الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْملك الْمَنْصُور
حسام الدّين، لاجين بن عبد الله المنصوري.
تسلطن بعد خلع [الْملك] الْعَادِل كتبغا فِي محرم سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة.
وَهُوَ السُّلْطَان الْحَادِي عشر من مُلُوك التّرْك [بالديار المصرية] .
وَأَصله من مماليك [الْملك] الْمَنْصُور قلاوون، رقاه، إِلَى أَن ولاه نِيَابَة قلعة دمشق، ثمَّ نِيَابَة دمشق؛ فَأَقَامَ بهَا إِحْدَى عشرَة سنة، إِلَى أَن عَزله [الْملك] الْأَشْرَف خَلِيل ابْن قلاوون بالشجاعي، وَقبض عَلَيْهِ، وخنق بَين [يَدي الْملك الْأَشْرَف خَلِيل] ، ثمَّ خلى عَنهُ؛ فَإِذا بِهِ رَمق، فرق عَلَيْهِ الْأَشْرَف وَأطْلقهُ، ورده إِلَى رتبته.
فَلَمَّا ثار بيدرا على الْأَشْرَف كَانَ لاجين هَذَا من جملَة من وَافقه على قَتله وساعده فِي ذَلِك - حَسْبَمَا تقدم ذكره فِي تَرْجَمَة الْأَشْرَف -.
ثمَّ اختفى لاجين مُدَّة طَوِيلَة، إِلَى أَن شفع فِيهِ كتبغا، وَأَعَادَهُ إِلَى رتبته نَائِبا.
فَلَمَّا تسلطن كتبغا جعله نَائِب سلطنته؛ فَوَثَبَ [عَلَيْهِ] وخلعه من الْملك، وتسلطن بعد أُمُور ذَكرنَاهَا - فِيهَا طول لَا يَلِيق [ذكرهَا] بِهَذَا الْمُخْتَصر، وَمن أَرَادَ الْإِحَاطَة بهَا؛ فَعَلَيهِ بمصنفاتنا الطوَال؛ فَهِيَ هُنَاكَ [مشبعة] مستوفاة -.
وَلما تمّ أَمر [الْملك] الْمَنْصُور لاجين فِي الْملك تغير [على] خجداشيته، وَخَالف مَا شرطوه عَلَيْهِ فِي ابْتِدَاء أمره، من أَنه: لَا يعْزل أحدا مِنْهُم، وَلَا يقدم مَمْلُوكه منكوتمر عَلَيْهِم؛ فَفعل خلاف ذَلِك، وَقدم مَمْلُوكه، وَجعله نَائِب السلطنة بالديار المصرية بعد عزل قراسنقر المنصوري؛ فَسَار منكوتمر فِي النَّاس أقبح سيرة، لاسيما لما راك [الْملك] الْمَنْصُور الْبِلَاد - أَعنِي الروك الحسامي - صَار منكوتمر [الْمَذْكُور] يزْجر الْأُمَرَاء ويخاشنهم فِي اللَّفْظ. ثمَّ حسن لأستاذه [الْمَنْصُور لاجين] مسك جمَاعَة من الْأُمَرَاء؛ فَأمْسك بيسرى وأيبك الْحَمَوِيّ وقرا سنقر فِي آخَرين.
وَلما تفاقم أمره هرب قبجق وبكتمر وألبكى وبزلار إِلَى ملك التتار، وأطمعوه فِي الْبِلَاد.
ونفرت [مِنْهُ الْقُلُوب، وَمن] الْملك الْمَنْصُور؛ لَا لسوء سيرته، بل لِبُغْض أورثه مَمْلُوكه منكوتمر فِي قُلُوبهم.
وَأَرَادَ النَّاس عود الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون إِلَى الْملك.
ركب الْمَنْصُور لاجين الموكب [السلطاني] وَهُوَ صَائِم، وَتوجه إِلَى الْقصر بقلعة الْجَبَل، وَقد اتّفق عَلَيْهِ جمَاعَة من المماليك الأشرفية، ودخلوا عَلَيْهِ بعد عشَاء الْآخِرَة وَهُوَ جَالس يلْعَب [ب] الشطرنج، فَأول من دخل عَلَيْهِ الْأَمِير كرجى مقدم البرجية - وَكَانَ نوغاى السِّلَاح دَار فِي نوبَته عِنْد السُّلْطَان، وَهُوَ من جملَة المتفقين - والمنصور مكب على لعب الشطرنج، وَمَا عِنْده إِلَّا القَاضِي حسام الدّين الْحَنَفِيّ والأمير عبد الله وبريد البدوي، وأمامه محب الدّين بن الْعَسَّال.
