الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذكر سلطنة] الْملك الظَّاهِر أَبُو سعيد، تمربغا الظَّاهِرِيّ [على مصر] .
وَهُوَ السُّلْطَان الَّذِي تكمل بِهِ [عدَّة] أَرْبَعِينَ ملكا من مُلُوك التّرْك وَأَوْلَادهمْ بالديار المصرية، وَالثَّانِي من الأروام - إِن لم يكن الْمعز أيبك التركماني [وَالْملك] الْمَنْصُور [لاجين] مِنْهُم
-.
تسلطن بعد خلع الْملك الظَّاهِر يلباى - الْمُقدم ذكره - فِي باكر نَهَار السبت سَابِع جُمَادَى الأول - الْمُوَافق لثامن كيهك - سنة إثنتين وَسبعين وَثَمَانمِائَة.
وَكَانَ وَقت سلطنته الثَّانِيَة من النَّهَار، والساعة للْمُشْتَرِي، والطالع الجدي [وزحل] .
وَتمّ أمره فِي الْبيعَة، وتلقب [بِالْملكِ الظَّاهِر]- وَهُوَ ثَالِث ظَاهر، لقبوا وَاحِدًا بعد وَاحِد، لم يكن بَينهم غَيرهم، وَهَذَا من النَّوَادِر -.
وَكَانَ لبسه لخلعة السلطنة من مبيت الحراقة بالإصطبل السلطاني، وَركب فرس النّوبَة من سلم الحراقة وَعَلِيهِ أبهة السلطنة: السوَاد الخليفتي. وَركب الْخَلِيفَة أَمَامه، ومشت الْأُمَرَاء وأعيان المملكة بَين يَدَيْهِ، وَحمل السنجق على رَأسه الْأَمِير قايتباى المحمودي الظَّاهِرِيّ رَأس نوبَة النوب، وَحمل السنجق على رَأسه إِنَّمَا هُوَ لفقد الْقبَّة وَالطير من الزردخاناه السُّلْطَانِيَّة فِي وَاقعَة يلباى.
[وَسَار الْملك الظَّاهِر فِي موكب السلطنة، إِلَى أَن طلع] من بَاب الْقصر.
وَدخل إِلَى الْقصر وَجلسَ على تخت الْملك، وَقبلت الْأُمَرَاء الأَرْض بَين يَدَيْهِ، وَنُودِيَ باسمه وسلطنته بشوارع الْقَاهِرَة. وسر النَّاس بسلطنته سُرُورًا زَائِدا تشارك فِيهِ الْخَاص وَالْعَام، حَتَّى قَالَ بَعضهم:((نعد ذَلِك من نوع الْفرج بعد الشدَّة)) ؛ وَمَا ذَلِك إِلَّا لزوَال يلباى عَنْهُم، وسلطنة هَذَا الرجل الَّذِي اجْتمعت النَّاس على عقله، ومعرفته، وفضله، وَعلمه، وَدينه، وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من المحاسن [كلهَا] ، وَالْجمع بيني فنون الْعلم والفروسية والذكاء والفصاحة وَحسن اللَّفْظ فِي الْخطاب، والتؤدة فِي الْكَلَام، وَالْأَدب الزَّائِد، وطلاقة الْوَجْه، وَحسن الشكل.
وَبِالْجُمْلَةِ؛ إِنَّه لم يل سلطنة مصر قَدِيما وَلَا حَدِيثا من يُشبههُ، وَلَا يُقَارِبه، وَلَا يدانيه. وَمَا أَقُول ذَلِك فِي الْأَفْضَلِيَّة وَلَا فِي الصّلاح، وَإِنَّمَا أَقُول فِي الْمعرفَة والحذق وَالْجمع لفنون السِّيَادَة [وأنواع الْكَمَال] ؛ لِأَن من محاسنه أَنه: يعْمل الْقوس بِيَدِهِ ويصنعه فِي أحسن عمل، وَكَذَلِكَ النشاب، ثمَّ يَرْمِي بهما رميا. إنتهت إِلَيْهِ فِيهِ الرِّئَاسَة على جَمِيع أهل زَمَانه، وَقس على هَذَا -[وَقد ذكرنَا من أَحْوَاله نبذة كَبِيرَة فِي تاريخنا ((النُّجُوم الزاهرة فِي ذكر مُلُوك مصر والقاهرة)) ؛ إِذْ هُوَ مَحل الاطناب فِي ذكر مُلُوك مصر، وَذَكَرْنَاهُ أَيْضا فِي تاريخنا الْحَوَادِث]-، وَلكنه مَعَ هَذِه المحاسن لم يصف لَهُ الدَّهْر وَلَا لقى معينا لرفع يَد خير بك [عَنهُ وَلَا] الأجلاب.
ولازال يدافع عَن نَفسه بِمَا هُوَ الأخف وبالإحسان، إِلَى أَن وثب عَلَيْهِ خير بك [الْمَذْكُور] فِي لَيْلَة الأثنين سادس رَجَب، وَقبض عَلَيْهِ، وحبسه بالقلعة.
