الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدَّعْوَى فَيَحْلِفُ قَوْلًا وَاحِدًا " اهـ.
[فَرْعٌ إذَا كَانَ الصُّلْحُ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا]
(فَرْعٌ) إذَا كَانَ الصُّلْحُ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا فَذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَنَصَّهُ اللَّخْمِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي الصُّلْحِ الْحَرَامِ أَوْ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ الصُّلْحُ حَرَامًا صِرَاحًا فُسِخَ أَبَدًا فَيُرَدُّ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَالْقِيمَةُ إنْ كَانَ فَائِتًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَكْرُوهَةِ مَضَى، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ كَانَ حَرَامًا فُسِخَ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فُسِخَ بِحِدْثَانِ وُقُوعِهِ، فَإِنْ طَالَ أَمَدُهُ مَضَى، وَقَالَ أَصْبَغُ: بِجَوْزِ حَرَامِهِ وَمَكْرُوهِهِ، وَإِنْ كَانَ بِحِدْثَانِ وُقُوعِهِ خَلِيلٌ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَامِ الْمُتَّفَقُ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَبِالْمَكْرُوهِ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَصْبَغَ مِنْ عَدَمِ الْفَسْخِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فَوْقَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى فَسْخِهِ، وَنَصُّهُ:" فَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ وَطَعَامًا مِنْ بَيْعٍ فَاعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِالطَّعَامِ وَأَنْكَرَ الدَّرَاهِمَ فَصَالَحَ عَلَى طَعَامٍ مُؤَجَّلٍ أَكْثَرَ مِنْ طَعَامِهِ، أَوْ اعْتَرَفَ لَهُ بِالدَّرَاهِمِ وَصَالَحَهُ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ، أَوْ دَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِهِ وَفَسْخِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ وَالصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ " اهـ. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[تَنْبِيهٌ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ وَأَرَادَ نَقْضَهُ وَالرُّجُوعَ إلَى الْخُصُومَةِ]
(تَنْبِيهٌ) ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ وَأَرَادَ نَقْضَهُ وَالرُّجُوعَ إلَى الْخُصُومَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الِانْتِقَالِ عَنْ الْمَعْلُومِ إلَى مَجْهُولٍ اهـ. مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْقَلَشَانِيِّ.
ص (أَوْ وَجَدَ وَثِيقَةً بَعْدَهُ)
ش: يُرِيدُ، وَقَدْ ذَكَرَ ضَيَاعَهَا عِنْدَ صُلْحِهِ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
ص (كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ، أَوْ يُقِرَّ سِرًّا)
ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ.
[تَنْبِيهٌ إذَا أَشْهَدَ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ أَنَّهُ أَسْقَطَ الِاسْتِرْعَاءَ]
(تَنْبِيهٌ) إذَا أَشْهَدَ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ أَنَّهُ أَسْقَطَ الِاسْتِرْعَاءَ وَالِاسْتِرْعَاءُ فِي الِاسْتِرْعَاءِ وَكَانَ أَشْهَدَ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ لِلضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ فَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي اللُّبَابِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ، وَنَقَلَ ابْنُ غَازِيٍّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ هُنَا وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ نَحْوُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ التَّبْصِرَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فَانْظُرْهُ.
ص (وَعَنْ إرْثِ زَوْجَةٍ مِنْ عَرْضٍ إلَخْ)
ش: كَذَا
فَرَضَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مُصَالَحَةِ الزَّوْجَةِ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هَذَا بَابُ صُلْحِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ، وَذَكَرَ هُنَا صُلْحَ الزَّوْجَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تُصَالَحُ الْبِنْتُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْوَرَثَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الزَّوْجَةَ؛ لِأَنَّهَا فِي الْغَالِبِ الَّتِي تُصَالِحُ؛ لِأَنَّ رَابِطَتَهَا بِالسَّبَبِ وَغَيْرِهَا بِالنَّسَبِ، وَمَسْأَلَةُ مُصَالَحَةِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْفَسَادُ مِنْ جِهَتَيْ الرِّبَا وَالْغَرَرِ وَلَهُ طُرُقٌ اهـ.
