعِ وَلَا بِكِتَابَتِهِ وَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُودِعُ أَنَّهُ خَطُّهُ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الرَّسُولُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ خَطُّ الْمُودِعِ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَمْ يَجِبْ لَهُ أَخْذُهَا حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ بِمَا يَبْرَأُ بِهِ يُرِيدُ أَنَّ مِنْ حَقِّهِ الْإِبْرَاءَ وَإِشْهَادَهُ عَلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إذَا جَحَدَ الْمُودِعُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْمُودِعُ أَنَّهُ رَضِيَ لِصَاحِبِهَا بِتَسْلِيمِهَا بِذَلِكَ أَوْ رَضِيَ الْآنَ بِتَسْلِيمِهَا، فَيَلْزَمُ مَا رَضِيَ بِهِ، وَإِنْ رَضِيَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الرَّسُولِ بِغَيْرِ إمَارَةٍ وَلَا كِتَابٍ الْوَدِيعَةُ عَيْنٌ وَالْمُودِعُ مُوسِرٌ جَازَ رِضَاهُ، وَأُلْزِمَ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُودِعُ أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهُ قَامَ الْمُودِعُ بِالْمِثْلِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِهَا فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ وَإِنْ كَانَتْ عَرَضًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُقْضَى عَلَى مُتْلِفِهِ بِالْمِثْلِ أَوْ عَيْنًا وَالْمُودِعُ مُعْسِرٌ لَمْ يَجُزْ، وَرُدَّ رِضَاهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى صَاحِبِهَا إنْ قَالَ: لَمْ أَبْعَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ ثِقَةً مَأْمُونًا مِمَّنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، فَيُمَكِّنُ مِنْ قَبْضِهَا، وَيَلْزَمُ الْآخَرَ مَا رَضِيَ بِهِ وَإِنْ أَوْقَعَ الدَّفْعَ بِأَمَارَةٍ أَوْ بِكِتَابٍ مِنْ غَيْرِ ثَبْتٍ أَوْ بِقَوْلِ الرَّسُولِ خَاصَّةً، ثُمَّ قَدِمَ الْمُودِعُ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ بَعَثَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْهُ وَلَا كَتَبَ، ثُمَّ يَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ الرَّسُولُ أَوْ الْمُودِعُ فَإِنْ غَرِمَ الرَّسُولُ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى الْمُودِعِ وَاخْتُلِفَ إذَا أَغْرَمَهَا الْمُودِعُ هَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الرَّسُولِ؟
فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا صَدَّقَ الرَّسُولَ وَدَفَعَ إلَيْهِ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ وَغَرِمَ الْمُودَعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الرَّسُولِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ: لَا يَرْجِعُ بِهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ إذَا دَفَعَ بِالْكِتَابِ أَوْ بِأَمَارَةٍ، ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُودِعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ قَالَ الْمُودِعُ: أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ عَلَيْهِ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا ذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ فِي خُرُوجِهَا عَنْ يَدِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ يَغْرَمُهَا أَيُّهُمَا أَحَبُّ فَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُهَا عَلَى مُتْلِفِهَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ الْغَارِمُ عَلَى الرَّسُولِ وَاخْتُلِفَ إذَا رَجَعَ صَاحِبُهَا عَلَى الرَّسُولِ هَلْ يَرْجِعُ
الرَّسُولُ عَلَى مَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ فَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَرْجِعُ، وَأَرَى الرُّجُوعَ فِي هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ الْأَرْبَعَةِ مُفَرَّعًا، فَيَسْقُطُ رُجُوعُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَعْتَرِفُ الْمُودِعُ أَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ، وَأَنَّ الْمُودِعَ ظَالِمٌ فِي إغْرَامِهِ، وَيَرْجِعُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ مِنْ الْقَابِضِ عَلَى شَكٍّ هَلْ قَبَضَ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ أَمْ لَا فَإِذَا كَانَ دَفَعَهُ بِخَطِّ الْمُودِعِ أَوْ بِأَمَارَةٍ أَوْ بِقَوْلِهِ ادْفَعْهَا صَدَقَةً عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ بِقَوْلِ الْقَابِضِ أَرْسَلَنِي إلَيْك رَجَعَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ حَمَلْت قَوْلَكَ عَلَى أَنَّهُ مُصَدِّقٌ لَكَ وَلَوْ عَلِمْت أَنَّ الْمُودِعَ يُخَالِفُكَ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْكَ شَيْئًا انْتَهَى.
