الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ولَايَة الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين
أَبُو المظفر، يُوسُف ابْن الْأَمِير نجم الدّين أَيُّوب بن شاذى بن مَرْوَان الْكرْدِي.
ولي الوزارة للعاضد بعد موت عَمه أَسد الدّين شيركوه فِي الْعشْر الْأَخير من جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة، ولقب بِالْملكِ النَّاصِر؛ فاستولى على مصر، ومهد أمورها، وَصَارَ يَدْعُو للعاضد الْخَلِيفَة، ثمَّ [من بعده] للْملك الْعَادِل نور الدّين مُحَمَّد بن زنكي صَاحب الشَّام، ثمَّ من بعدهمَا لصلاح الدّين هَذَا.
[وأصل] بَنو أَيُّوب: كَانُوا من دوين - بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الْوَاو وَسُكُون الْيَاء وَبعدهَا نون - وَهِي فِي اخر عمل أذربيجان من جِهَة أران وبلاد الكرخ - وهمن أكراد روادية كَانُوا فِي خدمَة زنكي بن أق سنقر، ثمَّ من بعده أرسلهم إِلَى الديار المصرية، وقصتهم فِيهَا تطول.
وَالْمَقْصُود: أَن صَلَاح الدّين هَذَا لما ولى الوزارة للعاضد اسْتمرّ على ذَلِك إِلَى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة أرسل الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود إِلَى صَلَاح الدّين هَذَا يَأْمُرهُ بِقطع الْخطْبَة للعاضد بِمصْر وَإِقَامَة الْخطْبَة بهَا للمستضئ حسن العباسي خَليفَة بَغْدَاد؛ فَأرْسل صَلَاح الدّين لنُور الدّين يعْتَذر بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الْإِجَابَة إِلَى ذَلِك؛ فَأرْسل نور الدّين ثَانِيًا إِلَى صَلَاح الدّين بذلك، وخشن لَهُ فِي القَوْل وألزمه بذلك.
وَكَانَ نور الدّين يُكَاتب صَلَاح الدّين بالأمير الاسفهسلار وَيكْتب علامته فِي الْكتب تَعْظِيمًا أَن يكْتب إسمه.
وَكَانَ لَا يفرد صَلَاح الدّين بمكاتبة وَحده، بل يكْتب لَهُ ولكافة الْأُمَرَاء الَّذين بِمصْر يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِن كَانَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين هُوَ عظيمهم واعتماد نور الدّين عَلَيْهِ.
وَلما ألزم نور الدّين صَلَاح بِقطع إسم العاضد من الْخطْبَة اسْتَشَارَ صَلَاح الدّين الْأُمَرَاء الَّذين هم رفقته من عِنْد نور الدّين كَيفَ يكون الأبتداء بِالْخطْبَةِ للعباسية؟ ؛ فاختلفت أَقْوَالهم، إِلَى أَن قَامَ رجل أعجمي يعرف بالأمير الْعَالم لما رأى مَا هم فِيهِ من الإحجام قَالَ: أَنا أبتدئ بهَا.
فَلَمَّا كَانَ أول جُمُعَة من الْمحرم من سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة صعد الْمِنْبَر قبل الْخَطِيب ودعى للخليفة المستضئ العباسي خَليفَة بَغْدَاد؛ فَلم يتَكَلَّم أحد من المصريين، وَلَا أَنْكَرُوا ذَلِك.
فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة الثَّانِيَة أَمر صَلَاح الدّين الخطباء [بِمصْر والقاهرة] بِقطع إسم العاضد العبيدي من الْخطْبَة وَإِقَامَة الْخطْبَة باسم المستضئ حسن العباسي؛ فَفَعَلُوا ذَلِك.
وَكتب صَلَاح الدّين إِلَى نور الدّين يعرفهُ بذلك.
وَمَات العاضد فِي يَوْم عَاشُورَاء قبل أَن يبلغة، [وَقيل: بلغَة] ؛ فَاغْتَمَّ وَمَات - حَسْبَمَا ذَكرْنَاهُ -.
وَاسْتولى صَلَاح الدّين على الديار المصرية على أَنه نَائِبا لنُور الدّين؛ فَلم تطل أَيَّام نور الدّين بعد ذَلِك وَمَات بعد سنيات.
واستفحل أَمر صَلَاح الدّين بِمَوْتِهِ، وَملك الْبِلَاد الشامية، وَفتح تِلْكَ الفتوحات الهائلة، من جُمْلَتهَا بَيت الْمُقَدّس - وَقد استوعبنا وقائعه وفتوحاته بِتَمَامِهَا وكمالها فِي ((النُّجُوم الزاهرة)) ؛ يضيق هَذَا الْمُخْتَصر عَن ذكرهَا -.
ودام صَلَاح الدّين بالسواحل الشامية سِنِين، إِلَى أَن مرض بِدِمَشْق وَمَات فِي صَبِيحَة يَوْم الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من صفر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة بعد صَلَاة الصُّبْح.
وَكَانَ يَوْم مَوته يَوْمًا [مشهودا] لم يصب النَّاس بِمثلِهِ [مُنْذُ] فقد الْخُلَفَاء الراشدون رضي الله عنهم.
وتسلطن بعده بِدِمَشْق وَلَده الْأَفْضَل، وتسلطن بِمصْر وَلَده [الْملك] الْعَزِيز عُثْمَان.
وَكَانَت مُدَّة سلطنة صَلَاح الدّين على مصر أَرْبعا وَعشْرين سنة، وَهُوَ صَاحب الفتوحات، وَصَاحب خانقاة سعيد السُّعَدَاء بِالْقَاهِرَةِ، والمدرسة السيوفية [بِالْقَاهِرَةِ] ، والخانقاة بالقدس [الشريف] .
وَهُوَ أول مُلُوك بني أَيُّوب بعد عَمه أَسد الدّين شيركوه وأجلهم وأعظمهم بِلَا مدافعة.
وَهُوَ الَّذِي أَقَامَ السَّادة الشَّافِعِيَّة بالديار المصرية وَقَدَّمَهُمْ على غَيرهم من الْمذَاهب رحمه الله [تَعَالَى]-.
ومولده بقلعة تكريت لما كَانَ أَبوهُ وَعَمه بهَا فِي سنة إثنتين وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة.
وَخلف سَبْعَة عشر ولدا ذكرا.
وَمَات وَلم يخلف بخزائنه من الذَّهَب وَالْفِضَّة إِلَّا سَبْعَة وَأَرْبَعين درهما ناصرية. وَلم يخلف ملكا وَلَا بستانا وَلَا قَرْيَة - رَحمَه الله تَعَالَى -.