الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنَ الحقائقِ المقطوعِ بها أنَّ في الكون مئةَ ألف مليون مجرةٍ عرفت حتى الآن، هذا العددُ في المنظورِ الحالي، مجرتُنا درْبُ التَّبَابنة إحدى هذه المجراتِ، وهي مجرةٌ متوسطةٌ، فيها مئةُ ألفِ مليون نجمٍ وكوكبٍ، طولُها مئةٌ وخمسون ألفَ سنةٍ ضوئيةٍ، عرضُها خمسةٌ وعشرون ألف سنة ضوئية، القمر بُعْدُه عنا ثانيةٌ ضوئيةٌ واحدةٌ، والشمسُ بُعْدُها ثماني دقائقَ، والمجموعةُ الشمسيةُ بُعْدُها ثلاثَ عشرةَ ساعةً، أمّا هذه المجرةُ درب التَّبَابنة فطولُها مئةٌ وخمسون ألفَ سنةٍ ضوئيةٍ، وعرْضُها خمسةٌ وعشرون ألفَ سنةٍ ضوئيةٍ، كم يقطع الضوءُ في السنة؟ يقطع عشرة ملْيون مليون كيلو متر، يعني ثلاثةَ عشرَ صفراً.
والمجموعةُ الشمسيةُ التي نحن فيها، طولُها ثلاثَ عشرةَ ساعةً ضوئيةً، وقد وجد الفلكيُّ الألمانيُّ (جوهان بوت) أنّ مسافاتِ الكواكبِ في المجموعةِ الشمسيةِ تخضعُ لتتابعٍ رياضيٍّ دقيقٍ وعجيبٍ، نَشَرَ ورقةً كَتَبَ عليها:(0) ، (3) ، (6) ، (12) ، (24) ، (48) ، (96) ، (192) ، كل رقمٍ ضعفُ الذي قَبْلَه، وأعطى عطاردَ أولَ رقمٍ (0) ، والزهرة (3) ، والأرض (6) ، والمريخ (12) ، وتوقف هنا، ثم أضاف رقم (4) إلى كل هذه الأرقامِ، ثم قَسَّمها على (10) ، فإذا الناتجُ هو بُعْدُ كلِّ كوكبٍ عن الشمسِ، هذا القانونُ ظَهَرَ في القرنِ التاسعِ عشرَ، وقامتْ حوله ضجةٌ كبيرةٌ، وعليه مأخذان، رقم (24) غيرُ موجودٍ، ولا يوجد نجمٌ في هذا المكانِ، ورقم (192) غير موجود، لا يوجد نجمٌ في ذاك المكانِ، واتُّهِم هذا القانونُ بأنه غيرُ صحيحٍ، ثم اكتُشِفَ في الرقم (24) أنّ هناك مجموعةَ كُوَيْكِبَاتٍ، وفي موقع (192) هناك كوكبُ أورانوس، فهذه المجموعةُ الشمسيةُ تخضعُ لقانونٍ دقيقٍ جداً، فكل نجمٍ رتَّبه بسلسلةٍ هندسيةٍ أو حسابيةٍ، وأضاف رقم (4) ، وقسم على (12) ، الناتجُ هو بُعْدُ كل كوكبٍ عن الشمسِ.
هذا الكونُ تبدُو فيه عظمةُ اللهِ عز وجل، وهو تجسيدٌ لأسماءِ اللهِ الحسنَى، قال تعالى:
{قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض} [يونس: 101] .
الشمس والأرض
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى".
يبدو من خلالِ هذا الحديثِ الشريفِ أنّ الذكرَ له شأنٌ كبيرٌ في حياةِ المؤمنِ، كيف لا وقد وَرَد الذكرُ في القرآنِ الكريمِ في أكثرَ من ثلاثمئة آيةٍ، تؤكِّدُ في مجموعها أنّ الذكرَ ينبغي أن يدورَ مع الإنسانِ، في كلّ شؤونِه، وأحوالِه، وأطوارِه، لأنّه عبادةُ القلبِ، والفكرِ، واللسانِ، فمِنَ الذكرِ أنْ تذكرَ اللهَ في آياتِه الكونيةِ، وفي آياتِه القرآنيةِ، وفي آياتِه التكوينيةِ، وأنْ تذكرَه من خلالِ نعمِه الظاهرةِ والباطنةِ، وأنْ تذكرَه في أمرِه ونهيِه، وأن تذكرَه لعبادهِ معرِّفاً به، وأنْ تذكرَه في قلبِك، وعلى لسانِك، مُسبِّحاً، وحامداً، وموحِّداً، ومُكبِّراً، وأنْ تذكرَ ربوبيتَه لك، فتدعوَه وحدَه في أحوالك كلّها، وأطوارِك جميعِها، وأنْ تذكرَه ذكراً كثيراً؛ ليطمئنّ قلبُك، ولينجليَ همُّك، ولينشرحَ صدرُك، وليتَّسعَ رزقُك، ولتنتصرَ على عدوّك.
