الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْملك الظَّاهِر
[سيف الدّين] أَبُو سعيد جقمق العلائي الظَّاهِرِيّ.
السلطن الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ من مُلُوك التّرْك، والعاشر من الجراكسة. تسلطن يَوْم خلع [الْملك] الْعَزِيز يُوسُف، وَهُوَ يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شهر ربيع الأول سنة إثنتين وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة، على مضى سبع عشرَة دَرَجَة من النَّهَار، والطالع برج الْمِيزَان [بِعشر دَرَجَات وَخمْس وَعشْرين دقيقة. وَكَانَت الشَّمْس] فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من السنبلة، وَالْقَمَر من الْعَاشِر من الجوزاء [وزحل فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من الْحمل، وَالْمُشْتَرِي فِي السَّابِع عشر من الْقوس، والمريخ فِي الْخَامِس من الْمِيزَان، والزهرة فِي الْحَادِي عشر من الْأسد، وَعُطَارِد فِي الرَّابِع عشر من السنبلة، وَالرَّأْس فِي الثَّانِي من الْمِيزَان] .
وَجلسَ على سَرِير الْملك، وَتمّ أمره. وَأصْبح من الْغَد [فِي] يَوْم الْخَمِيس أَخْلَع على جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَغَيرهم؛ فاستقر بالأمير قرقماس الشَّعْبَانِي أتابكا -[عوضا عَن نَفسه]- وبالأمير آقبغا التمرازى
أَمِير سلَاح - عوضا عَن قرقمس [الْمَذْكُور]-، وبالأمير يشبك السودوني [المشد] أَمِير مجْلِس - عوضا عَن آقبغا التمرازى -، وبالأمير تمراز القرمشي أَمِير آخور كَبِيرا - عوضا عَن جانم الأشرفي [بِحكم حَبسه]-، وبالأمير قراقجا الحسني رَأس نوبَة النوب - عوضا عَن عمراز القرمشي - وبالأمير تغرى بردى البكلمشي المؤذي حَاجِب الْحجاب - عوضا عَن يشبك السودوني -. وأخلع على أركماس الظَّاهِرِيّ باستمراره على وظيفته الدوادارية الْكُبْرَى.
ثمَّ أنعم على جمَاعَة أخر بعدة تقادم وطبلخانات وعشرات وإقطاعات كَثِيرَة [ذكرنَا غالبها فِي تَرْجَمته فِي تاريخنا ((النُّجُوم الزاهرة)) وَغَيره] .
ثمَّ شرع فِي نَفَقَة المماليك السُّلْطَانِيَّة؛ فَأعْطى لكل وَاحِد مائَة دِينَار.
ثمَّ فِي أثْنَاء ذَلِك خرج الْأَمِير قرقماس عَن طَاعَته؛ فواقعه [الْملك] الظَّاهِر [الْمَذْكُور] ؛ فَانْهَزَمَ قرقماس، واختفى، ثمَّ ظفر بِهِ، وسجن بثغر الأسكندرية، ثمَّ ضربت رقبته.
ثمَّ خرج من طَاعَته تغرى برمش نَائِب حلب، ثمَّ أينال الجكمي نَائِب الشَّام؛ فَجهز إِلَيْهِمَا العساكر؛ فقاتلوهما وَاحِدًا بعد وَاحِد، وظفر بهما وقتلهما. [وَقد ذكرنَا هَذَا كُله مفصلا مطولا فِي أوراق كَثِيرَة يضيق هَذَا الْمُخْتَصر عَن إِيرَاد شَيْء مِنْهَا] .
وَبعد قتل هَؤُلَاءِ صفا الْوَقْت للْملك الظَّاهِر، وَأخذ وَأعْطى، وَقرب أَقْوَامًا وَأبْعد آخَرين.
وَلم يزل فِي ملكه والأقدار تساعده، إِلَى أَن مرض فِي [أثْنَاء] سنة سِتّ وَخمسين [وَثَمَانمِائَة] .
وَتَمَادَى بِهِ الْمَرَض أشهرا، إِلَى أَن خلع نَفسه من الْملك فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشْرين الْمحرم سنة سبع وَخمسين وَثَمَانمِائَة، [وفوض الْملك لوَلَده] الْملك الْمَنْصُور [أَبُو السعادات] عُثْمَان.
وَلزِمَ الْملك الظَّاهِر الْفراش، إِلَى أَن مَاتَ فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع صفر [من] سنة سبع وَخمسين وَثَمَانمِائَة، وَصلى عَلَيْهِ الْخَلِيفَة الْقَائِم بِأَمْر الله حَمْزَة [بِبَاب الْقلَّة من قلعة الْجَبَل من الْغَد] ، وَحضر وَلَده الْملك الْمَنْصُور عُثْمَان الصَّلَاة عَلَيْهِ.
