الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْملك النَّاصِر
زين الدّين أَبُو السعادات، فرج ابْن [الْملك] الظَّاهِر برقوق ابْن الْأَمِير آنص، الجاركسي الأَصْل. وَالسَّادِس وَالْعشْرُونَ من مُلُوك التّرْك بالديار المصرية، وَالثَّانِي من الجراكسة.
تسلطن صَبِيحَة يَوْم موت وَالِده فِي يَوْم الْجُمُعَة النّصْف من شَوَّال سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة بِعَهْد من أَبِيه.
وَفِي معنى سلطنته يَقُول الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد [الْمُقْرِئ الأوحدي][رحمه الله] .
(مضى الظَّاهِر السُّلْطَان أكْرم مَالك
…
إِلَى ربه يرقى إِلَى الْخلد فِي الدرج)
(وَقَالُوا: ستأتي شدَّة بعد مَوته
…
فأكرمهم رَبِّي وَمَا جَاءَ سوى فرج)
وَكَانَ [عمر النَّاصِر هَذَا] يَوْم تسلطن دون الْعشْر سِنِين.
وَأمه أم ولد رُومِية تسمى: شيرين، تلوذ للوالد بِقرَابَة.
وَتمّ أمره فِي الْملك، وَصَارَ الأتابك أيتمش مُدبر مَمْلَكَته، ويشاركه الْوَالِد فِي ذَلِك - وَهُوَ يَوْم ذَاك أَمِير سلَاح -.
ثمَّ وَقعت أُمُور، وَتَفَرَّقَتْ المماليك الظَّاهِرِيَّة فرْقَتَيْن: فرقة مَعَ أيتمش - وهم كبار الْأُمَرَاء - وَفرْقَة مَعَ يشبك الخازندار - وهم أصاغر الْأُمَرَاء -.
وَآل الْأَمر بَينهمَا إِلَى الْقِتَال؛ فانكسر [الأتابك] أيتمش بِمن مَعَه وتوجهوا جَمِيعًا إِلَى تنم الْحسنى الظَّاهِرِيّ نَائِب الشَّام؛ فَغَضب [تنم] لغضبهم، وَسَار بِجَمِيعِ العساكر الشامية وبمن قدم عَلَيْهِ مَعَ أيتمش وَغَيره من أُمَرَاء مصر يُرِيد مصر.
وَخرج [الْملك] النَّاصِر بعساكر مصر، وتواقع مَعَ الْأَمِير تنم وأيتمش وَالْوَالِد بِمن مَعَهم؛ فَكسر الْجَمِيع، وَقتل غالبهم، إِلَّا الْوَالِد وآقبغا نَائِب حلب؛ فَإِنَّهُمَا حبسا.
وَاسْتولى يشبك وأقرانه من أصاغر الْأُمَرَاء على [مملكة] مصر؛ فاضطربت أَحْوَال مصر؛ لسوء تدبيرهم وَاخْتِلَاف كلمتهم.
ثمَّ قدم تيمور [لنك] إِلَى الْبِلَاد الشامية فِي سنة [ثَلَاث] وَثَمَانمِائَة بعد وقْعَة أيتمش بأشهر؛ فَخرجت العساكر المصرية صُحْبَة النَّاصِر ثَانِيًا إِلَى دمشق؛ فَلم ينْتج أَمرهم مَعَ تيمور؛ لسوء تدبيرهم، لَا لقلَّة عَسْكَرهمْ.
وَملك تيمور الشَّام من الْوَالِد؛ فَإِنَّهُ كَانَ ولي نِيَابَة دمشق بعد أَن قتل سودون قريب الظَّاهِر فِي أسر تيمور [الْمَذْكُور] .
وَعَاد النَّاصِر [إِلَى مصر] وصحبته الْوَالِد والعساكر على أقبح وَجه - وَقد ذكرنَا ذَلِك كُله مفصلا فِي غير هَذَا [الْمحل]-.
ثمَّ بعد توجه تيمور أُعِيد الْوَالِد إِلَى نِيَابَة دمشق ثَانِيًا.
ثمَّ وَقع فتن كَثِيرَة بَين الْأُمَرَاء الظَّاهِرِيَّة، وتداول ذَلِك بَينهم سِنِين عديدة، وأفنى بَعضهم بَعْضًا قتلا وحبسا.
وَخرجت غَالب بِلَاد مصر فِي تِلْكَ الْأَيَّام، وَاسْتمرّ ذَلِك وَزَاد، إِلَى أَن ضجر [الْملك] النَّاصِر فرج مِنْهُم وَترك ملكه، وتسحب من القلعة من غير أَن يكرههُ أحد على ذَلِك، وَكَانَ وَقت تسحبه من القلعة فِي وسط نَهَار الْأَحَد خَامِس عشْرين شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة.
واختفى النَّاصِر؛ فَلم يعرف لَهُ مَكَان. وَبلغ الْأُمَرَاء ذَلِك؛ فأجمع رَأْيهمْ على سلطنة أَخِيه عبد الْعَزِيز؛ فَطلب من الدّور السُّلْطَانِيَّة، وتسلطن، ولقب [بِالْملكِ الْمَنْصُور] على كره مِنْهُ.
وَكَانَت مُدَّة ملك [الْملك] النَّاصِر فرج [فِي] هَذِه الْمرة [الأولى] سِتّ سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَعشرَة أَيَّام.