ص (وَإِنْ بَعَثْت إلَيْهِ بِمَالٍ فَقَالَ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيَّ وَأَنْكَرْت فَالرَّسُولُ شَاهِدٌ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ تَأْوِيلَانِ)
ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ بَعَثْت إلَيْهِ بِمَالٍ فَقَالَ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيَّ وَصَدَّقَهُ الرَّسُولُ وَأَنْتَ مُنْكِرٌ لِلصَّدَقَةِ، فَالرَّسُولُ شَاهِدٌ يَحْلِفُ مَعَهُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ وَيَكُونُ الْمَالُ صَدَقَةً عَلَيْهِ قَالَ كَيْفَ يَحْلِفُ وَلَمْ يَحْضُرْ؟ قَالَ كَمَا يَحْلِفُ الصَّبِيُّ إذَا كَبُرَ مَعَ شَاهِدِهِ فِي دَيْنِ أَبِيهِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ كَيْفَ يَحْلِفُ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ قِيلَ لِمَالِكٍ كَيْفَ يَحْلِفُ وَانْظُرْ جَعَلَهُ يَحْلِفُ هُنَا، وَهَلْ هِيَ يَمِينٌ غَمُوسٌ أَوْ إنَّمَا يَحْلِفُ إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْلِفُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَوْدَعَك وَدِيعَةً فَشَهِدْت عَلَيْهِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى فُلَانٍ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا حَلَفَ فُلَانٌ مَعَ شَهَادَتِك وَاسْتَحَقَّهَا إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِنْ غَابَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُك إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ تَنْتَفِعُ أَنْتَ فِي مِثْلِهَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَةً لَا تَنْتَفِعُ فِي مِثْلِهَا جَازَتْ الشَّهَادَةُ لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ انْتَهَى.
قَالَ فِي النُّكَتِ سَأَلْتُ بَعْضَ شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا فَقُلْت أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِلسُّلْطَانِ خُذْهَا مِنْ يَدِي لَا أُرِيدُ إمْسَاكَهَا فَقَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ حِينَ أَتَى يَشْهَدُ قَالَ لِلْحَاكِمِ إنَّ فُلَانًا أَوْدَعَنِي كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ فَخُذْهُ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ شَهِدَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَى يَقُولُ هَذَا فَيُتَّهَمُ أَنْ يَقُولَ هَذَا لِيَنْفِيَ الظِّنَّةَ عَنْهُ الَّتِي قَدْ أَبْطَلَتْ شَهَادَتَهُ انْتَهَى.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَلَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ، فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ بِشَهَادَتِهِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ رُدَّتْ اُنْظُرْ اللَّخْمِيَّ انْتَهَى
ص (وَبِدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى وَارِثِكَ) ش قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى الْوَارِثِ لَمْ يُقْبَلْ وَكَذَلِكَ دَعْوَى وَارِثِ الْمُودِعِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَأْتَمِنَاهُ كَالْيَتِيمِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْمُودَعُ وَرَبُّ الْوَدِيعَةِ مَعًا وَادَّعَى وَارِثُ الْمُودَعِ رَدَّ الْوَدِيعَةِ إلَى وَارِثِ رَبِّهَا انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الشَّيْخِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ قَالَ الْمُودَعُ أَوْ الْعَامِلُ رَدَدْنَا الْمَالَ لِوَصِيِّ الْوَارِثِ لِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ لَمْ يُصَدَّقَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ الْوَصِيِّ، وَلَوْ كَانَ قَبْضُهُمَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا دَفَعَا لِغَيْرِ مَنْ قَبَضَا مِنْهُ انْتَهَى. وَفِي الْجَوَاهِرِ أَمَّا دَعْوَى الرَّدِّ عَلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى وَارِثِ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَكَذَلِكَ دَعْوَى وَارِثِ الْمُودِعِ عَلَى الْمِلْكِ تَفْتَقِرُ إلَى الْبَيِّنَةِ، وَسَوَاءٌ قَبَضَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ انْتَهَى
ص (أَوْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْمُنْكِرِ)
ش: قَالَ
فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ دَفَعْتُهُ إلَيْهِ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ: دَفَعْته لَهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ الدَّافِعُ بِبَيِّنَةٍ ضَمِنَ ذَلِكَ قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَوْ شَرَطَ الرَّسُولُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إلَى مَنْ أَمَرْتَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالدَّفْعِ إذَا ثَبَتَ هَذَا الشَّرْطُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ مَفْهُومُهُ لَوْ أَقَرَّ أُبْرِئَ الدَّافِعُ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ وَمَنْ بَعَثَ مَعَهُ بِمَالٍ لِيَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ صَدَقَةً أَوْ صِلَةً أَوْ سَلَفًا أَوْ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ لِيَبْتَاعَ لَكَ بِهَا سِلْعَةً فَقَالَ دَفَعْتُهُ وَكَذَّبَهُ الرَّجُلُ لَمْ يَبْرَأْ الرَّسُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ، فَأَكْذَبَهُ أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ أُبْرِئَ وَظَاهِرُهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الصُّوَرِ، وَذَكَرَ فِيهَا السَّلَفُ وَفِيهِ مِنْ أَمَانَةٍ إلَى ذِمَّةٍ أَمَّا إنْ كَانَ قَائِمَ الذِّمَّةِ، فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَبْرَأُ وَإِنْ كَانَ خَرِبَ الذِّمَّةِ، فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى الصِّلَةِ أَوْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ، فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ يُشِيرُ إلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ مُلَخَّصًا وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: بَعْدَ هَذَا وَإِنْ بِعْت مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا وَبَعَثْت مَعَهُ عَبْدَك أَوْ أَجِيرَك لِيَقْبِضَ الثَّمَنَ فَقَالَ قَبَضْتُهُ وَضَاعَ مِنِّي فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ بِالدَّفْعِ إلَى رَسُولِكَ ضَمِنَ بِخِلَافِ مَنْ دَفَعْت إلَيْهِ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى رَجُلٍ، فَقَالَ دَفَعْتُهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَصَدَّقَهُ الرَّجُلُ هَذَا لَا يَضْمَنُ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ قَبْضُ ذَلِكَ إلَى أَمَانَةٍ أَوْ اقْتَضَى مِنْ حَقِّهِ عِيَاضٌ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهَا فَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ وَغَيْرُهُ: إنَّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ الْمَبْعُوثُ، فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَالرَّسُولُ بَرِيءٌ سَوَاءٌ كَانَ الْقَابِضُ لَهَا قَبَضَهَا مِنْ حَقٍّ أَوْ وَدِيعَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ أَكْثَرُهُمْ وَهُوَ بَيِّنٌ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ حَمْدِيسٌ: إنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ مِنْ حُقُوقِهِ أَوْ عَلَى وَدِيعَةٍ هِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ، وَأَمَّا الَّتِي أَقَرَّ بِقَبْضِهَا، وَادَّعَى تَلَفَهَا أَوْ جَحَدَ الْقَبْضَ، فَلَا يَبْرَأُ الرَّسُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الدَّفْعِ وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ نُظَّارِ الْأَنْدَلُسِ وَلَفْظُهُ فِي الْكِتَابِ مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَقٍّ أَوْ وَدِيعَةٍ انْتَهَى وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ عَنْ عِيَاضٍ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: مَنْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى غَيْرِ الْيَدِ الَّتِي دَفَعْتُهَا إلَيْهِ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ مِنْ الْإِشْهَادِ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الدَّفْعِ إذَا أَنْكَرَ الْقَابِضُ، وَلَا أَحْفَظُ فِي هَذَا الْوَجْهِ نَصَّ خِلَافٍ إلَّا مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ بَعَثَ بِبِضَاعَةٍ إلَى رَجُلٍ مَعَ رَجُلٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ وَهُوَ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْقَابِضُ كَانَتْ دَيْنًا أَوْ صِلَةً
