الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْملك الْأَشْرَف
شعْبَان ابْن الْأَمِير حُسَيْن ابْن [الْملك] النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون.
جلس على سَرِير الْملك بعد خلع ابْن عَمه [الْملك] الْمَنْصُور [مُحَمَّد] فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر شعْبَان سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وعمره عشر سِنِين.
وَكَانَ الْقَائِم بتدبير ملكه الأتابك يلبغا على الْعَادة.
والأشرف هَذَا هُوَ [السُّلْطَان] الثَّانِي وَالْعشْرُونَ من مُلُوك التّرْك بالديار المصرية، وَهُوَ مَعَ يلبغا آلَة فِي السلطنة، وَجَمِيع أُمُور المملكة بيد يلبغا ويشاركه فِي ذَلِك طيبغا الطَّوِيل.
ثمَّ ثقل طيبغا [الطَّوِيل] على يلبغا، فَمَا زَالَ يلبغا بِهِ حَتَّى ظفر بِهِ وأمسكه.
واستبد عِنْد ذَلِك بِجَمِيعِ أُمُور المملكة، وَعظم أمره حَتَّى تجَاوز الْحَد.
وَضرب سَابق الدّين مِثْقَال مقدم الماليك السُّلْطَانِيَّة دَاخل الْقصر سِتّمائَة عصاة.
وَكَانَ يلبغا سيء الْخلق، بذئ اللِّسَان. فَلَمَّا زَاد أمره فِي الظُّلم أضمر مماليكه [لَهُ] السوء، وَاتَّفَقُوا على قَتله.
وَاتفقَ أَن يلبغا عدى بِالْملكِ الْأَشْرَف إِلَى [بر] الجيزة؛ فثارت عَلَيْهِ مماليكه هُنَاكَ؛ فهرب يلبغا مِنْهُم وعدى النّيل، فانضمت مماليكه على الْأَشْرَف، وندبوه لقِتَال يلبغا؛ فوافقهم بعد أُمُور.
وقاتلوا يلبغا نَحْو ثَلَاثَة أَيَّام [ويلبغا] بِجَزِيرَة أروى - الْمَعْرُوفَة بالجزيرة الْوُسْطَى - والأشرف ببولاق التكروري بِالْبرِّ الغربي.
وسلطن يلبغا آنوك بن حُسَيْن؛ فَلم يتم لَهُ ذَلِك، وَانْهَزَمَ وَقتل. وانتصر الْأَشْرَف - حَسْبَمَا ذَكرْنَاهُ مفصلا فِي عدَّة أَمَاكِن من مصنفاتنا [المطولات]-.
وَلما انتصر الْأَشْرَف أَخْلَع على أسندمر بالأتابكية؛ فَأَرَادَ أسندمر أَن يسير على سير يلبغا بعد أَن سكن بالكبش؛ فَلم يُوَافقهُ الْأَشْرَف على ذَلِك؛ فَأَرَادَ أسندمر خلع الْأَشْرَف، وَركب عَلَيْهِ؛ فانكسر بعد أُمُور طَوِيلَة، ومسك أسندمر وَحبس.
وَفِي هَذَا الْمَعْنى يَقُول [الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد] بن الْعَطَّار:
(هِلَال شعْبَان [جَهرا] لَاحَ فِي صفر
…
بالنصر حَتَّى أرى عيدا بشعبان)
(وَأهل كَبْش كَأَهل الْفِيل قد أخذُوا
…
رغما وَمَا انتطحت فِي الْكَبْش شَاتَان)
[قلت] : وَمن يَوْمئِذٍ استبد [الْملك] الْأَشْرَف بتدبير الْأُمُور، وَعظم وضخم، وَأَنْشَأَ المماليك الْكَثِيرَة، وَحسنت أَيَّامه حَتَّى [صَار] يضْرب بأيامه الْمثل.
وَاسْتمرّ على ذَلِك، إِلَى أَن تجهز إِلَى الْحَج فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة، وَخرج [طلبه] من الْقَاهِرَة يتجمل زَائِد إِلَى الْغَايَة فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشر شَوَّال من السّنة - وَقد ذكرنَا كَيْفيَّة خُرُوجه، وَحسن طلبه، وتجمله فِي ((النُّجُوم الزاهرة)) [وَغَيره؛ فَلْينْظر هُنَاكَ] .
ثمَّ خرج [الْملك] الْأَشْرَف فِي يَوْم الأثنين رَابِع عشره بأبهة عَظِيمَة، وَسَار حَتَّى نزل بسرياقوس؛ وأخلع بهَا على الشَّيْخ ضِيَاء الدّين القرمي باستقراره فِي مشيخة خانقاته الَّتِي أَنْشَأَهَا [الْأَشْرَف هَذَا] بالصوة.
وَكَانَت هَذِه الْمدرسَة من محَاسِن مباني الدُّنْيَا - وَقد هدمت [هَذِه الْمدرسَة] فِي الدولة الناصرية فرج بن برقوق.