فمِن الذكرِ التفكُّرُ في آياتِ اللهِ في الآفاقِ، وفي الأنفسِ، وهذا التفكُّرُ منْ أجلِ أنْ نعرفَ الله جلَّ وعلَا، وأنْ نُقَدِّره حقَّ قدْرِه، قال تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض واختلاف اليل والنهار لآيَاتٍ لأُوْلِي الألباب * الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السماوات والأرض رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190-191] .
فمِن هذه الآياتِ التي بثَّها اللهُ في الآفاقِ التجاذبُ الحركيُّ فيما بين الكواكبِ والنجومِ، قال تعالى:
{الله الذي رَفَعَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: 2] .
فكلمة (تَرَوْنَهَا) تفيد فيما تفيد أنّ اللهَ جلّ وعلا رفعَ السماواتِ بعمدٍ لا نراها، إنها قُوى التجاذبِ التي تنظِّمُ الكونَ كلّه، بدءاً من الذرَّةِ، وانتهاءً بالمجرَّة.
فالشمسُ مثلاً تجذِبُ إليها الأرضَ بقوةٍ هائلةٍ، إذْ تجري الأرضُ في مَسَار مُغلقٍ حولَ الشمسِ، ولو انعدم جذبُ الشمسِ للأرضِ لخرجت الأرضُ عن مسارِها حولَ الشمسِ، ولاندفعتْ في متاهاتِ الفضاءِ الكونيِّ، حيثُ الظلمةُ والتجمُّدُ، وبزوالِها عن مسارِها، أي بانحرافِها عنه، تزولُ الحياةُ فيها، إذ تصلُ درجةُ حرارتِها إلى مئتين وسبعين درجةً تحت الصفر، وهي درجةُ الصفرِ المُطلقِ التي تنعدمُ فيها حركةُ الذراتِ، قال تعالى:
{إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولَا} [فاطر: 41] .
ولكي ندركَ قوةَ جذبِ الشمسِ للأرضِ نفترضُ أنّ هذه القوةَ انعدمتْ لسببٍ أو لآخرَ، ومن أجلِ أنْ تبقى الأرضُ مرتبطةً بالشمسِ تجري في مسارٍ حولها، لا بدَّ من أنْ نربطَها إلى الشمس بأعمدةٍ مرئيةٍ من الفولاذِ، والفولاذُ من أمتنِ المعادنِ، ومن أعظمِها تحمّلاً لِقُوى الشدِّ، فالسلكُ الفولاذيّ الذي قطرُه ميليمتر واحد يتحمّلُ من قُوى الشدِّ ما يعادلُ مئةَ كيلو غرام، إننا بحاجة إلى مليون مليونِ حبلٍ فولاذيٍّ، طولُ كلِّ حبلٍ مئةٌ وستة وخمسون مليون كيلو متر، وقطرُ الحبلِ الواحدِ خمسةُ أمتارٍ، والحبلُ الواحدُ مِن هذه الحبالِ يتحمّلُ من قُوى الشدِّ ما يزيدُ على مليوني طنٍّ، فكم هي قوة جذبِ الشمسِ للأرضِ؟ إنها مليونا طنٍّ مضروبةً بمليونِ مليونٍ، ثم لو زرعْنا هذه الحبالَ على سطحِ الأرضِ المقابلِ للشمسِ لفوجئنا أننا أمامَ غابةٍ من الحبالِ الفولاذيةِ، حيث تقلُّ المسافةُ بين الحبلين عن قطرِ حبلٍ ثالثٍ، هذه الغابةُ مِنَ الحبالِ تحجبُ عنا أشعةَ الشمسِ، وتعيقُ كلَّ حركةٍ، وبناءٍ، ونشاطٍ، كل هذه القُوى الهائلةُ من أجلِ أنْ تحرفَ الأرضَ في مسارِها حول الشمسِ ثلاثةَ ميليمتراتٍ كلَّ ثانيةٍ، لقد صدق اللهُ العظيمُ إذ يقول:{الله الذي رَفَعَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} .