فأوهم كرجى أَنه يُرِيد إصْلَاح الشمعة؛ فأرمى الفوطة على النمجاة؛ ثمَّ قَالَ للسُّلْطَان: يَا خوند، مَا تصلي الْعشَاء؟ ! فَقَالَ: نعم، وَقَامَ ليُصَلِّي؛ فَضَربهُ كرجي بِالسَّيْفِ على كتفه، [فَطلب السُّلْطَان النمجاة؛ فَلم يجدهَا؛ فَقَامَ من هول الضَّرْبَة أمسك كرجى ورماه تَحْتَهُ] ؛ فخطف [نوغاى] النمجاة وضربه على رجله؛ فقطعها، فصاح القَاضِي؛ وانقلب السُّلْطَان على ظَهره مَيتا، ثمَّ تَرَكُوهُ وَالْقَاضِي عِنْده، وَأَغْلقُوا عَلَيْهِمَا الْبَاب.
وَتوجه كرجى وطغجى إِلَى منكوتمر بدار النِّيَابَة من قلعة الْجَبَل، ودقا عَلَيْهِ الْبَاب، وَقَالا لَهُ: السُّلْطَان يطلبك؛ فَأنْكر مجيئهما، وَقَالَ لَهما: قتلتماه؟ {. فَقَالَ كرجى: نعم يَا مأبون، وَجِئْنَا لنقتلك؛ فَاسْتَجَارَ منكوتمر بطغجى؛ فأجاره.
ثمَّ وَقع أُمُور آلت إِلَى قَتله فِي اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة؛ لأَنهم قَالُوا: نَحن مَا قتلنَا أستاذه إِلَّا من أَجله؛ فَكيف نبقيه؟} .
ثمَّ نهبوا دَار منكوتمر فِي الْحَال. وَاتَّفَقُوا على إِعَادَة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون إِلَى ملكه، وتحالفوا على ذَلِك، وَأَرْسلُوا لإحضاره سلار الصَّغِير.
وَعمل طغجى نِيَابَة السلطنة أَرْبَعَة أَيَّام. فَلَمَّا حضر الْأَمِير عبد الله أَمِير سلَاح من غَزْوَة الشَّام قتل كرجى وطغجى وَغَيرهمَا - حَسْبَمَا ذَكرْنَاهُ فِي [تاريخنا]((النُّجُوم الزاهرة)) ، وَأَيْضًا فِي ((المنهل الصافي)) -.
ثمَّ أرْسلُوا فِي مجئ [الْملك] النَّاصِر ثَانِيًا، إِلَى أَن حضر من الكرك، وتسلطن ثَانِي مرّة - حَسْبَمَا يَأْتِي ذكره -.
وَقتل الْملك الْمَنْصُور لاجين وَهُوَ فِي عشر الْخمسين أَو جاوزها، وَكَانَت مُدَّة أَيَّامه فِي السلطنة سنتَيْن وَثَلَاثَة أشهر. وَكَانَ الْمَنْصُور من أَعقل النَّاس [وَأَحْسَنهمْ] ، وأحشمهم، وأشجعهم، وَهُوَ الَّذِي عمر الْجَامِع الطولوني - خَارج الْقَاهِرَة - بَعْدَمَا كَانَ أشرف على الخراب، وأوقف عَلَيْهِ هَذِه الْأَوْقَاف الجليلة، وَهُوَ الَّذِي راك الديار المصرية - ((الروك الحسامي)) - وَهُوَ الَّذِي أبطل الثَّلج الَّذِي كَانَ ينْقل من الشَّام إِلَى مصر فِي الْبَحْر.
وأبطل [أَيْضا] عده مكوس. وَلم يكن لَهُ [من المساوئ] سوى تحكم مَمْلُوكه منكوتمر فِي المملكة لَا غير رحمه الله [تَعَالَى]-.