ص (إنْ عَرَفَا جَمِيعَهَا)
ش: هَذَا نَحْوُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ عَرَفَتْ هِيَ وَجَمِيعُ الْوَرَثَةِ مَبْلَغَ التَّرِكَةِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَظَاهِرُ قَوْلِهَا: مَبْلَغَ التَّرِكَةِ، يَتَنَاوَلُ أَنَّهُمْ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ اطَّلَعُوا عَلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَلَمْ يَنُصُّوا عَلَيْهَا بِالتَّسْمِيَةِ أَنَّهُ كَافٍ وَأَفْتَى شَيْخُنَا رحمه الله غَيْرَ مَرَّةٍ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إلَّا مَعَ التَّسْمِيَةِ، وَهُوَ بَعِيدٌ اهـ.
ص (لَا غَرَرَ)
ش: لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ دَمَ الْعَمْدِ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ بِمَا قَلَّ، أَوْ كَثُرَ نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ بِمَا فِيهِ غَرَرٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ نَافِعٍ قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ مِنْ جِنَايَةِ عَمْدٍ عَلَى ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ ارْتَفَعَ الْقِصَاصُ، وَمَضَى بِالدِّيَةِ كَمَا لَوْ وَقَعَ النِّكَاحُ بِذَلِكَ وَفَاتَ بِالْبِنَاءِ قَضَى بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَمْضِي ذَلِكَ إذَا وَقَعَ، وَهُوَ بِالْخُلْعِ أَشْبَهَ؛ لِأَنَّهُ أَرْسَلَ مِنْ يَدِهِ بِالْغَرَرِ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يُرْسِلَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَيْسَ كَمَنْ أَخَذَ بِضْعًا وَدَفَعَ فِيهِ غَرَرًا اهـ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْغَيْرُ هُنَا ابْنُ نَافِعٍ وَقَوْلُهُ: " عَمْدًا " لَيْسَ بِشَرْطٍ وَكَذَلِكَ الْخَطَأُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعَمْدَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَالٍ فَيَجُوزُ فِيهِ الْغَرَرُ مِنْ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ وَالْجَنِينِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَاعْتَرَضَ عَلَى تَعْلِيلِ ابْنِ نَافِعٍ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَ مَتَاعَهُ بِلَا عِوَضٍ اهـ. بِالْمَعْنَى وَحُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ بِغَرَرٍ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ إنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ.
ص (وَرِطْلٍ مِنْ شَاةٍ)
ش: قَالَ الشَّارِحُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ سَوَاءٌ كَانَتْ الشَّاةُ حَيَّةً، أَوْ مَذْبُوحَةً وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ يُخَالِفُهُ لِتَقْيِيدِهِ الْمَنْعَ بِمَا إذَا كَانَتْ حَيَّةً اهـ. وَتَبِعَ فِي
الشَّامِلِ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ صَوَابٌ، وَقَدْ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ قَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْمَذْبُوحَةِ:" حَيَّةً " لَا مَفْهُومَ لَهُ لِمَنْعِهِ بَيْعَهَا قَبْلَ السَّلْخِ فِي التِّجَارَةِ وَالْإِجَارَةِ اهـ. وَأَصْلُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَنَصُّهُ: " اُنْظُرْ قَوْلَهُ حَيَّةً مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَتْ بَعْدَ الذَّبْحِ جَازَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا شِرَاءُ لَحْمِ هَذِهِ الشَّاةِ مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْعَهُ رِطْلَيْنِ مِنْ لَحْمِ شَاةٍ قَبْلَ ذَبْحِهَا وَسَلْخِهَا، وَقَالَ فِي الْجُعْلِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَ لَحْمَ شَاةٍ حَيَّةً أَوْ مَذْبُوحَةً، أَوْ لَحْمَ بَعِيرٍ كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا مِنْ حَاضِرٍ، أَوْ مُسَافِرٍ " اهـ.