وَسمع الأتابك قايتباى بذلك؛ فَركب فِي اللَّيْل، وَقَامَ بنصرته، إِلَى أَن انتصر على خير بك. فَلَمَّا رأى خير بك أمره تلاشى أطلق [الْملك] الظَّاهِر تمربغا، واستجار بِهِ؛ فأجاره الْملك الظَّاهِر.
وَلما تمت الْوَقْعَة وطلع الأتابك [قايتباى] إِلَى الإصطبل السلطاني حسن لَهُ أَصْحَابه الْوُثُوب على الْأَمر؛ فَامْتنعَ من ذَلِك، فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى أذعن. وخلع [الْملك الظَّاهِر] تمربغا [هَذَا] وتسلطن عوضه؛ [فَكَانَ ذَلِك] فِي باكر نَهَار الأثنين سادس رَجَب من سنة إثنتين وَسبعين [الْمَذْكُورَة] .
فَكَانَت مُدَّة ملكه شَهْرَيْن إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا.
وَأقَام بعد خلعه بالبحرة، إِلَى لَيْلَة الْأَرْبَعَاء [ثامنه] سفر إِلَى ثغر دمياط؛ ليقيم بِهِ على أحسن وَجه، وَكَانَ سَفَره أَيْضا إِلَى دمياط فِي النّيل وَلَيْسَ مَعَه مُسْفِر من الْأُمَرَاء. [هَذ] بعد أَن أمعن السُّلْطَان فِي إكرامه واحترامه ووداعه، وَاعْتذر إِلَيْهِ عَن وثوبه [على السُّلْطَان] .
وَقبل [الْملك] الظَّاهِر تمربغا عذره وشكره على [مَا] فعله مَعَه [من إكرامه لَهُ] ، وتفارقا على ذَلِك.
وَبِالْجُمْلَةِ؛ إِنَّه لم يَقع لملك بعد خلعه من السلطنة من الْإِكْرَام مَا وَقع لَهُ.
وَأما التَّعْرِيف بِهِ: فَهُوَ رومي الْجِنْس -[كَمَا تقدم]- من مماليك الظَّاهِر جقمق وعتقائه، رباه صَغِيرا، واختص بِهِ، ورقاه، إِلَى أَن جعله خاصكيا، ثمَّ سلَاح دَار، ثمَّ خازندار، ثمَّ دوادارا ثَانِيًا.
ثمَّ صَار فِي دولة وَلَده [الْملك] الْمَنْصُور دوادارا كَبِيرا، ثمَّ امتحن بعد خلع الْمَنْصُور، وَحبس نَحْو سِتّ سِنِين، [ثمَّ أخرج إِلَى مَكَّة؛ فَأَقَامَ بهَا
زِيَادَة على سنتَيْن] ، إِلَى أَن قدم الْقَاهِرَة فِي أول دولة [الْملك] الظَّاهِر خشقدم؛ [فأنعم عَلَيْهِ][بإمرة مائَة] وتقدمة ألف، وَجعله رَأس نوبَة [النوب] ، ثمَّ نَقله إِلَى إمرة مجْلِس، ثمَّ صَار فِي دولة الظَّاهِر يلباى أتابك العساكر، إِلَى أَن تسلطن بعد يلباى - كَمَا تقدم ذكره -.
وَاسْتمرّ بثغر دمياط بخدمه وحشمه على أحسن حَال، [إِلَى أَن جَاءَهُ مُحَمَّد بن عجلَان شيخ الْعَرَب بالشرقية - كَانَ - وَأَخذه وَرَاح إِلَى غَزَّة المحروسة على أَنه يتَّفق مَعَ نواب المملكة الشامية وَغَيرهم على أَمر يَفْعَله؛ فَبلغ خَبره الْمقَام الشريف قايتباى - نَصره الله تَعَالَى - فَفِي الْحَال أرسل المراسيم الشَّرِيفَة صُحْبَة الهجانة؛ فَأَسْرعُوا إِلَى طلبه؛ فمسك بغزة المحروسة وعادو بِهِ؛ فبرز أَمر الْمقَام الشريف للأمير يشبك من مهْدي الدوادار الْكَبِير أَن يتَوَجَّه بتمربغا إِلَى الثغر السكندري؛ فامتثل ذَلِك، وَتوجه بِهِ، وَدخل من بَاب رشيد من بَين السورين إِلَى وسط دَار النَّائِب؛ فتسلمه وَأدْخلهُ البرج موثوقا بِهِ - وَكَانَ للأمير يشبك زِينَة عَظِيمَة بالأسكندرية -.
ثمَّ بعد ذَلِك أنعم الْمقَام الشريف على تمربغا بِأَن يركب ويسير ويتفرج؛ فامتحن تمربغا بالصيد، والمتجر، والعمارة، إِلَى أَن جَاءَهُ هَادِم اللَّذَّات ومفرق الْجَمَاعَات وَسَقَى كأس الْحمام. وَهَذَا مَا تيَسّر من خَبره وَالسَّلَام] .