الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الشَّرِكَةِ]
ش: ضَبَطَهَا فِي التَّوْضِيحِ بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَكَذَا الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: قَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا إلَّا كَسْرُ الشِّينِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَخَالَفَهُ بَعْضُهُمْ انْتَهَى وَضَبَطَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَصَدَّرَ الْجَلَالُ الْأَسْيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ بِالثَّانِي، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالشَّرِكَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَقَدْ تُحْذَفُ الْهَاءُ، وَقَدْ يُحْذَفُ أَوَّلُهُ مَعَ ذَلِكَ فَتِلْكَ أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَهِيَ مَا يَحْدُثُ بِالِاخْتِيَارِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ الِاخْتِلَاطِ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ، وَقَدْ يَحْصُلُ بِغَيْرِ قَصْدٍ كَالْإِرْثِ انْتَهَى.
ص (إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسِهِمَا) ش يَعْنِي أَنَّ الشَّرِكَةَ هِيَ إذْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَشَارِكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، أَوْ بِبَدَنِهِ لَهُمَا أَيْ لَهُ وَلِشَرِيكِهِ أَيْ أَنْ يَتَصَرَّفَ لَهُ وَلِشَرِيكِهِ مَعَ أَنْفُسِهِمَا أَيْ مَعَ تَصَرُّفِهِمَا أَنْفُسِهِمَا أَيْضًا فَمَعْنَى الْحَدِّ أَنَّ الشَّرِكَةَ هِيَ إذْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَشَارِكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ، أَوْ بِبَدَنِهِ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ مَعَ تَصَرُّفِهِمَا أَنْفُسِهِمَا أَيْضًا فَقَوْلُهُ: إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ يَشْمَلُ الْوَكَالَةَ وَالْقِرَاضَ وَقَوْلُهُ: لَهُمَا فَصْلٌ يَخْرُجُ بِهِ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا إذْنٌ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الشَّيْءِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ لِلْمُوَكِّلِ وَحْدَهُ، وَقَوْلُ الشَّارِحَيْنِ إنَّ الْوَكَالَةَ خَرَجَتْ بِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ مَعَ أَنْفُسِهِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَبِهَذَا يَخْرُجُ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ: أَذِنْت لَك فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مَعِي وَقَوْلُ الْآخَرِ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَمْ يَأْذَنْ لِصَاحِبِهِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِمَالِكِهِ نِيَابَةً عَنْهُ فَبَطَلَ بِهَذَا اعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى هَذَا الْحَدِّ بِقَوْلِهِ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَذِنَ لَهُمَا فِي التَّصَرُّفِ مَعَ أَنْفُسِهِمَا قَبِلُوهُ فَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِقَوْلِ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ: أَذِنْت لَك فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مَعِي وَقَوْلِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِشَرِكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْآخَرُ وَهُوَ لَازِمُ الشَّرِكَةِ وَنَفْيُ اللَّازِمِ يَنْفِي الْمَلْزُومَ انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ: أَذِنْت لَك فِي التَّصَرُّفِ فِي هَذَا الشَّيْءِ لِي وَلَك لَكَانَتْ شَرِكَةً ثُمَّ تَجْرِي عَلَى أَحْكَامِ الشَّرِكَةِ فِيمَا يَصِحُّ مِنْهَا وَمَا يَفْسُدُ بِسَبَبِ الْخَلْطِ وَعَدَمِهِ وَمَا يَثْبُتُ بِهِ الضَّمَانُ وَمَا لَا يَثْبُتُ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَقَوْلُهُ: مَعَ أَنْفُسِهِمَا فَصْلٌ ثَانٍ خَرَجَ بِهِ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ تَصَرَّفْ فِي هَذِهِ الْمِائَةِ وَنَحْوِهَا: أَنْتَ وَحْدَك عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِي وَلَك بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَالِ نَفْسِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرِكَةٍ فَقَوْلُهُ: لَهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِالتَّصَرُّفِ وَقَوْلُهُ: مَعَ أَنْفُسِهِمَا حَالٌ مِنْ الْإِذْنِ أَيْ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ مَعَ تَصَرُّفِهِمَا بِأَنْفُسِهِمَا. وَعَلَّقَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَهُ لَهُمَا بِالْإِذْنِ فَأَوْرَدَ مَا، أَوْرَدَهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَبْطُلُ عَكْسُهُ بِخُرُوجِ شَرِكَةِ الْجَبْرِ كَالْوَرَثَةِ، وَشَرِكَةِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَيْنَهُمْ شَيْئًا، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ إذْ لَا إذْنَ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا، وَلِذَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ تَصَرُّفِ أَحَدِهِمَا كَغَاصِبٍ أَمْ لَا ثُمَّ اُسْتُبْدِلَ بِمَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ضَرْبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْعَبْدَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَنَظَائِرَ ذَلِكَ فَقَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَيْسَ لِأَحَدِ مَالِكَيْ عَبْدٍ ضَرْبُهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهُ إلَّا فِي ضَرْبٍ لَا يَعِيبُ مِثْلَهُ، أَوْ ضَرْبِ أَدَبٍ قَالَ سَحْنُونٌ نُضَمِّنُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ ضَرْبَةً وَاحِدَةً كَأَجْنَبِيٍّ ابْنُ رُشْدٍ رَأَى مَالِكٌ شَرِكَتَهُ شُبْهَةً تُسْقِطُ الضَّمَانَ فِي ضَرْبِ الْأَدَبِ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ ضَرْبَهُ أَدَبًا يُفْسِدُهُ، وَعَلَيْهِ زَرْعُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَبِنَاؤُهُ فِي أَرْضٍ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فِي كَوْنِهِ كَغَاصِبٍ يُقْلَعُ بِنَاؤُهُ، أَوْ زَرْعُهُ، أَوْ لَا لِشُبْهَةِ الشَّرِكَةِ فَيَكُونُ لَهُ الزَّرْعُ، وَإِنْ لَمْ يَفُتْ الْإِبَّانُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ فِي نِصْفِ شَرِيكِهِ وَيَكُونَ لَهُ قِيمَةُ بِنَائِهِ قَائِمًا، وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إيلَادِ الْعَبْدِ أَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرٍّ نِصْفُ قِيمَتِهَا جِنَايَةٌ فِي رَقَبَتِهِ. وَقَوْلُ سَحْنُونٍ: هَذَا دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِمَا نَقَصَ نِصْفَ