ص (وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ)
ش: وَالْقِيمَةُ يَوْمَ الصُّلْحِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ.
ص (وَإِنْ صَالَحَ مَقْطُوعٌ، ثُمَّ نَزَّى فَمَاتَ إلَى قَوْلِهِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ)
ش: قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ عَمْدًا فَصَالَحَ الْقَاطِعُ عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ، ثُمَّ نَزَّى فِيهَا فَمَاتَ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَقْسِمُوا وَيَقْتُلُوا وَيُرَدُّ الْمَالُ وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَقْسِمُوا كَانَ لَهُمْ الْمَالُ الَّذِي أَخَذُوا فِي قَطْعِ الْيَدِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُوضِحَةَ خَطَإٍ فَلَهُمْ أَنْ يَقْسِمُوا وَيَسْتَحِقُّوا الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَيَرْجِعُ الْجَانِي فَيَأْخُذُ مَالَهُ وَيَكُونُ فِي الْعَقْلِ كَرَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، وَلَوْ قَالَ قَاطِعُ الْيَدِ لِلْأَوْلِيَاءِ حِينَ نَكَلُوا عَنْ الْقَسَامَةِ: قَدْ عَادَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا فَاقْتُلُونِي وَرُدُّوا الْمَالَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَالَحَ، وَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ وَشَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَطْعَ الْيَدِ وَلَا يَقْسِمُوا فَذَلِكَ لَهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا قَسَمُوا وَقَتَلُوهُ اهـ. وَإِلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ قَالَ الْقَاطِعُ إلَى آخِرِهِ، أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لَا لَهُ، وَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: نَزَّى، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ أَيْ تَزَايَدَ وَتَرَامَى إلَى الْهَلَاكِ، وَأَصْلُهُ مِنْ زِيَادَةِ جَرَيَانِ الدَّمِ، وَقَدْ أَعَادَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ فَقَالَ: فَإِنْ عَفَا عَنْ جُرْحِهِ، أَوْ صَالَحَ فَمَاتَ فَلِأَوْلِيَائِهِ الْقَسَامَةُ وَالْقَتْلُ، وَيَرْجِعُ الْجَانِي فِيمَا أُخِذَ مِنْهُ، وَهُنَاكَ ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ دُونَ مَا تَرَامَى إلَيْهِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ التَّمَسُّكُ بِالصُّلْحِ لَا فِي الْخَطَإِ وَلَا فِي الْعَمْدِ، وَالثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَمْدِ فَيُخَيَّرُونَ فِيهِ وَالْخَطَإِ فَلَا يُخَيَّرُونَ وَلَيْسَ لَهُمْ التَّمَسُّكُ بِهِ وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَعَزَا الثَّالِثَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَ كَلَامَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ فِي الْجِنَايَاتِ (قُلْت) وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمُ كَالْمَقُولِ لَهَا خِلَافُ مَا عَزَا لَهَا ابْنُ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ.
