الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَمَالَةِ.
ص (وَجَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَا جَازَ لِلْغَرِيمِ) ش تَعَقَّبَهُ الْبِسَاطِيُّ بِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ صُلْحُ الْكَفِيلِ بَعْدَ مَحِلِّ أَجَلِ السَّلَمِ عَلَى مِثْلِ الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ أَجْوَدُ صِفَةً، أَوْ أَدْنَى وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْغَرِيمِ بَعْدَ الْأَجَلِ مِثْلَ الْكَيْلِ أَجْوَدُ صِفَةً، أَوْ أَرْدَأُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَدَلٌ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ وَفِي الْكَيْلِ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِثْلَ مَا أَدَّى، أَوْ مَا كَانَ عَلَيْهِ اهـ.
قَالُوا: وَالْقِيَاسُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ.
ص (أَوْ لَمْ يَبْعُدْ إثْبَاتُهُ)
ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهِيَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مُطَالَبَةِ الضَّامِنِ مَشْرُوطٌ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ إمَّا حُضُورُ الْغَرِيمِ مُوسِرًا، أَوْ غَيْبَتُهُ إذَا لَمْ يَبْعُدْ عَلَى الطَّالِبِ إثْبَاتُ حَقِّهِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يُعْدَى فِيهِ وَعَلَى النَّظَرِ فِيهِ
[فَرْعٌ تَكَفَّلَ بِوَجْهِ رَجُلٍ فَغَابَ الرَّجُلُ فَأَخَذَ بِهِ الْكَفِيلُ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ رَجَزِ ابْنِ عَاصِمٍ لِوَلَدِ الْمُصَنِّفِ مَا نَصُّهُ وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ هُنَا مَا إذَا سَبَقَ عَقْدٌ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ عَلَى عَقْدِ الْكَفَالَةِ يَتَعَارَضُ طَلَبُ صَاحِبِهَا الْعَقْدَ السَّابِقَ مَعَ طَلَبِ الْمُتَحَمِّلِ لَهُ بِالْحَمَالَةِ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ إعْمَالُ الْعَقْدِ السَّابِقِ فَفِي النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ تَكَفَّلَ بِوَجْهِ رَجُلٍ فَغَابَ الرَّجُلُ فَأَخَذَ بِهِ الْكَفِيلُ، فَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ يَبْنِيَ لَهُ دَارِهِ، أَوْ يُسَافِرَ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ فَالْإِجَارَةُ، أَوْلَى وَلَا يُحْبَسُ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ فِي الدَّيْنِ مَعْرُوفٌ تَطَوَّعَ بِهِ وَلَوْ كَانَتْ ظِئْرًا اُسْتُؤْجِرَتْ لِرَضَاعٍ قَبْلَ الْكَفَالَةِ لَمْ تُحْبَسْ فِي الْكَفَالَةِ أَيْضًا وَالرَّضَاعُ أَوْلَى، فَإِذَا انْقَضَتْ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ طُولِبَتْ بِالْحَمَالَةِ اهـ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ اللَّخْمِيِّ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَالْقَوْلُ لَهُ فِي مِلَائِهِ)
ش: هَذَا خِلَافُ مَا اسْتَظْهَرَهُ
ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ الْقَوْلَ لِلطَّالِبِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْحَمِيلُ بَيِّنَةً بِمِلَاءِ الْغَرِيمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» فَوَجَبَ أَنْ يَغْرَمَ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُ وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي التَّوْضِيحِ اسْتَظْهَرَ الْقَوْلَ الْآخَرَ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْحَمِيلِ.
(تَنْبِيهٌ) مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ هَلْ بِيَمِينٍ، أَوْ لَا لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ خَصْمُهُ الْعِلْمَ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ فِيهَا: قَالَ سَحْنُونٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَحَمَّلِ لَهُ وَعَلَى الْكَفِيلِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْغَرِيمَ مَلِيءٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لِلْغَرِيمِ مَالٌ ظَاهِرٌ، فَالْحَمِيلُ غَارِمٌ.