ثَمَنِهَا عَنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا انْتَهَى وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ (قُلْت) وَيُجَابُ عَنْ خُرُوجِ مَا ذُكِرَ بِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ إنَّمَا هُوَ حَدُّ شَرِكَةٍ فِي التَّجْرِ إنَّهَا هِيَ الْمَعْقُودُ لَهَا التَّرْجَمَةُ، وَإِنْ ذَكَرَ غَيْرَهَا مَعَهَا فَبِطَرِيقِ التَّبَعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الشَّرِكَةُ الْأَعَمِّيَّةُ تَقَرُّرُ مُتَمَوِّلٍ بَيْنَ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ مِلْكًا وَالْأَخَصِّيَّةُ بَيْعُ مِلْكِ كُلٍّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كُلُّ الْآخَرِ مُوجِبٌ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِمَا فِي الْجَمِيعِ فَيَدْخُلُ فِي الْأَوَّلِ شَرِكَةُ الْإِرْثِ، وَالْغَنِيمَةِ لَا شَرِكَةُ التَّجْرِ يُرِيدُ أَنَّهَا تَخْرُجُ بِقَوْلِهِ مِلْكًا فَقَطْ؛ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ التَّصَرُّفِ قَالَ: وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْعَكْسِ، وَشَرِكَةُ الْأَبْدَانِ وَالْحَرْثِ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ فِي الثَّانِيَةِ وَفِي عِوَضِهِ فِي الْأُولَى، وَقَدْ يَتَبَايَنَانِ فِي الْحُكْمِ شَرِكَةُ الشَّرِيكِ فَالْأُولَى جَائِزَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَمْنُوعَةٌ فِيهَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفَاوِضَ شَرِيكًا دُونَ إذْنِ شَرِيكِهِ وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا دُونَ إذْنِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا مَعْنَى تَسْمِيَةِ الْأُولَى أَعَمِّيَّةٌ مَعَ خُرُوجِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ مِنْهَا كَمَا ذُكِرَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ عَاقِدَيْ الشَّرِكَةِ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَكُلُّهُمْ تَبِعُوا الْوَجِيزَ وَيُرَدُّ بِوُجُوبِ زِيَادَةِ وَأَهْلِيَّةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَائِعٌ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ مَالِهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهَا أَهْلِيَّةُ الْوَكَالَةِ لِجَوَازِ تَوْكِيلِ الْأَعْمَى اتِّفَاقًا وَتَوَكُّلِهِ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ كَوْنِهِ بَائِعًا انْتَهَى وَذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ كَالْمُنَكِّتِ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ (قُلْت) : وَلَا يَحْتَاجُ الْمُصَنِّفُ إلَى زِيَادَةِ أَهْلِيَّةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَعْمَى جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا يُفَرِّعُ عَلَيْهِ نَعَمْ لَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ فَقَالُوا: مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ، أَوْ قَالُوا: مِنْ أَهْلِ الْوَكَالَةِ لَكَانَ أَنْسَبَ بِالِاخْتِصَارِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ: مَنْ جَازَ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ وَأَنْ يَتَوَكَّلَ إلَّا لِمَانِعٍ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ كَوْنُهُ وَكِيلًا إلَّا لِمَانِعٍ، وَمَسَائِلُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِهِ انْتَهَى.
(فَإِنْ قُلْت) : قَدْ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ كَالذِّمِّيِّ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى مُسْلِمٍ وَكَالْعَدُوِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ عَلَى عَدُوِّهِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ بِقَوْلِهِمَا: إلَّا لِمَانِعٍ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ إخْرَاجَ ذَلِكَ مِنْ الشَّرِكَةِ أَيْضًا (قُلْت) : أَمَّا أَوَّلًا فَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَكَانَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقْتَصِرُوا عَلَى قَوْلِهِمْ مِنْ أَهْلِ التَّوَكُّلِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ عَلَى مَا قَرَرْتُمْ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الذِّمِّيَّ وَالْعَدُوَّ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّوَكُّلِ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَهُمَا إنَّمَا يَمْتَنِعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْأَشْخَاصِ فَقَطْ، وَأَيْضًا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي مُشَارَكَةِ الْعَدُوِّ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَأَمَّا مُشَارَكَةُ الذِّمِّيِّ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصِحُّ ابْتِدَاءً قَالَ فِيهَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ: وَلَا يَصِحُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُشَارِكَ ذِمِّيًّا إلَّا أَنْ لَا يَغِيبَ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعٍ، وَلَا شِرَاءٍ، وَلَا قَضَاءٍ، وَلَا اقْتِضَاءٍ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ اللَّخْمِيُّ: فَإِنْ وَقَعَ اُسْتُحِبَّ صَدَقَتُهُ بِرِبْحِهِ إنْ شَكَّ فِي عَمَلِهِ بِالرِّبَا وَبِجَمِيعِ مَالِهِ إنْ شَكَّ فِي عَمَلِهِ بِهِ فِي خَمْرٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَيْ وَإِنْ عَلِمَ سَلَامَتَهُ مِنْ عَمَلِ الرِّبَا، وَتَجْرِ الْخَمْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ مُشَارَكَةِ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُحَافِظُ عَلَى دِينِهِ فِي التَّصْدِيقِ بِالرِّبْحِ كَذَلِكَ، وَانْظُرْ إذَا تَحَقَّقَ عَمَلَهُ بِالرِّبَا، أَوْ فِي الْخَمْرِ مَا الْحُكْمُ هَلْ يَجِبُ التَّصَدُّقُ أَوْ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا؟ وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ فَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الشَّرِكَةَ صَحِيحَةٌ بَلْ وَجَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَغِبْ الذِّمِّيُّ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَكَرِهْت مُشَارَكَةَ ذِمِّيٍّ وَمُتَّهَمٍ فِي دِينِهِ إنْ تَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَإِلَّا جَازَ، وَعَلَى مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ تَكُونُ مُشَارَكَةُ الذِّمِّيِّ غَيْرَ
صَحِيحَةٍ، وَكَذَلِكَ مُشَارَكَةُ الْعَدُوِّ وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِمَّا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالُوا إنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُوَكَّلُ عَلَى مُسْلِمٍ فَهَلْ يَأْتِي هُنَا أَيْ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ؟ قِيلَ: لَا يَبْعُدُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَنْبَغِي لِلْحَافِظِ لِدِينِهِ أَنْ يُشَارِكَ إلَّا أَهْلَ الدِّينِ، وَالْأَمَانَةِ، وَالتَّوَقِّي لِلْخِيَانَةِ، وَالرِّبَا، وَالتَّخْلِيطِ فِي التِّجَارَةِ، وَلَا يُشَارِكُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا مُسْلِمًا فَاجِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، وَإِنَّمَا لِلْآخَرِ فِيهِ الْبَطْشُ وَالْعَمَلُ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (قُلْت) : وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَقِفَا عَلَى كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: وَيُسْتَشْكَلُ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ مَلْزُومَةٌ لِلْبَيْعِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي بَيْعِ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ شَيْئًا أَنْ لَا يَبِيعَهُ الذِّمِّيَّ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِ قَالَ: وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الشَّرِكَةِ مِنْ عَدَمِ غَيْبَتِهِ عَلَى الْبَيْعِ مُعْتَبَرٌ وُقُوعُهُ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ، وَإِنْ سُلِّمَ اشْتِرَاطُهُ فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا لَا لِكَوْنِهِ مُبْتَاعًا انْتَهَى.
بِالْمَعْنَى (الثَّانِي) قَالَ بَعْضُهُمْ كَيْفَ أَجَازَ مَالِكٌ شَرِكَةَ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَغِيبَ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ وَمَنَعَ الشَّرِكَةَ إذَا شَرَطَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُمْسِكَ رَأْسَ الْمَالِ؟ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي مَسْأَلَةِ الذِّمِّيِّ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الذِّمِّيِّ لَمْ يَخْرُجْ الْمَالُ مِنْ يَدِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ: إلَّا لِمَانِعٍ أَيْ مِنْ الْمَوَانِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْحَجْرِ انْتَهَى.
وَلَيْسَ هَذَا مُرَادُهُ؛ لِأَنَّ مَوَانِعَ الْحَجْرِ قَدْ دَخَلَتْ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ: مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ، أَوْ يَتَوَكَّلَ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ الْمَانِعُ الْمُخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ إثْرَهُ مِنْ كَوْنِ الْوَكِيلِ ذِمِّيًّا، وَمِنْ كَوْنِهِ عَدُوًّا لِلْمُوَكَّلِ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فَرُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْحَجْرِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَانِعِ فِي الْوَكَالَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ: وَفِيهَا لَا يُوَكَّلُ الذِّمِّيُّ إلَى آخِرِهِ لَمَّا اسْتَثْنَى الْمُؤَلِّفُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَقَالَ إلَّا: لِمَانِعٍ احْتَاجَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَانِعَ مَا هُوَ؟ إلَخْ كَلَامِهِ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الْمُوَكِّلُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ نَحْوَ الْخَمْسَةِ أَسْطُرٍ ثُمَّ قَالَ: الرُّكْنُ الثَّانِي الْوَكِيلُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَنُوبَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ قَابِلًا لِلِاسْتِنَابَةِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ فَقَدْ مَنَعَ فِي الْكِتَابِ تَوْكِيلَ الذِّمِّيِّ إلَى آخِرِهِ.
(الرَّابِعُ) قَالَ فِيهَا: وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ، وَبَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ قَالَ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ: إنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً، أَوْ شَابَّةً وَلَا تُبَاشِرُهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ مُحَادَثَةِ الشَّابَّةِ لِلرَّجُلِ يُتَّقَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ فَلَا بَأْسَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ وَاسِطَةً مَأْمُونَةً الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ الْهِنْدِيِّ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَا صَالِحَيْنِ مَشْهُورَيْنِ بِالْخَيْرِ وَالدِّينِ وَالْفَضْلِ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: أَوْ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ انْتَهَى.
(الْخَامِسُ) قَالَ فِيهَا: وَتَجُوزُ شَرِكَةُ الْعَبِيدِ إذَا أَذِنَ لَهُمْ فِي التِّجَارَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ وَوُلِّيَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لَمْ يَضْمَنْ الْحُرُّ وَضِيعَةَ الْمَالِ وَلَا تَلَفَهُ، وَكَذَا إنْ وُلِّيَا مَعًا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَوَزَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنَابَهُ، وَأَغْلَقَا عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يَنْفَرِدْ الْحُرُّ بِهَا، وَإِنْ انْفَرَدَ الْحُرُّ بِتَوَلِّي ذَلِكَ ضَمِنَ رَأْسَ الْمَالِ إنْ هَلَكَ وَخَسِرَ انْتَهَى.
فَإِنْ كَانَ عَبْدَيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ تَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَا ضَمَانَ عَلَى الْعَبْدِ فِي ضَيَاعِ مَالِ الْحُرِّ، وَانْظُرْ لَوْ غَرَّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جِنَايَةٌ فِي رَقَبَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسُ) اقْتَضَى كَلَامُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ وَتَوَكُّلَهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي ذَلِكَ اضْطِرَابٌ، فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا لَهُ التَّوْكِيلَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بَلْ أُخِذَ بِجَوَازِ تَوْكِيلِهِ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي وَفِي تَوْكِيلِهِ خِلَافٌ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُهُ
كَمَا سَيَأْتِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ: وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهَا أَنْ تُوَكِّلَ فِي لَوَازِمِ عِصْمَتِهَا انْتَهَى.
بَلْ لَيْسَ لِوَلِيِّهَا قِيَامٌ فِي ذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَقْسِيمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ: وَلَيْسَ لِلْأَبِ وَلَا لِلْوَصِيِّ الْقِيَامُ عَمَّنْ فِي نَظَرِهِمَا مِنْ ابْنَةٍ، أَوْ يَتِيمَةٍ إذَا أَضَرَّ بِهَا زَوْجُهَا فِي نَفْسِهَا إلَّا بِتَوْكِيلِهَا ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا أَقَامَتْ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ أَرَادَ أَبُوهَا أَنْ يُطَالِبَ زَوْجَهَا بِالْكَالِئِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ حُقُوقِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلِهَا إلَّا أَنْ يَتَّصِلَ سَفَهُهَا انْتَهَى.
وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ خِلَافٌ اُنْظُرْهُ فِي بَابِ الصَّدَاقِ، وَقَالَ فِي اللُّبَابِ وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَى الْخُصُومَةِ، وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي حَقِّ مَحْجُورِهِ مَنْ يَطْلُبُ حُقُوقَهُ وَلَا يَجْعَلُ لَهُ الْإِقْرَارَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَكِيلِ أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ فِي بَابِ الْوَصَايَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا: مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ لِلْمَحْجُورِ طَلَبُ حُقُوقِهِ عِنْدَ قَاضٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي حُضُورِ وَصِيِّهِ، أَوْ غَيْبَتِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ شَاسٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ تَوْكِيلُهُ، وَمَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ كَوْنُهُ وَكِيلًا إلَّا لِمَانِعٍ وَمَسَائِلُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِهِ وَبِامْتِنَاعِ تَوْكِيلِ مَنْ لَيْسَ جَائِزَ الْأَمْرِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى فِي تَوْكِيلِ بِكْرٍ مَنْ يُخَاصِمُ لَهَا، تَوْكِيلُهَا غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَلِي مِثْلَ هَذَا مِنْ أَمْرِهَا إنَّمَا يَلِيهِ وَصِيُّهَا، أَوْ مَنْ يُوَكِّلُهُ السُّلْطَانُ وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يُوهِمُ صِحَّةَ وَكَالَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَفِي عِتْقِهَا الثَّانِي إنْ دَفَعَ الْعَبْدُ مَالًا لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيُعْتِقَهُ فَفَعَلَ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، فَإِنْ اسْتَثْنَى مَالَهُ لَمْ يَغْرَمْ الثَّمَنَ ثَانِيًا وَإِلَّا غَرِمَهُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدَ، وَلَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ وَفِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الْعِتْقِ مَا هُوَ كَالنَّصِّ فِي ذَلِكَ قَالَ فِيهِ: إنْ دَفَعَ عَبْدٌ إلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِينَارٍ، وَقَالَ لَهُ اشْتَرِنِي لِنَفْسِي فَاشْتَرَاهُ لِنَفْسِ الْعَبْدِ وَاسْتَثْنَى مَالَهُ كَانَ حُرًّا، وَلَا رُجُوعَ لِبَائِعِهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ وَوَلَاؤُهُ لِبَائِعِهِ ابْنُ رُشْدٍ.
مَرَّضَ الْأَصِيلِيُّ هَذَا الشِّرَاءَ بِأَنَّ وَكَالَةَ الْعَبْدِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ السَّيِّدُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِلْعَبْدِ كَانَ لَهُ رَدُّ ذَلِكَ، وَإِنْ عَلِمَ فَلَا كَلَامَ لَهُ (قُلْت) : كَانَ يَجْرِي لَنَا الْجَوَابُ عَنْ تَعَقُّبِ الْأَصِيلِيِّ بِأَنَّ حَجْرَ الْعَبْدِ إنَّمَا هُوَ مَا دَامَ فِي مِلْكِ سَيِّدِهِ وَهُوَ بِبَيْعِهِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، وَصَحَّ تَوْكِيلُهُ، وَلَزِمَ عِتْقُهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً كَقَوْلِهَا فِيمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ: مَضَى نِكَاحُهُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ فَسْخُهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ لِمِلْكِهِ بِرَدِّهِ مُبْتَاعَهُ بِعَيْبٍ فِي نِكَاحِهِ انْتَهَى وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ لَمْ أَجِدْهَا فِيهِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَمَسْأَلَةُ وَكَالَةِ الْبِكْرِ فِي الْخُصُومَةِ فِي كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْبِكْرَ لَا تَلِي ذَلِكَ يَعْنِي الْمُخَاصَمَةَ قَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ مُعِينِ الْحُكَّامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي جَوَابِ الْأَصِيلِيِّ وَهُوَ بِبَيْعِهِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَصَحَّ تَوْكِيلُهُ وَلَزِمَ عِتْقُهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بَاطِلٌ عَلَى مَا يَقُولُ الْأَصِيلِيُّ قَبْلَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ، فَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ بِالشِّرَاءِ الْوَاقِعِ بِهِ، وَأَمَّا إذَا صَحَّ الْبَيْعُ وَخَرَجَ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ فَلَا حَاجَةَ إذًا إلَى تَصْحِيحِ التَّوْكِيلِ، أَوْ عَدَمِ تَصْحِيحِهِ وَفِي قِيَاسِهِ، أَوْ تَشْبِيهِهِ بِمَسْأَلَةِ نِكَاحِ الْعَبْدِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَذَلِكَ بَيِّنٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَ الْأَصِيلِيُّ بِأَنْ يُقَالَ: سَلَّمْنَا أَنَّ تَوْكِيلَهُ لَا يَجُوزُ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ وَهُوَ جَائِزٌ صَحِيحٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِذَا أَمْضَاهُ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَضِيَهُ مَضَى وَصَحَّ الْعِتْقُ وَفَاعِلُ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: وَاسْتَثْنَى مَالَهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِي الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدُ الْمِائَةَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَمَّا مَنْعُ كَوْنِ الْوَكِيلِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ (قُلْت) : وَعَلَيْهِ عَمِلَ أَهْلُ بَلَدِنَا، وَظَاهِرُ كِتَابِ الْمِدْيَانِ جَوَازُهُ فِيهَا مِنْهُ مَا نَصُّهُ قُلْت: إنْ دَفَعَ إلَى عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ مَالًا يَتَّجِرُ بِهِ، أَوْ لِيَتِيمٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ثُمَّ
لَحِقَهُمَا دَيْنٌ أَيَكُونُ فِي ذِمَّتِهِمَا قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ فِي الْمَالِ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِمَا وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ سَاقِطٌ لَا يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِمَا (قُلْت) : ظَاهِرُهُ جَوَازُ تَوْكِيلِهِمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَخْذِ الْمَشَايِخِ مِنْ مَفْهُومَاتِ الْمُدَوَّنَةِ الْأَحْكَامَ وَيُؤَيِّدُهُ سَمَاعُ أَصْبَغَ فِي الْعِتْقِ أَنَّ مَنْ قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنَّ مَا أَعْتَقَ ابْنِي، أَوْ أَحْدَثَ رَقِيقِي فَأَمْرُهُ جَائِزٌ وَابْنُهُ سَفِيهٌ ثُمَّ بَاعَ ابْنُهُ مِنْ رَقِيقِ أَبِيهِ عَشَرَةً جَازَ بَيْعُهُ عَلَى أَبِيهِ، وَإِنْ كُرِهَ إلَّا أَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ مُحَابَاةٍ بَيِّنَةٍ وَوَكَالَةُ السَّفِيهِ كَغَيْرِهِ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَا إشْكَالَ، وَالتَّوْكِيلُ فِي الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِمَالِ وَلَدِهِ لَا تَجُوزُ لِسَفِيهٍ بِخِلَافِ وَصِيَّةٍ بِتَنْفِيذِ ثُلُثِهِ إلَى سَفِيهٍ، أَوْ غَيْرِ عَدْلٍ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ ثُلُثَهُ لَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا.
وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ جَوَازُ تَوْكِيلِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ مَنْ وَكَّلَ عَلَى قَبْضِ دُيُونٍ لَهُ صَبِيًّا قَبْلَ بُلُوغِهِ فَقَبْضُهُ بَرَاءَةٌ لِلْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَقِّ رَضِيَهُ وَأَنْزَلَهُ مَنْزِلَتَهُ انْتَهَى.
وَلَفْظُ التَّهْذِيبِ فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ الْمُتَقَدِّمَةِ: فَمَا لَحِقَهُمَا مِنْ دَيْنٍ فِيهِ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ خَاصَّةً، وَلَا يَلْزَمُ ذِمَّتَهُمَا، وَلَا ذِمَّةَ الدَّافِعِ شَيْءٌ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي الْعِتْقِ إنَّمَا رَأَيْته فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمَذْكُورُ فِيهِ وَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ هَذَا بَيِّنٌ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ مَنْ رَضِيَ تَوْكِيلَهُ مِنْ رَشِيدٍ، أَوْ سَفِيهٍ، فَيَلْزَمُهُ مِنْ فِعْلِ السَّفِيهِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ فِعْلِ الرَّشِيدِ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ سَلْمُونٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ: مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ تَوْكِيلُهُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ قُلْت: يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ وَكَّلَ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ لِيُسْلِمَ لَهُ فِي طَعَامٍ فَفَعَلَ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى.
وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ، أَوْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ عَوَّضَ قَوْلَ التَّوْضِيحِ، أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ، وَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ لَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِإِذْنِ سَيِّدِ الْعَبْدِ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ وَأَنْ يُوَكِّلَ عَلَى السَّلَمِ بِإِذْنِهِ انْتَهَى.
وَعِبَارَتُهُ، أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ؛ فَلِذَلِكَ ذَكَرْتهَا وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ فِي السَّلَمِ الثَّانِي وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُؤَلِّفُ مِنْ الْجَوَابِ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ رَأَيْت مِنْ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَنَصُّهُ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: أَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا أَجْرَ عَلَى مَنْ وَكَّلَهُ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ الْخَفِيفِ مِنْ الْعَمَلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يُودَعُ فَيَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لَهُ أُجْرَةٌ يَدْفَعُهَا مَنْ وَكَّلَهُ إلَى سَيِّدِهِ الشَّيْخِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ ذَلِكَ لَا خَطْبَ لَهُ لِكَوْنِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَتَى إلَى مَنْزِلِ الْعَبْدِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أُجْرَةٌ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي مُنَاوَلَةِ الْقَدَحِ وَالنَّعْلِ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ فِي الْمَشَذَّالِيِّ قَالَ: قَوْلُهُ " أَوْ مَحْجُورٌ " لَمْ يَتَكَلَّمْ هُنَا هَلْ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُوَكِّلَ بِقِيمَةِ عَمَلِهِ، وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ إنْ كَانَ عَمَلٌ لَهُ بَالٌ فَلَهُ قِيمَةُ عَمَلِهِ إنْ كَانَ مَحْجُورًا، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فَلَا انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ مَنْ وَكَّلَ عَبْدًا فَأَسْلَمَ لَهُ فِي طَعَامٍ مَضَى وَالسَّلَمُ لِلْآمِرِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا كَانَ لِسَيِّدِهِ إجَارَتُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا وَفَعَلَ ذَلِكَ لِيُصْلِحَ بِهِ وَجْهَهُ فِي تِجَارَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي إجَارَتِهِ ذَلِكَ يَسِيرَةٌ انْتَهَى.
مِنْ السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْخِصَامِ فِي تَخْلِيصِ مَالِهِ، وَطَلَبِ حُقُوقِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَيَصِحُّ عَلَى مَا قَالَهُ فِي اللُّبَابِ وَنَقَلَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ إنَّ غَيْرَهُ خَالَفَهُ فِيهِ، وَأَمَّا تَوْكِيلُهُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي مَالِهِ
فَلَا يَجُوزُ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا بَعْدَ الْبَحْثِ إلَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الَّتِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا.
وَأَمَّا تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فِي لَوَازِمِ عِصْمَتِهَا فَيَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ بَلْ لَيْسَ لِوَلِيِّهَا الْقِيَامُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا كَوْنُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَكِيلًا فَيَجُوزُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشَيْدٍ فِي اللُّبَابِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الْحَاجِّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمِنْ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ بَلَدِنَا وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ، وَتَابِعِيهِ كَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمْ فَتَحَصَّلَ فِي ذَلِكَ. طَرِيقَانِ، وَإِنَّمَا أَطَلْت الْكَلَامَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ فِي الْوَكَالَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا الْمَنْعُ مِنْ تَوْكِيلِهِ وَتَوَكُّلِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ كَمَا عَلِمْت لَكِنْ يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا عَدَا تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فِي لَوَازِمِ الْعِصْمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا)
ش: يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الشَّرِكَةِ ابْتِدَاءً الْجَوَازُ، فَإِذَا انْعَقَدَتْ لَزِمَتْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ كَجُزْأَيْهَا الْبَيْعِ، وَالْوَكَالَةِ وَعُرُوضُ مَا يُوجِبُهَا بَعِيدٌ بِخِلَافِ مُوجِبِ حُرْمَتِهَا، وَكَرَاهَتِهَا، وَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا» ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَصَحَّحَهُ بِسُكُوتِهِ عَنْهُ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ انْتَهَى.