قَالَ: وَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ وَمَا تَرَامَى إلَيْهِ فَقَلَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ فِيهِ تَفْصِيلٌ أَمَّا جُرْحِ الْخَطَإِ الَّذِي دُونَ الثُّلُثِ كَالْمُوضِحَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصُّلْحَ فِيهَا عَلَى مَا تَرَامَتْ إلَيْهِ مِنْ مَوْتٍ، أَوْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَهُوَ لَا يَدْرِي يَوْمَ صَالَحَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ فُسِخَ مَتَى عُثِرَ عَلَيْهِ وَاتَّبَعَ فِيهِ مُقْتَضَى حُكْمِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ صُلْحٌ فَإِنْ بَرَأَ كَانَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ مَاتَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ وَإِنْ بَلَغَ الْجُرْحُ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ
الرِّوَايَةِ وَظَاهِرُ مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ جَائِزٌ، وَأَمَّا جُرْحُ الْعَمْدِ فَمَا فِيهِ الْقِصَاصُ فَالْمُصَالَحَةُ فِيهِ عَلَى وَضْعِ الْمَوْتِ جَائِزَةٌ عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ خِلَافُ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالْجَوَازُ فِيهَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ دَمِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ جَازَ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِمَا شَاءَ، وَأَمَّا جِرَاحُ الْعَمْدِ الَّتِي لَا قِصَاصَ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهَا عَلَى الْمَوْتِ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَلَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصَّ خِلَافٍ، وَأَمَّا الصُّلْحُ فِيهَا عَلَى الْجُرْحِ دُونَ الْمَوْتِ فَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَا لَهُ دِيَةٌ مُسَمَّاةٌ كَالْمَأْمُومَةِ وَالْمُنَقِّلَةُ، وَالْجَائِفَةِ قَالَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ: إنَّ الصُّلْحَ فِيهَا جَائِزٌ عَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا بِعَيْنِهِ لَا عَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ مِنْ زِيَادَةٍ، وَلَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ فِيمَا لَا دِيَةَ لَهُ مُسَمَّاةً إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ فَهَذَا تَحْصِيلُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ بِرُمَّتِهِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا ابْنُ عَرَفَةَ هُنَاكَ، وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ هُنَاكَ أَيْضًا مُخْتَصَرًا وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ جُرِحَ عَمْدًا فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ بِأَرْشِهِ، أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ وَلَزِمَ، وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ صَالَحَ عَلَيْهِ لَا مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ تَأْوِيلَانِ لَيْسَ مُعَارِضًا لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَقَعَ الصُّلْحُ فِيهَا عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ.
ثُمَّ نَزَّى فِيهِ وَمَاتَ مِنْهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَكَلَّمَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ مِنْ الْمَرِيضِ عَلَى جُرْحِهِ عَمْدًا وَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَا مِنْ الْجُرْحِ إنَّ الصُّلْحَ جَائِزٌ لَازِمٌ وَلَا يُقَالُ هَذَا صُلْحٌ وَقَعَ مِنْ الْمَرِيضِ فَيُنْظَرُ فِيهِ هَلْ فِيهِ مُحَابَاةٌ أَمْ لَا، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ هَلْ هُوَ جَائِزٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ صَالَحَ الْمَرِيضُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ دُونَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ، أَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ، أَوْ إنَّمَا يَجُوزُ صُلْحُهُ إذَا كَانَ عَلَى الْجَرْحِ فَقَطْ، وَأَمَّا إنْ صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ وَعَلَى مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ تَأْوِيلَانِ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الثَّانِي إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ جَازَ فَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ الْوَرَثَةَ، وَإِنْ تَرَامَى فِي الْجُرْحِ فَمَاتَ فَالْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَيَعْمَلُ فِيهَا بِمُقْتَضَى الْحُكْمِ لَوْ لَمْ يَكُنْ صُلْحٌ وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ الصُّلْحُ مُطْلَقًا إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ فَالْحُكْمُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ، وَإِنْ تَرَامَى فِيهِ فَكَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ لَزِمَ الصُّلْحُ، وَإِنْ نَزَّى فِيهِ، وَمَاتَ مِنْهُ فَلَا كَلَامَ لِلْأَوْلِيَاءِ وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ، ثُمَّ نَزَّى فِيهِ وَمَاتَ أَنَّ الصُّلْحَ لَازِمٌ لِلْوَرَثَةِ إذْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالتَّأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَوَّلًا، وَإِذَا وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ جِرَاحَةٌ عَمْدًا فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ مِنْ أَرْشِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ إذْ لِلْمَقْتُولِ الْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي مَرَضِهِ وَأَنْ يَدَعَ مَالًا اهـ.