ص (وَإِنْ مَاتَ)
ش: قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَمَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ يُوَفِّك حَقَّك حَتَّى يَمُوتَ الْغَرِيمُ فَهُوَ عَلَيَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ الْغَرِيمُ انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ جَهِلَ وَأَنَّهُ قَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يُرِيدُ يَمُوتُ عَدِيمًا وَلَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ وَجَبَ أَنْ يُوقَفَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَإِنْ مَاتَ الْمَحْمُولُ عَنْهُ عَدِيمًا أَخَذَ الْمَحْمُولُ لَهُ ذَلِكَ الْمَالَ الْمَوْقُوفَ انْتَهَى.
وَتَوَقَّفَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي هَذَا، وَنَصُّهُ اُنْظُرْ لَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ هَهُنَا هَلْ يُؤْخَذُ الْحَقُّ مِنْ تَرِكَتِهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُجْعَلُ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ كَالْحَمِيلِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَوَرَثَتُهُ يَقُولُونَ إنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَى نَفْسِهِ حَمَالَةً إلَّا بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ فَيَجِبُ أَنْ يُوقَفَ قَدْرُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ أَنَا حَمِيلٌ بِفُلَانٍ وَالدَّيْنِ إلَى أَجَلٍ مَعْنَاهُ إنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَهُوَ عَدِيمٌ فَهُوَ إذَا مَاتَ أَيْضًا قَبْلَ الْأَجَلِ لَمْ يَأْتِ الْوَقْتُ الَّذِي تَحَمَّلَ إلَيْهِ انْتَهَى وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
ص (وَلَهُ طَلَبُ الْمُسْتَحَقِّ بِتَخْلِيصِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ)
ش: كَلَامُهُ رحمه الله صَرِيحٌ فِي طَلَبِ الضَّامِنِ رَبَّ الدَّيْنِ بِأَنْ يَتَخَلَّصَ دَيْنَهُ مِنْ الْغَرِيمِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ فِيهِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ طَلَبَ الْكَفِيلُ بِمَا عَلَى الْغَرِيمِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ طَلَبٌ فِي حُضُورِ الْغَرِيمِ وَلِيُسْرِهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ لَا يُلَائِمُهُ كُلَّ الْمُلَاءَمَةِ لَكِنْ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بَعْدُ وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ الْمُعْسِرِ إلَخْ، وَيَشْهَدُ لَهُ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ
ابْنِ الْحَاجِبِ: لِلضَّامِنِ الْمُطَالَبَةُ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ الطَّلَبِ يَعْنِي أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إذَا تَوَجَّهَ لَهُ الطَّلَبُ عَلَى غَرِيمِهِ فَسَكَتَ عَنْهُ، أَوْ نَصَّ عَلَى تَأْخِيرِهِ فَلِلْحَمِيلِ أَنْ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ، وَيَقُولُ لِرَبِّ الدَّيْنِ إمَّا أَنْ تَطْلُبْ حَقَّك مِنْ الْغَرِيمِ مُعَجَّلًا وَإِلَّا أَسْقِطْ عَنِّي الْحَمَالَةَ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ عِنْدَ وُجُوبِهِ ضَرَرًا بِالْحَمِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا الْآنَ وَيَعْسُرُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ الْمُطَالَبَةُ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا مَقَالَ لِلْحَمِيلِ؛؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَى الْغَرِيمِ فِي هَذَا الْحَالِ انْتَهَى وَأَمَّا طَلَبُ الضَّامِنِ الْمِدْيَانَ بِأَنْ يُخَلِّصَ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لِلْكَفِيلِ إجْبَارُ الْأَصْلِ عَلَى تَخْلِيصِهِ إذَا طَلَبَ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ انْتَهَى وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ (قُلْت) وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهَا فِي السَّلَمِ الثَّانِي وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَخْذُ الطَّعَامِ مِنْ الْغَرِيمِ بَعْدَ الْأَجَلِ لِيُوصِلَهُ إلَى رَبِّهِ وَلَهُ طَلَبُهُ حَتَّى يُوصِلَهُ إلَى رَبِّهِ وَيَبْرَأُ مِنْ حَمَالَتِهِ انْتَهَى، وَهَذَا هُوَ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَهُ طَلَبُ الْمِدْيَانِ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ أَجَلِهِ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ لَكَانَ حَسَنًا.