ثمَّ سَار الْأَشْرَف من سرياقوس وَنزل بركَة الْحجَّاج؛ فَأَقَامَ بهَا إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشْرين شَوَّال، وَركب مِنْهَا بِمن مَعَه من العساكر مُتَوَجها إِلَى الْحجاز. وَكَانَ مَعَه من الْأُمَرَاء المقدمين تِسْعَة، وَمن [أُمَرَاء] الطبلخانات خَمْسَة وَعِشْرُونَ نَفرا، وَمن العشرات خَمْسَة عشر أَمِيرا.
وَجعل النَّائِب بِمصْر آقتمر عبد الْغَنِيّ، وَجعل بالقلعة أيدمر الشمسي. وَضبط أُمُور [الديار المصرية] إِلَى الْغَايَة، والمقادير تجْرِي بِخِلَاف مَا فعل.
فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت ثَانِي ذِي الْقعدَة طشتمر اللفاف، وقرطاى، وأينبك البدري، [وَعصى الْجَمِيع وَمَعَهُمْ] جمَاعَة كَثِيرَة.
والجميع عشرات وأجناد، [وَلم يكن] فيهم [أَمِير] طبلخاناه غير أينبك [الْمَذْكُور] .
[وَعصى الْجَمِيع] ، وَوَقع لَهُم أُمُور حَتَّى ملكوا القلعة، وخلعوا [الْملك] الْأَشْرَف، وسلطنوا وَلَده أَمِير على، وَزَعَمُوا أَن الْأَشْرَف مَاتَ بِالْعقبَةِ.
وَمن الْغَرِيب الأتفاق أَنه وَافق ركوبهم هُنَا خُرُوج من كَانَ مَعَ الْأَشْرَف عَلَيْهِ بعقبة أَيْلَة وانهزام الْأَشْرَف مِنْهُم، وَعوده إِلَى الْقَاهِرَة، واختفائه بقبة النَّصْر فِي تربة؛ فَبلغ خَبره الأمرء الَّذين خَرجُوا بالديار المصرية، ومسكوا شخصا من حَوَاشِي الْأَشْرَف وقرروه؛ فدلهم على مَكَانَهُ بقبة النَّصْر.
وَكَانَ الْأَشْرَف لما رَجَعَ من الْعقبَة كَانَ بِصُحْبَتِهِ من الْأُمَرَاء المقدمين صرغتمش الأشرفي، وبشتك الأشرفي، وأرغون شاه الأشرفي، ويلبغا الناصري اليلبغاوي - صَاحب الْوَقْعَة مَعَ برقوق الْآتِي ذكرهَا -. وَسَار بهم حَتَّى وافى قبَّة النَّصْر - خَارج الْقَاهِرَة - فَبَلغهُ مَا وَقع بالديار المصرية؛ فتحير فِي أمره ثمَّ خَافَ على نَفسه؛ فَتوجه هُوَ ويلبغا الناصري واختفيا عِنْد أستادار يلبغا الناصري. ثمَّ خَافَ الْأَشْرَف، وَفَارق يلبغا [الناصري]، وَتوجه إِلَى عِنْد إمرأة تسمى: آمِنَة، واختفى عِنْدهَا.
وَأما الْأُمَرَاء المصريون؛ فَإِنَّهُم أرْسلُوا جمَاعَة بالكبس على الْأَشْرَف بقبة النَّصْر؛ فأمسكوا الْأُمَرَاء الْمُقدم ذكرهم، وقتلوهم، وحزوا رُءُوسهم، وَلم يَجدوا الْأَشْرَف؛ فَبينا هم فِي ذَلِك نم إِلَيْهِم شخص، وعرفهم مَكَان الْأَشْرَف؛ فتوجهوا إِلَيْهِ ومسكوه، وعاقبوه، ثمَّ قَتَلُوهُ - بعد أُمُور ذَكرنَاهَا فِي غير هَذَا الْمُخْتَصر -.
وَكَانَ قَتله فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء خَامِس ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة.
وتسلطن [من] بعده وَلَده الْملك الْمَنْصُور [على] آلَة.
وَوَقع [من بعده] أُمُور وَفتن سنينا كَثِيرَة، إِلَى أَن ملك برقوق الديار المصرية - حَسْبَمَا يَأْتِي ذكره -.
وَكَانَ الْملك الْأَشْرَف من محَاسِن الدُّنْيَا؛ كَانَ ملكا جَلِيلًا، عَارِفًا، عَاقِلا، شجاعا مقداما، كَرِيمًا، هينا لينًا، محببا للرعية.
قيل: إِنَّه لم يل [الْملك] فِي الدولة التركية أحلم مِنْهُ، وَلَا أحسن خلقا وخلقا. وَكَانَ محبا للْعُلَمَاء والفقراء وَأهل الْخَيْر، مقتديا بالأمور الشَّرْعِيَّة، وأبطل فِي سلطنته عدَّة مكوس. وَكَانَ محسنا لإخوته وَأَوْلَاد عَمه وأقاربه.
قلت: ومحاسن الْأَشْرَف كَثِيرَة، يضيق هَذَا الْمُخْتَصر عَن ذكرهَا، وَمن أَرَادَ معرفَة أَحْوَاله؛ فَعَلَيهِ [بتاريخنا ((المنهل الصافي)) ، وأوسع مِنْهُ لاسيما فِي تراجم مُلُوك مصر - ((النُّجُوم الزاهرة)) ] . إنتهى.