قَالَ عِيَاضٌ تَأَوَّلَهَا الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْجِرَاحَةِ فَقَطْ لَا عَلَى الْمَوْتِ وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ الْعَطَّارِ عَلَى مَآلِ الْمَوْتِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ التَّأْوِيلَيْنِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ بَعْدَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَأَوَّلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهَا ابْنُ الْعَطَّارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ وَسَقَطَ الْقَتْلُ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ قُتِلَ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ حِصَّتِهِ بِالدِّيَةِ كُلِّهَا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَلِلْوَلِيِّ الْآخَرِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيمَا صَالَحَ بِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْقَاتِلِ عَلَى حِسَابِ دِيَةِ الْعَمْدِ وَيَضُمَّهُ إلَى مَا صَالَحَ بِهِ صَاحِبُهُ وَيَقْتَسِمُونَ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُصَالَحُ بِهِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَابِ الدِّيَاتِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ لِلْمُصَالِحِ مَا صَالَحَ بِهِ وَيَتْبَعَ الْقَاتِلَ بِحِصَّتِهِ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّ مَنْ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ اخْتَصَّ بِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ فِيهَا، وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا لَهُ
وَلِيَّانِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا عَلَى عَرْضٍ، أَوْ قَرْضٍ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَتْلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ صَالَحَ بِحِصَّتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ عَلَى عَرْضٍ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ عَلَى الْقَاتِلِ إلَّا بِحِسَابِ دِيَتِهِ اهـ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَوْ عَفَا الْبَعْضُ عَنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فَلِلْبَاقِينَ نَصِيبُهُمْ عَلَى حِسَابِ دِيَةِ عَمْدٍ، ثُمَّ يَضُمُّونَ كُلُّهُمْ مَا حَصَلَ لَهُمْ وَيَقْتَسِمُوهُ كَأَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى الصُّلْحِ بِهِ اهـ.
ص (وَإِنْ صَالَحَ مُقِرٌّ بِخَطَإٍ بِمَالٍ لَزِمَهُ وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ مَا دَفَعَ تَأْوِيلَانِ)
ش: اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ أَقَرَّ بِقَتْلِ خَطَإٍ عَلَى أَرْبَعِ رِوَايَاتٍ ذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ وَحَكَاهَا فِي الْجَلَّابِ الْأُولَى مِنْهَا: أَنَّهُ إنْ اُتُّهِمَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ غِنَى وَلَدِ الْمَقْتُولِ كَالْأَخِ وَالصَّدِيقِ لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَبَاعِدِ صُدِّقَ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا، وَلَمْ يَخَفْ أَنْ يُرْشَى عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ فَإِنْ لَمْ يَقْسِمُوا فَلَا
شَيْءَ لَهُمْ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ عَلَى الْمُقِرِّ فِي مَالِهِ بِقَسَامَةٍ الثَّالِثَةُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ، الرَّابِعَةُ: تُفَضُّ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فَمَا أَصَابَهُ غَرِمَهُ وَمَا أَصَابَ الْعَاقِلَةَ سَقَطَ عَنْهُ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا عَلَى الْمُقِرِّ فِي مَالِهِ بِقَسَامَةٍ لَيْسَ فِي الْجَلَّابِ فِيهَا ذَكَرَ الْقَسَامَةَ وَاَلَّذِي فِيهِ إنَّمَا هُوَ أَنَّ الدِّيَةَ كُلَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ هَذَا لَفْظُهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ أَيْضًا بِغَيْرِ لَفْظِ الْقَسَامَةِ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ نَقْلِهِ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ الْمُقِرُّ بِالْخَطَإِ بِمَالِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُقِرَّ بِالْخَطَإِ لَا تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ وَإِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ إذَا لَمْ يُتَّهَمْ الْمُقِرُّ بِأَنَّهُ أَرَادَ غِنَى وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي دِيَاتُ الْمُدَوَّنَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ أَقَرَّ الرَّجُلُ بِقَتْلِ خَطَإٍ، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَصَالَحَ الْأَوْلِيَاءَ عَلَى مَالٍ قَبْلَ أَنْ تَلْزَمَ الدِّيَةُ الْعَاقِلَةَ بِقَسَامَةٍ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَقِيلَ عَلَى الْمُقِرِّ فِي مَالِهِ، وَقِيلَ: عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ اهـ. وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي تَأْوِيلِ الْمُدَوَّنَةِ فَتَأَوَّلَهَا أَبُو عِمْرَانَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيمَا قَبَضَ وَفِيمَا لَمْ يَقْبِضْ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَأَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ مُحْرِزٍ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا قَبَضَ دُونَ مَا لَمْ يَقْبِضْ ذَكَرَهُمَا أَبُو الْحَسَنِ وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ مَا دَفَعَ تَأْوِيلَانِ، وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ رَجَعَ بِمَا دَفَعَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ يَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (إلَّا الطَّعَامَ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ) .