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْجَوَاهِرِ: وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ انْتَهَى وَكَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْت الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ وَالصَّوَابُ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنَّمَا يَسْتَقِيمُ كَذَلِكَ إذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَطْلُبَ الْأَصْلَ الَّذِي هُوَ الْغَرِيمُ بِالدَّيْنِ إذَا طُولِبَ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الطَّلَبِ أَمَّا كَوْنُ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ فَلِأَنَّ لَفْظَ الْأَصْلِ إنَّمَا يُطْلَقُ فِي الْأَغْلَبِ عَلَى الْغَرِيمِ وَأَمَّا كَوْنُ الصَّوَابِ أَنْ يَكُونَ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ فَلِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْغَرِيمَ مُعْسِرٌ، وَإِذَا كَانَ مُوسِرًا فَلَا يُطَالِبُ الْحَمِيلَ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ لَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ فَلَعَلَّ صَاحِبَ التَّوْضِيحِ فَهِمَ الْأَصْلَ عَلَى أَصْلِ الدَّيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِهِ (الثَّانِي) حَمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَوَّلًا كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ وَعَلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ طَلَبُ الضَّامِنِ الْمِدْيَانَ بِأَنْ يُخَلِّصَ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ بِرُمَّتِهِ، وَقَالَ إثْرَهُ وَحَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْفَهْمِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) حَمْلُ الشَّارِحِ كَلَامَ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ عَلَى الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ طَلَبُ الضَّامِنِ رَبَّ الدَّيْنِ أَنْ يُخَلِّصَ دَيْنَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كَلَامُهُ إنَّمَا هُوَ فِي طَلَبِ الضَّامِنِ الْمَدِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَضَمِنَهُ إنْ اقْتَضَاهُ لَا أَرْسَلَ بِهِ) ش تَصَوُّرُهُ مِنْ الشَّارِحِ وَضَحَ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَطْلُبَ أَيَّهُمَا شَاءَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الرَّجْرَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا الرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُشْكِلَاتِ الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ وَأَخَذَ كَفِيلًا.
وَنَصُّ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ: لَا يَخْلُو قَبْضُ الْكَفِيلِ الطَّعَامَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ مِنْ خَمْسَةِ، أَوْجُهٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ فَلَا يَخْلُو الطَّعَامُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِيَدِهِ، أَوْ فَائِتًا فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَالطَّالِبُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْكَفِيلَ، وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْأَصْلَ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ فَاتَ الطَّعَامُ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بِتَلَفٍ، أَوْ إتْلَافٍ فَإِنْ كَانَ بِتَلَفٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَيَبْقَى عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ خَاصَّةً، ثُمَّ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْهُودِ فِي الْحَمَالَةِ هَلْ الْمُطَالَبَةُ عَلَى التَّبْدِئَةِ، أَوْ التَّخْيِيرِ؟ وَإِنْ كَانَ بِإِتْلَافٍ مِنْ الْكَفِيلِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْأَصْلِ مِثْلُ ذَلِكَ الطَّعَامُ فَإِنْ غَرِمَ الْكَفِيلُ الطَّعَامَ لِلطَّالِبِ فَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَصْلِ فَإِنْ غَرِمَهُ لِلْأَصْلِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِمِثْلِ طَعَامِهِ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ إنْ بَاعَهُ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنْ غَرِمَ الْكَفِيلُ الطَّعَامَ لِلطَّالِبِ بَعْدَ أَنْ بَاعَ مَا أَخَذَ مِنْ الْأَصْلِ غَرِمَهُ لِلْأَصْلِ فَأَرَادَ الْأَصْلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِثْلَ مَا غَرِمَ مِنْ الطَّعَامِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ
الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (الثَّانِي) أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الْوَكَالَةِ فَإِذَا قَبَضَهُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْوَكِيلِ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِنَّ الطَّالِبَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ بِقَبْضِ الْكَفِيلِ فَإِنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْكَفِيلُ بَعْدَ صِحَّةِ قَبْضِهِ فَالْعَدَاءُ عَلَى الطَّالِبِ وَقَعَ بِلَا إشْكَالٍ.