وَفِي التَّوْضِيحِ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ انْتَهَى.
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَاللَّخْمِيُّ وَشُرَّاحُ الْمُدَوَّنَةِ آيَاتٍ، وَأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى الْأَصْلِ فِي الشَّرِكَةِ كَآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَقَوْلِهِ {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ} [الزمر: 29] وَقَوْلِهِ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] وَحَدِيثِ «أَيُّمَا دَارٍ قُسِمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» وَحَدِيثِ «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ» وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} [الكهف: 19] ، وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ، وَحَدِيثُ السَّفِينَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْمُدْهِنِ فِيهَا كَمِثْلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ فَيُضَيِّقُونَ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا لَا نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا فَإِنَّنَا نَنْقُبُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعًا، وَإِنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعًا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ عَزْوِهِ الْحَدِيثَ لِلتِّرْمِذِيِّ مَعَ أَنَّهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَكَأَنَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ عَبْدَ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا لُزُومُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ: الْمَذْهَبُ لُزُومُهَا بِالْعَقْدِ دُونَ الشُّرُوعِ، وَاخْتُلِفَ فِي شَرِكَةِ الْحَرْثِ هَلْ هِيَ كَشَرِكَةِ الْأَمْوَالِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، أَوْ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْمَذْهَبَ لُزُومُ الشَّرِكَةِ بِالْعَقْدِ دُونَ الشُّرُوعِ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَفْهُومِ السَّمَاعِ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ هِيَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ شَرِيكِهِ مَتَى شَاءَ، وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَمْ تَجُزْ إلَّا عَلَى التَّكَافُؤِ وَالِاعْتِدَالِ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَضَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا يُخْرِجُهُ فَإِنَّمَا يَسْمَحُ فِي ذَلِكَ رَجَاءَ بَقَائِهِ مَعَهُ عَلَى الشَّرِكَةِ فَصَارَ غَرَرًا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: هِيَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْفَصِلَ مَتَى شَاءَ إلَّا الشَّرِكَةَ فِي الزَّرْعِ فَفِي لُزُومِهَا خِلَافٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ
اللَّخْمِيُّ وَخَرَّجَ قَوْلًا بِعَدَمِ لُزُومِهَا لِأَوَّلٍ نَصُّهُ مِنْ الشَّاذِّ فِي كِرَاءِ الْمُشَاهَرَةِ قَالَ: وَأَمَّا إنْ أَخْرَجَا شَيْئًا لِيَشْتَرِيَا بِهِ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ كُلَّ وَاحِدٍ اشْتِرَاؤُهُ بِانْفِرَادِهِ، أَوْ أَمْكَنَهُ وَلَكِنَّ اشْتِرَائَهُمَا أَرْخَصُ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي شَرْطِ مَا لَا يُفِيدُ وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ الشَّرِكَةُ تَنْعَقِدُ بِالْقَوْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ إنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ كَالْبَيْعِ، وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا فِيهَا كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الْجُعْلِ وَالْقِرَاضِ وَلِعِيَاضٍ نَحْوُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمْ وَمُرَادُ ابْنِ يُونُسَ وَنَحْوُهُ أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الضَّمَانِ أَيْ إذَا هَلَكَ شَيْءٌ بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْهُمَا خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ إنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالْخَلْطِ انْتَهَى.
(قُلْت) : بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ وَعِيَاضٍ وَصَاحِبِ الْمُعِينِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بَعْدَ الْعَقْدِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهَا تَفْسُدُ إذَا عَقَدَاهَا عَلَى التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ، أَوْ الْعَمَلِ، أَوْ التَّسَاوِي فِي ذَلِكَ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي رُءُوسِ الْأَمْوَالِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ صَحَّ عَقْدُ الْمُتَفَاضِلَيْنِ فِي الْمَالِ ثُمَّ تَطَوَّعَ الَّذِي لَهُ الْأَقَلُّ فَعَمِلَ فِي الْجَمِيعِ جَازَ، وَلَا أَجْرَ لَهُ انْتَهَى.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّرِكَةَ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْ بِالْعَقْدِ لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَطَوَّعَ رَجَاءَ الْبَقَاءِ مَعَهُ وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ فَصَارَ ذَلِكَ غَرَرًا الشَّيْخُ، كَأَنَّهُ نَوْعُ رِشْوَةٍ وَيَقُومُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ انْتَهَى.
فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ التَّبَرُّعِ بَعْدَ الْعَقْدِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمُقْتَضَاهُ لُزُومُ الْعَقْدِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا أَيْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى إذْنِ كُلِّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ عُرْفًا، وَسَوَاءٌ كَانَ لَفْظًا، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَمِنْ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الشَّرِكَةِ قَوْلُهُمَا اشْتَرَكْنَا إذَا فُهِمَ مِنْهُ مَقْصُودُهُمَا عُرْفًا قَالَ فِي اللُّبَابِ الصِّيغَةُ لَفْظٌ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ يَدُلُّ عَلَى إذْنِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي التَّصَرُّفِ لِصَاحِبِهِ، وَيَكْفِي قَوْلُهُمَا: اشْتَرَكْنَا إذَا فُهِمَ الْمَقْصُودُ عُرْفًا انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمِثْلُ الْفِعْلِ الدَّالِّ لَوْ خَلَطَا مَالَيْهِمَا وَبَاعَا انْتَهَى.