ش ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ إلَّا فِي الطَّعَامِ فَفِي دُخُولِهِ مَعَهُ تَرَدُّدٌ وَلَيْسَ هَذَا مُرَادُهُ بَلْ مُرَادُهُ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ اسْتَثْنَى الطَّعَامَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَتَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي وَجْهِ اسْتِثْنَائِهِ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ آخِرِ الْمَسْأَلَةِ، وَخَالَفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِجَلْبِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِهِمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ خُلْطَةٌ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ أَنَّ لِأَبِيهِ قِبَلَ خَلِيطِهِ مَالًا فَأَقَرَّ لَهُ، أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَهُ عَلَى حَظِّهِ مِنْ ذَلِكَ بِدَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ، أَوْ عَرْضٍ جَازَ وَلِأَخِيهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيمَا أَخَذَ وَكُلٌّ ذَكَرَ حَقٌّ لَهُمَا بِكِتَابٍ، أَوْ بِغَيْرِ كِتَابٍ إلَّا أَنَّهُ مِنْ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُمَا فَبَاعَاهُ فِي صَفْقَةٍ بِمَالٍ، أَوْ عَرْضٍ أَوْ بِمَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ غَيْرَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ، أَوْ مِنْ شَيْءٍ أَقْرَضَاهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ وَرِثَ هَذَا الذَّكَرُ الْحَقَّ فَإِنَّ مَا قَبَضَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْآخَرُ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ بَقِيَّةُ أَشْرَاكِهِ إلَّا أَنْ يُشَخِّصَ الْمُقْتَضَى بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَى أَشْرَاكِهِ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ أَوْ الْوَكَالَةِ فَامْتَنَعُوا فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِيمَا اقْتَضَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَفَعَهُمْ إلَى الْإِمَامِ لَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ، أَوْ التَّوْكِيلِ.
فَإِنْ فَعَلُوا وَإِلَّا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ اقْتِضَاءِ حَقِّهِ، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيمَا اقْتَضَى اهـ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُ إنَّمَا اسْتَثْنَى الطَّعَامَ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يُشَخِّصَ الْمُقْتَضَى بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَى شُرَكَائِهِ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ أَوْ الْوَكَالَةِ فَامْتَنَعُوا فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِيمَا اقْتَضَى.
قَالَ: فَإِذَا كَانَ الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْذَنَ لِصَاحِبِهِ فِي الْخُرُوجِ لِاقْتِضَاءِ حَقِّهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْخُرُوجِ مُقَاسَمَةٌ لَهُ، وَالْمُقَاسَمَةُ لَهُ كَبَيْعِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي اسْتِثْنَاؤُهُ الْإِدَامَ وَالطَّعَامَ إنَّمَا هُوَ لِمَا ذُكِرَ مِنْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ، أَوْ وَصُلْحَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الَّذِي لَهُمَا طَعَامًا، أَوْ إذَا مَا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا بَيْعُ نَصِيبِهِ، أَوْ مُصَالَحَتُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهَذَا الَّذِي يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (أَوْ يَكُونُ بِكِتَابَيْنِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَقَّ إذَا كَانَ بِكِتَابَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِيمَا اقْتَضَى، وَإِنْ كَانَ