(الثَّالِثُ) أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ إمَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ كَمَا إذَا غَابَ الطَّالِبُ وَحَلَّ الْأَجَلُ وَخَافَ الْكَفِيلُ إعْدَامَ الْأَصْلِ وَإِحْدَاثَ الْفَلَسِ لِيُؤَوَّلَ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهِ قَبَضَهُ بِحُكْمِ قَاضٍ، أَوْ يَكُونُ قَبْضُهُ بِرِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ بِغَيْرِ حُكْمٍ فَالْكَفِيلُ فِي هَذَا الْوَجْهِ ضَامِنٌ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الطَّعَامِ وَذِمَّتُهُ بِهِ، أَوْ بِمِثْلِهِ عَامِرَةٌ حَتَّى يُوصِلَهُ إلَى الطَّالِبُ، وَلِلطَّالِبِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا مَعَ قِيَامِ الطَّعَامِ بِيَدِ الْكَفِيلِ وَفَوَاتِهِ فَإِنْ غَرِمَ الْأَصْلُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِطَعَامِهِ، أَوْ مِثْلِهِ إنْ اسْتَهْلَكَهُ، أَوْ بِثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ إنْ شَاءَ أَخْذَ الثَّمَنِ وَلَا يَجُوزُ لِلطَّالِبِ أَنْ يَبِيعَهُ بِذَلِكَ الْقَبْضِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا أَخْذُ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ الطَّالِبُ مِثْلَ طَعَامِهِ بَعْدَ أَنْ بَاعَ مَا اقْتَضَاهُ كَانَ الثَّمَنُ سَائِغًا لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَصْلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِثْلَ مَا غَرِمَ مِنْ الطَّعَامِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
(الرَّابِعُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْقَبْضِ الْوَكِيلُ يَدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَالْأَصْلُ يَقُولُ: بَلْ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيهِ عَلَى مَعْنَى قَوْلَيْنِ قَائِمَيْنِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ حَيْثُ قَالَ: إذَا قَالَ الْقَابِضُ قَبَضْتُهُ عَلَى مَعْنَى الْوَدِيعَةِ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ قِرَاضًا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ وَسَبَبُ الْخِلَافِ تَعَارُضُ أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَالَ الْمَقْبُوضَ لِلدَّافِعِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْقَابِضِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْأُصُولُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ تُوجِبُ الضَّمَانَ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ الثَّانِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إذَا اجْتَمَعَا أَنْ يَغْلِبَ حُكْمُ الْحَظْرِ، وَالْكَفِيلُ هَهُنَا قَدْ ادَّعَى قَبْضًا صَحِيحًا، وَالْأَصْلُ قَدْ ادَّعَى قَبْضًا فَاسِدًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَابِضِ الَّذِي هُوَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ أَشْبَهَ، وَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا مُبَاحًا وَالْأَصْلُ قَدْ ادَّعَى الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبْضُ الطَّعَامِ مِنْ الْمَكْفُولِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُ لِيَدْفَعَ إلَى الطَّالِبِ لِكَيْ يَبْرَأَ مِنْ الْكَفَالَةِ فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ فَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا مَحْظُورًا، فَيُوجِبُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ (الْخَامِسُ) إذَا أُبْهِمَ الْأَمْرُ وَعَرَا الْقَبْضُ عَنْ الْقَرَائِنِ، وَقَدْ مَاتَ الْكَفِيلُ، أَوْ الْأَصْلُ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الرِّسَالَةِ حَيْثُ يَثْبُتُ الْقَبْضُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ حَتَّى تَثْبُتَ الرِّسَالَةُ؟ فَهَذَا مِمَّا يَتَخَرَّجُ بِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إذَا قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَادَّعَى التَّلَفَ أَنَّهُ يَحْلِفُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ: وَإِنْ قَبَضَ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ فَالضَّمَانُ مِنْ الدَّافِعِ، وَالْمُصِيبَةُ مِنْهُ بَعْدَ يَمِينِ الْقَابِضِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ التَّلَفِ وَيَبْقَى الْحَقُّ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلُ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَمِيلِ فِي ضَيَاعِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، وَإِنْ اُتُّهِمَ أُحْلِفَ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي: إذَا قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الْوَكَالَةِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ التَّلَفِ بَعْدَ يَمِينِهِ إنْ اُتُّهِمَ كَالْمُودِعِ وَإِذَا صُدِّقَ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ التَّلَفِ وَكَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِنْ الطَّالِبِ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مُعَايَنَةِ الدَّفْعِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ الِاخْتِلَافُ بِالْمَعْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ اللُّؤْلُؤِ مِنْ كِتَابِ
الْوَكَالَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ.
وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ إذَا غَرِمَ الدَّافِعُ هَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مُطَرِّفٌ: وَيَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي دَفْعِ ذَلِكَ إلَى الَّذِي وَكَّلَهُ حَتَّى تَلِفَ، وَقَالَ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ تَفْرِيطٌ، وَهَذَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَا وَأَمَّا إنْ ادَّعَاهَا الْوَكِيلُ فَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ اهـ. وَقَوْلُهُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: إذَا قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ إنَّ الْكَفِيلَ ضَامِنٌ سَوَاءٌ قَبَضَهُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، أَوْ بِرِضَا مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ قَوْلُهُ بِقَضَاءِ سُلْطَانٍ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: إنَّ سَحْنُونًا أَنْكَرَ هَذَا اللَّفْظَ، وَقَالَ: لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ هُنَا حُكْمٌ قَالَ: وَرَأَيْت فِيمَا أَمْلَاهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ قَالَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَحَلَّ الْأَجَلُ فَقَامَ الْكَفِيلُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَقَالَ: أَخْشَى أَنْ تُعْدِمَ إلَى أَنْ يَقُومَ الَّذِي عَلَيْهِ، فَأَغْرَمُ أَنَا فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مَلِيًّا فَلَا يَكُونُ لِلْحَمِيلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ يُخَافُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ، أَوْ كَانَ مُلِدًّا قَضَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِالْحَقِّ وَأَبْرَأهُ مِنْهُ وَجُعِلَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ عَدْلٍ، أَوْ عَلَى يَدِ الْكَفِيلِ إنْ كَانَ ثِقَةً، وَنَقَلَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ فَضْلِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ الشَّيْخُ إلَّا أَنَّ فِي هَذَا إحَالَةً لِلْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهِهَا إذْ لَا ضَمَانَ فِي هَذَا الْفَرْضِ الَّذِي ذَكَرَ.
وَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فِيهَا الضَّمَانُ فَتَأَمَّلْ هَذَا اهـ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ وَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْحُكْمِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ، وَإِذَا أَرَادَ الْحَمِيلُ أَخْذَ الْحَقِّ بَعْدَ مَحِلِّهِ، وَالطَّالِبُ غَائِبٌ، وَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُفْلِسَ وَهُوَ مِمَّنْ يُخَافُ عَدَمُهُ قَبْلَ قُدُومِ الطَّالِبِ، أَوْ لَا يَخَافُ إلَّا أَنَّهُ كَثِيرُ اللَّدَدِ وَالْمَطْلِ مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْحَمِيلُ أَمِينًا أُقِرَّ عِنْدَهُ وَإِلَّا أُودِعَ لِبَرَاءَةِ الْحَمِيلِ وَالْغَرِيمِ، وَضَمَانُ الْمَالِ مِنْ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ لَهُ بِالْحَاكِمِ، وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مَلِيًّا وَفِيهَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ اهـ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَوْ قَضَاهُ الْغَرِيمُ مُتَبَرِّعًا، أَوْ بِاقْتِضَاءٍ مِنْ الْكَفِيلِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ: مَعْنَى تَبَرُّعًا أَنَّهُ اقْتَضَاهُ فَدَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ تَبَرُّعًا وَلَمْ يُكَلِّفْهُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِهِ سُلْطَانٌ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَتَبَرَّعَ لِلْغَرِيمِ بِدَفْعِ ذَلِكَ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ عَلَى الرِّسَالَةِ عَبْدُ الْحَقِّ إنْ قِيلَ إذَا قَبَضَهُ الْكَفِيلُ بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْلَمُ قَبْضُهُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ، أَوْ عَلَى الرِّسَالَةِ وَهُوَ قَدْ قَالَ سَوَاءٌ تَبَرَّعَ بِدَفْعِهِ، أَوْ اقْتَضَى عِنْدَ الْكَفِيلِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ يُحْمَلُ قَبْضُهُ إيَّاهُ إذَا وَقَعَ مُجْمَلًا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِاقْتِضَاءِ، أَوْ الرِّسَالَةِ فَهَهُنَا إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَدْ تَبَرَّعَ بِدَفْعِهِ لِلْكَفِيلِ حُمِلَ عَلَى الرِّسَالَةِ، وَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ اقْتَضَاهُ فِيهِ فَهُوَ عَلَى الِاقْتِضَاءِ فَيَضْمَنُهُ، وَإِنْ قَالَ لَهُ خُذْ عَلَيَّ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُ، أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ فَهَذِهِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِاقْتِضَاءِ فَيَضْمَنُهُ قَابِضُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْكَفِيلُ بَدَأَ فِيهِ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَجْهُ الِاقْتِضَاءِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُقْتَضِي لَهُ لِيَبْرَأَ مِنْ حَمَالَتِهِ وَتَبْرَأَ ذِمَّةُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا أَجِيرُ الْمَطْلُوبِ دُونَك فَهَذَا كُلُّهُ أَبْرَأَ ذِمَّةَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَصَارَ هُوَ الْمَطْلُوبَ اهـ.
(الثَّانِي) قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَأْخُذَ الْحَقَّ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ مِنْ الْغَرِيمِ فَاعْلَمْهُ (الثَّالِثُ) قَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ عِبَارَةِ التَّهْذِيبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهَا بِكَمَالِهَا هُنَا وَإِذَا قَبَضَ الْكَفِيلُ الطَّعَامَ مِنْ الْغَرِيمِ بَعْدَ الْأَجَلِ لِيُؤَدِّيَهُ إلَيْك فَتَلِفَ عِنْدَهُ فَإِنْ أَخَذَهُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ ضَمِنَهُ قَامَتْ بِهَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ، أَوْ لَا كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، أَوْ لَا قَضَاهُ ذَلِكَ الْغَرِيمُ مُتَبَرِّعًا، أَوْ بِاقْتِضَاءٍ مِنْ الْكَفِيلِ بِقَضَاءِ سُلْطَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَأَمَّا إنْ أَقْبَضَهُ الْكَفِيلُ بِمَعْنَى الرِّسَالَةِ لَمْ يَضْمَنْ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: إنَّمَا ضَمِنَهُ إذَا أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى فَهُوَ ضَامِنُ عَدَاءٍ فَلِذَلِكَ ضَمِنَهُ وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ.
ص (وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ الْمُعْسِرِ)
ش: الْهَاءُ مِنْ لَزِمَهُ عَائِدَةٌ عَلَى الضَّامِنِ فِي
مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ وَتَأْخِيرُ هُوَ فَاعِلُ لَزِمَهُ وَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ وَهُوَ رَبُّهُ وَهَاءُ رَبِّهِ عَائِدَةٌ عَلَى الدَّيْنِ وَالْمُعْسِرُ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ الْمَدِينِ الْمُعْسِرِ وَهُوَ مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَقُولُ لِلْغَرِيمِ: لَمَّا أَنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَوَجَدْت الْغَرِيمَ مُوسِرًا كَانَ حَقُّك أَنْ تَطْلُبَنِي فَتَأْخِيرُك لِلْغَرِيمِ إسْقَاطٌ لِلْكَفَالَةِ عَنِّي فَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ التَّأْخِيرَ لَازِمٌ لَهُ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَالَةُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْحَمَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (أَوْ الْمُوسِرُ إنْ سَكَتَ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ سَكَتَ الْحَمِيلُ، وَقَدْ عَلِمَ بِالتَّأْخِيرِ لَزِمَتْهُ الْحَمَالَةُ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّقَايِيدِ سَكَتَ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ، وَانْظُرْ مَا فِي التَّقَايِيدِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَسْكُتَ قَدْرَ مَا يُرَى أَنَّ سُكُوتَهُ رِضًا قَالَ فِي الْعُيُوبِ فِي الْجَارِيَةِ الَّتِي دَلَّسَ الْبَائِعُ بِحَمْلِهَا قَالَ أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ بِالطَّلَبِ وَلَمْ يُفَرِّطْ عِنْدَمَا ظَهَرَ بِهَا الطَّلْقُ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ، وَانْظُرْ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلِمَ وَسَكَتَ هَلْ يُحَلِّفُهُ أَمْ لَا.
