الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سلطنة] الْملك النَّاصِر حسن الثَّانِيَة
تقدم ذكر خلعه من السلطنة وحبسه، وَأَيْضًا ذكر خلع أَخِيه [الْملك] الصَّالح صَالح من الْملك وإعادته.
وَكَانَ جُلُوسه فِي هَذِه السلطنة الثَّانِيَة فِي يَوْم الأثنين ثَانِي شَوَّال سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة.
وَتمّ أمره فِي الْملك، وَاسْتمرّ شيخو أتابكا وصرغتمش على حَاله، وهما صَاحِبي الْحل وَالْعقد فِي المملكة، و [الْملك] النَّاصِر حسن سَامِعًا لَهما مُطيعًا.
ودام الْأَمر على ذَلِك إِلَى [يَوْم] ثامن شعْبَان سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة. حضر شيخو الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة مَعَ جَمِيع الْأُمَرَاء على الْعَادة؛ فَوَثَبَ عَلَيْهِ مَمْلُوك من المماليك السُّلْطَانِيَّة يُقَال لَهُ: قطلوخجا السِّلَاح دَار، وضربه بِالسَّيْفِ ثَلَاث ضربات: فِي وَجهه، وَفِي بدنه، وَفِي ذراعه، وَهُوَ جَالس بدار الْعدْل فِي خدمَة السُّلْطَان حسن [هَذَا] ؛ فَقَامَ النَّاصِر حسن من الْمجْلس فَزعًا، وَأمْسك قطلوخجا الْمَذْكُور.
وَسقط شيخو إِلَى الأَرْض؛ فطلعت مماليكه ملبسين إِلَى القلعة، وَحَمَلُوهُ على جنوية، ونزلوا بِهِ إِلَى دَاره وَبِه رَمق؛ فخيطوا جراحاته.
وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة، وَنزل [إِلَيْهِ] السُّلْطَان حسن من الْغَد إِلَى بَيته واستعطفه، وَحلف لَهُ أَن الَّذِي جرى لم يكن لَهُ بِهِ علم.
وأحضر قطلوخجا [الْمَذْكُور] وَسَأَلَهُ؛ فَقَالَ: مَا أَمرنِي أحد. غير أنني قدمت لَهُ قصَّة فَمَا قضى حَاجَتي؛ فرسم السُّلْطَان بتسميره، فسمر وطيف بِهِ، ثمَّ وسط.
وَاسْتمرّ شيخو ملازما للْفراش، إِلَى أَن مَاتَ فِي سادس عشْرين ذِي الْقعدَة من سنة ثَمَان وَخمسين الْمَذْكُورَة.
وَكَانَ من أجل الْأُمَرَاء وأعظمهم، وَهُوَ صَاحب الخانقاة بالصليبة وَغَيرهَا.
[قلت] : وبموته خف الْأَمر عَن [الْملك] النَّاصِر حسن، وتحرك لَهُ السعد. وَبَقِي صرغتمش؛ فَأخذ [الْملك] النَّاصِر ينشئ لَهُ حَاشِيَة ومماليك، ورقى مملوكاه طيبغا الطَّوِيل ويلبغا الْعمريّ الَّذِي قَتله - حَسْبَمَا يَأْتِي ذكره -.
(هَذَا، وَقد زَادَت عَظمَة صرغتمش بعد موت شيخو، وتضاعفت حرمته، وَانْفَرَدَ بالرئاسة فِي الْأُمَرَاء، إِلَى أَن ثقل على النَّاصِر.
وحدثته نَفسه بالوثوب على السُّلْطَان؛ بادره [الْملك] النَّاصِر بِالْقَبْضِ
عَلَيْهِ، ورتب مماليكه. فَلَمَّا طلع إِلَى القلعة على الْعَادة، وَأَرَادَ الدُّخُول على السُّلْطَان فِي الْخلْوَة، قَامُوا لَهُ، وأمسكوه، وأمسكوا مَعَه طشتمر القاسمي حَاجِب الْحجاب، وطيبغا الماجاري، وأزدمر، وقماري، وَجَمَاعَة من أُمَرَاء الطبلخانات.
