الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْملك الْمُؤَيد
[أَبُو النَّصْر] ، شيخ بن عبد الله المحمودي الظَّاهِرِيّ.
الثَّامِن وَالْعشْرُونَ من مُلُوك التّرْك بالديار المصرية، وَالرَّابِع من الجراكسة.
كَانَ أَصله من مماليك الظَّاهِر برقوق، اشْتَرَاهُ من خواجا مَحْمُود شاه اليزيدي، وَأعْتقهُ، ورقاه حَتَّى جعله ساقياً، ثمَّ أَمِير عشرَة، ثمَّ طبلخاناه.
وسافر أَمِير حَاج الْمحمل فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة، ثمَّ تقدم ألف بعد موت أستاذه الْملك الظَّاهِر على إقطاع بجاس، ثمَّ تنقل بعد ذَلِك فِي عدَّة ولايات، وَولي نِيَابَة طرابلس.
وأسره تيمور [لنك] فِيمَن أسر من نواب الْبِلَاد الشامية، ثمَّ هرب [مِنْهُ] .
وَوَقع لَهُ أُمُور مَعَ الْملك النَّاصِر ومحن، ومسك، وَحبس.
ولازال فِي خلاف وعصيان، إِلَى أَن كَانَ من أَمر النَّاصِر فرج مَا حكيناه، وتسلطن المستعين، وَصَارَ شيخ هَذَا أتابكه؛ فَوَثَبَ على الْأَمر، وتسلطن فِي يَوْم الأثنين مستهل شعْبَان سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة.
وَتمّ أمره فِي الْملك، وَحَال بلغ الْأَمِير نوروز الحافظي أَمر سلطنته خرج عَن طَاعَته، وَاسْتمرّ يَدْعُو للمستعين بغالب الْبِلَاد الشامية.
وَوَقع بِسَبَب ذَلِك بَين الْملك الْمُؤَيد [هَذ] وَبَين نوروز أُمُور وحروب، إِلَى أَن أَخذه الْمُؤَيد، وَقَتله بقلعة دمشق فِي سنة سبع عشرَة وَثَمَانمِائَة.
وَعَاد إِلَى الديار المصرية بعد أَن مهد أُمُور الْبِلَاد الشامية بأجمعها؛ فَلم يمض إِلَّا سنة وَاحِدَة وَأشهر وَعصى [الْأَمِير] قانى باى المحمدي نَائِب الشَّام عَلَيْهِ. وَوَافَقَهُ نَائِب حلب أينال الصصلاني، ونائب طرابلس سودون من عبد الرَّحْمَن، وتنبك البجاسي نَائِب حماة وَغَيرهم.
فتجرد لَهُم الْمُؤَيد ثَانِيًا، وواقعهم، وَأمْسك قانى باى الْمَذْكُور وأينال الصصلاني وَغَيرهمَا من الْأُمَرَاء، وحز رؤوسهم، وأرسلها إِلَى الديار المصرية. وهرب من بقى من النواب إِلَى بِلَاد الشرق إِلَى عِنْد قرا يُوسُف.
ثمَّ تجرد الْملك الْمُؤَيد ثَالِث مرّة فِي سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة إِلَى الْبِلَاد الشامية، وافتتح عدَّة قلاع، وَعَاد إِلَى مصر.
ودام بِهِ فِي أرغد عَيْش مَعَ مَا كَانَ يَعْتَرِيه من ألم المفاصل، حَتَّى أَنه لما قوي عَلَيْهِ ذَلِك أقعد؛ فَصَارَ يحمل على الأكتاف، ويتنقل إِلَى الْأَمَاكِن فِي محفة، وَلَا يبرح بالقلعة فِي الشَّهْر إِلَّا أَيَّامًا يسيرَة، بل غَالب أَيَّامه بساحل بولاق والمفترجات، وَيعْمل هُنَاكَ المواكب والخدم، حَتَّى جَاوز الْحَد فِي ذَلِك.
وَمن أَرَادَ أَن يقف على نَص تَرْجَمته؛ فَعَلَيهِ [بتاريخنا ((النُّجُوم] الزاهرة)) ، [وَإِن كُنَّا استوعبنا أَحْوَاله فِي تاريخنا ((المنهل الصافي)) ، غير أَن ((النُّجُوم الزاهرة)) أوسع وَأكْثر ضبطا؛ لكَونه مَوْضُوعا لملوك مصر فَقَط] . إنتهى.
وَاسْتمرّ الْملك الْمُؤَيد على ذَلِك، إِلَى أَن قوي عَلَيْهِ مرض المفاصل وتسلسل من مرض إِلَى آخر، وَلزِمَ الْفراش أشهرا، إِلَى أَن مَاتَ فِي يَوْم الأثنين تَاسِع محرم سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة، وَقد أناف على خمسين سنة [من الْعُمر] .
وَكَانَت مُدَّة سلطنته على مصر ثَمَانِي سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام.
وتسلطن بعده ابْنه [الْملك] المظفر، وعمره سنة وَاحِدَة وَثَمَانِية أشهر وَسَبْعَة أَيَّام.
وَكَانَ الْملك الْمُؤَيد سُلْطَانا شجاعا، مقداما مهابا، عَارِفًا بأنواع الفروسية ومكر الحروب، كَرِيمًا على من اسْتحق الْكَرم، بَخِيلًا على كل عَار وجاهل.
وَكَانَت أسواق ذَوي الْفُنُون نافقة فِي أَيَّامه؛ لجودة فهمه وذوقه بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَبنَاء جنسه.
وَكَانَ مُعظما للشريعة، محبا للْعُلَمَاء والفضلاء، يمِيل إِلَى اللَّهْو والطرب، مُسْرِفًا على نَفسه، غير أَنه مَاتَ بعد تَوْبَة صَادِقَة فِي مرض مَوته.
[وَكَانَت صفته] : طوَالًا، بطينا، وَاسع الْعَينَيْنِ أشهلهما، أكث اللِّحْيَة، بَادِي الشيب، جَهورِي الصَّوْت، حاد المزاج، وَفِيه سفه وبذاءات لِسَان.
وَقد أرماه المقريزي بِأُمُور كَانَ الْأَلْيَق الإضراب عَنْهَا؛ لما كَانَ عِنْده مِمَّا يُقَاوم ذَلِك من المحاسن. وَلَو لم يكن فِيهِ إِلَّا محبَّة الْعلمَاء وإجلال الشَّرْع لكفاه [ذَلِك. إنتهى] .