ص (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ مُسْقِطًا)
ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَمِيلُ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ حَلَفَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ لِيُسْقِطَ الْكَفَالَةَ وَيَكُونَ عَلَى حَقِّهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَحْمَلُ قَوْلِهِ أَنَّ ذِمَّةَ الْغَرِيمِ يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ ثُمَّ أَعْسَرَ الْآنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْحَمِيلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي حَقِّهِ حَتَّى تَلِفَ مَالُ غَرِيمِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْكَفِيلُ فَيُعَدُّ رَاضِيًا اهـ.
فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ، وَانْظُرْ لَوْ أَشْهَدَ رَبُّ الدَّيْنِ وَقْتَ التَّأْخِيرِ أَنَّهُ أَخَّرَ الْمَدِينَ غَيْرَ مُسْقِطٍ لِلْحَمَالَةِ هَلْ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَلِفِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَلِفِهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ أَنْكَرَ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ وَلَزِمَهُ)
ش: أَيْ، وَإِنْ أَنْكَرَ الضَّامِنُ التَّأْخِيرَ حِينَ عَلِمَ بِهِ حَلَفَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ الْحَمَالَةَ وَلَزِمَ الضَّمَانُ الضَّامِنَ وَسَقَطَ التَّأْخِيرُ وَيَبْقَى الْحَقُّ حَالًّا فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْكَفَالَةُ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ أَيْ سَوَاءٌ حَلَفَ، أَوْ نَكَلَ وَقِيلَ: إنَّهَا لَازِمَةٌ بِكُلِّ حَالٍ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْحَمَالَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: وَإِنْ أَخَّرَهُ مَلِيًّا فَأَنْكَرَ حَمِيلُهُ فَفِي سُقُوطِ حَمَالَتِهِ وَبَقَائِهَا.
(ثَالِثُهَا) إنْ أَسْقَطَ الْحَمَالَةَ صَحَّ تَأْخِيرُهُ وَإِلَّا حَلَفَ مَا أَخَّرَ إلَّا عَلَى بَقَائِهَا وَسَقَطَ تَأْخِيرُهُ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ لِلْغَيْرِ فِيهَا وَغَيْرُهُ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا اهـ. غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْت مِنْ الْبَيَانِ إثْرَ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ وَالْكَفَالَةُ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَقَوْلُهُ: بِكُلِّ حَالٍ مُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ سُقُوطَ الْكَفَالَةِ مَعَ حَلِفِهِ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْلِ الثَّانِي.
وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ بِلَفْظِ وَالْكَفَالَةُ ثَابِتَةٌ بِكُلٍّ حَالٍ إثْرَ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُ مِثْلُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي غَالِبِ نُسَخِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ لُزُومُ الْكَفَالَةِ إذَا نَكَلَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَصُّ كَلَامِ التَّوْضِيحِ الْمَذْكُورِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْبَيَانِ الْأَوَّلِ أَنْ يَعْلَمَ فَيُنْكِرَ فَلَا يَلْزَمُهُ تَأْخِيرُ الطَّالِبِ وَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تُسْقِطَ الْكَفَالَةَ وَإِلَّا فَاحْلِفْ أَنَّك مَا أَخَذْته إلَّا عَلَى أَنْ يَبْقَى الْكَفِيلُ