الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا الحوتُ يولَدُ وِلادةً، وإذَا كان طولُه وهو جنينٌ في بطنِ أمِّه لا يزيدُ على سنتمترٍ واحدٍ فإنه يصلُ بعد الولادةِ إلى سبعةِ أمتار، ويَزِنُ طنَّيْن، ويستطيع الحوتُ أنْ يبقى في البحرِ أكثرَ من ثلاثينَ دقيقةً، وأمّا الإنسانُ فلا يستطيعُ أن يبقى دونَ تنفّس أكثرَ من ثلاث دقائقَ، هذا لأنّ طريقةَ بناءِ جسمِ الحوتِ تجعلُ هذا الأكسجينَ الذي اسْتنشقهُ يخزَّنُ في عضلاتِه، وفي دمِه، وفي أنسجتِه، وعشرةٌ بالمئة منه يُخزَّنُ في رِئتَيْهِ، ويجوبُ هذا الحوتُ الكرةَ الأرضيّةَ من الشمالِ إلى الجنوبِ، يذهبُ إلى القُطْبَينِ، ويعودُ إلى خطِّ الاستواءِ، وممّا هو معلومٌ أنّ هناك فروقاً كبيرةً في درجاتِ الحرارةِ، غيرَ أنّ طبقةً من الدُّهْنِ تَقِيهِ من البرْدِ، تصلُ سماكتُها إلى مترٍ، فإذا توجَّهَ نحو خطّ الاستواءِ حيث المياهُ الدافئةُ قلَّتْ هذه الكمياتُ الدهنيّةُ إلى النّصفِ تقريباً.
والحوت لا يشبعُ بِوَجبةٍ أقلَّ من أربعةِ أطنانٍ، يَسُدُّ بها جَوْعَتَه كما يقولون، هذا الحيوانُ الكبيرُ، لو نظرْتَ إلى أحوالِ السّمك الصغير، فإنّ فيها من الأجهزةِ ما في الحوتِ، ولكنْ على نحوٍ مصغّرٍ، فتباركَ اللهُ الخلاّقُ لِمَا يشاءُ، هذه آيةٌ من آياتِ اللهِ تعالى، فالبحرُ وما فيه مِن حيواناتٍ تزيدُ أنواعها على المليونِ نوعٍ من السّمكِ، هذه كلُّها خُلْقَتْ لنا، قال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض جَمِيعاً مِّنْهُ} [الجاثية: 13] .
إنّ اللهَ سبحانه وتعالى خَلَقَ هذه الآياتِ لِوَظيفَتَين؛ الوظيفةُ الأولى وظيفةٌ دلاليّةٌ، والثانيةُ دُنيويّةٌ، {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ} [الواقعة: 73] ، في كلّ شيءٍ خَلَقَه اللهُ عز وجل تذكرةٌ، ومتاعٌ، {فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم} [الواقعة: 74] .
السمك زعانفه ومقياس الضغط عنده
قال تعالى: {وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً} [النحل: 14] .
يستهلِكُ العالَمُ بحسبِ بعضِ الإحصاءاتِ القديمة ما يزيدُ على مئةِ مليونِ طنٍّ مِنَ السمكِ البحريِّ، فهي غذاءٌ لبني البشرِ، ويقدِّر العلماءُ أنّ في البحرِ ما يزيدُ على مليونِ نوعٍ مِنَ السمكِ؛ بعضُها كبيرٌ، يزيدُ وزنُها على مئةٍ وأربعين طناً، كالحوتِ، وبعضُها صغيرٌ، بعضُها وديعٌ، وبعضُها شَرِسٌ، بعضُها جميلٌ، وبعضُها مُكَهْرَبٌ، فهناك أنواعٌ مِنَ السمكِ لا تعدُّ، ولا تُحصَى.
ولكنّ العلماءَ وقفوا عند الزعانفِ، فقالوا عنها: إنها وسائلُ للدفعِ، والتوازنِ، والتوجيهِ، وكَبْحِ جماحِ السمكةِ، إنها توقِفُ أو تخفِّفُ سرعتَها عن طريقِ الزعانفِ، وتتحرَّكُ نحو الأمامِ عن طريقِ الزعانفِ، وتتوازنُ عن طريقِ الزعانفِ، وتعدِّلُ وِجهتَها؛ يميناً أو شمالاً، ارتفاعاً أو انخفاضاً، عن طريقِ الزعانفِ.
هذه الزعانفُ بها تسيرُ الأسماكُ، وبها تغيِّرُ مسارَها، أو تصحِّحُه، وبها تتوازنُ، وتقفُ.
وأَوْدعَ اللهُ سبحانه وتعالى فيها جهازاً لقياسِ الضغطِ، فإنَّ السمكةَ تعرفُ في أيِّ لحظةٍ أينَ هي من عُمقِ الماءِ، لو أمسكتُم سمكةً بأيديكم، لرأيتم في قِسْمِها العُلويِّ خطاً متصلاً من غلاصِمِها إلى ذَنَبِها، هذا الخطُّ هو أنبوبٌ مفرَّغٌ من الهواءِ، كلما زادَ ضغطُ الماءِ عليه انضغطَ، فبانضِغاطِه تعرفُ السمكةُ أين هي مِن عمقِ الماءِ، أفي السطحِ هي أم في الأسفل؟.
إن السمكَ آيةٌ من آياتِ اللهِ سبحانه وتعالى، فالسمكةُ تستطيعُ أنْ تحوِّلَ الطعامَ إلى هواءٍ، فتطفو، وترتفعُ، فإذا أطْلقتْ هذا الهواءَ الزائدَ غاصتْ في الأعماقِ، وإنّ الهواءَ الذي في جوفِها تصنعُه من الطعامِ، فترتفع، أو تطلِقُه، فتنخفض، وهذه آيةٌ أيضاً من آياتِ الله في خَلْقِه.
تبارك الذي خَلَقَ لنا كلَّ شيءٍ، وسخَّرَ لنا كلَّ شيءٍ، فيجبُ على الإنسانِ أنْ يصولَ ويجولَ، وأن يفكِّرَ في آياتِ الله، فلعلّه يعرفُه من خلالِ آياتِه، وإذا عرفَه استقامَ على أمْرِه، فخَشِيَه، وعظَّمَه، قال سبحانه:{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67] .