[وَكَانَت جنَازَته مَشْهُودَة][من غير هوج وَلَا غوغاء، بِخِلَاف جنائز الْمُلُوك؛ وَذَلِكَ لطمأنينة النَّاس بسلطنة وَلَده قبل تَارِيخه] .
وَدفن بتربة أَخِيه [الْأَمِير] جاركس القاسمي المصارع الَّتِي جددها مَمْلُوكه قاناى باى الجركسي تجاه القلعة بِالْقربِ من دَار الضِّيَافَة.
وَكَانَ [الْملك] الظَّاهِر ملكا دينا، خيرا [عفيفا] ، كَرِيمًا، متواضعا، محبا للفقهاء وَالْعُلَمَاء والصلحاء [والأيتام] ، (غير أَنه كَانَ يَقع مِنْهُ فِي بعض الأحيان اخراق بِبَعْض من هُوَ متلبس بأخلاق الْفُقَهَاء وَكَانَ ذَلِك - غالبه - من وسائط السوء؛ لِأَنَّهُ كَانَ على قَاعِدَة الأتراك، عِنْده الدَّعْوَى لمن سبق، مَعَ حِدة كَانَت فِيهِ وبادرة.
وَبِالْجُمْلَةِ، كَانَت محاسنه وَكَرمه أَكثر من مساوئه [كَمَا قيل] :
(وَمن ذَا الَّذِي ترْضى سجاياه كلهَا
…
كفى الْمَرْء فخرا أَن تعد معايبه)
وَكَانَ رحمه الله عفيفا عَن الْمُنْكَرَات والفروج، بِحَيْثُ أَنه لَا نعلم من ملك مصر قبله وَلَا بعده من مُلُوك التّرْك - بل وَلَا غَيرهَا - أعف مِنْهُ، وَأَنا أَدْرِي مَا أَقُول.
وَكَانَت صفته: للقصر أقرب، حسن الشكل، منور الشيبة) .
[وَكَانَ] فصيح اللِّسَان، فَاضلا متفقها، يذاكر بالمسائل [الْفِقْهِيَّة] ، كثير التعصب لمَذْهَب الإِمَام [الْأَعْظَم] أبي حنيفَة رضي الله عنه.
وَمَات وسنه نَحْو ثَمَانِينَ سنة.
وَكَانَت مُدَّة سلطنته [على مصر] أَربع عشرَة سنة وَعشرَة أشهر ويومان -[أَعنِي من يَوْم تسلطن إِلَى يَوْم خلع بإبنه الْمَنْصُور عُثْمَان]-.
وعاش بعد خلعه [من السلطنة] نَحْو إثنا عشر يَوْمًا.
وَأما أَصله: كَانَ جاركسي [الْجِنْس] جلبه خواجا كزل إِلَى مصر، فابتاعه مِنْهُ العلائي على بن الأتابك أينال اليوسفي، ثمَّ انْتقل مِنْهُ إِلَى [الْملك] الظَّاهِر برقوق، وَصَارَ من جملَة الخاصكية، ثمَّ صَار ساقيا فِي الدولة الناصرية فرج، ثمَّ إمرة عشرَة، ثمَّ أمسك، وَحبس، ثمَّ أطلق، ثمَّ صَار أَمِير طبلخاناه وخازندار فِي الدولة المؤيدية [شيخ] ، ثمَّ صَار بعد
موت الْمُؤَيد [أَمِير مائَة] ومقدم ألف، ثمَّ صَار فِي الدولة الأشرفية حَاجِب الْحجاب، ثمَّ أَمِير آخور [كَبِير] ، ثمَّ أَمِير سلَاح، ثمَّ أتابك، إِلَى أَن تسلطن -[وَقد ذكرنَا تنقلاته فِي هَذِه الْوَظَائِف محررا بِالْيَوْمِ وَالْوَقْت، وَعَمن أَخذ كل وَظِيفَة من إبتداء أمره إِلَى إنتهائه فِي تاريخنا ((النُّجُوم الزاهرة)) ، وَأَيْضًا فِي مصنفنا ((المنهل الصافي)) بأوسع من هَذَا؛ فَلْينْظر هُنَاكَ. إنتهى]-.
وتسلطن [من] بعده وَلَده الْمَنْصُور [عُثْمَان - حَسْبَمَا يَأْتِي ذكره] ، [إِن شَاءَ الله تَعَالَى]-.