الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سلطنة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون الثَّانِيَة
قد تقدم ذكر مولده وَنسبه فِي أول سلطنته.
وَلما أَن قتل [الْملك] الْمَنْصُور [حسام الدّين] لاجين اتّفق الْأُمَرَاء المصريون على سلطنته ثَانِيًا، وحلفوا لَهُ فِي غيبته، وأحضروه من الكرك وسلطنوه. وَصَارَ الْأَمِير سلار نَائِب السلطنة [وحسام الدّين لاجين الأستادار أتابكا وبيبرس الجاشنكير أستادارا والأمير] آقوش الأفرم الصَّغِير نَائِبا على دمشق.
وَكَانَ عمر [الْملك] النَّاصِر يَوْم عوده إِلَى الْملك خمس عشرَة سنة.
وَفِيه يَقُول الشَّيْخ عَلَاء الدّين الوداعي:
(الْملك النَّاصِر قد أَقبلت
…
دولته مشرقة الشَّمْس)
(عَاد إِلَى كرسيه مِثْلَمَا
…
عَاد سُلَيْمَان إِلَى الْكُرْسِيّ)
وَاسْتمرّ [الْملك] النَّاصِر [مُحَمَّد] فِي السلطنة، وَخرج من الديار المصرية لقِتَال التتار لما حَضَرُوا إِلَى الشَّام فِي أَوَائِل سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة، وَدخل دمشق فِي ثامن شهر ربيع الأول.
وعدى التتار الْفُرَات، وَخرج [الْملك] النَّاصِر بالعساكر لتلقيهم؛ فالتقاهم بوادي الخازندار - خَارج حمص - فَكَانَ بَين الْفَرِيقَيْنِ وقْعَة عَظِيمَة،
وَثَبت عَسْكَر الْإِسْلَام ثباتاً عَظِيما إِلَى الْعَصْر، ثمَّ تكاثر عَسْكَر التتار؛ فَانْكَسَرت ميمنة السُّلْطَان - وَكَانَ عَسْكَر السُّلْطَان يَوْمئِذٍ نَحْو عشْرين ألفا والتتار فِي نَحْو مائَة ألف - وَانْهَزَمَ السُّلْطَان، وَقتل فِي المصاف جمَاعَة من الْأُمَرَاء. وَملك قازان دمشق - مَا خلا قلعتها؛ فَإِن نائبها الْأَمِير أرجواش المنصوري قَامَ بحفظها أتم قيام -.
وخطب لقازان بِدِمَشْق، وَولي قازان نِيَابَة دمشق لقبجق - الَّذِي كَانَ هرب من [لاجين المنصوري] حَسْبَمَا تقدم ذكره -.
وقاست أهل دمشق شَدَائِد من التتار.
وَأما الْملك النَّاصِر؛ [فَإِنَّهُ] دخل مصر بعد كَسرته، وَأنْفق فِي العساكر. وبينما هُوَ فِي ذَلِك جَاءَهُ الْخَبَر بِعُود قازان إِلَى بِلَاده.
وَحضر قبجق طَائِعا؛ فوبخه السُّلْطَان وأهانه أَولا، ثمَّ رضى عَنهُ. ثمَّ عاودت التتار الْبِلَاد؛ فَخرج الْملك النَّاصِر ثَانِيًا، وواقعهم بمرج الصفر، وَهَزَمَهُمْ أقبح هزيمَة، وَقتل قطلوشاه مقدم التتار، وَجَمَاعَة كَثِيرَة من عَسْكَر التتار. وَنصر الله الْإِسْلَام.
وَعَاد قازان من حلب فِي ضيق وقهر من كسر أَصْحَابه، هَذِه الكسرة القبيحة.
ودقت البشائر لذَلِك أَيَّامًا، ثمَّ عَاد [الْملك] النَّاصِر إِلَى [الديار المصرية] . ودام بهَا فِي ضيق وَحجر من نَائِبه سلار وأستاذه بيبرس الجاشنكير، وَوَقع لَهُ مَعَهُمَا أُمُور فِي سِنِين كَثِيرَة.
ودام على ذَلِك إِلَى شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسَبْعمائة أظهر التَّوَجُّه إِلَى الْحجاز، وَخرج من الْقَاهِرَة، وَتوجه إِلَى الكرك متبرما من سلار وبيبرس، وَأعْرض عَن ملك مصر؛ فروجع فِي ذَلِك؛ فَأبى، وصمم على الْإِقَامَة بالكرك. فاتفق الْأُمَرَاء على سلطنة بيبرس الجاشنكير وسلطنوه ولقبوه [بِالْملكِ المظفر] .
وَاسْتمرّ [الْملك] النَّاصِر بالكرك، إِلَى أَن تحرّك لطلب الْملك ثَالِث مرّة، وَملك [الديار المصرية]- حَسْبَمَا يَأْتِي ذكره، [إِن شَاءَ الله تَعَالَى]-.