الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموضوعُ معقَّدٌ جداً، لكن على سبيلِ التبسيطِ حينما تَكبرُ النجومُ تنكمشُ، وتزولُ الفراغاتُ البَيْنِيَّةُ بين ذراتها، إلى أنْ تصبحَ بحجمٍ صغيرٍ جداً، ووزنٍ ثقيلٍ، فهي كُرَةٌ ككرةِ القَدَمِ، وهذه النجومُ النيترونيةُ المنكمشةُ يَعْدِلُ وزنُها خمسينَ ألفَ بليونٍ مِنَ الأطنانِ، فإذا وُضِعَتْ هذه الكرةُ على الأرض ثَقَبَتْها، ووصلتُ إلى طَرَفِها الآخرِ، كما لو أتيتَ بقطنٍ أو بسائلٍ هلامِيّ، ووَضَعْتَ فيه كرةَ حديدٍ فإنّها تسقطُ إلى الأسفلِ فوراً، وهذا هو النجمُ الثاقبُ، النجمُ النيترونيّ الذي ضُغِطَ حتى أصبحَ بحجمِ الكرةِ، وله وزنٌ يعدِلُ وزنَ الأرضِ، فلو أنّ الأرضَ شاختَ - بلغت الشيخوخةَ - فإنها تصبحُ بحجمِ البيضةِ، بالوزن نفسِه، ووزنُ الأرضِ هو هوَ، لكنه يصبح بحجم بيضة، هذا هو النجمُ الثاقبُ كما يَرى بعضُ العلماء، والقرآنُ حمَّالُ أَوْجُهٍ.
ثم إنّ هناك تلسكوباتٍ لاسلكيةً تَلَقَّتْ وَمضاتٍ لاسلكيةً مِن هذه النجومِ، (نبضات نوبية) ، وكأنّ هذا النجمَ يطرقُ بابَ الفضاءِ، حيث يتزايدُ تواترُ النبضاتِ النوبيةِ في شبابِه، ويَقِلُّ تواتُرها في شيخوخته، ونعرفُ مِن خلالِ تَوَاتُرِ النبضاتِ التي تأتي عن طريقِ التلسكوباتِ اللاسلكيةِ عمُرَ هذا النجمِ، فنجمٌ يطرق، ونجمٌ يثقبُ، وهذا شيءٌ مِن أحدثِ البحوثِ الفَلَكيةِ.
قال تعالى: {والسمآء والطارق * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطارق * النجم الثاقب} ، هذا قَسَمٌ، فأين جواب القسم؟ قال تعالى:{إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ، كلُّ حركاتِك وسكناتِك، وكلُّ أقوالِك وأفعالِك، وكلُّ تمنياتِك، وكلُّ بواعثِك، وكلُّ آمالِك، وكلُّ ما أخفيتَه عن الناسِ يحفظُه اللهُ لك، وسيحاسِبُك عليه، لأنّ الذي خَلَقَ النجمَ الثاقبَ، النجمَ الطارقَ، والنجمَ إذا هوى، هو الذي سيحاسبك على عملك.
{والسمآء والطارق * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطارق * النجم الثاقب * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ، لم يَغِب عن عِلْمِه نجمٌ في السماء، فهل يغيبُ عنه شيءٌ في الأرضِ.
مدارات الكواكب ومذنب هالي
قال تعالى: {لَا الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر وَلَا اليل سَابِقُ النهار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] ، هذه الآية على ظاهرها تدلُّ على أنّ للشمسِ مداراً، وللقمر مداراً، ومدارُ الشمسِ لا يتّصلُ بمدارِ القمرِ، ولن تصطدمَ الشمسُ بالقمرِ، بل {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ، يؤكِّدُ هذا المعنى قولُه تعالى:{إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولَا} [فاطر: 41]، وقولُه:{أَن تَزُولَا} ، أيْ: أنْ تنحرفا، والزوالُ في وقتِ الظهيرةِ انحرافُ الشمسِ عن كَبِدِ السماءِ.
لقد فُهِم مِن هذه الآيةِ أنّ كلَّ كوكبٍ في الفضاءِ له مدارٌ يدورُ فيه، حتى إنّ بعضَهم حينما تلا قوله تعالى:{والسمآء ذَاتِ الرجع} [الطارق: 11] ، رأَى أنّ هذه الآيةَ فيها أدقُّ وصفٍ للسماءِ، فما مِن كوكبٍ أو نجمٍ في السماءِ إلا وله مدارٌ يدورُ فيه، ويعودُ إلى مكان انطلاقه بعد حينٍ، فهذا المذنَّبُ الذي يرقبه الناس كل يوم، مذنَّبُ هالي، منذ أنْ خَلَقَ اللهُ السماواتِ والأرضَ يدورُ في مدارٍ لا يَحيدُ عنه قيدَ أَنْمُلَةٍ، يصلُ إلى نقطةٍ تقتربُ مِنَ الأرضِ ثلاثمئة مليون كيلومترٍ، له ذيلٌ يزيدُ طولُه على ثلاثة وتسعين مليون كيلو مترٍ، ويخافُ الناسُ أنْ يبقى في سيرِه مستقيماً فيرتطمَ بالأرضِ، أما الآيةُ الكريمةُ فتقولُ:{إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولَا} .
إنّ بقاءَ هذا المذنَّبِ في مدارِه ملايينَ السنين، وبقاءَ الأرضِ في مدارِها ملايينَ السنين، وبقاءَ الشمسِ في مدارِها ملايينَ السنين في حدِّ ذاته آيةٌ عظيمةٌ، جلَّتْ مِن آيةٍ، قال تعالى:{لَا الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر وَلَا اليل سَابِقُ النهار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} .
كلُّ كوكبٍ له مدارٌ لا يزيدُ ولا ينقص، لا يُسرِعُ ولا يُبطِىء.