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ بِالْمَعْنَى فِي مَسْأَلَةِ اللُّؤْلُؤِ الْوَاقِعَةِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ فَإِنْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ، وَادَّعَى التَّلَفَ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَ إلَى أَمَانَةٍ أَوْ إلَى ذِمَّةٍ، فَإِنْ كَانَ قَبَضَ إلَى أَمَانَةٍ، فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ فِيهَا مَرَّةً: يَبْرَأُ الدَّافِعُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ وَتَكُونُ الْمُصِيبَةُ مِنْ الْآمِرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ مَرَّةً: لَا يَبْرَأُ الدَّافِعُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّفْعِ أَوْ يَأْتِي الْقَابِضُ بِالْمَالِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَأَمَّا إنْ قَبَضَ إلَى ذِمَّةٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ ادْفَعْ الْوَدِيعَةَ الَّتِي لِي عِنْدَكَ إلَى فُلَانٍ سَلَفًا أَوْ تَسْلِيفًا فِي سِلْعَةٍ أَوْ إلَى صَانِعٍ يَعْمَلُ فِيهَا عَمَلًا، فَإِنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ قَائِمَةً فَإِنَّ الدَّافِعَ يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ خَرِبَةً فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ قِيلَ إنَّ الدَّافِعَ يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ، وَهِيَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ إنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ تَصْدِيقِهِ إيَّاهُ لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ (فَصْلٌ) : وَهَذَا التَّقْسِيمُ كُلُّهُ فِي دَفْعِ الْأَمَانَةِ وَأَمَّا مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى أَمَانَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ، وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُعَايَنَةِ الدَّفْعِ أَوْ يَأْتِي قَابِضُ الْمَالِ بِهِ هَذَا نَصُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا أَعْرِفُ فِي هَذَا خِلَافًا إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ الْخِلَافُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَإِنْ دَفَعَ إلَى ذِمَّةٍ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ كَانَتْ خَرِبَةً، فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الدَّفْعِ هَذَا الَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي عَلَى مَذَاهِبِهِمْ وَلَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصَّ خِلَافٍ
إلَّا أَنْ يَدْخُلَهَا الْخِلَافُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَانَةِ، فَهِيَ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ دَافِعٌ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَمِنْ أَمَانَةٍ إلَى أَمَانَةٍ وَمِنْ ذِمَّةٍ إلَى أَمَانَةٍ وَمِنْ أَمَانَةٍ إلَى ذِمَّةٍ انْتَهَى مُخْتَصَرًا لَكِنَّهُ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إذَا دَفَعَ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى أَمَانَةٍ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي غَيْرِ الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: أَمَّا لَوْ لَمْ يَمُتْ وَأَكْذَبَهُ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ فِي قَبْضِهَا مِنْهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يُرِيدُ، فَلَوْ لَمْ يَمُتْ الرَّسُولُ أَوْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ، وَضَاعَتْ وَأَنْكَرَ رَبُّهَا فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مُعَايَنَةِ الدَّفْعِ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا ضَمِنَ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ فِي قَبْضِهَا مِنْهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمُنْكِرُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا لَا يَضْمَنُ وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا نَسَبَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا وَتَرَكَ مَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ لِقُوَّةِ الْأَوَّلِ، وَلَا مُنَافَاةَ عَلَى هَذَا بَيْنَ مَا قَالَ هُنَا وَبَيْنَ مَا قَالَهُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَلَوْ قَالَ غَيْرُ الْمُفَوَّضِ قَبَضْت وَتَلِفَ بَرِئَ، وَلَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ فِي الْوَكَالَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَهُوَ الدَّفْعُ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى أَمَانَةٍ الَّذِي صَرَّحَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْغَرِيمُ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ يُرِيدُ إذَا قَالَ الْوَكِيلُ الْمَخْصُوصُ قَبَضْت ثَمَنَ مَا بِعْت إلَخْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) : فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَعْوَى الرَّدِّ مُسَامَحَةٌ وَإِنَّمَا فِيهَا دَعْوَى إيصَالِ الْأَمَانَةِ.