وَاعْتِرَاضُ الْبِسَاطِيِّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ كَوْنَهُ لَمْ يَقُلْ لُغَةً، أَوْ عُرْفًا غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (بِذَهَبَيْنِ)
ش: أَرْكَانُ الشَّرِكَةِ أَرْبَعَةٌ الْعَاقِدَانِ وَالصِّيغَةُ وَالْمَحَلُّ فَلَمَّا ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ أَتْبَعَهَا بِالرَّابِعِ وَهُوَ الْمَحَلُّ وَهُوَ الْمَالُ، أَوْ الْعَمَلُ فَبَدَأَ بِالْمَالِ فَقَالَ: بِذَهَبَيْنِ، أَوْ وَرِقَيْنِ.
ص (اتَّفَقَ صَرْفُهُمَا)
ش: يُرِيدُ وَوَزْنَهُمَا وَيُغْتَفَرُ التَّفَاوُتُ الْيَسِيرُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا قَصْرُ اعْتِبَارِ التَّسَاوِي بَيْنَ النَّقْدَيْنِ فِي الْوَزْنِ، وَالْقِيمَةِ لَا السِّكَّةِ وَيَسِيرُ اخْتِلَافِهِمَا فِي الصَّرْفِ لَغْوٌ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرَ هَاشِمِيَّةً وَأَخْرَجَ الْآخَرُ مِثْلَ وَزْنِهَا دَنَانِيرَ دِمَشْقِيَّةً، أَوْ أَخْرَجَ هَذَا دَرَاهِمَ يَزِيدِيَّةً وَالْآخَرُ وَزْنَهَا مُحَمَّدِيَّةً وَصَرْفُهُمَا مُخْتَلِفٌ لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي الِاخْتِلَافِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا بَالَ لَهُ فَيَجُوزُ وَهُمَا فِيمَا كَثُرَ كَتَفَاضُلِ الْمَالَيْنِ، وَلَوْ جَعَلَا الرِّبْحَ وَالْعَمَلَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ فَضْلِ مَا بَيْنَ السِّكَّتَيْنِ لَمْ يَجُزْ إذَا صَرَفَاهُمَا إلَى الْقِيَمِ وَحُكْمُهُمَا الْوَزْنُ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ انْتَهَى.
فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الصَّرْفُ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ، وَلَوْ جَعَلَا الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ صَرْفِ كُلِّ دِينَارٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَصُورَةُ قَدْرِ الْقِيمَةِ أَنْ يُقَالَ: مَا قِيمَةُ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَيُقَالُ: عَشَرَةٌ وَمَا قِيمَةُ الْيَزِيدِيَّةِ فَيُقَالُ: خَمْسَةٌ فَيَشْتَرِكَانِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ نَزَلَ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِثْلَ رَأْسِ مَالِهِ بِعَيْنِهِ فِي سِكَّتِهِ، وَكَانَ الرِّبْحُ بِقَدْرِ وَزْنِ رَأْسِ مَالِهِ لَا عَلَى فَضْلِ مَا بَيْنَ السِّكَّتَيْنِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ لَعَلَّ مُحَمَّدًا يُرِيدُ إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ سُوقُ السِّكَّتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الشَّرِكَةِ إلَى يَوْمِ الْقِسْمَةِ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ فَيَظْلِمُ الَّذِي زَادَ سُوقُ سِكَّتِهِ صَاحِبَهُ إذَا أَعْطَاهُ مِثْلَ رَأْسِ مَالِهِ، وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا دَفَعَ انْتَهَى.
، وَانْظُرْ سَمَاعَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الشَّرِكَةِ
فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَتْ السِّكَّتَانِ مُتَّفِقَتَيْ الصَّرْفِ يَوْمَ الشَّرِكَةِ جَازَ فَإِنْ افْتَرَقَا، وَقَدْ حَالَ الصَّرْفُ لَمْ يُنْظَرْ إلَى ذَلِكَ وَيَقْتَسِمَانِ مَا بِأَيْدِيهِمَا عَرْضًا كَانَ، أَوْ طَعَامًا، أَوْ عَيْنًا انْتَهَى.
ص (وَبِعَيْنٍ وَبِعَرْضٍ)
ش: يُرِيدُ: وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ طَعَامًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِطَعَامٍ وَدَرَاهِمَ، أَوْ بِعَيْنٍ وَعَرْضٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقِيَمِ، وَبِقَدْرِ ذَلِكَ يَكُونُ الرِّبْحُ وَالْعَمَلُ انْتَهَى.
ص (وَكُلٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أَحْضَرَ لَا فَاتَ) ش هُوَ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْعَرْضَيْنِ، وَإِلَى مَسْأَلَةِ الْعَيْنِ، وَالْعَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمَعْنَى وَكُلُّ مَنْ أَخْرَجَ عَرْضًا فَهُوَ شَرِيكٌ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ أَحْضَرَ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُوهِمُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْفَاسِدَةِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْفَوْتِ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَبْيَنُ مِنْهَا إذْ قَالَ فَلَوْ وَقَعَتْ فَاسِدَةً فَرَأْسُ مَالِهِ مَا بِيعَ بِهِ عَرْضُهُ، وَقَالَ الصَّقَلِّيَّانِ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ يُونُس: فَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا مَا بِيعَتْ بِهِ سِلْعَتُهُمَا
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ قِيمَةُ عَرْضِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا بَعِيدٌ انْتَهَى.
وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ خَلَطَا الطَّعَامَيْنِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ بِالطَّعَامِ فَاسِدَةً فَرَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا بِيعَ بِهِ طَعَامُهُ إذْ هُوَ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَبِيعَ، وَلَوْ خَلَطَاهُ قَبْلَ الْبَيْعِ جَعَلْتُ رَأْسَ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ قِيمَةَ طَعَامِ كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمَ خَلَطَاهُ انْتَهَى.
ص (إنْ خَلَطَا)
ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخَلْطَ شَرْطٌ فِي حُصُولِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الرِّبْحِ، وَإِلَى الْخَسَارَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ الْخَلْطَ شَرْطٌ فِي الِانْعِقَادِ فِي التَّوَى أَيْ الْهَلَاكِ لَا فِي النَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ قَبْلَ الْخَلْطِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَمَا ضَاعَ فَهُوَ مِنْ صَاحِبِهِ انْتَهَى.
، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي شَرْطِ ثُبُوتِ لَازِمِهَا وَهُوَ ضَمَانُ الْمُشْتَرَكِ مِنْهُمَا بِالْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ فَضْلًا عَنْ الْحِسِّيِّ، أَوْ بِالْحِسِّيِّ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ فِيهَا وَالْحُكْمِيُّ كَوْنُ الْمَالَيْنِ فِي حَوْزِ وَاحِدٍ، وَلَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّلَفِ فَلَهُ وَعَلَيْهِ، أَوْ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَخْذَ لَهُ تَرَدُّدٌ)
ش: الْأَلْيَقُ بِاصْطِلَاحِهِ أَنْ يَقُولَ
تَأْوِيلَانِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ بَقِيَتْ كُلُّ صُرَّةٍ بِيَدِ رَبِّهَا حَتَّى ابْتَاعَ بِهَا أَمَةً عَلَى الشَّرِكَةِ وَتَلِفَتْ الصُّرَّةُ الْأُخْرَى وَالْمَالَانِ مُتَّفِقَانِ فَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا وَالصُّرَّةُ مِنْ رَبِّهَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ فَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا عَلَى الشَّرِكَةِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنْ اشْتَرَى الْأَمَةَ بَعْدَ التَّلَفِ عَالِمًا بِهِ فَشَرِيكُهُ مُخَيَّرٌ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهَا، أَوْ يَدَعَهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّمَا اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِي فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّلَفِ حَتَّى اشْتَرَى فَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثُمَّ تَلِفَتْ صُرَّةُ الْأَخِيرِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَلِابْنِ رُشْدٍ عَكْسُ هَذَا قَالَ إنْ اشْتَرَى بَعْدَ التَّلَفِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُلْزِمَهُ مَا اشْتَرَاهُ، أَوْ يَنْفَرِدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ عَلِمْت تَلَفَهُ لَمْ أَشْتَرِ إلَّا لِنَفْسِي، وَمَا اشْتَرَى بَعْدَ أَنْ عَلِمَ بِتَلَفِ مَا أَخْرَجَهُ صَاحِبُهُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً اهـ. فَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّلَفِ فَلَهُ وَعَلَيْهِ وَاَلَّذِي يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى بِالسَّالِمِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَحِلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّالِفِ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِالتَّالِفِ فَهِيَ لَهُ خَاصَّةً إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّلَفِ فَالسِّلْعَةُ بَيْنَهُمَا، وَلَا خِيَارَ لِأَحَدِهِمَا وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا: إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَخْذَ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ قُلْت: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَى لِلشَّرِكَةِ وَلَمْ يَدَّعِ الْأَخْذَ لِنَفْسِهِ فَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَأَنَّهُ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْهُ وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، أَوْ مُطْلَقًا هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ بَيْنَهُمَا، وَلَا خِيَارَ لِأَحَدِهِمَا سَوَاءٌ اشْتَرَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّلَفِ، أَوْ قَبْلَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بَعْدَ عِلْمِهِ بِالتَّلَفِ يُخَيِّرُ الشَّرِيكَ الَّذِي تَلِفَتْ صُرَّتُهُ فِي أَنَّهُ يُشَارِكُهُ، أَوْ يَدَعُهَا لَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَا يُفْسِدُهَا انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ)
ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ لَا يُفْسِدُهَا أَنْ يُعَيِّنَ كُلٌّ صِنْفًا لِلْآخَرِ يَعْمَلُ فِيهِ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي غَيْرِهِمَا فِي الْعَمَلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ إنْ عَمِلَ كُلٌّ فِي مَالٍ لِنَفْسِهِ لَا يُفْسِدُهَا إذَا اسْتَوَيَا فِي عَمَلِ الشَّرِكَةِ، وَالثَّانِي هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَلَا يَبْعُدُ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ الْمُنْفَرِدَانِ قَرِيبَيْنِ فَإِنْ قُلْت: ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ قُلْت: يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ كُلًّا انْفَرَدَ لِيُوَافِقَ النَّقْلَ انْتَهَى.
فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ بِشَيْءٍ وَأَنَّ النَّقْلَ كَذَلِكَ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، أَوْ نَصُّهَا قَالَ فِيهَا: وَيَكُونَانِ مُتَفَاوِضَيْنِ، وَلِأَحَدِهِمَا عَيْنٌ، أَوْ عَرْضٌ دُونَ صَاحِبِهِ، وَلَا يُفْسِدُ ذَلِكَ الْمُعَاوَضَةَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى.
، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا يُفْسِدُهَا عِنْدَنَا وُجُودُ مَالٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى حِدَتِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى.
فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ إنْ اسْتَأْلَفَ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا غَرِيمًا بِدَيْنٍ، أَوْ وَضَعَ لَهُ مِنْهُ نَظَرًا، أَوْ اسْتِئْلَافًا فِي التِّجَارَةِ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جَازَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ عَلَى الْبَيْعِ إذَا كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ وَمَا صَنَعَهُ مُفَوَّضًا إلَيْهِ مِنْ شَرِيكٍ، أَوْ وَكِيلٍ لَمْ يَلْزَمْ وَلَكِنْ يَلْزَمُ الشَّرِيكَ فِي حِصَّتِهِ وَيَرُدُّهُ صَنِيعُ الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَهْلِكَ مَا صَنَعَ الْوَكِيلُ مِنْ ذَلِكَ، فَيَضْمَنُهُ انْتَهَى.
، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: تَأْخِيرُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا يَجُوزُ وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَرُدَّ التَّأْخِيرَ فِي نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ، وَأَمَّا نَصِيبُ صَاحِبِهِ فَإِنْ كَانَ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا فِي قِسْمَةِ الدَّيْنِ حِينَئِذٍ مَضَى التَّأْخِيرُ فِي نَصِيبِ مَنْ أَخَّرَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَقَالَ مَنْ أَخَّرَ: لَمْ أَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ عَلَيَّ شَيْئًا مِنْ الشَّرِكَةِ رَدَّ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِتَأْخِيرِهِ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَنْ أَخَّرَ فِي ذَلِكَ مَقَالٌ فَإِنْ أَعْسَرَ الْغَرِيمُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ ضَمِنَ الشَّرِيكُ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُهُ إرَادَةَ الِاسْتِئْلَافِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى