الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعنى الثاني: مَن خلق نظام الجاذبية؟ وإنّ كلَّ شيءٍ على سطحِ الأرضِ ينجذبُ إليها، هذا هو الوزنُ، روادُ الفضاءِ ينامون على فُرُشِهم، فإذا وصلوا إلى نقطةِ انعدامِ الجاذبيةِ يستيقظُ أحدُهم، وهو في سقفِ المركبةِ، ليس له وزنٌ، والحياةُ بلا وزنٍ لا تُطاق، وكلُّ شيءٍ يذهبُ مِن بين يديك، فمَن جعل هذا الشيءَ يستقرُّ على سطحِ الأرضِ؟ ومَن خَلَقَ نظامَ الجاذبيةِ؟ إنه اللهُ عز وجل، هذا المعنى الثاني لقوله:{أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً} .
المعنى الثالث: مَن جعل لك - أيها الإنسانُ - في الأرضِ كلَّ حاجاتِك؟ وهل تستقرُّ في مكانٍ ليس فيه ماءٌ؟ أنت لا تستقرُّ إلا في مكانٍ فيه ماءٌ ومسكَنٌ، فالذي جعلَ الناسَ يستقرون على سطحِ الأرضِ أنّ فيها كلَّ حاجاتهم، وقد عدَّ بعضُ العلماءِ أنّ في الأرضِ مئتين وخمسة وثمانين ألف مادةٍ غذائيةٍ، يأكلها الإنسانُ منوَّعةً.
آياتُ اللهِ بين أيدينا، ولكنَّ السعيدَ مَنْ يتَّعظ بغيرِه، والشقيُّ لا يتَّعظ إلا بنفسه، فإذا هانَ أمرُ اللهِ على الناسِ هانُوا على الله، قال تعالى:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ العذاب الأدنى دُونَ العذاب الأكبر لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21]، وقال تعالى:{ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الناس لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الذي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] .
وَقَفَ رجلٌ، وألقى محاضرةً عن زلزالِ تركيا، قال: حَارَبْنا اللهَ ورسولَه، وحاربْنا الحجابَ، واتَّفقنا مع اليهودِ ضدَّ المسلمين، وأَبَحْنَا للمحطَّاتِ الفضائيةِ أنْ تبثَّ سمومَها بين الناسِ، فعاقَبَنَا اللهُ عز وجل، هذا كلامٌ قال أحدُ زعماءِ الأتراكِ في مجلسِ نوابِهم.
إنّ اللهَ عز وجل رحيمٌ بنا، ولكنْ إنْ لم نَرحَمْ أنفسَنا فلا بدَّ أنْ يعالِجَنا بأفعالِه سبحانه، وروي في الأثرِ القدسي:"إنْ تابوا فأنا حبيبُهم، وإنْ لم يتوبوا فأنا طبيبُهم، أبْتلِيهم بالمصائبِ لأُطَهِّرَهم مِن الذنوبِ والمعايبِ، الحسنةُ بعشرِ أمثالها، وأزيد، والسيئةُ بمثلها وأعفو، وأنا أرأفُ بالعبدِ مِن الأمِّ بولدِها".
{?
لَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ?لأَرْضَ مَهْداً}
نحنُ على كوكبٍ اسمهُ الأرضُ، وكلُّنا يعلم أنّ هناك مجموعةً شمسيّةً، كَعُطارِد، والزُّهْرة، والمريخِ، والمشترِي، وزُحَلَ، وأورانوس، ونبتون، وبلوتون، هذه الكواكبُ السيارةُ حول الشّمس ليست صالحةً للحياةِ، فلماذا كانت الأرضُ وحْدَها صالحةً للحياةِ؟ كوكبُ عطارد يومُهُ ثمانيةٌ وثمانون يوماً، أيْ أربعة وأربعون يوماً ليلاً، وأربعة وأربعون يوماً نهاراً! فهل يصلُح للحياة؟ تنامُ وتستيقظُ، وتنامُ وتستيقظُ، ولا يزالُ الليلُ طويلاً، والسَّنةُ ثمانيةٌ وثمانون يوماً، أربعةُ فصولٍ في ثمانية وثمانين يوماً، فهذا النَّجمُ يدورُ حولَ الشمسِ في ثمانيةٍ وثمانينَ يوماً، وليس في هذا النّجمِ هواءٌ، فهو ليس صالحاً للحياة، فما سرُّ أنّ الأرضَ وحْدَها صالحةٌ للحياةِ؟
شيءٌ آخر، كوكبُ "الزُّهرة" يومهُ مئتان وخمسة وعشرون يوماً، أيْ مئة وزيادة نهارٍ، ومئةٌ وزيادة ليلٍ، وسنتهُ أيضاً مئتان وخمسة وعشرون يوماً، لكنّ حرارةَ هذا الكوكبِ في النهارِ تصلُ إلى عشرين درجةً، نستمعُ أحياناً إلى أنّ الأراضي المقدّسةَ قد بلغَتِ الحرارةُ فيها أربعين درجةً، إلى خمسين، شيءٌ لا يُحتمل! هذا الكوكبُ في النهارِ تصلُ الحرارةُ فيه إلى عشرين درجة، وأمّا في الليلِ فَعِشرون تحت الصِّفر، فهل يصلحُ هذا الكوكبُ للحياةِ، حيثُ لا هواءَ ولا ماءَ.
وأما كوكبُ "المرِّيخ" فنهارهُ كنهارِ الأرضِ، أربعٌ وعشرون ساعة، ولكنّ سَنته ستّمئة وسبع وثمانون سنة، فالإنسانُ يعيشُ ويعيشُ أولادُه، وأولادُ أولادِه، ولا يرَون جميعاً الصَّيْف، يعيشُ الإنسانُ وأولادهُ وأولادُ أولادِه في الشّتاء، فهل هذا الكوكبُ صالحٌ للحياةِ؟ مِن أينَ يأتي النباتُ؟ مِن تبدُّلِ الفُصولِ، سنتهُ ستّمئة وسبعة وثمانون عاماً!! وهذا الكوكبُ يدور حولَ الشمسِ في هذه المدةِ الطويلةِ، وحرارتُه سبعون درجةً تحت الصِّفر، لا ماءَ فيه، ولا هواءَ، إذاً فهو لا يصلحُ للحياةِ.
و"المشتري" نهارهُ عشرُ ساعات، في خمس ساعات ينتهي النهار، وسنتهُ اثنتا عشرة سنة، وحرارتُه مئة وثلاثون درجةً تحت الصّفر، وكثافتُه رُبْعُ كثافةِ الأرضِ، إذاً هو كوكبٌ مِن الغازاتِ، فهو لا يصلحُ للحياةِ.
و"زُحلُ" سنتُهُ تسعةٌ وعشرون عاماً من سنيّ الأرض، وبُعْدهُ عنِ الشّمسِ مليارٌ وأربعمئة ألفِ كيلو مترٍ.
و"أورانوس" سنتهُ ثمانيةٌ وأربعون عاماً.
و"نبتون" سنتهُ مئةٌ وتسعةٌ وسِتُّون عاماً.
و"بلوتون" سنتهُ مئتان وسبعة وأربعون عاماً.
قال تعالى: {الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً} .
كيف تجعلُ الطفلَ الصغيرَ في مهْدٍ مريحٍ، ليِّنٍ، وحرارةٍ معتدلةٍ؟ كيف أنّ مهْدَ الصبيِّ الصغيرِ يناسبهُ من كلّ النواحي؟ ربّنا سبحانه وتعالى تفضَّل علينا، فجعَلَ الأرضَ مهداً، وجَعَلَ قُرْبَها مِن الشّمسِ معتدلاً، وجعلَ حرارتَها معتدلةً، بين الأربعين والصّفْر، وجعلَ كثافتَها معتدلةً، وجعلَ شمسَها معتدلةً، وجعلَ جاذبيّتها معتدلةً، وجعلَ دورتَها اليوميّةَ معتدلةً، وجعلَ دورتَها السنويّةَ معتدلةً، هذا مِن نِعَم اللهِ تعالى، وقد أشارَ ربُّنا سبحانه وتعالى إلى ذلك فقال:
{الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الزخرف: 10] .
إنّ اللهَ سبحانه وتعالى يوقِظُ أفكارَنا، وينبِّه عقولَنا، ويَلْفِتُ أنظارَنَا، {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا} [النبأ: 6] ، فهذه الأرضُ جُهِّزَتْ لكم أيّها الناسُ، وهُيِّئتْ لاسْتقبالِكم، فهل فكَّرْتم في ذلك؟ هل فكَّرتم في هذه الأرضِ التي جَعَلَها اللهُ مستقِرَّةً؟ في كلّ ثانيةٍ تقطع ثلاثين كيلو متراً، فهل تحرّك شيء؟ هل اهْتزَّ جِدَارٌ؟ هل تشقّق سقفٌ؟ {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا} .
الهواء مع الأرض، ومتحرِّك معها، هناك رياحٌ لطيفةٌ، رياحٌ معقولةٌ تبدّلُ الأجواءَ وتنقّيها، وهكذا، ولو كان الهواءُ منفصِلاً عنها في الحركةِ لنشأَتْ عواصفُ سُرعتُها ألفٌ وستّمئة كيلو مترٍ في الساعةِ، وعلماً بأنّ أشدَّ أنواعِ الأعاصيرِ المدمّرةِ لِكلِّ شيءٍ على سطحِ الأرضِ لا تزيدُ سُرعتُها على ثمانمئة كيلو مترٍ، وفي المئتي كيلو مترٍ تكون الرياحُ مدمّرةً، بسرعةِ ثمانمئةِ كيلو مترٍ لا تُبْقِي ولا تَذَرُ شيئاً فوقَ الأرضِ، لو أنّ الهواءَ شيءٌ، والأرضَ شيءٌ، والأرضُ تدورُ لنشأَتْ أعاصيرُ سُرعتُها ألفٌ وستّمئة كيلو مترٍ في الساعة، ولدُمِّرَ كلُّ شيءٍ، {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا} .
مَن جعلها ممهَّدَة وهي متحرّكة؟ تبني البناءَ طوابقَ متعدّدةً، لو أنّها اهتزّتْ قليلاً لانهار البناءُ، وتهدَّمت البيوتُ، وتقطَّعَت الجسورُ، ولَرُدِمَت التُّرَعُ، مَن جعلها مستقرّةً؟ ولكي لا تبقى في غفلةٍ أيُّها الإنسانُ، جعلَ الزلازلَ أنموذجاً، بعضُها يجعلُ الأرضَ عاليَها سافلَها، في ثوانٍ معدودةٍ، فتُصبحُ المدنُ تحتَ أطباقِ الثَّرى، {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا} .
مَن جعلَ الأرضَ على مسارِها؟ مَن جعلها تزيدُ من سرعتِها إذا اقتربَتْ من القطرِ الأدنى؟ مَن جعلَ هذه الزّيادةَ تدريجيّةً؛ في تسارع منظّمٍ بطيءٍ، مَن جعلها كذلك؟ يدُ مَنْ أمسَكَتْها أنْ تزولَ؟ إنها يدُ اللهِ سبحانه وتعالى اللطيفِ الخبيرِ، قال تعالى:{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا} .
من أعطى الأرضَ الحرارةَ المناسبةَ؟ لو أنّها توقَّفت عن الدّوران لأصبَحَت حرارتُها ثلاثمئة وخمسين درجةً في النهار، ومئتين وسبعين درجةً تحت الصّفر في الليل! مَن جعلها في درجاتٍ معتدلةٍ تتوافق مع أجسامنا؟ مَن جَعل الليلَ والنهارَ بِطُولٍ يُساوي حاجاتِنا إلى النومِ والعملِ؟ مَن؟ {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا} .