(تَنْبِيهٌ) ثَانٍ قَالَ فِي النُّكَتِ اعْلَمْ أَنَّ الرَّسُولَ إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَى مَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِ يَنْفَعُهُ، وَإِذَا شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَيْهَا حِينَ وُجُوبِ مُتَعَلِّقِهَا، فَكَأَنَّهُ شَرَطَ سُقُوطَ أَمْرٍ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ بِخِلَافِ شَرْطِهِ تَرْكَ الْإِشْهَادِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَا أَرَاهُ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ هَذَا فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الرُّهُونِ مَسْأَلَةُ الْمُرْتَهِنِ يَأْخُذُ الرَّهْنَ عَلَى أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَيَدَّعِي أَنَّهُ وَضَعَهُ، وَيُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَدْلُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَيُصَدَّقُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت اُنْظُرْ هَذَا مَعَ الْقَوْلِ بِالْوَفَاءِ بِشَرْطِ دَعْوَى التَّصْدِيقِ فِي دَعْوَى عَدَمِ الْقَضَاءِ انْتَهَى. وَسَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ (تَنْبِيهٌ) : إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِي الضَّمَانِ مَعَ عَدَمِ الْإِشْهَادِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعُرْفُ عَدَمَ الْإِشْهَادِ صُدِّقَ الْمُودِعُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَتَقَدَّمَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ تَصْدِيقَ رَبِّ الْمَالِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ مَعَ عَدَمِ الْإِشْهَادِ، وَكَمَا هُوَ ظَاهِرُ قِرَاضِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ هُنَا إلَّا أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ رَبِّ الْمَالِ، فَتَأَمَّلْهُ وَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ مَنْ بَعَثْت مَعَهُ بِمَالٍ مَا نَصُّهُ وَكَذَلِكَ إنْ أَمَرْتَهُ بِصَدَقَةٍ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَكَذَّبَهُ بَعْضُهُمْ ضَمِنَ حِصَّةَ مَنْ كَذَّبَهُ، وَلَوْ أَمَرْتَهُ بِصَدَقَةٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ انْتَهَى.
ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ إذَا كَانَ مُتَّهَمًا وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ بَعَثْت بِمَالٍ إلَى رَجُلٍ بِبَلَدٍ فَقَدِمَهَا الرَّسُولُ، ثُمَّ مَاتَ بِهَا وَزَعَمَ الرَّجُلُ أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لَكَ فِي تَرِكَةِ الرَّسُولِ وَلَكَ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ يَجُوزُ أَمْرُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِذَلِكَ سَبَبًا، وَلَوْ مَاتَ الرَّسُولُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَلَدِ، فَلَمْ يُوجَدْ لِلْمَالِ أَثَرٌ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ انْتَهَى زَادَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ، فَإِنْ نَكَلُوا غَرِمُوا، وَقَالَ فِيهِ فَإِنْ مَاتَ الْمَبْعُوثُ بِهَا إلَيْهِ بَعْدَ وُصُولِ الْمَبْعُوثِ بِهَا مَعَهُ إلَى الْبَلَدِ وَادَّعَى دَفْعَهَا إلَى الرَّجُلِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَلَى دَفْعِهَا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ وَصَلَ الْمَبْعُوثُ بِهَا مَعَهُ إلَى الْبَلَدِ، وَلَمْ يُوصِلْهَا إلَى الْمَبْعُوثِ بِهَا إلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا ذِكْرًا حَتَّى رَجَعَ إلَى رَبِّهَا، وَادَّعَى تَلَفَهَا، فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الْبِضَاعَةِ مِنْهُ وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ مُطَرِّفٌ: عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ أَبْضَعَ مَعَ رَجُلٍ بِضَاعَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى آخَرَ، وَأَشْهَدَ
الْآمِرَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ وَالْبِضَاعَةُ دَيْنٌ عَلَى الْآمِرِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ، فَعَلَى الْمَأْمُورِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الدَّافِعِ، وَإِلَّا ضَمِنَ إذَا أَنْكَرَ الْقَابِضُ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ غَايَاتِ الْأُمُورِ انْتَهَى
