الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذكر سلطنة الْملك الظَّاهِر خشقدم على مصر. السُّلْطَان] الْملك الظَّاهِر (سيف الدّين أَبُو سعيد، خشقدم) الناصري المؤيدي.
وَهُوَ [السُّلْطَان] الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ من مُلُوك التّرْك وَأَوْلَادهمْ بالديار المصرية، وَالْأول من الأروام - إِن لم يكن أيبك التركماني والمنصور
لاجين من الأروام -.
تسلطن بعد [خلع] الْملك الْمُؤَيد أَحْمد فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشر [شهر] رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ [وَثَمَانمِائَة] بعد الزَّوَال، وَلبس خلعة السلطنة من مبيت الحراقة بالإصطبل، وَركب بأبهة الْملك، وَحمل الْقبَّة وَالطير على رَأسه الْأَمِير جرباش المحمدي أَمِير سلَاح.
وَجلسَ على تخت الْملك؛ فَقبلت الْأُمَرَاء الأَرْض بَين يَدَيْهِ، وَنُودِيَ فِي الْحَال باسمه - وَقد تلقب بِالظَّاهِرِ - ودقت البشائر.
ونشرع الأن فِي التَّعْرِيف بِذكرِهِ؛ فَنَقُول: أَصله رومي الْجِنْس، جلبه خواجا نَاصِر الدّين - وَبِه كَانَ يعرف بالناصري -؛ فَاشْتَرَاهُ [الْملك] الْمُؤَيد شيخ فِي سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة، أَو فِي أَوَاخِر الَّتِي قبلهَا - هَكَذَا ذكر لي من لَفظه -[ثمَّ أعْتقهُ] الْمُؤَيد، وَصَارَ خاصكيا فِي دولة المظفر أَحْمد بن شيخ بِوَاسِطَة أغاته تغرى بردى قريب قصروه.
ودام على ذَلِك دهرا طَويلا، إِلَى أَن تسلطن [الْملك] الظَّاهِر جقمق جعله ساقيا، ثمَّ أمره الظَّاهِر عشرَة فِي حُدُود سنة سِتّ وَأَرْبَعين، وَجعله من جملَة رُءُوس النوب؛ فاستمر على ذَلِك إِلَى سنة خمسين نَقله [الْملك] الظَّاهِر إِلَى تقدمة ألف بِدِمَشْق؛ [فدام بِدِمَشْق] إِلَى أَن تغير خاطر [الْملك] الظَّاهِر على الْأَمِير تنبك حَاجِب الْحجاب بِسَبَب عبد قَاسم الكاشف الَّذِي اشْتهر بالصلاح، وَأخرجه [إِلَى دمياط] بطالا. طلب خشقدم هَذَا من دمشق بسفارة أبي الْخَيْر النّحاس والأمير تمربغا الدوادار الثَّانِي، وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة تنبك [الْمَذْكُور] وبحجوبية الْحجاب دفْعَة وَاحِدَة؛ وَذَلِكَ ببذل عشرَة آلَاف دِينَار - على مَا قيل - وَكَانَ ذَلِك فِي صفر سنة أَربع وَخمسين.
ودام على ذَلِك، إِلَى [أَن] نَقله الْملك الْأَشْرَف أينال إِلَى إمرة سلَاح؛ فدام على ذَلِك دولة الْأَشْرَف أينال كلهَا، وسافر مقدم العساكر إِلَى بِلَاد [ابْن] قرمان.
فَلَمَّا تسلطن [الْملك] الْمُؤَيد أَحْمد [بن أينال] جعله أتابك العساكر عوضا عَن نَفسه، وَذَلِكَ فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشر جُمَادَى الأول سنة خمس وَسِتِّينَ، فَلم تطل أَيَّامه، وتسلطن بعد خلع الْمُؤَيد أَحْمد [الْمَذْكُور] فِي التَّارِيخ الْمُقدم ذكره.
وَلما تسلطن سر النَّاس بسلطنته، وَمَا ذَاك إِلَّا لقطع جاذرة الجلبان، وَأَيْضًا لمحاسنه؛ فَإِنَّهُ كَانَ مليح الشكل، كَبِير اللِّحْيَة أصهبها، قد شَاب أَكْثَرهَا، للطول أقرب، مَعَ رشاقة فِي قده، وهيف وحلاوة شكل، وَمَعْرِفَة بفنون الفروسية كالرمح، والنشاب، والمحمل، والكرة وَغير ذَلِك.
وَفِيه حذق، وذوق، ومشاركة قَليلَة فِي علم الْقرَاءَات بِحَسب الْحَال [وَأَبْنَاء جنسه] .
وَبِالْجُمْلَةِ؛ أَنه كن فِيهِ محَاسِن، لَوْلَا طمع كَانَ فِيهِ وشح، وأفعال مماليكه الأجلاب فِي الْمُسلمين، تِلْكَ الْأَفْعَال القبيحة [الَّذِي قد ذكر أَكْثَرهَا فِي تاريخنا الْحَوَادِث. و] بِهَذَا الْمُقْتَضى طلب النَّاس مَوته؛ وَزَوَال دولته.
وَفَرح النَّاس بِمَوْتِهِ قاطبة، حَتَّى الْيَهُود وَالنَّصَارَى؛ فهم كَانُوا أَكثر مظْلمَة مَعَ الأجلاب من الْمُسلمين.
وَلَيْسَ محبته لمماليكه الأجلاب بعجيب، وَإِنَّمَا الْعجب أَنه أَقَامَ نَحْو السنتين من سلطنته وَنحن نتحاكى مَعَه أَفعَال أجلاب الْأَشْرَف أينال، وَهُوَ أعظم حاك عَنْهُم، ثمَّ ينشئ [هُوَ] بعد ذَلِك أجلابه ويرضى بأفعالهم مَعَ عظم انكاره على من كَانَ قبلهم! .
قلت: وَعظم الْملك الظَّاهِر خشقدم بِآخِرهِ، وخافه الْخَاص وَالْعَام، إِلَى أَن مرض، وَطَالَ مَرضه، [إِلَى أَن مَاتَ][بعد ظهر يَوْم السبت] عَاشر ربيع الأول سنة إثنتين وَسبعين وَثَمَانمِائَة.
[وَكَانَت] مُدَّة سلطنته سِتّ سِنِين وَسِتَّة أشهر [بِنَقص ثَمَانِيَة] أَيَّام.
وتسلطن بعده خجداشه [الأتابك يلباى الأينالى المؤيدي، ثمَّ خلع، ثمَّ تسلطن الظَّاهِر تمر بغا، ثمَّ خلع، ثمَّ تسلطن الْأَشْرَف قايتباي - كَمَا سَيَأْتِي ذكرهم - إِن شَاءَ الله تَعَالَى]-.