الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْملك الْأَشْرَف
سيف الدّين أَبُو النَّصْر، برسباى الدقماقي الظَّاهِرِيّ.
تسلطن بعد خلع [الْملك] الصَّالح مُحَمَّد فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر [شهر] ربيع الآخر سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة.
وَهُوَ [السُّلْطَان] الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ من مُلُوك التّرْك بديار مصر، وَالثَّامِن من الجراكسة وَأَوْلَادهمْ.
أَخذ من بِلَاد الجاركس وأبيع بِبِلَاد القرم لبَعض التُّجَّار؛ فجلبه التَّاجِر [الْمَذْكُور] إِلَى جِهَة الشَّام؛ فابتاعه مِنْهُ [الْأَمِير] دقماق المحمدي الظَّاهِرِيّ نَائِب ملطية.
ثمَّ قدمه الْأَمِير دقماق إِلَى [أستاذه] الْملك برقوق فِي جملَة مماليك - ذكرنَا سَبَب تقدمته فِي [تَرْجَمته من] تاريخنا ((النُّجُوم الزاهرة)) ، [وَغَيره بأطول من هَذَا]-.
وَلما أَخذه [الْملك] الظَّاهِر برقوق جعله من جملَة مماليك الأطباق - بطبقة الزمامية - أنيا لجاركس القاسمي المصارع.
ثمَّ أعْتقهُ قبل مَوته بِمدَّة يسيرَة، ثمَّ ترقى فِي الدولة الناصرية [فرج] ، [إِلَى أَن] صَار ساقيا، ثمَّ انضاف إِلَى [الأميرين] شيخ ونوروز. وَبَقِي مَعَهم فِي [تِلْكَ الْفِتَن] ، إِلَى أَن ملك [الْملك] الْمُؤَيد [شيخ] الديار المصرية أمره عشرَة، ثمَّ طبلخاناه، ثمَّ تقدمة ألف، ثمَّ ولاه نِيَابَة طرابلس بعد عزل [الْأَمِير] بردبك عَنْهَا فِي ثَالِث عشْرين [شهر] ربيع الْأُخَر سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة؛ فَلم تطل مدَّته بطرابلس، وعزل [عَنْهَا] ، وَأمْسك، وَحبس بسجن المرقب مُدَّة، ثمَّ أطلق، وأنعم عَلَيْهِ [بإمرة مائَة] بتقدمة ألف بِدِمَشْق؛ فدام بهَا، إِلَى أَن قبض عَلَيْهِ [الْأَمِير] جقمق [الأرغون شاوى] نَائِب الشَّام عِنْد خُرُوجه عَن الطَّاعَة بعد موت [الْملك] الْمُؤَيد [شيخ] ؛ فدام فِي السجْن، إِلَى أَن أطلقهُ الأتابك ألطنبغا القرمشي.
فَلَمَّا آل الْأَمر إِلَى [الْملك] الظَّاهِر ططر رقاه، وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف بالديار المصرية، وَجعله دوادار كَبِيرا بعد مسك [الْأَمِير] على باى المؤيدي.
وَاسْتمرّ على ذَلِك، إِلَى أَن مَاتَ ططر، وَوَقع لَهُ مَا ذَكرْنَاهُ فِي تَرْجَمَة الْملك الصَّالح مُحَمَّد بن ططر، إِلَى أَن تسلطن، وَتمّ أمره.
وَلما تسلطن الْملك الْأَشْرَف [هَذَا] فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْمُقدم ذكره، وَأصْبح [فِي] يَوْم الْخَمِيس [ثَانِيه] أَخْلَع على الْأُمَرَاء [وَغَيرهم] ؛ فَكَانَ مِمَّن خلع عَلَيْهِ من الْأُمَرَاء الأتابك بيبغا المظفري باستقراره أتابكا. وأخلع على الْأَمِير قجق باستقراره أَمِير سلَاح، وعَلى آقبغا التمرازي أَمِير مجْلِس، وعَلى سودون من عبد الرَّحْمَن دوادارا كَبِيرا، وعَلى قصروه من تمراز أَمِير آخوراً كَبِيرا، وعَلى الْأَمِير جقمق العلائي حَاجِب الْحجاب، وعَلى أزبك المحمدي رَأس نوبَة النوب. ثمَّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء أَخْلَع على الْأَمِير تنبك [العلائي] ميق باستقراره على نِيَابَة الشَّام، وَتوجه من يَوْمه إِلَى مَحل كفَالَته.
وَاسْتمرّ الْملك الْأَشْرَف فِي السلطنة سِنِين كَثِيرَة، وطالت أَيَّامه وَحسنت.
وغزا عدَّة غزوات، جهز فِيهَا العساكر المصرية والشامية، إِلَى أَن افْتتح مَدِينَة قبرس، وَأسر ملكهَا فِي سنة تسع وَعشْرين [وَثَمَانمِائَة] ، وَهُوَ لم يَتَحَرَّك من قلعة الْجَبَل.
ثمَّ سَافر إِلَى جِهَة ديار بكر بالعساكر فِي [سنة] سِتّ وَثَلَاثِينَ، وَحصر آمد، ثمَّ عَاد إِلَى الديار المصرية، ودام بهَا، إِلَى أَن توفّي بعد مرض طَوِيل فِي يَوْم السبت الثَّالِث عشر من ذِي الْحجَّة من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة، وَدفن من يَوْمه قبل الْغُرُوب بتربته الَّتِي أَنْشَأَهَا بالصحراء خَارج الْقَاهِرَة.
وتسلطن من بعده وَلَده الْملك الْعَزِيز يُوسُف بِعَهْد مِنْهُ إِلَيْهِ.
وَكَانَ الْملك الْأَشْرَف رجلا طَويلا رشيقا، أَبيض اللِّحْيَة، صبيح الشكل، عَاقِلا مُدبرا، سيوسا جَلِيلًا، ذَا وقار وسكينة وَحُرْمَة ومهابة، ولين جَانب وتواضع.
وَكَانَ متجملا فِي مركبه [وملبسه][وحاشيته] ومماليكه، وَكَانَ محبا لجمع الْأَمْوَال. وَخلف فِي الخزانة من [الْأَمْوَال و] الْأَمْتِعَة والأقمشة شَيْئا كثيرا -[لَا يعد وَلَا ينْحَصر]-. وزادت مماليكه المشتروات على ألفي مَمْلُوك، [بل] قَرِيبا من ثَلَاثَة آلَاف.
وَعمر الْمدرسَة الأشرفية بِالْقَاهِرَةِ، وأوقف عَلَيْهَا أوقافا كَثِيرَة.
وَعمر أَيْضا جَامعا بخانقاة سرياقوس، ووقف عَلَيْهِ [أَيْضا] عدَّة أوقاف.
وَفتحت على يَدَيْهِ مَدِينَة قبرس وَأسر ملكهَا - حَسْبَمَا تقدم ذكره -. [وَهَذَا لم يَقع لملك من مُلُوك التّرْك غَيره.
وطالت أَيَّامه وَحسنت. وَمَعَ طول مكثه فِي السلطنة لم يتجرد إِلَّا مرّة وَاحِدَة، وَهِي سفرة آمد.
وَبِالْجُمْلَةِ، إِنَّه كَانَ لَا بَأْس بِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره - رَحمَه الله تَعَالَى -]
وَكَانَت مُدَّة سلطنته سِتَّة عشر سنة وَثَمَانِية أشهر وَسِتَّة أَيَّام [رحمه الله] .