فَلَمَّا سمع [مماليك صرغتمش] ركبُوا بِالسِّلَاحِ، وطلعوا إِلَى الرميلة؛ فَنزل إِلَيْهِم مماليك السُّلْطَان، وقاتلوهم من بكرَة النَّهَار إِلَى الْعَصْر؛ فانكسروا ونهبت دَار صرغتمش ودكاكين الصليبة، وَأمْسك جمَاعَة من الْأَعَاجِم الَّذين كَانُوا من صوفية الصرغتمشية.
ثمَّ حمل صرغتمش إِلَى سجن الأسكندرية، وَقتل بِهِ فِي ذِي الْحجَّة من سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة [الْمَذْكُورَة] .
وَمن يَوْمئِذٍ عظم أَمر [السُّلْطَان][النَّاصِر] حسن، ورقى مماليكه، وَعمر مدرسته الْعَظِيمَة - تجاه القلعة - الَّتِي لم يعمر فِي الْإِسْلَام مثلهَا، وَأَنْشَأَ حَوَاشِيه، وَأخذ وَأعْطى، إِلَى أَن توجه إِلَى الصَّيْد بكوم بره - وَهِي بليدَة من قوى الْقَاهِرَة -.
وَكَانَ تغير خاطره على مَمْلُوكه يلبغا الْعمريّ لكَلَام بلغه عَنهُ؛ فَركب السُّلْطَان [حسن] فِي [جمَاعَة يسيرَة] من خاصكيته على أَنه يكبس على يلبغا بمخيمه.
وَكَانَ عِنْد يلبغا خَبرا من ذَلِك بطرِيق الدسيسة؛ فَخرج يلبغا مستعدا إِلَى قِتَاله؛ فَلم يقدر السُّلْطَان [حسن] عَلَيْهِ، وانكسر مِنْهُ، وهرب فِي [طَائِفَة قَليلَة] . وعدى النّيل، إِلَى أَن طلع القلعة فِي ليلته - وَهِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء تَاسِع جُمَادَى الأولى سنة إثنتين وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة، فَتَبِعَهُ يلبغا وعدى النّيل، فاعترضه ابْن المحسني - أحد مقدمي الألوف - وَمَعَهُ قشتمر المنصوري وواقعه؛ فانكسر يلبغا مرَّتَيْنِ - كل ذَلِك قبل أَن يمْضِي من اللَّيْل ثلثه -.
وَكَانَ يلبغا فِي جمع موفور؛ فَلَمَّا عجز عَن ابْن المحسني أرسل إِلَيْهِ يعده بِكُل خير إِن تنحى من طَرِيقه؛ فَفعل لَهُ ابْن المحسني ذَلِك لما علم [من زَوَال] دولة النَّاصِر حسن؛ فَسَار يلبغا إِلَى جِهَة القلعة.
وَكَانَ [الْملك] النَّاصِر ألبس مماليكه المقيمين بالقلعة؛ فَلم يجد لَهُم خيولا، لِأَن الْخَيل كَانَت [بأجمعها] فِي الرّبيع؛ فضاقت حيلته.
فَلَمَّا سبح [المسبح] ركب السُّلْطَان حسن وَمَعَهُ أيدمر الدوادار ولبسا لبس الْعَرَب؛ ليتوجها إِلَى الشَّام، فلقيهما بعض المماليك؛ فقبضوهما وأحضروهما إِلَى بَيت الْأَمِير شهَاب الدّين الأزكشي أستادار الْعَالِيَة، فَأَخذهُمَا وَتوجه بهما إِلَى عِنْد يلبغا؛ فَكَانَ ذَلِك آخر الْعَهْد بالسلطان حسن رحمه الله [تَعَالَى]-.
وَكَانَت مُدَّة الْملك النَّاصِر حسن - فِي هَذِه السلطنة الثَّانِيَة - سِتّ سِنِين وَسَبْعَة أشهر.
وَقد تقدم تَارِيخ وَفَاته عِنْد ركُوبه على يلبغا الْمَذْكُور.
وسلطن يلبغا من بعده [الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد ابْن الْملك المظفر حاجى ابْن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون] .