ص (كَعَلَيْكَ إنْ كَانَتْ لَكَ بَيِّنَةٌ) ش قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ بِبَيِّنَةٍ، فَادَّعَى الْمُودَعُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ، فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا ضَمِنَ بَعْدَ يَمِينِ رَبِّهَا، وَلِرَبِّهَا رَدُّ الْيَمِينِ انْتَهَى، وَفِي وَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ زَعَمَ الْمُسْتَوْدَعُ عِنْدَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى رَبِّهَا، فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِمَا زَعَمَهُ، وَلَا يُبَرِّئُهُ قَوْلُهُ، وَلَهُ الْيَمِينُ عَلَى رَبِّهَا، فَإِنْ حَلَفَ رَبُّهَا أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا غَرِمَهَا الْمُودَعُ عِنْدَهُ وَإِنْ نَكَلَ رَبُّهَا عَنْ الْيَمِينِ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُودَعِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) : يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ الْمُودِعُ أَنَّهُ قَصَدَ الْمُودَعَ بِالْبَيِّنَةِ التَّوَثُّقَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَقَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةَ الِاسْتِرْعَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ الَّذِي حَرَّرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي رِسَالَتِهِ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ ابْنُ يُونُسَ مَنْ أَخَذَ الْوَدِيعَةَ بِمَحْضَرِ قَوْمٍ، وَلَمْ يَقْصِدْ إشْهَادَهُمْ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَقَبْضِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ حَتَّى يَقْصِدَ الْإِشْهَادَ عَلَى نَفْسِهِ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ الْقَبْضُ بِبَيِّنَةٍ لِيَكُونَ الرَّدُّ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إنْ كَانَ الْإِشْهَادُ خَوْفَ الْمَوْتِ لِيَأْخُذَهَا مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ قَالَ الْمُودِعُ: أَخَافُ أَنْ يَقُولَ هِيَ سَلَفٌ فَأَشْهَدَنِي أَنَّهَا وَدِيعَةٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التَّوَثُّقَ مِنْ الْقَابِضِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي رَدِّهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْمُودِعُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ زَرْبٍ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ حُكْمَ الْإِشْهَادِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: هُوَ مُصَدَّقٌ انْتَهَى. .
ص (وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالتَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ)
ش: كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالرَّدِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْبَيَانِ: يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا هِيَ عِنْدَهُ، وَلَقَدْ رَدَّهَا إلَيْهِ أَوْ تَلِفَتْ وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَصْبَغُ: إذَا قَالَ لَا أَدْرِي أَضَاعَتْ أَوْ رَدَدْتُهَا وَالْقَبْضُ بِبَيِّنَةٍ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ وَإِنَّمَا أُمِنَ عَلَى الْحِفْظِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُبَرِّئُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَوْ قَالَ لَكَ إنْ أَوْدَعْتَنِي شَيْئًا، فَقَدْ ضَاعَ وَقَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا يَمِينُهُ لِجَزْمِهِ بِانْحِصَارِ الطَّارِئِ فِي الضَّيَاعِ انْتَهَى.
وَالْمَسْأَلَةُ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَحَلَفَ الْمُتَّهَمُ)
ش: هَذَا فِيمَا إذَا ادَّعَى
التَّلَفَ، وَلَمْ يُحَقِّقْ رَبُّهَا عَلَيْهِ الدَّعْوَى إنَّهَا بَاقِيَةٌ انْتَهَى اُنْظُرْ كِتَابَ ابْنِ حَارِثٍ فِي بَابِ الْأُمَنَاءِ وَابْن جُزَيٍّ فِي بَابِ الضَّمَانِ بِالتَّعَدِّي وَالْغَصْبِ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ، وَلَا يَرُدُّ الْيَمِينَ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ، وَأَمَّا فِي دَعْوَى الرَّدِّ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ، وَإِذَا قُبِلَ قَوْلُهُ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَحَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ بِيَمِينٍ، وَاعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: وَبِاشْتِمَالِ كِتَابِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا كَانَ مُحَقِّقُو شُيُوخِنَا يُنْكِرُونَ كِتَابَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْفِقْهِيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَبِمَنْعِهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ إنْ لَمْ تَكُنْ بِبَيِّنَةٍ)
ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي آخِرِ
كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: قَالَا وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ وَدِيعَةً، ثُمَّ أَقْرَرْت أَنَّهَا لِزَيْدٍ الْغَائِبِ، ثُمَّ طَلَبْت قَبْضَهَا فَلَكَ ذَلِكَ بِالْحُكْمِ، وَلَيْسَ إقْرَارُكَ أَنَّهَا لِزَيْدٍ يَمْنَعُك مِنْ قَبْضِهَا فِي غَيْبَةِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّكَ الَّذِي أَوْدَعْتَهَا، وَكَذَلِكَ مَا أَوْدَعْتَهُ عِنْدَ سَفَرِكَ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ مَالٍ أَنْتَ فِيهِ وَكِيلٌ وَأَنْتَ مُقِرٌّ أَنَّ ذَلِكَ لِفُلَانٍ فَلَكَ أَخْذُهُ، وَكَذَلِكَ مَا أَنْتَ وَكِيلٌ عَلَى بَيْعِهِ فَبِعْتُهُ فَلَكَ قَبْضُ الثَّمَنِ، فَلَوْ قَدِمَ مَالِكُ الْوَدِيعَةِ فَطَلَبَ أَخْذَهَا مِنْكَ وَأَنْتَ مُقِرٌّ أَنَّ مَنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَكَ ذَكَرَ أَنَّهَا لِهَذَا الطَّالِبِ، فَلَكَ مَنْعُهَا مِنْ رَبِّهَا إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِ مُودِعَهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّكَ لَا تَبْرَأُ مِنْهُ إنْ جَحَدَهَا إلَّا بِهَذَا أَوْ يَقُومُ شَاهِدٌ مَعَك فَيَقْضِي لَهُ السُّلْطَانُ بِهَا أَوْ بِشَاهِدِ ذَلِكَ مَعَ يَمِينِ طَالِبِهَا فَإِنْ لَمْ يَقْضِ لَهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَدِمَ مَنْ أَوْدَعَكَهَا وَقَدْ
غَابَ رَبُّهَا فَعَلَيْكَ دَفْعُهَا إلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمْت أَنَّهَا لِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ دَارًا، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَهَدَمَهَا، وَأَتْلَفَ نَقْضَهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْك إنْ جَاءَ رَبُّهَا؛ لِأَنَّكَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيمَا فَعَلْت، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقْرَرْت أَنَّهُ أَمَرَك بِدَفْعِهَا إلَيْهِ أَوْ بِدَفْعِ حَقٍّ لَهُ عَلَيْك، وَمَرَّ هَذَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ وَكِتَابِ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ فِي بَابٍ مِنْ إقْرَارِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ انْتَهَى.
(الثَّانِي) : قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ إذَا دَعَا الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ لِحَاجَةٍ وَدَعَاهَا مَنْ لَهُ عِنْدَهَا وَدِيعَةٌ فَالزَّوْجُ مُقَدَّمٌ انْتَهَى.
ص (وَإِنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا إلَخْ)
ش: قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ فِي وَصِيٍّ دَفَعَ مَرْكَبًا لَهُ لِمَوْلَى عَلَيْهِ فِي حِجْرِهِ وَصَرَفَهُ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَمَضَى بِهِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ، فَعَطِبَ فِي رُجُوعِهِ، فَقَالَ الْوَصِيُّ إنَّمَا أَمَرْتُكَ أَنْ تَسِيرَ بِهِ، وَتُبْقِيَهُ فَغَرَرْت وَرَجَعْتَ، فَعَلَيْكَ الضَّمَانُ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ يَدَ سَفِيهٍ عَلَى مَالِهِ أَوْ رِبَاعِهِ أَوْ أَوْدَعَهُ وَدِيعَةً فَتَعَدَّى السَّفِيهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ جِنَايَةُ الصَّبِيِّ لَازِمَةٌ لَهُ إلَّا فِيمَا أَطْلَقَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَالْوَصِيُّ يَقُولُ: إنَّمَا أَطْلَقْت يَدَهُ فِي الْوُصُولِ فَقَطْ، فَبِنَفْسِ الْوُصُولِ انْقَطَعَ تَسْلِيطِي عَلَيْهِ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: هَذَا وَإِنْ كَانَ كَمَا قُلْت، فَهُوَ قَدْ بَقِيَ بِيَدِهِ كَأَنْ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ حَتَّى يَبِيعَهُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: فِيمَنْ جَعَلَ لِلسَّفِيهِ جُعْلًا فِي آبِقٍ، فَبَاعَهُ إلَى آخِرِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَكَرَ مَسَائِلَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى انْتَهَى.
ص (وَإِنْ أَوْدَعَ اثْنَيْنِ جُعِلَتْ بِيَدِ الْأَعْدَلِ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلَيْنِ وَدِيعَةً أَوْ اسْتَبْضَعَهَا، فَلْيَكُنْ ذَلِكَ بِيَدِ أَعْدَلِهِمَا كَالْمَالِ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَصِيَّيْنِ عَدْلٌ خَلَعَهُمَا السُّلْطَانُ وَوَضَعَ